• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الدور الإيراني في أزمة البحرين

الدور الإيراني في أزمة البحرين

 

مـقـدمـة:

لا يمكن الحديث عن الدور الإيراني في أزمة البحرين الراهنة بمعزل عن العامل التاريخي؛ فما نلمسه اليوم من إشكالات في العلاقات البحرينية – الإيرانية، بل في مجمل العلاقة بين إيران وكل دول الخليج العربي؛ ليس إلا نتيجة لـ (عقدة تاريخية متأصلة) مدعومة بنزعة قومية شوفينية تعانيها إيران، وتلعب من ثم دوراً رئيساً في الاستراتيجية الإيرانية تجاه المنطقة عموماً، والبحرين خصوصاً.

يقوم هذا العامل التاريخي أساساً على (أوهام) إحياء الإمبراطورية الفارسية القديمة، حيث كانت إيران، ولعدة قرون متعاقبة أو منقطعة، أحد طرفي (النظام العالمي القديم) القائم على وجود قوتين متنافستين: الإمبراطورية الأخمينية في مواجهة الإغريق.. ثم الإمبراطورية البارثية في مواجهة روما.. ثم الإمبراطورية الساسانية في مواجهة الإمبراطورية البيزنطية.

هذا السجل التاريخي الحافل لهو مصدر فخر واعتزاز لدى الإيرانيين، ومحرك رئيس من (محركات السياسة الإيرانية في منطقة الخليج العربي).

هذا الحافز الثنائي (التاريخ + القومية)، تحول إلى حافز ثلاثي مع نجاح الثورة الإيرانية، فدخل البُعد الديني المذهبي كعامل ثالث، أو كمحرك ثالث للسياسة الإيرانية، لتصبح «المحركات الثلاثة الرئيسة للسياسة الإيرانية هي كالتالي»:

1- التاريخ: الماضي الإمبراطوري العميق والحافل.

2- القومية: العنصرية الفارسية المتعصبة.

3- العقيدة: الدين الشيعي الصفوي المناهض لمجمل عقائد الأمة.

عقدة التاريخ:

تتمسك إيران بـ (تاريخيتها) ولو على حساب انتمائها الإسلامي؛ فقد استمر النظام (الإسلامي) الجديد في «اعتماد الأشهر الإيرانية والأعياد القديمة التي ترتبط بالديانة الزرادشتية والأساطير المتعلقة بها حتى اليوم».

«أما ما يلفت النظر فهو إحياء إيران - الثورة الشيعية اليوم، للعادات الزرادشتية القديمة والتي تمثل طقوسها من خلال عيد النوروز (نوروز باللغة الفارسية معناها: يوم جديد، وهو اليوم الأول من السنة الفارسية الإيرانية، ويطلق عليه الفرس تسمية أخرى وهي عيد بهار، وأحد أهم أسباب ظهور هذا العيد هو أنه في هذا التاريخ انتصر زرادشت على الشيطان)».

ولا تزال بعض الطقوس المجوسية قائمة في إيران «مثل: إشعال النار، والقفز من فوقها، والدعاء بالقول يا نار خذي مَرَضي واصفراري وامنحيني نورك وبهاءك، وتعرف هذه الطقوس بـ (مرسم آتش أفروزي)، ومعناها: حفل إشعال النار».

وقد كان النظام الشاهنشاهي السابق يولي المسألة التاريخية، المقترنة بالديانة المجوسية؛ أهمية كبيرة، فقد أقام الشاه محمد رضا بهلوي (1919-1980م) في أكتوبر من عام 1971م، حفلاً عالمياً صاخباً تحت أطلال مدينة برسبوليس التاريخية في جنوب إيران، بمناسبة مرور 2500 سنة على الإمبراطورية الفارسية! وقد دعي للحفل معظم قادة وزعماء العالم.

وبما أن الفاتحين المسلمين بقيادة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم، الذين دكّوا قلاع المجوسية، وأنهوا وجود الإمبراطورية الفارسية؛ كانوا من العرب، فلذلك كان للعرب نصيب (معتبر) من الكراهية لدى غلاة الفرس ومتعصبيهم. وها هو الشاعر الشعوبي أبو القاسم الفردوسي (935-1020م) في ملحمته المسماة الشاهنامة، ينفث أحقاده ضد العرب فيقول مستهزئاً بهم: «الكلب يشرب الماء البارد في أصفهان، والعربي يأكل الجراد في الصحراء»! ويقول متحسراً على الفتح العربي الإسلامي لبلاد فارس: «بلغ الأمر بالعرب بعد شرب حليب الإبل وأكل الضب، أن يطلبوا تاج كسرى، فتباً لك يا زمان وسحقاً»! والنظام (الإسلامي) الحالي في إيران شديد التباهي بهذا الشعوبي الحاقد، شأنه شأن النظام (البهلوي) البائد!

إيران والخليج العربي:

من مظاهر العقدة التاريخية لدى الإيرانيين أنهم ينظرون إلى هذا التاريخ بعين واحدة! فالتاريخ يحدثنا أن إيران طوال تاريخها الطويل كانت إما مهيمنة على مَن حواليها، أو خاضعة لقوة أخرى من القوى التي حواليها! فقد خضعت إيران لشعوب أخرى في فترات زمنية مختلفة، كالإغريق والعرب والترك والأفغان والمغول، وهذا – من المفترض – أن يخفف من غلواء العقلية التاريخية الإيرانية التي تتذكر فقط الفترات التي كان فيها الفرس هم المسيطرون على غيرهم، وتتجاهل الفترات التي كان الفرس فيها يخضعون لغيرهم! وهكذا عقلية تلعب دوراً مهماً في تحديد العلاقة بين إيران والبحرين؛ فبمجرد أن البحرين خضعت للحكم الفارسي لسنوات معدودة، فمن ثم يجوز لإيران أن تطالب بالبحرين، وتذكّر المجتمع الدولي من حين لآخر بحقوقها التاريخية في هذه الدولة العربية الصغيرة! بل إنها ترفع من سقف المطالب فتنادي أحياناً بأحقيتها في كل الخليج العربي! وإذا كانت إيران في العهد البهلوي (1925-1979م) قد احتلت إمارة الأحواز العربية عام 1925م، ثم احتلت الجزر الإماراتية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في نوفمبر 1971م؛ فإن إيران في العهد الخميني (1979م – الآن) قد ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في مساندة أمريكا (الشيطان الأكبر) في احتلال العراق عام 2003م، بل قبل ذلك في احتلال أفغانستان عام 2001م. وقد صرح – متباهياً – محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية، بأنه «لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة».

تقوم السياسة الإيرانية المعاصرة تجاه منطقة الخليج العربي، خصوصاً البحرين، على إطلاق تصريحات مقصودة على لسان شخصيات رسمية وشبه رسمية تمثل القمة في إظهار (الروح الاستعمارية)، والتعالي القومي/ التاريخي/ المذهبي! وهذه بعض الأمثلة:

1- في عام 1980م، أي في بدايات الثورة الإيرانية، أطلق آية الله العظمى تصريحاته المشهورة عن البحرين مطالباً بضم البحرين باعتبارها جزءاً من إيران.

2- في يوليو 2007م كتب مدير تحرير صحيفة (كيهان) شبه الرسمية حسين شريعتمداري: «البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وإنها انفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه والولايات المتحدة وبريطانيا، وإن المطلب الأساسي للشعب البحريني حالياً هو إعادة هذه المحافظة التي تم فصلها عن إيران إلى الوطن الأم والأصلي».

3- في 27 يناير 2009م تحدث النائب داريوش قنبري أمام مجلس الشورى الإيراني وبحضور وزير الخارجية منوشهر متقي وأمام وسائل الإعلام العالمية، عن أن: «البحرين كانت حتى قبل 40 عاماً، جزءاً من الأراضي الإيرانية وانفصلت عن إيران عن طريق استفتاء مشبوه».

4- وفي فبراير 2009م ادّعى رئيس التفتيش العام في (مكتب قائد الثورة الإسلامية) في مدينة مشهد الإيرانية علي أكبر ناطق نوري، تبعية البحرين لإيران، واصفاً إياها (البحرين) بأنها كانت في الأساس المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة، وكان يمثلها نائب في مجلس الشورى الوطني.

5- وفي أبريل 2011م، رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية اللواء حسن فيروز آبادي لم يطالب بالبحرين فقط، بل بكامل الخليج العربي! فقد اعتبر «أن اسم وملكية وعائدية الخليج الفارسي هي للإيرانيين حسب الوثائق والمستندات التاريخية والقانونية».

6- وأما آية الله أحمد جنتي فقد دعا في يوليو 2011م إلى احتلال البحرين.

7- وفي مايو 2012م، صرح حسين علي شهرياري النائب في البرلمان الإيراني: «كما تعرفون فإن البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام 1971م، ولكن للأسف وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ الصيت لمجلس الشورى الوطني آنذاك، فإن البحرين انفصلت عن إيران». وأضاف: «إذا كان من المفترض حدوث أمر ما في البحرين، فإن البحرين من حق الجمهورية الإسلامية وإيران وليس السعودية».

8- وفي يونيو 2012م «قال السفير الإيراني السابق في باريس صادق خرازي في استفزاز جديد، إنه إذا كانت إيران تريد احتلال البحرين، فإن الأمر لن يستغرق بضع ساعات للسيطرة عليها باستخدام قوات الرد السريع الإيرانية.

ونقلت وكالة أنباء فارس عن خرازي قوله: إذا كانت المملكة العربية السعودية تريد الدخول في لعبة مختلفة، فمن المؤكد أنها ستكون هشة أمام الرد الإيراني».

9- وفي سبتمبر 2012م «خرجت إيران من دائرة (التلميح والمواربة) لتوجه تهديداً مباشراً بالتدخل عسكرياً في الكويت بحجة (حماية الشيعة في حال حدوث أي تدهور أمني) في البلاد، مؤكدة أن (فيلق بدر وفيلق القدس التابعين للحرس الثوري موجودان بالقرب من الحدود العراقية - الكويتية ولديهما من الاستعداد العسكري ما يكفي للتدخل خلال ساعات إلى مواقع متقدمة) في الكويت والدول المجاورة، بذريعة حماية (أهل البيت) في المنطقة.

وفي هذا السياق، كشف عضو لجنة شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني محمد كريم عابدي، أن اللجنة (درست واستمعت إلى تقارير عن الإجراءات المتخذة لحماية أهل البيت في الكويت في حال حدوث أي اختلال أمني هناك، ونحن نتابع الأوضاع خصوصاً مع ورود معلومات عن أصوات إرهابية تطالب بالانتقام من أهل البيت وتقوم بجمع وشراء السلاح).

وربط كريم عابدي في تصريح نقلته شبكة (خليج فارس) الإيرانية بين الكويت والبحرين بقوله إن «ما حدث من دخول جيوش من دول الخليج الفارسي (العربي) إلى البحرين لن يتكرر ولن نسمح بتكرار حدوثه في الكويت».

10- وفي سبتمبر 2012م «أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست أن الجزر الإماراتية الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، (كانت وما زالت جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية، وستظل كذلك إلى الأبد).

وقال: (نحن ننفي الادعاءات الوهمية لوزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال اجتماعهم الـ 124، والتي لا تستند إلى أدلة ولا أساس لها من الصحة، حول الجزر الإيرانية الثلاث).

11- وفي مايو 2012م «توعّد مساعد القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية العميد مسعود جزائري، دول الخليج التي تطالب باسترجاع الجزر الإماراتية المحتلة، كما هدد بإحراق الإمارات. وزعم جزائري أن هذه المطالبات (هي بمنزلة وقيعة من قبل الولايات المتحدة)، كما أكد أن (القوات المسلحة الإيرانية على استعداد تام للدفاع عن الأراضي الإيرانية، وسلامتها الإقليمية والمصالح الوطنية) على حد قوله. وحذر من أن أي حرب تقع بين إيران والإمارات ستحرق أولاً الإمارات قبل إحراق الجزر الثلاث».

ويبقى السؤال الكبير: لماذا هذه (العنترية) الإيرانية، وهذا التعالي، وهذه النفسية (الاستعمارية) تجاه دول الخليج العربي بالذات؟!

بالإضافة إلى المحركات الثلاثة المهمة: الوهم التاريخي المهيمن على العقلية الإيرانية، والتطلعات الاستعمارية العنصرية، ونهج تصدير الفكر الديني الصفوي المغلف بغلاف (نصرة المستضعفين)؛ فإن هناك عوامل ثلاثة مهمة لها أثر كبير في رسم خطوط السياسة الإيرانية تجاه حدودها الجنوبية.

العامل الأول: الوهن الخليجي

«تُعد إيران دولة مهمة في منطقة الشرق الأوسط، ودائماً ما تحاول مدّ نفوذها عبر أدوات القوة المختلفة باتجاه الدائرة الخليجية، باعتبار أن تلك الدائرة هي الحلقة الأضعف أو البطن الرخوة مقارنة بغيرها من المناطق الأخرى المحيطة بإيران، والتي تحدّ من طموحاتها التوسعية؛ كالكتلة التركية في الشمال الغربي، والكتلة الباكستانية والأفغانية في الشرق، والكتلة الروسية في الشمال، ومن ثم فالممر الأقرب لممارسة النفوذ الإيراني ذي النزعة التوسعية الشيعية - الفارسية، دائماً ما يقع باتجاه العراق ومنطقة الخليج العربي التي تعتبرها إيران بمنزلة المجال الحيوي الاستراتيجي لها».

ومن مظاهر هذا الوهن:

1- لا تزال الدول الخليجية الست، وبعد ثلاثة عقود من تأسيس مجلس التعاون الخليجي؛ تعيش حالة (التعاون)، دون أن تنتقل إلى المرحلة الأعلى وهي حالة (الاتحاد)، وقد نادى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في القمة الخليجية الأخيرة إلى العمل الحثيث من أجل الانتقال إلى مرحلة الاتحاد.

2- تنشب خلافات من حين لآخر بين بعض دول المنظومة الخليجية لأتفه الأسباب.

3- عدم وجود سياسات خارجية قائمة على أساس المصلحة المشتركة لكل دول المجلس؛ فعلاقات عُمان مع إيران، على سبيل المثال، أقوى من علاقاتها مع أي دولة خليجية أخرى!

ولكن في المقابل، فإن أكبر نجاح حققه التعاون الخليجي هو تشكيل قوات درع الجزيرة. وقد أدرك شعب البحرين مدى أهمية الدفاع الخليجي المشترك بعد دخول هذه القوات إلى البحرين عام 2011م. ولكن تظل هذه القوات بحاجة إلى مزيد من العناية لتستطيع مواجهة أي تهديد إيراني كبير.

العامل الثاني: الفراغ العربي

إن الغياب الكامل للجامعة العربية، وغياب أو انعدام منظومة دفاعية عربية مشتركة؛ يشكل عاملاً ثانياً (مغرياً) لإيران بالتحرك لملء الفراغ.

إذ إن الجامعة العربية «لم تنجح في استعادة شبر واحد من الأرض العربية المحتلة من الخليج إلى المحيط (فلسطين، الجزر العربية الثلاث في الخليج، الأحواز، سبتة ومليلية... إلخ)، ولم تنجح في رأب الصدع العربي الذي هو في زيادة يوماً بعد يوم، ولم تقم بالدور المنشود لها في الأزمات التي واجهت الوطن العربي الكبير، وقد كان دورها ثانوياً جداً خلال حروب الخليج الثلاث، وفي قضية الصحراء الغربية، وكذا في الأزمات التي تعصف بالسودان اليوم، وبان حجمها (الهزيل جداً)، ودورها المعدوم أو شبه المعدوم عالمياً وعربياً؛ من خلال القضيتين الخطيرتين اللتين واجهتا العرب مع بدايات الألفية الجديدة: احتلال دولتين عربيتين عضوين في الجامعة العربية (العراق والصومال). وقد كشفت هاتان الأزمتان أن هذا الجسم الضخم (الجامعة العربية) والذي يضم 22 دولة بما يشمل مئات الملايين من البشر ونحو 15 مليون كيلومتر مربع من الأراضي التي تمتد في قارتين.. أقول بات واضحاً أن هذا الجسم الضخم المترهل عاجز ليس فقط عن مواجهة أمريكا، بل حتى عن مواجهة دول أخرى من دول العالم الثالث كإيران وإثيوبيا».

العامل الثالث: تعانق المشروعين الأمريكي والإيراني:

«يقترن البُعد الإيراني المصلحي في الاستراتيجية المعاصرة بالوجود الأمريكي ونفوذه في المنطقة، فمعلوم أن للنظام الإيراني وجهين سياسيين في تعامله مع القضايا الملحّة: وجه للثورة (=المرشد الأعلى) وآخر للسياسة (= الرئيس)، التي تخضع للأولى حتماً، فسياسة إيران الخارجية تتسم بالبراجماتية، في حين تتسم سياستها الداخلية بالتزمت والتخشّب المفصلي، إلى درجة تدعو للاستغراب».

«إن بوادر اقتسام السلطة الفعلية - سياسياً وعسكرياً - في الخليج العربي بين الأمريكان والإيرانيين؛ بادية، وهي فرصة ذهبية - بل تاريخية – لا يسع للإيرانيين تضييعها، فقد بسطت ذراعيها على شمالها الغربي (العراق)، وهي متغلغلة تماماً في الشرق (أفغانستان)، فهي عملياً مشروع قوة إقليمية كبرى لا يستطيع أن يتجاهلها أحد، حتى الأمريكان ذاتهم.

كل التعنت والتهديد الفارسي باستخدام أوراقها النووية والإقليمية (في الشام والعراق ومصر والخليج واليمن)؛ كان رداً على تجاهل الإدارة الأمريكية للمساومات الإيرانية منذ عام 2001م، وللعرض السري الذي تقدمت به إيران بعيد سقوط النظام العراقي (2003م)، مقابل الخدمات (الجليلة) التي أدّتها لأمريكا في احتلال أفغانستان والعراق..».

فبعد (التعانق الحميم) في أفغانستان والعراق، جاءت أحداث البحرين في فبراير 2011م لتكشف وجهاً آخر من وجوه التفاهم بين المشروعين.

إيران وشيعة البحرين:

يشكل الشيعة في البحرين نحو نصف السكان، ووجودهم قديم منذ أيام الدولة القرمطية (286-469هـ/ 899-1076م)، ثم الدولة العيونية (469-642هـ/ 1076-1244م)، وكان شيعة المنطقة يعتنقون العقيدة الإسماعيلية، ثم تحولوا تدريجياً إلى العقيدة الاثني عشرية.

وقد بدأت علاقات شيعة البحرين بإيران تأخذ طابعاً (خاصاً)، وفي جميع المجالات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، مع قيام الدولة الصفوية (901-1135هـ/ 1501-1722م). وبعد سقوط الدولة الصفوية سياسياً وعسكرياً، ظل النهج العقائدي الصفوي هو المهيمن، وأصبحت إيران بالنسبة للشيعة في البحرين، بل في كل مكان يتواجد فيه الشيعة، بمنزلة (الدولة الأم) التي تمثل الشيعة وسط محيط شاسع من دول (العامّة)، وهو التعبير المستخدم في أدبيات الشيعة لوصف أهل السنة.

ارتبط شيعة البحرين بعلاقات متميزة مع إيران على الصعد كافة:

- فإيران هي (مع العراق) قبلة طلبة العلم الشيعة الذين يتوجهون إلى الحوزات العلمية الشهيرة في قم والنجف وكربلاء للحصول على الدرجات والرتب العلمية المعروفة لدى الشيعة.

- وإيران هي (مع العراق) مقر الآيات العظام، أو مراجع التقليد الذين يُقلّدون من قبَل الشيعة في مختلف دول العالم.

- كما تميز المجتمع الشيعي في البحرين بقوة الروابط الاجتماعية مع شيعة إيران، عن طريق الزواج بالإيرانيات، وهذه الظاهرة شائعة جداً لدى الشيعة البحرينيين، سواء كانوا من سكان المدن أو من الأرياف.

شيعة البحرين قبل الثورة الإيرانية:

لم تكن العلاقات السياسية لشيعة البحرين مع إيران (وبتعبير أدق: الولاء السياسي لإيران)؛ قد وصلت إلى درجة تشكل معها ظاهرة خطيرة على أمن الوطن، باستثناء أقلية شيعية من ذوي الأصول الإيرانية، ولأسباب قومية وليس دينية؛ فالحركات المعارضة السرية في خمسينيات وستينيات القرن الميلادي العشرين كانت كلها تقريباً ذات ميول يسارية أو قومية، وكان الشيعة منخرطين فيها إلى جانب السنّة، والشاه محمد رضا بهلوي كان عدواً تقليدياً لليسار وموالياً مخلصاً للغرب.

في مارس عام 1970م، وقبيل استقلال البحرين عن بريطانيا، وتصاعد المطالبات الإيرانية بضم البحرين إليها؛ أرسلت الأمم المتحدة، وبموافقة من حكومات البحرين وبريطانيا وإيران، وفداً للاطلاع على رغبة الشعب البحريني حول: هل يريد الاستقلال أم الانضمام لإيران؟ وكان اختيار الأغلبية الساحقة لشعب البحرين، بمن فيهم الشيعة، هو الاستقلال.

وهذه الواقعة، اختيار الشيعة للاستقلال وليس الانضمام لإيران؛ أصبحت شعاراً يرفعه شيعة البحرين دائماً لإثبات وطنيتهم.. لكن هذه (الوطنية) ذابت تماماً في جسد (الوليّ الفقيه) بعد قيام الحكم الإسلامي (الشيعي) في طهران عام 1979م.

ولكن، لماذا اختار الشيعة الاستقلال عام 1970م؟!

أولاً: كان نظام الشاه نظاماً علمانياً قاسياً لا دور للمعممين فيه إلا بالقدر الذي يسمح به الشاه لإضفاء الشرعية على حكمه، وكان لا يتوانى إذا دعت الضرورة إلى التعامل مع رجال الدين الشيعة بالسجن والنفي والتضييق، كما فعل مع الخميني نفسه.

ثانياً: كان الشاه على علاقة وثيقة بالطائفة البهائية التي هي امتداد للحركة البابية، وهي بدورها تمثل حالة انشقاق وتحريف للعقيدة المهدوية عند الشيعة؛ لذلك، فالعداء متأصل بين المتدينين الشيعة وبين هذه الطائفة. وقد كان رئيس وزراء إيران أمير عباس هويدا (1965-1977م)، أشهر من تولى منصب رئيس الوزراء في إيران في فترة ما قبل الثورة؛ بهائياً.

ومن ثم: لم يكن قرار شيعة البحرين هو الابتعاد عن (إيران الشيعية) بقدر ما كان ابتعاداً عن (دولة الشاه العلمانية البهائية).

شيعة البحرين بعد الثورة الإيرانية:

بعد نجاح ثورة الخميني، انقلبت الأوضاع رأساً على عقب في البحرين، وخرج الشيعة في تظاهرات مؤيدة للحكم الجديد، وأرسل الشيعة وفوداً شعبية و(علمائية) لتقديم التهنئة للحكام الجدد. لقد أصبح للشيعة في المنطقة دولة، ووجد شيعة البحرين أن الفرصة قد لاحت لإسقاط الحكم (السنّي).

قام الشيعة على مدى ثلاثة عقود بثلاث محاولات انقلابية للوصول إلى الحكم:

الأولى: في بداية الثمانينيات، وكان التيار الشيرازي هو المسؤول عن هذه المحاولة، وقد كانت محاولة ساذجة لقلب الأوضاع في البلد عن طريق إدخال أسلحة ومتدربين (تدربوا في معسكرات خاصة في إيران). وكان المنظّر الرئيسي للمحاولة هو السيد هادي المدرّسي. وقد تمكنت السلطة من ضرب المخططين للمحاولة، وتم اعتقال وسجن العشرات في ديسمبر عام 1981م، ولجأ مئات آخرين من شباب الشيعة إلى الخارج.

الثانية: في أواسط التسعينيات (1994-1996)، حيث قاد هذه المحاولة هذه المرة الفرع البحريني لحزب الدعوة، وقادة هذا الحزب هم الذين شكلوا فيما بعد (جمعية الوفاق)، أكبر الجمعيات السياسية الشيعية. اعتمدت هذه المحاولة على إحداث البلبلة والفوضى وإشعال الحرائق، لتحفيز الشيعة على القيام بثورة شاملة، محاكاة لثورة الخميني. وقد تمكنت السلطة من إخماد هذه المحاولة.

الثالثة: وهي التي بدأت يوم 14 فبراير 2011م في محاولة واضحة لمحاكاة ثورات الربيع العربي. وكان العامل الرئيس في فشل هذه المحاولة تصدي النصف الآخر من الشعب (السنّة) لهذه المحاولة ذات البعد الطائفي الواضح، ثم دخول قوات درع الجزيرة للبحرين في مارس 2011م.

التأثير الإيراني:

«بمجرد إعلان الثورة وعودة الخميني على طائرة خاصة إلى طهران، تغيرت الدنيا ولم تعد البحرين كما كانت... وسارت مظاهرات التأييد، وأضيفت صور الخميني إلى صور الشيرازي والخوئي التي ملأت كل مكان».

كانت المحاولة الانقلابية الأولى في بداية الثمانينيات إيرانية بامتياز، خطط لها ونفذها آل الشيرازي وآل المدرّسي، وكلهم إيرانيون، بدعم تام من الولي الفقيه الإيراني.

بعد فشل سيناريو الدعم العسكري المباشر، كثفت إيران جهودها الداعمة لإحداث تغيير لصالحها في البحرين، وذلك على الصعيدين السياسي والإعلامي، كما ظهر ذلك واضحاً خلال أحداث التسعينيات، ثم أحداث فبراير 2011م، والمستمرة إلى هذه اللحظة.

 وصل الدعم الإيراني إلى درجة أن تجرأ الإعلام الإيراني فزوّر في خطاب الرئيس الدكتور محمد مرسي في كلمته في مؤتمر عدم الانحياز في طهران نهاية أغسطس 2012م، ليستبدل كلمة (سورية) بـ (البحرين) في ثلاثة مواضع! هذا التزوير كان في الترجمة الموجهة إلى الشعب الإيراني المسكين. بالفعل، أصبحت البحرين تمثل عقدة كبرى لدى النظام الإيراني.

إن الصلة الحميمية بين إيران وشيعة البحرين وصلت إلى حدّ (الوحدة الاندماجية) على الصعيدين الديني والنفسي. وتمكن تيار ولاية الفقيه الموالي لخامنئي من إحكام سيطرته على المجتمع الشيعي.

** ويقود ما يسمى ثورة البحرين اليوم - آية الله عيسى قاسم - وهو وكيل المرجع الإيراني في البحرين وأعلى رأس يمثل مرجعية الولي الفقيه في البحرين.

في خطبة الجمعة، خطب السيد حيدر الستري، النائب في البرلمان البحريني عن جمعية (الوفاق) الشيعية، فقال: «رأينا في عصرنا كيف حققت الجمهورية الإسلامية في إيران المعجزات، وانتصرت على دول العالم الكبرى مجتمعة.. انتصرت الجمهورية الإسلامية في نشأتها إبان الحرب التي أشعلها النظام البعثي البائد في العراق.. حققت انتصارها مؤخراً بعد عملية انتخابات تاريخية بفضل مخزون القوة الذي تمتلكه قيادة الولي الفقيه، والتفاف المؤمنين حولها».

ويقول عبد الوهاب حسين، زعيم (تيار الوفاء الإسلامي) الشيعي: «تيار الوفاء الإسلامي يؤمن بولاية الفقيه حتى النخاع، ويلتزم بها عملياً».

 ** لقد وصل النفوذ والتأثير الإيراني في شيعة البحرين إلى درجة الذوبان التام! حتى إنه عندما أصدرت جمعية (الوفاق) وبعض جمعيات فلول اليسار ما عرف بـ (وثيقة المنامة)، في أكتوبر من عام 2011م؛ لم تجرؤ (الوفاق) على ذكر اسم (الخليج العربي)، بل ذكرت (الخليج) فقط دون صفة العروبة!

كما قاد عيسى قاسم تزامناً مع ما حدث في طهران، مسيرة تندد بالوحدة الخليجية، متحجّجاً بأن الشعوب الخليجية لم تستفتَ في هذه الوحدة! والحقيقة أن ملالي طهران يجهدون لمنع خطر هذه الوحدة على الشيعة حسب ما يزعمون!!

فكل شيء يهون إلا (زعل) الولي الفقيه و(المؤمنين) من حوله في طهران وقم.

** إيران تنخر كيان الأمة ( ملف خاص )

:: مجلة البيان العدد 307 ربيع الأول 1434هـ، فبراير 2013م.

 

أعلى