• - الموافق2024/04/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أيها الإسلاميون...! ماذا تريدون؟

أيها الإسلاميون...! ماذا تريدون؟


الثورات في عالمنا العربي هي من نوعية الأحداث التي تظل تداعياتها تتراكم لفترة زمنية طويلة، ويصبح من الضروري بذل جهود متواصلة لحصر هذه التداعيات واستيعابها والتعامل معها.

من أبرز التداعيات في مجال العمل الإسلامي، أن الثورات تسببت في تحول كمٍّ هائل من الأدبيات والرؤى الفكرية والسياسية والتنظيمية إلى ركام بلا فائدة في الوقت الحاضر، بعضها فقد قيمته كليّاً، وبعضها لم يعد مناسباً للمرحلة الحالية؛ لأن هذه الأدبيات صِيغت ووُضِعت للتعامل مع واقع أنظمة حكم قمعية طاغوتية، بينما الأجواء الحالية، هي مناخات حرة منفتحة، تتنامى فيها الطموحات الإسلامية إلى مستوى الانفراد بالحكم.

وهنا يمكن ملاحظة عدة سلبيات ناجمة عن عدم مواءمة الأدبيات القديمة مع الواقع الجديد، من أهمها:

استمرار الممارسات التربوية والعملية والتنظيمية في دائرة «القديم» دون أن تُحدِث مواكبة حقيقية أو تحديث شامل يتناسب مع التطورات الثورية، وهذه الوضعية من شأنها أن تتحول إلى مصنع لإنتاج المشكلات والأزمات، بسبب التصادم بين المضامين التربوية والتعليمية وبين الممارسات الواقعية.

بعض معطيات الأدبيات القديمة لا تزال فاعلة في اتخاذ قرارات مصيرية، والملمح الأكثر خطورة لهذه السلبية: أن التموجات بدأت في الظهور داخل التيار الواحد انعكاساً طبيعياً لازدواجية (القديم - الجديد)؛ فيمكن بسهولة ملاحظة «مجموعة» تنطلق في أدائها وقراراتها من «الرؤى القديمة»، بينما «مجموعة» أخرى داخل التيار تتبنَّى «رؤى تجديدية»، ولا يمكن بالطبع أن نصنف «الرؤى التجديدية» - لمجرد اتصافها بالـ «جدة» - على أنها رؤى صائبة ومنضبطة بالمنهج الشرعي، فهذا المجال منزلق في اتجاهين: الجمود، والتفلت.

الارتباك في المجالات الإدارية الثلاث للعمل الإسلامي (الوجود، القوة، الهدف). وهذه السلبية سيتم التركيز عليها بصفة أساسية.

تتوزع طاقة العمل الإسلامي في ثلاثة اتجاهات:

أولها: الوجود: وذلك بالسعي للحفاظ على الكيان الإسلامي قائماً، أيّاً كان (جماعةً، تنظيماً، جمعيةً، تياراً ... إلخ)، ووضع الإستراتيجيات للإبقاء على هذا الوجود الإسلامي في مواجهة خطط الإقصاء والإزالة.

ثانيها: القوة: وهي مرتبة تالية؛ حيث تسعى الحركة الإسلامية إلى تحصيل موارد القوة بمختلف مجالاتها وصورها؛ سواء كانت قوة سياسية، أم دينية، أم اجتماعية، أم اقتصادية.

ثالثها: الهدف: وهي مرتبة متداخلة مع سابقتيها؛ حيث توجد ثلاث مجموعات من الأهداف: أولها يتعلق بالحفاظ على الوجود، ثم بتحصيل موارد القوة، ثم بتحقيق الأهداف الرئيسية للحركة الإسلامية، والمتعلقة بإقامة الدين وتطبيق الشريعة وتأسيس الحكم الإسلامي.

والمطلوب أن تنطلق الحركة من «وجودها» مستغلة «موارد القوة» المتاحة لديها لتحقيق «الأهداف الرئيسية» المتمثلة في مجموعة الأهداف الثالثة.

كانت القوى الإسلامية تحت واقع الأنظمة القمعية تركز على «إدارة الوجود» بصفة أساسية، بينما تتعثر في «إدارة القوة»، وتتأخر في «إدارة الهدف».

بعد الثورات، لم تعد القوى الإسلامية قلقة على «الوجود» وانهمكت في سباق محموم لتحصيل «موارد القوة» بينما بدت الصورة ضبابية في ما يتعلق بـــ «الأهداف».

أحد أسباب «ضبابية الأهداف»، هو التداخل (أو التضارب) بين الأدبيات القديمة والخطاب الجديد من ناحية، والتضارب بين الثابت من هذه الأدبيات القديمة، وبين الممارسة العملية - السياسية بالدرجة الأولى - من ناحية أخرى.

وبمعنى آخر، فإن عوارض التناقض ظهرت في الخطاب والممارسة (الإسلامية) في مرحلة ما بعد الثورات.

وفي ما يلي مثال لكل حالة من حالتي التناقض:

الأولى: التناقض بين الأدبيات والخطاب:

فالأدبيات تتحدث عن دولة إسلامية، وربما عن خلافة، أو حتى عن حكم إسلامي تطبَّق فيه الشريعة كاملة، بينما الآن في خضم الواقع المتـلاطم، حدثت فجوة لدى بعض الإسلاميين - وتحدث لدى آخرين - بين ما هو مدون وبين الخطاب السياسي.

ففي بعض دول الثورات - تونس مثلاً - يصبح الحديث عن هدف التطبيق الكامل للشريعة مثار لغط كبير لمجرد النص على ذلك في الدستور، وحتى مع دمج النص المخفف: «مبادئ الشريعة مصدر رئيسي للتشريع»، فإن المستوى الذي يمكن أن يصله تفعيل هذا النص في الحياة العامة يكتنفه الغموض لدرجة كبيرة.

كما أن الأهداف السياسية للحزب الإسلامي غير واضحة، ويصعب أن نجيب بدقة عن سؤال: ماذا يريد الإسلاميون؟

هل همُّ (حزب النهضة) أن يسعى لإقامة الدين والحكم الإسلامي؟ أم أنه يسعى لإثبات جدارة الإسلاميين بإدارة الحكم دون أن يكون هذا الحكم نفسه منطلقاً من الإسلام بالضرورة؟ وبفرض أن النتيجة جاءت مبهرة وناجحة؛ فكيف يمكن أن نربط بين نجاح الإسلام وبين نجاح الإسلاميين بدون الإسلام أو بجرعة مخففة من الإسلام؟

المنطقي في الأمر أن نجاح الإسلاميين في تقديم نموذج إيجابي للحكم بدون تطبيقٍ كاملٍ للإسلام {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، هو في نفسه إثبات لإمكانية التقدم والترقي بدون تطبيق الإسلام بالصورة الكاملة التي نشأت الحركات الإسلامية من أجلها أساساً.

إن هذه الفجوة أكبر من أن يتم استيعابها (أو تسويغها) بمفاهيم التدرج أو المداراة أو غيرها، فنحن نتحدث عن مسارات زمنية ربما تستغرق عقوداً، وهي مدة زمنية كافية لكي تختلط الأوراق وتتداخل الأهداف المرحلية والمقدمات المنهجية.

بل إن مجرد التصريح (أو عدمه) بالأهداف المباشرة والحقيقية للعمل الإسلامي لا تزال إشكالية مكتنَفَة بالغموض، ما بين «إخفاء» - وكأن الإسلاميين لهم ظاهر وباطن -و «تبرؤ» ينطوي على تخفُّف من عبء ثقيل.

لقد حضرتُ مؤتمراً إسلامياً قبل أشهر تحدَّث فيه أحد الرموز الإسلامية المعروفة فذكر في حديثه كلمات عن الدولة الإسلامية العظمى، وإقامة الحكم الإسلامي، وطموح الإسلاميين الكبير في هذا الصدد، فانزعج كثير من الحاضرين - وكلهم إسلاميون - خشية من أن تتسبب كلمات الشيخ في تضخيم ظاهرة التخويف من الإسلاميين! وهذا يعني أنه لدينا مشكلة في اتجاهين:

أولهما: أننا نفترض أن أعدائنا يقدِّرون مواقفنا مكتفين بكلماتنا الآنية دون الأدبيات المعروفة.

والثاني: أن البعض لو انبرى داعياً لتغيير وتعديل هذه الأدبيات والأهداف لِتتواءم مع الخطاب المعلَن لَتَعرَّض لهجوم شديد.

إذن ما الذي يجب أن نفعله في بيئة منفتحة إعلامية من الصعب أن تختبئ فيها الأفكار؟ هل نتخلص من مسوغات وجودنا - كحركات إسلامية - بتخلينا عن الأهداف الكبرى؟ أم نروِّج لأهداف مرحلية ونتعرض كل فترة لمن يسلط الضوء الإعلامي على تناقض الخطاب والأدبيات؟ أم نعيد صياغة هذه الأهداف بما يُبرز انسجامها مع الهوية والتوجه الشعبي وبما يدفع عنا تهمة التناقض؟

وفي المقال القادم بإذن الله سيتم مناقشة التناقض بين الثوابت الإسلامية كما تعرضها أدبيات الحركة الإسلامية، وبين الممارسات العملية، وما ينتج عن ذلك من تداعيات، وما هي الإستراتيجية المثلى لتجاوز هذه التناقضات والتداخلات كلها.

:: مجلة البيان - العدد 297 شهر جمادى الأولى 1433هـ


أعلى