• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تقليم الأظافر من سنن الفطرة لا السياسة

تقليم الأظافر من سنن الفطرة لا السياسة

 

يعجز الإسلاميون حتى الآن عن بلوغ حالة من «التجرد السياسي» من كل المؤثرات والخلفيات التاريخية، ومن كونهم تيارات مغضوباً عليها من القوى السياسية العلمانية داخلياً والقوى الإقليمية والدولية خارجياً؛ لذلك تصدر كثير من مواقفهم وقراراتهم عن «حالة ضعف متوهَّمة»؛ وكأنهم «عاملين حاجة غلط»، أو يخشون من ضياع الفرصة من بين أيديهم.

 من أبرز مظاهر هذه الحالة (في مصر) ذلك الود المبالَغ فيه من قِبَل الإسلاميين تجاه المجلس العسكري الحاكم، الذي قيل فيه أبيات من الشعر ولا يزال، وهذا خطأ كبير في عالم السياسة؛ لأن المجلس ليس خيراً محضاً وكذلك ليس شراً محضاً، بل هو يجمع بين هذا وذاك، له ما له وعليه ما عليه، وفي النهاية هو قوة سياسية حاكمة في مصر تعمل انطلاقاً من توازنات معقدة تغيب فيها المفاهيم القيمية إلى حد كبير؛ ليس لرغبة قياداته بالضرورة، ولكن لأن هذه هي طبيعة المرحلة، ولأن هذه هي موروثات النظام البائد وتوازنات الوضعين (الإقليمي والدولي).

إن تقليم الأظفار من سنن الفطرة المؤكدة، ولكن السُّنة في السياسة إطالتها؛ فلا بد من إشهار المخالب بين الحين والآخر، ومن يفقد مخالبه لن يلتفت إليه أحد؛ فالأيدي الناعمة لا يجب أن تكون حالة مُطْلَقة، بل يتحتم أحياناً العضُّ على النواجذ وإبراز المخالب والتلويح بموارد القوة؛ لأنه لا فرق بين من يمتلك القوة ثم لا يستخدمها أو يلوح بها، وبين من لا يملكها أصلاً. كما أن القوة الحاكمة - من التحكيم وليس الحكم - تميل مع الوقت (والضغط) إلى إرضاء الطرف الأضعف المشاغِب، على حساب الطرف الأقوى الطيب، ولو في بعض القضايا الجزئية التي يمكن أن يكون لها وَقْع سلبي على التيارات الإسلامية.

وفي بعض المواقف قد يحتاج المجلس العسكري إلى أن يُظهِر الإسلاميون قوَّتهم من أجل توظيف ذلك في احتواء وتهدئة المشاغبين وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح؛ لكنَّ الذي حدث طيلة الأشهر الماضية كان فاصلاً متواصلاً من الغزل السياسي والثناء المستمر على المجلس، المصحوب - عجباً - بنفي أي تنسيق بينه وبين الإسلاميين.

وفي كثير من الأحيان يكون الإعلانُ عن قرارات سياسية مثل: تشكيل لجان، أو تعيين أشخاص في مناصب عليا، أو إصدار قوانين محلِّ جدل... إلخ، هدفه اختبار الرأي العام ومواقف القوى السياسية؛ فإذا كانت هناك معارضة قوية يتم التراجع، وإلا يمضي القرار في طريقه.

كذلك من الممكن أن تلجأ الجهة الحاكمة إلى تكوين جُمَل سياسية بهدف موازنة الضغوط، فتقوم بإبداء استجابة أولية لمطالب أحد الأطراف من أجل إتاحة الفرصة أمام القوى الأخرى الأكثر وجوداً لكي تبدي معارضتها الشديدة على ذلك، ومن ثَمَّ تضطر القوة الحاكمة تحت تأثير هذه المعارضة إلى تعطيل الاستجابة لتلك المطالب.

إنه من المحتمَل جداً أن تُعلِن القوة الحاكمة عن اتخاذ قرارات سياسية لا ترضى هي عنها، ولكنها تضطر إلى المضي قُدُماً في هذا المسار من أجل إعادة ترتيب القوى الضاغطة حسب قوَّتها الحقيقية في الشارع من خلال تجربةٍ عمليةٍ واقعيةٍ، ولعل الاستفتاء على التعديلات الدستورية يصلح أن يكون مثالاً على ذلك؛ فتطورات الأحداث الحالية تثبت أن الهدف الأول منه كان حصول المجلس العسكري على دعم شعبي.

وقد أكسبت نتيجة الاستفتاء كلاّ من المجلس العسكري والتيارات الإسلامية قوة وحصانة مؤقتة، لم تلبث أن تراجعت مع ضغوط القوى العَلمانية التي سعت لمحو مكاسب الاستفتاء والادِّعاء بأن الرأي العام ليس بالضرورة مصطفّاً مع المجلس أو الإسلاميين؛ وذلك مؤداه: أن التيارات الإسلامية تحتاج إلى تنفيذ استعراض جديد للقوة لإعادة الأمور إلى نصابها الأول، وستظل هذه التبادلية قائمة حتى تستقر الأوضاع بإجراء الانتخابات لاختيار المؤسسات الثلاث الكبرى (البرلمان، والحكومة، والرئاسة).

هذه الظاهرة «تقليم الأظفار» لا يمارسها الإسلاميون في مصر فقط، بل هي موجودة في عدد من الدول العربية؛ حيث تمارِس بعض التيارات عملية «تشذيبٍ» دوريٍّ لمخالبها فتفقد قوَّتها وتأثيرها، وهناك عدة صور تتجلى من خلالها هذه الظاهرة من قِبَل الإسلاميين، نذكر أهمها باختصار:

تقديم التنازلات قبل المساومة عليها، أو دون مساومة مطلقاً.

الخلط بين الدورين (الدعوي والسياسي)، دون تمييز بين ما يجب أن يكون عليه الأول من ثبات ووضوح، وما يجب أن يتسم به الثاني من مرونة وقدرة على المناورة.

إغفال القيام باستعراضات محدودة للقوة تدفع الخصوم إلى إعادة حساباتهم بناء على تقديرات قوة الإسلاميين.

الوقوع في تناقض بين تضخم العمل وتشعُّبه وتعقده واتساع نطاقه من ناحية، وبين ضآلة الأهداف وغموضها في بعض الأحيان من ناحية أخرى.

إن التيارات الإسلامية بشهادة الأعداء قبل الخصوم، تُعَد حالياً هي القوى السياسية والاجتماعية الأكثر تأثيراً في العالم العربي، وينبغي أن تتصرف هذه التيارات على هذا الأساس، وأن تتخلص من رِبْقة «الضعف المتوهَّـم»؛ ولا يعني ذلك التهورَ أو الاندفاعَ دونما حساب أو حكمة؛ ولكن ما أقصده هو السعي لتفعيل موارد القوة الإسلامية، وإعادة صياغة معادلات توازن جديدة؛ فمن المحزن أن يضخِّم الآخرون إمكاناتهم وقدراتهم فيكسبون مواقعاً لا يستحقونها، بينما يربض الإسلاميون في مكانهم ما بين تحفُّظ وتردُّد يَقرُضون أظفارهم حتى تضيع منهم الفرصة تلو الفرصة.

 

أعلى