• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
(أصول وقواعد منهجية) المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية 2-2

المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية 2-2


الرئيسية - أصول وقواعد منهجية

 

المطالبة بتصحيح النقل:

بسبب ما تبيَّن من جهل الرافضة وضلالهم وكذبهم: كان ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في حال الحجاج والمناظرة،والردِّ على افتراءات ابن المطهر الرافضي، يُطالبه دائماً بالنقل الصحيح الذي يعتمد عليه، تحقيقاً لقول الله - عزَّ وجلَّ -: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١]، وهو بهذا يرسم منهجاً علمياً يعصم من الجهل والانحراف.

قال ابن تيمية: «مَن احتجَّ في مسألة فرعية بحديث فلا بدَّ له أن يُسنده، فكيف في مسائل أصول الدين؟! وإلا فمجَّرد قول القائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس حجَّة باتفاق أهل العلم، ولو كان حجَّة لكان كلُّ حديث قال فيه واحد من أهل السُّنَّة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حجَّة، ونحن نقنع في هذا الباب بأن يروى الحديث بإسناد معروفين بالصدق من أيِّ طائفة كانوا.

لكن إذا لم يكن الحديث له إسناد، فهذا الناقل له، وإن كان لم يكذبه بل نقله من كتاب غيره، فذلك الناقل لم يعرف عمَّن نقله، ومن المعروف كثرة الكذب في هذا الباب وغيره، فكيف يجوز لأحد أن يشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يُعرف إسناده..؟!»[1].

وبعد أن نقل الرافضي خطبة لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من كتاب (نهج البلاغة)، قال ابن تيمية: «أين إسناد هذا النقل، بحيث ينقله ثقة عن ثقة متصلاً إليه؟! وهذا لا يوجد قط، وإنما يوجد مثل هذا في كتاب (نهج البلاغة) وأمثاله، وأهل العلم يعلمون أنَّ أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على عليّ، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم، ولا لها إسناد معروف، فهذا الذي نقلها من أين نقلها؟!...

ونحن في هذا المقام ليس علينا أن نبيِّن أنَّ هذا كذبٌ، بل يكفينا المطالبة بصحة النقل، فإنَّ الله لم يوجب على الخلق أن يُصدِّقوا بما لم يقم دليل على صدقه، بل هذا ممتنع بالاتفاق، خاصة على القول بامتناع تكليف ما لا يُطاق، فإن هذا من أعظم تكليف ما لا يُطاق، فكيف يمكن لإنسان أن يثبت ادعاء عليّ للخلافة بمثل حكاية ذكرت عنه في أثناء المائة الرابعة، لما كثر الكذابون عليه، وصار لهم دولة تقبل منهم ما يقولون، سواء أكان صدقاً أم كذباً، وليس عندهم من يُطالبهم بصحة النقل؟!. وهذا الجواب عمدتنا في نفس الأمر، وفيما بيننا وبين الله تعالى»[2].

وقال أيضاً: «لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع، لم تقم الحجَّة على المناظرة إلا بحديث يُعلم أنَّه مسند إسناداً تقوم به الحجَّة، أو يُصححه من يُرجع إليه من ذلك، فأمَّا إذا لم يُعلم إسناده، ولم يثبته أئمة النقل، فمن أين يُعلم؟ خاصة في مسائل الأصول التي يُبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها، ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة، فكيف يُقبل في مثل ذلك حديث لا يُعرف إسناده، ولا يثبته أئمة النقل، ولا يُعرف أنَّ عالماً صححه؟!»[3].

وفي موضع آخر لـمَّا زعم الرافضي: «أنَّ إبليس كان أعبد الملائكة وأنَّه كان يحمل العرش وحده ستة آلاف سنة..».

قال ابن تيمية ردَّاً عليه: «هذا الأمر إنَّما يُعلم بالنقل الصادق، وليس في القرآن شيء من ذلك، ولا في ذلك خبر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يحتج بمثل هذا في أصول الدين إلا مَن هو مِن أعظم الجاهلين..؟!».

ثم قال: «مَن الذي قال هذا من علماء الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين؟ فضلاً عن أن يكون هذا متفقاً عليه بين العلماء؟ وهذا شيء لم يقله قط عالم يُقبل قوله من علماء المسلمين، وهو أمر لا يُعرف إلا بالنقل، ولا ينقل هذا أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، فإذا كان قاله بعض الوعَّاظ أو المصنِّفين في الرقائق، أو بعض من ينقل في التفسير من الإسرائيليات ما لا إسناد له، فمثل هذا لا يُحتجُّ به في جُرْزة بقل[4]، فكيف يحتجُّ به في جعل إبليس خيراً من كلِّ من عصى الله من بني آدم، ويجعل الصحابة من هؤلاء الذين إبليس خير منهم..؟!»[ 5].

وقال في موضع آخر: «.. ما تذكره في هذه الغزوة وغيرها من الغزوات من المنقولات لا بدَّ من إسناده أولاً، وإلا فلو أراد إنسان أن يحتجَّ بنقل لا يُعرف إسناده في جُرْزة بقل: لم يُقبل منه، فكيف يحتجُّ به في مسائل الأصول..؟!»[ 6].

وقال أيضاً: «المتكلِّم والمفسِّـــر والمؤرِّخ ونحوهم، لو ادعى أحدهم نقلاً مجرداً بلا إسناد ثابت لم يُعتمد عليه، فكيف إذا ادَّعى إجماعاً؟!»[7].

وقال أيضاً: «وقولنا في هذا الكذب القبيح وأمثاله: المطالبة بالصحة، ليس بشك منَّا في أنَّ هذا وأمثاله من أسمج الكذب وأقبحه، لكن على طريق التنزُّل في المناظرة، وأنَّ هذا لو لم يعلم أنَّه كذب لم يجُز أن يحتجَّ به حتى يثبت صدقه، فإن الاستدلال بما لا تُعلم صحته لا يجوز بالاتفاق، فإنَّه قول بلا علم، وهو حرام بالكتاب والسُّنَّة والإجماع»[8].

وفي موضع آخر استدل ابن المطهر الرافضي بحديث موضوع، فردَّ عليه شيخ الإسلام بقوله: «هذا الحديث لم يروه أحد من أهل العلم، ولا يَعرف له إسناداً، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث، ولكن ذكره على عادته في روايته أحاديث مسيَّبة بلا زمام ولا خطام!.

ومن المعلوم أن المنقولات لا يميز بين صدقها وكذبها إلا بالطرق الدَّالة على ذلك، وإلا فدعوى النقل المجرَّد بمنزلة سائر الدعاوى»[9].

وقد يسَّر الله لي - بفضله - تتبع ردَّ ابن تيمية - رحمه الله تعالى - على ابن المطهر الرافضي، فوجدته يُطالبه بصحة النقل في أكثر من مئة موضع[10]، وهذا يدلُّ على اهتمام بالغ جدَّاً بالتأصيل الشرعي للاستدلال، لأن: «الجهل بالأدلَّة، أو بالنظر فيها، يورث الجهل»[11].

إنَّ هذا المنهج العلمي في تصحيح النقل والعناية بالدليل من خصائص أهل السنة التي تميزوا بها عن سائر المبتدعة وأهل الأهواء، وهو من أعظم الأسباب التي ترسخ اليقين والاطمئنان بدينهم، وهذا يؤكد ضرورة العناية بتنقيح كتب الإسلام في العلوم المختلفة من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والروايات التي ليس لها أسانيد ثابتة.

رابعاً: استدلالهم بالنصوص للاعتضاد لا للاعتماد:

مع كلِّ المفاسد الآنفة الذكر إلا أنَّهم عند استدلالهم بالنصوص الشرعية، فإنِّهم لا يستدلون بها تعظيماً لها ووقوفاً عند حدودها، بل يُقرِّرون ما يُريدون ثم يستدلون بالنصوص لتوافق رأيهم، وهذا المنهج في غاية الخطورة والانحراف، فهم بذلك يجعلون النَّص الشرعي تابعاً للهوى، فهو المقدِّم وعليه المعتمد، وإذا جاء النص مخالفاً لأهوائهم ردُّوه أو حرَّفوه.

قال ابن تيمية في معرض حديثه عن اضطراب الرافضة: «فَعُلمَ أنَّ القوم يتكلمون بحسب ما يرونه ناصراً لقولهم، لا يعتمدون على حق يعلمونه، ولا يعرفون حقَّاً يقصدون نصره»[12].

وقال ابن تيمية: «وأهل البدع سلكوا طريقاً آخر ابتدعوها اعتمدوا عليها، ولا يذكرون الحديث - بل ولا القرآن - في أصولهم إلا للاعتضاد لا للاعتماد، والرافضة أقلّ معرفة وعناية بهذا، إذ كانوا لا ينظرون في الإسناد، ولا في سائر الأدلَّة الشرعية والعقلية: هل توافق ذلك أو تخالفه؟ ولهذا لا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة قط، بل كل إسناد متصل لهم، فلا بدَّ أن يكون فيه من هو معروف بالكذب أو كثرة الغلط»[13].

وقال في موضع آخر مقارناً بين منهج أهل السُّنَّة، ومنهج المبتدعة: «وأمَّا أهل الحديث والسُّنَّة والجماعة: فقد اختَصُّوا باتباعهم للكتاب والسُّنَّة الثابتة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم في الأصول والفروع، وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف الخوارج والمعتزلة والروافض ومن وافقهم في بعض أقوالهم، فإنَّهم لا يتبعون الأحاديث التي رواها الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم التي يعلم أهل الحديث صحتها، فالمعتزلة يقولون هذه أخبار آحاد، وأمَّا الرافضة: فيطعنون في الصحابة ونقلهم، وباطن أمرهم الطعن في الرسالة، والخوارج يقول قائلهم: اعدل يا محمد فإنَّك لم تعدل، فيُجوِّزون على النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه يظلم»[14].

خامساً: اتباعهم للمتشابه والنصوص المجملة:

ذكر ابن تيمية أنَّ الرافضة لغلبة الأهواء عليهم: يستدلُّون بالمتشابه والنصوص المجملة، ليكون ذلك سبيلاً إلى التلبيس والإفساد، كما قال الله - تعالى -: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ} [آل عمران: ٧].

قال ابن تيمية: «وهم لا يعتمدون في أدلتهم إلا على أحد ثلاثة أشياء:

إما: نقل كاذب.

وإما: دلالة مجملة مشبهة.

وإما: قياس فاسد.

وهذا حال كل من احتجَّ بحجة فاسدة نسبها إلى الشريعة، فإن عمدته: إما نص وإما قياس، والنص يحتاج إلى صحة الإسناد ودلالة المتن، فلا بدَّ أن يكون النص ثابتاً عن الرسول، ولا بدَّ أن يكون دالاً على المطلوب»[15].

وقال أيضاً: «وهؤلاء الرافضة الذين يدفعون الحقَّ المعلوم يقيناً بطرق كثيرة علماً لا يقبل النقيض بشبه في غاية الضعف، هم من أعظم الطوائف الذين في قلوبهم الزيغ، الذين يتبعون المتشابه ويدعون المحكم، كالنصارى والجهمية وأمثالهم من أهل البدع والأهواء، الذين يدعون النصوص الصحيحة الصريحة التي توجب العلم، ويعارضونها بشُبَه لا تفيد إلا الشك، لو تعرض لم تثبت، وهذا في المنقولات سفسطة كالسفسطة في العقليات، وهو القدح فيما علم بالحبس والعقل بشبهة تعارض ذلك[16].

نتائج هذا المنهج:

بسبب هذا المنهج المنحرف عند الرافضة كان ابن المطهر الحلي يذكر عجائب كثيرة في كتابه (منهاج الكرامة)، ويستدل بأحاديث عديدة ظاهرة السقوط والبطلان، دون أن يكون له في ذلك سند أو برهان.

قال ابن تيمية: «.. كما وضعت الروافض ما هو أعظم وأكثر من هذا الكذب، ولو لم يكن إلا ما ذكره هذا الإمامي في مصنَّفه هذا من الأحاديث، فإنَّ فيها من الكذب الذي أجمع أهل العلم بالحديث على كذبه، ومن الكذب الذي لا يخفى أنَّه كذب إلا على مفرط في الجهل، ما قد ذكره في: منهاج الندامة»[17].

وكان من نتيجة تلك الصفات الخمس أنَّ الرافضة تبنوا آراء في غاية الجهل والفساد شرعاً وعقلاً، فإنَّه: «كلُّ من كان عن السُّنَّة أبعد، كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر، وليس في الطوائف المنتسبين إلى السُّنَّة أبعد عن آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرافضة؛ فلهذا تجد فيما انفردوا به عن الجماعة أقوالاً في غاية الفساد، مثل تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب مضاهاة لليهود، وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بتعجيل المغرب، ومثل صومهم قبل الناس بيومين، وفطرهم قبل الناس بيومين، مضاهاة لمبتدعة أهل الكتاب الذين عدلوا عن الصوم بالهلال إلى الاجتماع، وجعلوا الصوم بالحساب... ومثل تحريمهم بعض أنواع السمك، مضاهاة لليهود في تحريم الطيبات...

ومفاريد الرافضة التي تدلُّ على غاية الجهل والضلال كثيرة لم نقصد ذكرها هنا. لكن المقصود أنَّ كل طائفة سوى أهل السُّنَّة والحديث المتبعين لآثار النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق، والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم»[18].

المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية 1-2

المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية 2-2

 


[1] (4/286/287).

[2] (7/86 - 87).

[3] (7/302).

[4] قال المحقق: في لسان العرب: «الـجُرْزة: الحزمة من القتِّ ونحوه».

[5] (4/509 - 510).

[6] (8/110).

[7] (7/14).

[8] (7/167 -  168).

[9] (4/45).

[10] انظــــر علــى سبيــــل المثـــال: (1/111) و (4/444) و (6/159 و 163 و 173 و  249 و276 و288 و 318 و 350 و 355) و (7/10و 15 و 52 و 60 و 86  و89 و 59 و 112 و130 و133 و136 و 139 و 144 و 146) و (8/41 و 107 و 110 و 116 و 120 و 123 و 127 و 199 و 291..) وغيرها

[11] (6/156).

[12] (3/276).

[13] (7/37)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية أيضاً: «المتفلسفة والمتكلمون الذين يُجادلون بشبهات القرآن مع أنَّهم في الحقيقة منسلخون من آيات الله، وإنَّما احتجاجهم به دفعاً للخصم، لا اهتداءً به واعتماداً عليه، ولهذا قال: (جدل منافق بالقرآن)، فإنَّ السُّنَّة والإجماع تدفع شبهته»، مجموع الفتاوى (10/355).

[14] (3/463).

[15] (7/419).

[16] (7/464)، وانظر: (7/128).

[17] (2/635 - 636).

[18] (5/173 - 177).

أعلى