مسلمو الهند بين مطرقة الفقر وسندان الاضطهاد

مسلمو الهند بين مطرقة الفقر وسندان الاضطهاد

  منذ فجر التاريخ بدأ التدافع بين الحق وأهله والباطل وحزبه، ولا يزال الأمر كذلك منذ أن وُجد الإنسان على هذه الأرض وفي هذه الحياة، والصراع بين هابيل وقابيل دائم مستمر يتكرر من حين إلى آخر، والجميع يدرك بل يلامس حيثيات هذا الصراع حتى أولئك الماديون والملاحدة يؤمنون بوجوده ويختلفون في تفسيره وماهيته؛ فالبعض مثل "ماركس" يرى بأنه صراع بين الطبقات، والبعض الآخر مثل "هنتنغتون" يرى بأنه صراع بين الحضارات، أما "داروين" فيفسر حركة التاريخ بأنها صراع من أجل البقاء.

غير أن المتتبع لآيات القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف لا يعجزه أن يقفَ على حقيقة مفادها أن هذا الصراع يجري وفق سنة كونية أقام الله عليها هذه الحياة، وأن الحياة لا يمكن أن يسودها الخير المطلق، بحيث تخلو من الشر، وبالمقابل لا يمكن أن تعاني من الشر المطلق بحيث لا يكون فيها قائم بالحق.

وتسمى سنة التدافع، والآيات التي تؤكد هذه الحقيقة كثيرة، منها قوله تعالى: {كذلك يضرب الله الحق والباطل} (الرعد:17)، وقوله سبحانه: {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق} (الإسراء:56)، وقوله عز وجل: {ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم} (محمد:3)، فهذه الآيات - وغيرها ليس بالقليل - تبين حقيقة مسار التاريخ، وأنه صراع بين الحق والباطل، وتصارع بين الخير والشر. والقرآن الذي نزل على محمد يسمى بـ (الفرقان) وذلك لِما فيه من فارق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، ولما فيه من تفرقة بين نهج السماء ونهج الأرض، وبين تشريع البشر وتشريع رب البشر. 

لذلك لا نستغرب إن رأينا وحوشاً ضارية في أشكال بشر تتمرد على كل القوانين وتنهش في جسد الإنسانية وتهتك ستر التعايش وتحول الحياة إلى مأتم وتُعلِّب الأحزان وتوزعها على الضعفاء والمساكين.

ففي بلد يعد ثاني أكبر بلد في العالم من حيث عددُ السكان بعد الصين. وطبقاً لتقديرات عام 2001م فقد بلغ عدد سكانها أكثر من مليار وتسعة وعشرين مليون نسمة، والأول من حيث التعددُ في الأعراق واللغات والديانات. بلد الفلاسفة والرواة والحُواة... بلد الأساطير والخرافات التي تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل... إنها الهند، ففي الوقت التي تظهر فيه الأصابع المحترفة المتلاعبة بحركات الأفاعي الراقصة في هذا البلد، تظهر فيه أيضاً الأيادي والأصابع التي تتلاعب بحياة الناس وتعبث بأرواحهم؛ ففي الهند يتشكل نموذجاً عملياً لعالم معاصر يحكمه منطق القوة والقهر وتُأله فيه المصلحة. هذه البلدة دخلها الإسلام قديماً بمنهج يضبط إيقاع الحياة المليئة بالأساطير والأوهام ويحررها من الظلم والجور، حمل المسلمون إلى الهند قوارب النجاة ومشاعل النور.

وكانت بداية الحملات الدعوية والفتوحات الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم اختفت بعهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وذلك بسبب انشغال المسلمين بقتال الفرس وبقضاياهم الداخلية ثم عادت وكانت أكثر الحملات تنظيما إبان الحكم الأموي سنة 92هـ، على يد القائد المسلم محمد بن القاسم الثقفي.

وكانت إمبراطورية المغول المسلمين في الهند آخر دولة حكمت الهند، ودام سلطانها نحو ثلاثة قرون، منذ أن أسسها ظهير الدين بابر في النصف الأول من القرن العاشر الهجري.

ثم ضعفت شوكة المسلمين في رفع تلك المشاعل، ووهنت سواعدهم، وخارت قواهم؛ وكانت النتيجة الحتمية (عودة الظلام وتراجع الخطوات)، ورغم الضعف والوهن إلا أن الإسلام ظل نوره مشعاً في الهند؛ حيث يقدر عدد المسلمين في الهند بحوالي 200 مليون مسلم، أي حوالي 15% من سكان الهند.

 ولا شك أن تكالب الأمم وتداعيها سيلفح مسلمي الهند بشيء من الألم والمعاناة، كما هو حال إخوانهم في بورما وكشمير من قبل والشيشان والعراق وغيرهما.

هذا هو حال الأمة الإسلامية الآن، وللمسلمين في الهند نصيب سيئ، وهو ما جعلهم يقبعون بين مطرقة الفقر وسندان الاضطهاد، ولا شك أن الفقر والاضطهاد خطران كبيران يهددان المسلمين في الهند ولا يقل أحدهما خطورة عن الآخر ولا شك في أن ثمة علاقةً بينهما؛ تتمثل في طبيعة توجه الحكومات التي تنعكس على أوضاع المسلمين، والناتج أيضاً عن تحالف الديانات السماوية المحرفة والمعتقدات والطوائف الخرافية والمعادية للإسلام.

لذلك يقول الخبراء - كما جاء في صحيفة (الرياض) في 24/8/2007م -: إن المسلمين في الهند يشعرون بمشاكل (الهوية والأمن والمساواة)؛ حيث إن المسلمين يحملون عبء الوسم بعدم الوطنية. وعن معاناة المسلمين بعد مرور ستة عقود على الاستقلال، يرى البعض أن وراء ذلك لا مبالاة الدولة التي لم تحرص على توفير المساواة في الصحة والتعليم والتوظيف. وهذا بدوره ساهم في تفاقم مشكلة الفقر لدى مسلمي الهند، والفقر قد قرنه الرسول صلى الله وسلم بالكفر فقال: "كاد الفقر أن يكون كفراً" (ضعفه الألباني).

 وفي ظل ممارسات حكومات الهند الخاطئة وإدارة ظهرها لمسلمي الهند وواقع أمة الإسلام وضعف الروابط الأخوية، يعيش مسلمو الهند مرحلة عصيبة من شظف العيش فقد نقلت شبكة رسول عن دراسة هندية حديثة صدرت نهاية نوفمبر 2011 عن مركز غالوب أبو ظبي تحت عنوان "المسلمون في الهند يثقون في الديمقراطية رغم التحديات الاقتصادية والتعليمية" بالإضافة إلى دراسات تمثل مواطنين محليين تم إجرائها في عامي 2010 – 2011م، ضمت 9518 هندياً من بينهم 1197 هندياً مسلماً، كشفت أن الهنود المسلمين غالباً ما يتم تصنيفُهم على أنهم فقراء.

وعن الوضع المادي لمسلمي الهند، كشفت الدراسة أن الهنود المسلمين يعتبرون أكثر شعوراً بالحرمان الاقتصادي وعدم الرضا من بقية الجماعات الدينية الأخرى وغالباً ما يعيشون تحت خط الفقر، مشيرة إلى أن 65% من المسلمين أكدوا أن مستوى معيشتهم ظل كما هو أو يزداد سوءاً.

وأشارت الدراسة إلى أن 47% من المسلمين أكدوا أنهم يجدون صعوبة في العيش، بينما قال 23% منهم إنه مرت عليهم أوقاتٌ في السنوات الماضية لم يملكوا فيها من المال ما يكفي لشراء الطعام الذي احتاجوه هم أو أسرهم·

لا يكاد يوجد خلاف حول حقيقة كون المسلمين الهنود اليوم، هم أقل تعليماً وأفقر وأقصر عمراً وأقل تمتعاً بالضمانات، وأقل صحة من نظرائهم غير المسلمين «هندوس وبوذيين ونصارى»، حسب ما نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» في 1/9/2006م.

هذا جانب من المعاناة التي يعيشها المسلمون في الهند. أما الجانب الآخر وهو جانب الاضطهاد فإن الرسالة المعادية للمسلمين واضحة منذ زمن رغم التعتيم الإعلامي وعدم تسليط الضوء عليها.

وهي بطبيعة الحال كما ذكرنا في المقدمة تأتي وَفق سنة التدافع والصراع بين الحق والباطل، وكل ما يحدث من اضطهاد للمسلمين في أي بلد يعود إلى طبيعة العلاقة بين المتطرفين - سواء أكانوا بوذيين أم هندوس أم غيرهم - وبين الأحزاب الحاكمة في البلد.

ففي ولاية جوجارات التي كان رئيسها (نارندرا مودي) الذي يشغل اليوم منصب رئيس الوزراء وهو زعيم بارز في حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف، جاء في تقرير مسلمو الهند.. المنقذون المضطهدون أن شبكة تلفزيونية عرضت تسجيلاً سرياً أجراه مراسل مجلة (تيهيكا)، يكشف أن رئيس الولاية (نارندرا مودي) منح الهندوس الضوء الأخضر لشن هجوم على المسلمين.

وأكدت التسجيلات أن مودي قال: إنه سيفجر مناطق المسلمين في مدينة أحمد آباد، ونقلت عن (هاريش بات) - من الجماعات الهندوسية التي تنتمي للحزب - قوله "إنه (مودي) أعطانا ثلاثة أيام للقيام بكل ما نستطيع، ولن يعطينا وقتاً آخر، لقد قال ذلك علناً".

وبعد نحو 6 سنوات من المذابح التي ارتكبت بحقهم، لا يزال ضحايا اعتداءات الهندوس على المسلمين في ولاية جوجارات الهندية، ينتظرون يد "العدالة" كي تنصفهم، بعد أن أدت الهجمات التي شنها الهندوس بدعم حكومي إلى مقتل 2500 مسلم، واغتصاب 400 مسلمة. وذكر مركز أمان الحقوقي الأردني في يوليو 2007م أن الوفد الهندي الذي يزور مكتب منظمة العفو الدولية في واشنطن الأمريكية قال: "إنه من المؤسف أنه وبعد 6 سنوات من المذابح التي جرت بحق المسلمين في جوجارات، لا يزال مرتكبو الجرائم خارج يد العدالة".

وأضاف التقرير آنف الذكر أنه في يوم 28 فبراير 2002م قامت مجموعة من الهندوس بإحراق 18 مسلماً أحياء في مدينة أحمد آباد عاصمة ولاية (جوجارات) غرب الهند، وذلك وسط تصاعد التوترات بين الهندوس والمسلمين.

وقال (بي.سي. باندي) المسؤول في الشرطة الهندية لوكالة الأنباء الفرنسية: "إن الحادث وقع في حي شامنبورا بالمدينة الذي تقيم فيه غالبية مسلمة"، وتوقع ارتفاع حصيلة الضحايا. وفي اليوم التالي شن المتطرفون الهندوس هجوماً على مسلمي ولاية جوجارات، وأحرقوا ثلاثين مسلماً وهم أحياء. وكانت حصيلة الضحايا المسلمين حوالي 2500 مسلم، وتشريد أكثر من مائة ألف معظمهم من المسلمين.

 وقد أشارت جريدة الإندبندنت البريطانية إلى تورط الحزب الحاكم في الهند في تسهيل قتل ما يقارب 1000 مسلم خلال شهر أكتوبر 2014م.

ولم تتوقف سلسلة الاضطهاد عند القتل والتهجير والتهميش والإقصاء لينال حتى المقدسات الدينية؛ فلا تزال حادثة هدم مسجد بابري في مدينة أيوديا على مرأى ومسمع العالم أجمع عالقة في أذهان المسلمين.

وكيف يكون ذلك غريباً والأحزاب السياسية الحاكمة تنتهج العداء الطائفي والتمييز العرقي فقد نقلت شبكة الألوكة خبراً مترجماً من الهندية مفاده أن "سوبرامانيان سوامي" القيادي في حزب "بهارتيا جانتا" الحاكم في الهند خلال الأيام الماضية حرَّض في مؤتمر رسمي الهندوس على هدْم المساجد، وقال: إن المسجد ليس مكاناً مقدَّساً، ولكنه مَبنى يُمكن هدْمه في أي وقتٍ.

أخيراً:

نخلص إلى أن هناك اتفاقات معلنة أو غير معلنة لجعل الإسلام عدواً مشتركاً، وهذا ما يفسر لنا حالة الصفاء التي تعيشها مختلف ديانات العالم مع بعضها بعضاً كاليهودية والنصرانية والبوذية والهندوسية. لهذا لا تتعجب إن رأيت تقلصاً في عدد المشاحنات الطائفية بين اليهودية أو النصرانية، أو بين النصرانية أو البوذية أو الهندوسية... وهكذا، فالأمر راجع في الأساس إلى وجود عدو مشترك يشغل الجميع، ويجعلهم يقدمونه على أية مشاحنات أخرى، ويجعل الصراع معه أعظم وأجلَّ عندهم من أي صراع آخر وهذا يجسد لنا ما ذكرناه في مقدمة الحديث عن سبب العداء وهو قول الله - سبحانه وتعالى -: }ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ{ (محمد: 3).

 ملف الاقليات

 

أعلى