شهوة أم فيروس؟!

شهوة أم فيروس؟!






مررت به وهو متوقف في الطريق يصلح دراجته، ولما وقفت عنده، وعرضت عليه المساعدة، شكرني وأخبرني أن المسألة بسيطة، فهو يريد فقط نزع الفرامل الأمامية، حاولت أن أثنيه عن ذلك، وتحدثت له عن أهميتها في إيقاف الدراجة عند المنعطفات، أو حال تزايد السرعة، لكنه خلعَها بثقة ولم يلتفت لقولي، وأخذ يتمتم سأصلحها لاحقاً، يبدو أن بها مشكلة، من غير أن أفعل ذلك لن أتقدم وسأبقى في مكاني.

الآن عرفت السبب الذي جعلك تعطلها بشكل مؤقت، فالفرامل إذا لاصقت عجلة الدراجة حد التشابك معها منعتها من العمل، وكذلك النقد يمثل فرامل الحياة؛ فهو الذي يمنعنا من الانزلاق في مسيرتنا، ويمثل رافعة للجهد المبذول، ويسعى للارتقاء به نحو الأجود الأحسن، أما إذا لم ينتبه النقاد إلى مراعاة المسافات بين الفرامل والعجل، فإنهم سيلتفون حول عجلة العمل حتى يوقفوا سيرها، هذا إذا سمحوا لها بالانطلاق ابتداءً.

إن بعض الذين يرفضون غلو الجامدين على القديم، وقعوا في مرٍض لا يقل خطره عن الداء الذي قاموا لتغييره، فقد بدأوا ينقدون ما يحتاج إلى نقد، ثم عاشت نفوسهم نشوة تضخم الأنا، حتى تسرطنت عقولهم، وأصبحوا يشاغبون في كل ميدان، ويثيروا شبهات؛ لخلخلة اليقينيات القطعية غير القابلة للتشكيك والريب، فبات النقد شهوة خفية في نفوسهم، وإدماناً يصعب فطامهم عنه، وإذا أتيح لهم ميدان العمل قليل منهم يعملون، وأكثرهم ولوا مدبرين، فظهر إفلاسهم بجلاء، وفعلوا ما كانوا يعتبرونه منقصة، لكن بلاغتهم لم تسعفهم في صياغة أعذارهم بالطريقة التي كان يصيغها من أداموا مخالفته ونقده.

لمَّا حاور إبراهيم عليه السلام ربه سبحانه قال: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}، فهذا المطلب في ظاهره دعوة إلى التشكيك في كل شيء وهكذا يستخدمه البعض، ويستدل به على الحاجة إلى برهان على كل صغيرة وكبيرة، لكن المتأمل في قوله يجده يستعلم عن الكيفية، ومن باب الاطمئنان القلبي، وليس بباعث الشك والريب، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وضح لنا المساحة التي ينبغي ألا نجاوزها في التفكير، فقال فيما يرويه عنه ابن عمر رضي الله: "تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله"، وإن الحباب بن المنذر رضي الله عنه يوم جاء النبيَ صلى الله عليه وسلم في بدر، قدم بين يدي إبداء ملاحظته على المكان الذي تم اختياره للمعركة، فقال: "أهو منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟، فلما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنه الحرب والمكيدة أظهر ملاحظته، وقدم اقتراحه الذي عمل به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.

إن النقد الصحي الفاعل البناء ضروريٌ، شريطة ألا يتحول إلى جدل عقيم، فالجدل يضل عن الحق في الدنيا، ويحبط الأجر في الآخرة، وقد حذرنا القرآن الكريم من نقض الغزل من بعد قوته واشتداده، وقد تكفل النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في وسط الجنة لتارك المراء والجدال وهو على حق، فإن كنت مصيباً دعك من الجدل، فبأي ذريعة تجادل وأنت مجانب للصواب؟!

أعلى