• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اليهود أثرياء العالم

اليهود أثرياء العالم


بقلم: تاني غولدشتاين - مدار للدراسات الإستراتيجية


يقال أن 25% من أصحاب المليارات في الولايات المتحدة هم من اليهود الذين يشكلون 1.8% من السكان و نسبتهم في وول ستريت ومؤسسات الحكم وهوليوود أعلى بكثير من نسبتهم بين السكان، وكذلك فإنهم يسيطرون على غالبية وسائل الإعلام والصحف المركزية في الولايات المتحدة الأمريكية فهم الرافد الأساس للتبرعات (لإسرائيل) وضغوطهم تحقق الدعم الأميركي للحكومة الإسرائيلية ، و السؤال الذي يقلق أوساطاً في (إسرائيل): هل ستتوقف التبرعات؟

 أثار رئيس الكونغرس اليهودي العالمي "رون لاودر" من نيويورك، في الآونة الأخيرة، عاصفة كبيرة حين دعا (إسرائيل) للشروع فوراً بمفاوضات مع الفلسطينيين، وهذه التصريحات تم اعتبارها على أنها انتقاد لصديقه الشخصي، رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو"، وقد أوضح "لاودر" بعد ذلك أنه "مؤيد بشكل قاطع لسياسة "نتنياهو".

 وأفرزت تصريحات "لاودر" عناوين في وسائل الإعلام، وأثارت ردود فعل متحمسة وغاضبة، وليس فقط بسبب المكانة الهامة التي يحتلها، وإنما أيضاً لأن الحديث يجري عن ثري جداً، إذ تقدر مجلة فوربس ثروته بحوالي 2.7 مليار دولار، وتمتلك عائلته شبكة مصانع "إيستي لاودر"، وهو واحد من جامعي الفنون الكبار في العالم، وله أسهم في عشرات قنوات التلفزة ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة والعالم، بما في ذلك 25% من أسهم القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، وهو متبرع لعدد لا يحصى من المنظمات والأطر والشخصيات اليهودية والإسرائيلية، بمن فيها نتنياهو.

 يهود في كل مراكز القوة والمال!

"لاودر" ليس اليهودي الأميركي الوحيد الذي يُدخل أموالاً إلى (إسرائيل)، وبشكل عام يؤثر أيضاً على الدولة، وإسرائيليون متقدمون في السن حصلوا ذات مرة على رزمة من "العم الثري في أميركا"، وآلاف التنظيمات، بما في ذلك مستشفيات وجامعات، حصلت على تبرعات من الولايات المتحدة بمليارات الشيكلات، فقد وجد بحث أعدّ في الجامعة العبرية في القدس أن ثلثي التبرعات في إسرائيل تصل من هناك.

 كما أن كل (مهاجر) إلى (إسرائيل) يحصل على مساعدة من الوكالة اليهودية، التي غالبية ميزانيتها تصل من تبرعات من الولايات المتحدة الأميركية، وكثير منا يسكنون على أراض تابعة للكيرن كييمت التي تديرها بأموال تبرعات يهودية أمريكية.

 وطالب معهد ديني من الحريديم يحصل من حكومة (إسرائيل) على ألف شيكل شهرياً، وكذلك على ثلاثة آلاف شيكل من متبرعين حريديم أميركان، وكل هذا لا يشمل المساعدة الأميركية الفيدرالية، التي قسم كبير منها تموله الضرائب التي منها ما يدفعه اليهود.

تدعي الموسوعة اليهودية أن في الولايات المتحدة يعيش اليوم 5.6 مليون يهودي، وهذا لا يشمل نصف مليون إسرائيلي، وهم يشكلون 1.8% من السكان في الولايات المتحدة، وغالبية اليهود تعيش في مدن الشاطئ الكبرى والثرية: ميامي ولوس أنجلوس وفيلادلفيا وبوسطن وبالأساس نيويورك.

 ووجد بحث لمعهد "بيو فوروم" نشر في العام 2008 أن اليهود هم المجموعة الدينية الأغنى في الولايات المتحدة، فلدى 46% منهم مدخولات سنوية بأكثر من 100 ألف دولار، مقابل نسبة 19% لدى مجمل الأميركان، ووجد استطلاع لمعهد غالوب نشر في شهر كانون الثاني من العام الجاري، أن 70% من اليهود في الولايات المتحدة يعيشون في مستوى معيشة عال، مقابل 60% لدى مجمل الأميركان.

 أكثر من 100 شخص من أصل 400 شخص من أصحاب مليارات الدولارات في الولايات المتحدة هم من اليهود، وهذا بحسب القائمة التي نشرتها مجلة فوربس، كذلك فإن ستة من أصل أكبر 20 صندوق ائتمان في الولايات المتحدة هي بملكية يهود، ومؤسس غوغل سيرغي براين، هو ابن لرجل يهودي، ومؤسس الفيسبوك مارك تسوكربيرغ هو يهودي، ومثله نائبه ديفيد فيشر، وهو أيضا نجل محافظ بنك (إسرائيل) المركزي ستانلي فيشر، وأيضاً رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي "بنشالوم بيرنانكي" هو يهودي، مثل سابقه "إيلان غرينسبان". إن اليهود ممثلون في وول ستريت بنسبة أكبر بكثير من نسبتهم من مجمل المواطنين، وكذا الأمر في الكونغرس والبيت الأبيض وهوليوود وشبكات التلفزة والصحافة الأميركية.

 من البلدة إلى أزقة بروكلين

إن الولايات المتحدة هي من أكبر الدول ثراء في العالم، كما أن يهود الولايات المتحدة هم المجموعة الإثنية الأكثر ثراء في العالم، وقصة نجاحهم تبرز أكثر، حينما نبين السرعة الفائقة التي حققوا فيها الثراء.

مع إقامة الولايات المتحدة في الرابع من تموز العام 1776، عاش في الولايات المتحدة بضعة آلاف، غالبيتهم الساحقة تم إرغامهم على الانتقال إلى الولايات المتحدة، إذ جرى طردهم أو هربوا من أسبانيا إلى المستعمرات الشمالية في أميركا الجديدة، وفي منتصف القرن التاسع عشر هاجر إلى الولايات المتحدة نحو 200 ألف يهودي، غالبيتهم من ألمانيا ووسط أوروبا، وكانت غالبية المهاجرين من الإصلاحيين، ومن الميسورين اقتصادياً، رأوا أنفسهم كألمان وأيضاً كأميركان أكثر من كونهم يهودا، وانتشروا في القارة الجديدة وأقاموا المصالح الاقتصادية والتجارية، من فتح حوانيت إلى إقامة مصانع صغيرة وحتى بنوك مالية عملاقة مثل ليهمان براذراس وغولدمان زاكس.

 وقد بدأت موجة الهجرة الكبيرة في العام 1882، فروسيا القيصرية التي عاش فيها نصف يهود العالم شهدت ثورة صناعية فاشلة، وكانت على حافة انهيار، وواجه اليهود في المدن المختلفة هجمات وبوغرومات، وعلى مدى 42 عاماً انتقل إلى الولايات المتحدة مليونان من اليهود، من أوكرانيا وغرب روسيا وبولندا ولاتفيا وروسيا البيضاء ورومانيا، وكانوا بذلك ربع اليهود في تلك الدول، وشكلوا 15% من يهود العالم، و10% من اليهود الذين هاجروا في تلك السنوات إلى (فلسطين)، وبهذا تحولت الولايات المتحدة إلى مركز كبير لليهود في العالم، أما الهجرة الكبيرة إلى فلسطين فقد بدأت في العام 1924 بعد أن سنت الولايات المتحدة قوانين متشددة تلجم الهجرة إليها.

 ووصل المهاجرون إلى الولايات المتحدة  بسفن مهاجرين مكتظة، وكانت غالبيتهم فاقدة كل شيء، وكتب باحث في تلك الفترة، يدعى "روبرت روكافي"، إن 80% من يهود الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الأولى، مارسوا الأشغال الصعبة، وغالبيتهم في مشاغل النسيج، وأغلقت في وجوههم أماكن عمل كثيرة بفعل حملة تحريض لاسامية قادها الصناعي "هنري فورد"، وعاش معظم اليهود في اكتظاظ وأحياء فقر ملوثة في نيويورك- بروكلين.

أفلام وكتب كثيرة وصفت العالم الذي نشأ في تلك الأحياء: عالم نشط بشكل كبير، ولكن فيه صعوبة واستبداد، فقد نشأت هناك عصابات مافيا يهودية مع زعماء إجرام مشهورين، مثل "مئير لانسكي" و"أفنير تسيفيلمان" و"لويس بوخهلطير"، وكثير من اليهود كانوا اشتراكيين حينما كانوا في أوروبا، ونشطوا في كثير من التنظيمات والنقابات وشاركوا في الإضرابات ومظاهرات العاملين، وكثير من النقابات، مثل نقابة عاملي النسيج، أقيم على يد اليهود.

إلا أن المهاجرين اليهود خرجوا من دائرة الفقر وتقدموا بسرعة أكثر من أي مجموعة مهاجرين أخرى، وحسب الكاتب روكافي، فإنه في سنوات الثلاثين كان 20% من الرجال اليهود يعملون في أعمال حرّة، وهذه نسبة تساوي ضعفي النسبة التي كانت قائمة في المجتمع الأميركي ككل، وضعفت اللاسامية بعد الحرب العالمية الثانية، والقيود على قبول اليهود في أماكن العمل تقلصت، وفي نهاية الأمر ألغيت في إطار الإعلان عن ميثاق حقوق الإنسان والمواطن، الذي أعلن في العام 1964، وبفضل نضال ناشطين ليبراليين، الذين كان كثيرون منهم يهودا.

وفي العام 1957 كان 75% من اليهود في الولايات المتحدة يعملون في أعمال الياقة البيضاء، مقابل 35% من مجمل السكان في الولايات المتحدة، وفي العام 1970 كان 87% من الرجال اليهود يعملون في أعمال مكتبية، مقابل 42% من مجمل البيض في الولايات المتحدة، وتقاضى 72% من اليهود رواتب أعلى من معدل الرواتب العام، والأمر الوحيد الذي بقي فيهم ويرتبط بفقرهم السابق، هو دعمهم لسياسة الرفاه وللحزب الديمقراطي الأميركي.

 مقابل الثراء المتنامي، اندمج اليهود في المجتمع، وانتقلوا من الأزقة إلى الضواحي العصرية والمتطورة، وتركوا لغة الييدش (لغة تدمج في الأساس بين العبرية والألمانية)، وتبنوا الزي والثقافة والعادات والتقاليد اليومية ومنها نهج المشتريات غير اليهودية، وغالبية اليهود تركت الدين مع هجرتها إلى الولايات المتحدة، ولكنها عادت إليه لاحقاً، وانضمت إلى مجموعات دينية إصلاحية ومحافظة، وبهذا باتوا مشابهين للأميركان الذين كانوا بغالبيتهم مسيحيين متدينين.

 "اليهود دائما تعلموا أكثر"

 إلى جانب اليهود، وصل إلى الولايات المتحدة ملايين المهاجرين من إيرلندا وإيطاليا والصين وعشرات الدول الأخرى، وهم أيضًا ثبتوا أنفسهم منذ ذلك الحين، لكن اليهود نجحوا أكثر منهم كلهم.

 كل الخبراء الذين سألناهم قالوا إن السبب هو التحصيل العلمي لدى اليهود، فقد فحصت منظمة الطلاب الجامعيين اليهود الأميركان "هيلل" وتبين لها أن نسبة الطلاب اليهود الجامعيين اليهود في الجامعات المتقدمة في الولايات المتحدة يشكلون ما بين 9% إلى 33% من مجمل الطلاب.

 ويقول الملحق التجاري السابق في السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، "داني هلفرين"، إن اليهود تعلموا وتقدموا بشكل خاص في كثير من المجالات التي كانت منغلقة في وجوههم، فالكثير من الإيرلنديين جرى استيعابهم في سلك الشرطة ومؤسسات الحكم، مقابل قلة من اليهود، لقد دخل اليهود إلى مجالات جديدة كان فيها فراغ، وكانت حاجة لأناس لديهم روح المبادرة، فهم لم ينخرطوا في البنوك التقليدية، بل أقاموا بنوك استثمارات.

 ولقد نشأت صناعة السينما في سنوات الثلاثين، وكان لها اليهود، الذين سيطروا عليها فعلياً، وحتى اليوم يوجد كم كبير من الأسماء اليهودية في قمة هوليوود وشبكات التلفزة، وبعد ذلك دخلوا بقوة إلى قطاع التقنية العالية، وأيضاً في كل مجال جديد يحتاج إلى مبادرة ومؤهلات.

 ويقول البروفسور في الاقتصاد "آفيا سفيباك"، الذي شغل في الماضي منصب نائب محافظ بنك (إسرائيل) المركزي، إن "اليهود كانوا ملزمين بأن ينجحوا، لقد تراجع التمييز في غالبية الدول، وأعتقد أن اليهود نجحوا في أميركا بشكل خاص لأن الرأسمالية جيدة لليهود، فلليهود قابلية للمبادرة، فهم يتعلمون أكثر ويتمتعون بإمكانية استيعاب أكبر، ويعرفون كيف من الممكن الإمساك بفرص سانحة بسرعة، ولهذا فإن اليهود يتفوقون في المنافسات".

 الحكومة تضرب المساعدات ولكنها ستستمر

ما من شك في أن نجاح يهود الولايات المتحدة الضخم ساعد اليهود على البقاء في (إسرائيل)، والمساعدة الأميركية كانت أكبر من التبرعات بحد ذاتها، فالمساعدة الأميركية الفيدرالية تتلقاها (إسرائيل) إلى حد كبير بفضل ضغط اليهود، ورجال أعمال إسرائيليون يتلقون المساعدة لإقامة علاقات في الولايات المتحدة وتفتح أمامهم أسواق ويحظون بتجنيد أموال.

إن المساعدة الأميركية تعزز العلاقة "بين الجاليتين" اليهوديتين (في إسرائيل والولايات المتحدة) إذ سوية يشكلون 80% من اليهود في العالم، ولكن رغم ذلك هناك شوائب وعدم ارتياح في هذه العلاقة: فالأميركان ينظرون إلى (إسرائيل) كملجأ ليوم قارص، ويشعرون بالتزام لمساعدتها، ولكن قسما منهم يشعر أن أمواله يتم تبذريها بسبب تصرفات خاطئة، فاليهود يعيشون في قلق وخوف مما قد يجري هنا في حال توقفت المساعدات الأميركية، وهذه التخوفات تتعاظم أمام حقيقة أن ثلث اليهود في الولايات المتحدة يتزوجون ممن هم ليسوا يهودا، ويعلنون أنهم يشعرون بارتباط أقل (بإسرائيل).

 ويقول "هلفرين" إن (إسرائيل) كان بإمكانها أن تقوم وتصمد أيضا من دون المساعدة الأميركية، ولكنها كانت ستكون أفقر، فهناك مجالات مثل التعليم العالي المساعدة هي عامل مصيري بالنسبة لها، ومن دونها ستختفي.

 ويضيف "هلفرين" أن حجم التبرعات يتراجع في السنوات الأخيرة، ويشعر اليهود أنهم ينتمون للمجتمع الأميركي ولهذا يحولون تبرعاتهم للمنظمات اليهودية، فهم يريدون رؤية أسمائهم في متاحف في نيويورك (كمتبرعين) بدلا من متحف في القدس، وكلما ابتعدت المحرقة زمنياً، فإن الخوف والقلق على الكيان الإسرائيلي يتناقص، كذلك فإنهم لا يعتبرون (إسرائيل) دولة فقيرة، وللأميركان مشاكل خاصة بهم: الأزمة الاقتصادية، بينما التعليم في الولايات المتحدة باتت تكلفته باهظة، ولهذا فالمساعدات تتراجع وقد يأتي يوم وتختفي، ولكن من الصعب أن نصدق فكرة أن تختفي التبرعات دفعة واحدة بسبب أزمة سياسية، ويبدو كأن حكومتنا تطمح بكل قوتها لأن يحدث هذا، ولكن لحظنا فإنها لا تنجح في ذلك.

أعلى