لا غنى عن مجالس الإيمان

لا غنى عن مجالس الإيمان


مع تنوع وسائل الاتصال ، واتساع نطاق تلقي المادة الدعوية والوعظية عَبْر الشبكة العالمية ، وعبر القنوات الفضائية ، وعبر الأجهزة الصوتية الرقمية تقلصت كثيراً دوافع الحضور إلى مجالس الوعظ والعلم .

وزهد كثير من الدعاة والوعَّاظ بهذه المجالس مقارنين لها بالقنوات الفضائية والشبكة العالمية وغيرها من الوسائل التي تخاطب قِطَاعاً أوسع وجمهوراً أكبر .

واستثمار هذه الوسائل والإفادة منها في تقديم المادة الدعوية وتلقيها ليس محل نقاش ؛ فقد قرَّبَت البعيد ويَسَّرت العسير كما يقال .

وجدير بالدعاة وأهل العلم أن يستثمروا هذه الوسائل في إيصال الكلمة الدعوية ونشرها ، وجدير بنا أن نستفيد من هذه الوسائل في سماع ما يرقق قلوبنا ، ويعلِّمنا ما نجهل ، ويفقِّهنا في ديننا .

لكن ذلك كله ينبغي ألا يُهمِّش قيمة مجالس الإيمان والوعظ ، وحِلَق تلقي العلم .

إن مجالس العلم والإيمان تُقدِّم أمرين :

الأول : التلقي العلمي والمعرفي ، وهو ما تشترك فيه مع غيرها .

الثاني : الأثر الإيماني والتربوي المرتبط بحضورها والجلوس فيها ، وهو ما لا يفي به بديل غيرها .

فمجالس العلم والإيمان عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله - عز وجل – فهي مجالس تغشاها الرحمة وتنزل عليها السكينة : « وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده » [1] .

كما أنها مجالس يزداد فيها الإيمان ؛ فعن معاذ - رضي الله عنه - أنه قال : « اجلسوا بنا نؤمن ساعة » ، يعني نذكر الله تعالى [2] .

وعن الأسود بن هلال قال : كان معاذ يقول للرجل من إخوانه : « اجلس بنا فلنؤمن ساعة ، فيجلسان فيذكران الله ويحمدانه » [3] .

في هذه المجالس يُقْبِل الطالب على الاستماع وينصت ، خلافاً لمن يتابع قناة فضائية ، أو يستمع وهو يعمل على جهازه أو يمشي في الطريق .

وفيها يلتقي طالب العلم بالشيوخ ؛ فيرى هديهم وسمتهم وتعاملهم ؛ فقد أوصى ( حبيب الشهيد ) وهو من الفقهاء ابنه فقال : « يا بني ! اصحب الفقهاء وتعلَّم منهم وخذ من أدبهم ؛ فإنه أحب إليَّ من كثير من الحديث » [4] .

وفيها يرى طالب العلم الحضور من أهل الخير والصالحين فيجني ثمرات عدة ، منها :

- فضل محبتهم في الله ومجالستهم .

-  القدوة الحسنة بالصالحين .

-  أن ذلك يقود المقصِّر والمذنب إلى مراجعة نفسه ولومها ؛ فكيف يجالس هؤلاء وهو على ما هو عليه من التقصير ؟

- التفاؤل بمستقبل الأمة ، وإدراك جوانب الخير فيها في مقابل انتشار سُبُل الفساد وطُرُقه .

هذه بعض الآثار التربوية والإيمانية التي تحققها مجالس العلم والإيمان .

وهذا يتطلب من الدعاة وأهل العلم أن يعتنوا بها ويُشِيعُوها ، ومنَّا ومن طلاب العلم أن نحرص على حضورها والإفادة منها بقدر ما نستطيع .

 


(1) أخرجه مسلم 2699 .

(2) أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان 105 .

(3) أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان 107 و أبو عبيد في الإيمان 20 .

(4) أخرجه الخطيب في الجامع .

 

 

أعلى