يتفاعل المسلمون مع رمضان ، وتبدو مظاهر التغير في حياتهم ، وفي عبادتهم ، حتى لو  غاب أحد عن المجتمع وعاد إليه في رمضان لم يصعب عليه أن يكتشف دخول الشهر من واقع  الناس .
   يصوم عامة الناس شهر رمضان ، حتى أولئك الذين يُفرِّطون في الصلاة كثير منهم لا  يُفرِّط في الصيام .يصلي الناس من قيام رمضان ما كتب لهم ، يقرؤون القرآن ، يؤدون  العمرة ، يتصدقون ... ولكن .
   حين ينصرم رمضان يصعب أن نرى تغيراً في واقع الأفراد أو واقع المجتمع ... فلماذا ؟  لقد أخبر تبارك وتعالى أن الصيام يحقق التقوى في النفوس ، فقال : { يَاأَيُّهَا  الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ  مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {  (البقرة : (  183 .
   والقرآن والصلاة والصدقة لها  أثرها البالغ في إصلاح النفوس ، ومع ذلك ما نراه في الواقع يختلف كثيراً عما يجب أن  يكون .
   يصعب تفسير هذه الظواهر من خلال عامل واحد ، أو اختزالها في إجابة جزئية ، لكن  كثرتها تقودنا إلى سؤال مهم : ما  مدى عنايتنا بمقاصد العبادات ؟لقد جاء الحديث عن مقاصد العبادات في القرآن الكريم  أكثر من الحديث عن تفاصيل أحكام العبادات .
   وكثير من أحكام العبادات روعيت فيها مقاصدها ، فإقبال الإنسان على طعامه حين يحضر ،  وقضاؤه لحاجته يُقدّم على صلاة الجماعة الواجبة ، والطمأنينة في المشي إليها أولى  من الإسراع لإدراك ركعة أو ركعتين .
   ومقصد الاجتماع روعي ولو في تغيير كيفية الصلاة ، وعدد ركعاتها في صلاة الخوف . إن  هذا يتطلب من المربين والمعلمين أن يعتنوا بتعريف الناس بمقاصد العبادات وتجليتها  لهم ، ويكفي في ذلك ماجاء بنص القرآن والسنة .
   وهو يتطلب الاعتناء بالتذكير بها والوصاة بها ، والتأكيد عليها .
   وهو يتطلب ربطها بالأحكام التفصيلية فيما تظهر حكمته دون تكلف أو قول بغير علم .
   إن المسافة شاسعة في دروسنا وتعليمنا بين ما نقدمه من حديث عن المقاصد ، وحديث عن  تفاصيل الأحكام ، وبين ما يتكرر في وعظنا من أمر أو زجر على التقصير ، وما يرد من  وقوف عند أسرار العبادات .
   لذا ينبغي ألا يثير استغرابَنا اعتناءُ الناس بمظاهر العبادات أكثر من حقائقها ،  وبصورها أكثر من مقاصدها .
   والله عز وجل غني عن عباده ، لا حاجة له في عبادتهم وطاعتهم ؛ إنما فرض عليهم  العبادة لحاجتهم هم إليها : { لَن  يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَاهَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ { (الحج (  37:  .
   وقال صلى  الله عليه وسلم:  « من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه » ( رواه  البخاري ) .