كورونا بين الوهم والحقيقة

كورونا بين الوهم والحقيقة


"يمكن تصنيف كوفيد-19 الآن على أنه جائحة... لم يسبق مطلقا أن شهدنا انتشار جائحة بسبب فيروس كورونا"

هذا ما أعلنه في الحادي عشر من شهر مارس الماضي، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، وأكّد المدير العام للمنظمة الأممية أنّ "توصيف الوضع على أنّه جائحة لا يغيّر تقييم الخطر الذي يشكله فيروس كورونا، وأضاف أنّ عدد الإصابات والوفيات والدول المتأثرة سيزداد "في الأيام والأسابيع المقبلة"، مجدّدا دعوته إلى البلدان للتحرك من أجل "احتواء" الوباء وأكد المدير العام على "ضرورة اعتماد مقاربة أكثر تشددا"، مؤكدا أن "دولا عدة برهنت أنّه يمكن القضاء على الفيروس أو السيطرة عليه".

وحتى قبل ذلك التاريخ ترددت منظمة الصحة العالمية في استخدام ذلك المصطلح (وباء) لوصف انتشار الفيروس، ويبرر رئيس منظمة الصحة العالمية استخدام المنظمة هذا المصطلح لسببين رئيسين هما: سرعة تفشي العدوى، واتساع نطاقها والقلق الشديد إزاء "قصور النهج الذي تتبعه بعض الدول على مستوى الإرادة السياسية اللازمة للسيطرة على هذا التفشي" للفيروس.

فالإعلان عن الجائحة، لا علاقة له بالتغييرات التي تطرأ على خصائص المرض، ولكنه يرتبط بدلا من ذلك بالقلق الجغرافي، إذ وفق ما قاله مدير الطوارئ في المنظمة مايكل ريان فإنه لا علاقة للوباء بخطورة المرض بل يتعلق الأمر بانتشاره الجغرافي.

وبذلك يمكن أن نفسر لماذا أعلنت منظمة الصحة العالمية كورونا كوباء أنه مرض جديد، لا يتمتع فيه الناس بالحصانة، في جميع أنحاء العالم بما يفوق التوقعات، ومن ناحية ثانية، فإن الوباء يتمثل في زيادة مفاجئة في الحالات المرضية أو في المرض الذي يمكن أن يكون متفردا في دولة واحدة أو مجتمع واحد.

ولكن رئيس البرازيل جايير بولسونارو كان له رأي آخر فقد صرح: "سيرى الناس قريبا أنهم وقعوا ضحية خداع من هيئات ومنظمات، والجزء الأكبر من وسائل الإعلام عندما يتعلق الأمر بفيروس كورونا الجديد"، وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية وصف الرئيس البرازيلي كورونا بأنه "محض خيال".

وعلى نفس مسار رئيس البرازيل، سلك عدة رؤساء دول نفس الطريق، أهمهم رئيس الدولة التي تتربع على قمة النظام الدولي: الولايات المتحدة ورئيسها (ترامب) وأقواها علما وتكنولوجيا، الذي يبدو بكل وضوح من أحاديثه وتعبيرات وجهه وصدامه مع حكام الولايات، أنه غير مقتنع بما يحدث.

والسؤال الآن هل يمكن تفسير ما جرى بأنه وهم صنعه الإعلام كما يقول رئيس البرازيل؟ أم أن هذا الفيروس وباء خطير، يهدد البشر تهديدا حقيقيا كما تقول منظمة الصحة العالمية؟

وقد يرجع بعضهم انتشار فيروس كورونا إلى نظرية المؤامرة، فيفترض سيناريو للعبة مخابراتية متعددة الاطراف والاغراض، للتلاعب باقتصاديات دول بعينها وخسف اسعار النفط فى أكبر دول منتجة، أو كبح جماح الصين أو العكس، فهناك من يرى أن انتشار الفيروس وراءه الصين، لكي تستطيع انهاء اضعاف اقتصاديات الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، لكي تصعد وتتربع على عرش النظام الدولي...وغيرها من النظريات.

إذن كيف نحل هذه المعضلة؟

إن إدراك ما يحصل بالفعل هو التفرقة بين الوهم والحقيقة، وأول خطوة في ذلك هي معرفة حقيقة المرض، التي لا يمكن إدراكها إلا بمقارنته بغيره من الأمراض المنتشرة في العالم، وهل له نفس التأثير والاصابات والوفيات التي تحدثها تلك الأمراض.

فقد أجرت العديد من المراكز المختصة مقارنات بين فيروس كوفيد 19 وفيروس الإنفلونزا، وكانت التشابهات بينهما أكثر من الاختلافات: في التوقيت والأعراض والانتشار وكيفية العدوى وكيفية العلاج ودورة الحياة ودرجة الخطورة، على أصحاب الأمراض المزمنة التنفسية والقلبية والدماغية والسكري وضغط الدم، وغير المزمنة كالسرطان والإيدز، فالمدة التي تظهر فيها الأعراض بعد الإصابة بفيروس كوفيد19 من 5-6  أيام وفي الإنفلونزا 3 أيام، وتكون الأعراض في كل منهما خفيفة إلى متوسطة وأحياناً شديدة وقد تكون خطيرة تؤدي إلى الوفاة، وبينما يشكل كوفيد 19 خطورة كبيرة على المتقدمين في السن من ذوي الأمراض المزمنة؛ فإن الإنفلونزا يشكل خطورة كبيرة على المتقدمين في السن من ذوي الأمراض المزمنة إضافة إلى الحوامل والأطفال.

كذلك نجد أن أمراض القلب تفتك بحوالي 8.5 ملايين إنسان سنوياً، أي بمعدل 23 ألف إنسان يومياً، والأمراض الدماغية تفتك بحوالي 6.5 ملايين إنسان سنوياً، أي بمعدل 18 ألف إنسان يومياً، والإيدز يحصد سنوياً حوالي 1.8 مليون إنسان، والسل يحصد حوالي 1.4 مليون إنسان سنوياً، والإسهال يحصد حوالي 2.5 مليون إنسان.

وبالنسبة للسل بالذات فمنظمة الصحة العالمية تقول أن حوالي ربع سكان العالم مصابون بالسل "الكامن" أي أن هؤلاء قد أصيبوا بالبكتيريا بالفعل لكنهم لم يصابوا بالمرض بعد.

وبذلك يتبين لنا أن كورونا ما هو إلا مرض عادي، صحيح له خطورته ولكن خطورته لا تزيد عن أمراض أخرى إن لم يكن أقل، فلماذا الضجة الكبيرة هذه حول فيروس كورونا؟

وهنا ننتقل إلى الخطوة الثانية للتفرقة بين الوهم والحقيقة في انتشار كورونا، وهي معرفة أو تحليل الدوافع ليأخذ هذا المرض تلك الوضعية والهالة الاعلامية الضخمة التي انتشرت في الفضائيات ومواقع التواصل وأخذت أشكال من العزل وحظر التجول وغيرها من الإجراءات...

في تحليل لمجلة بولتيكو الأمريكية يقول الكاتب ريتش لوري "لولا الخداع الصيني وتواطؤ منظمة الصحة العالمية مع بكين، لكان تفشي فيروس كورونا المستجد محدودا في العالم"، ويمضي الكاتب فيذكر: أن الصين ارتكبت أخطاء لا تغتفر، وكذبت بشأن تفشي المرض وعاقبت الأطباء وأخفت الصحفيين الذين قالوا الحقيقة.

وفي المقابل، افتقرت منظمة الصحة العالمية إلى الاستقلالية والشجاعة في لحظة ذات عواقب وخيمة وتتعلق بالصحة في العالم، ومن المفترض أن تكون منظمة الصحة العالمية مختلفة، لأنها تقول إن قيمها "تعكس مبادئ حقوق الإنسان والعالمية والإنصاف". ووفقا لدستورها، "إن صحة جميع الشعوب أساسية لتحقيق السلام والأمن وتعتمد على التعاون الكامل بين الأفراد والدول.

ولكن المنظمة، وفق الصحيفة الأمريكية، وافقت على الدعاية الصينية بعد تفشي الفيروس، ففي 14 يناير الماضي غردت على تويتر""التحقيقات الأولية" التي أجرتها السلطات الصينية لم تجد أي دليل على انتقال الفيروس من إنسان إلى آخر. وبعد عدة أيام، أبلغت عن انتقال "محدود" من إنسان إلى آخر، ويرى الكاتب أن من أسوأ ما قامت به الصين هو استمرار الرحلات الجوية إلى جميع أنحاء العالم رغم إغلاقها مقاطهة هوبي بسبب الفيروس، ولم تعارض المنظمة ذلك بل كانت موافقة، وقالت إن حظر السفر غير ضروري للتغلب على الفيروس.

وبحسب الكاتب، في أواخر يناير، وبشكل لا يصدق أشاد رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس بالمسؤولين الصينيين على "الشفافية التي أظهروها". وأشاد فريق من الخبراء باستجابة الصين بعد زيارة قام بها في منتصف فبراير إلى ووهان، وساهم في قصة بكين بأنها نجحت في احتواء الفيروس فيما فشل الجميع.

ولكن هناك بعد آخر ساعد على الاستمرار في الهالة الإعلامية التي صاحبت كورونا، هو أن بعض الحكومات أو الأحزاب السياسية وجدتها فرصة لتصفية حسابات سياسية سواء داخلية أو خارجية، مثل ازمة تدني أسعار النفط أو السيطرة على مظاهرات الشارع، كما حدث في إيران والعراق والجزائر وغيرها، ومثلها ما حدث من الحزب الديمقراطي في أمريكا، من اظهار الرئيس الجمهوري بمظهر المتخبط، مما أثر على تراجع شعبيته أمام المرشح الديمقراطي في آخر استطلاعات الرأي.

وفي النهاية نجد أننا أمام مرض لا نتهاون أمامه، ولكن في نفس الوقت ليس بخطورة كثير من الأمراض التي تفتك بالبشر، وجرى تضخيمه إعلاميا وإثارة فزع وخوف بين الجماهير، لأغراض بعضها مكشوف والبعض الآخر لم يظهر حتى الآن.

 

 

  

أعلى