اليـمـن .. ثـورة شعـب! إجراءات السلطة 1

اتخذت السلطة –وهي التي رأت مشهد سقوط نظامي تونس ومصر- تدابيرها الخاصة واحتياطاتها السريعة وهي تشعر برياح التغيير تهب على سواحلها. حيث تؤكد المصادر بأن السلطة اليمنية ظلت تراقب وتتابع مجريات الأحداث في مصر، وتعقد اجتماعات داخلية لتدارس الوضع اليمني ومراقبة حركته.

 ويمكن تقسيم هذه التدابير إلى إجراءات أمنية وخطوات حكومية مدنية وسياسية، على النحو التالي:

 الإجراءات الأمنية:

- السبق لاحتلال ميدان التحرير باعتصام مؤيد للرئيس معزز بعدد من الخيام وبحضور قبلي لافت من محافظات صنعاء وما حولها، ومنع أي مظاهرات مناوئة للوصول إليه؛ مع الحديث عن أجور مدفوعة وتغذية مقدمة وتكاليف قات، ودعم أمني.

- مراقبة موقع الفيس بوك: حيث أشارت مصادر صحفية -بتاريخ 12 فبراير- إلى أن جهاز الأمن القومي سخر العديد من الشباب برواتب مجزية وذلك للتفرغ للموقع العالمي الفيس بوك, ومراقبة نشاط اليمنيين عليه تحسبا لأي تفاعلات قد تنعكس على أرض الواقع.

 - إقرار قانون التنصت: حيث أقر اجتماع مجلس الدفاع الوطني الدفع بمشروع قانون الاتصالات لإقراره من مجلس النواب, وهو قانون يتيح التنصت على مكالمات المواطنين بأوامر إدارية.

 - استخدام بعض منسوبي الأجهزة الأمنية وأشخاص مستأجرين للقيام بدور (البلاطجة) في مواجهة المظاهرات والمسيرات الشعبية، مزودين بالعصي والهروات والأسلحة البيضاء والنارية.

 - الانتشار الأمني الكثيف حول الأجهزة الحكومية والمقارات الرسمية والمرافق الاقتصادية والدبلوماسية، ومؤخرا انتشرت قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة والحرس الجمهوري في بعض مداخل المدن وحول ساحات الاعتصام والقصر الرئاسي بصنعاء. وهناك حديث عن انتقال وحدات عسكرية وإعادة انتشار للحرس الجمهوري والقوات الخاصة بين المدن وداخل العاصمة، واستنفار أمني غير مسبوق في البلاد.

 - اعتماد سياسة الاعتقالات التعسفية والاختطافات والتعذيب للرموز المعارضة والعناصر المشاركة في المظاهرات، بالإضافة إلى الإعلاميين، وهناك تسجيل لحالات عديدة إعلامية وسياسية وحقوقية وطلابية جرى الاعتداء عليها. وقد بدأت المنظمات الحقوقية والوسائل الإعلامية تتحدث عن هذه الحالات، على الصعيد المحلي والدولي.

 - إطلاق العلاوات الخاصة بموظفي الجهاز الحكومي ومنتسبي القوات المسلحة والأمن خاصة، عقب تطبيق المرحلة الثالثة من إستراتيجية الأجور والمرتبات، وبما يحسن الأوضاع المعيشية لموظفي الدولة في الجهاز المدني ومنتسبي القوات المسلحة والأمن. في محاولة لإرضاء الأجهزة الأمنية والجيش.

 - إطلاق بعض السجناء للقيام بإثارة الفوضى في أوساط المتظاهرين كما جرى في ساحة التغيير بصنعاء في 28 فبراير.

 - اعتقال بعض المتظاهرين وتعذيبهم للاعتراف بكونهم موجهين من قوى خارجية وتخريبية، كما جاء عن منظمة التغيير للدفاع عن الحقوق والحريات في 5 فبراير.

 - توظيف بعض العناصر في أوساط المحتجين والمتظاهرين في الجنوب لرفع الأعلام الجنوبية وشعارات الانفصال، بعد أن تم اتفاق قوى الحراك مع أحزاب اللقاء المشترك على التخلي عن هذه المظاهر. وقد كشفت قيادات في الحراك الجنوبي بمنطقة كرش التابعة لمحافظة لحج –في 4 مارس- عن قيام قائد عسكري وقيادات أمنية عبر وسطاء وشخصيات اجتماعية بالتواصل معهم لاستئناف نشاطهم في الحراك الجنوبي ونصب براميل التشطير.

 الإجراءات الحكومية:

في الثالث من فبراير، جاء في خطاب الرئيس صالح أمام اجتماع لمجلسي النواب والشورى وأعضاء الحكومة، وعدد من القيادات العسكرية والأمنية، وشخصيات علمية واجتماعية، عرضه على المعارضة التنازلات التالية:

أولا: دعوة اللجنة الرباعية لاستئناف أعمالها.

ثانيا: تجميد التعديلات الدستورية.

ثالثا: فتح السجل الانتخابي لمن بلغوا السن القانونية.

رابعا: الالتزام بعدم التمديد والتوريث وتصفير العداد.

مؤكدا أن الإجراءات التي أشار إليها تعني تأجيل الانتحابات.

كما دعا المعارضة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.

 ووجه الحكومة إلى:

توسيع شبكة الضمان الاجتماعي، لـ500 ألف حالة، وبحيث يصرف لها المرتب ابتداء من هذا الشهر.

وفتح باب الاكتتاب في مجال الإسمنت والاتصالات والنفط والبنوك اكتتابا عاما.

واستيعاب طلاب الجامعات والكليات والمعاهد في الوظائف سواء في القطاع العام أو الخاص أو المختلط وترتيب أعمالهم بتكافؤ.

وإنشاء صندوق لدعم الشباب الخريجين بحيث تتكامل الفرص.

ووعد صالح بإجراء إصلاحات شاملة في مجال الحكم المحلي، وانتخاب محافظي المحافظات والمديريات انتخابا مباشرا، وإعطاء صلاحيات واسعة للمحافظين. وقال صالح -في كلمة له ألقاها أمام أعضاء مجلسي النواب والشورى: "لن أكابر وسأقدم التنازلات تلو التنازلات من أجل المصلحة الوطنية".

وفي الوقت الذي دعا فيه المعارضة لاستئناف الحوار وإيقاف المظاهرات والمسيرات، والتفاهم وإعادة اللحمة، هدد صالح بما قد يترتب على خطوات المعارضة من أضرار تلحق بالأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي في الوطن، و"الفوضى" التي قد تنشأ عمَّا وصفها بـ"الزوابع" و"التعبئة الخاطئة"؛ مشيرا إلى أن من حق المواطن اليمني أينما كان أن يدافع عن ماله وعرضه وأرضه! إزاء ما وصفه بعناد الغوغاء! متهما المظاهرات بأنها مقادة من قوى خارجية، مؤكدا أن الشعب والمؤسسة العسكرية لن تسمح بتدمير ما أنجزته الثورة!

 وفي 11 فبراير 2011م، وعلى خلفية تنحي حسني مبارك من السلطة بمصر، عُقِدَ بشكل مفاجئ اجتماع مجلس الدفاع الوطني برئاسة رئيس الجمهورية بحضور قيادات سياسية من الحزب الحاكم واللجنة الأمنية العليا.

 وأقر الاجتماع جملة من التدابير منها:

اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لترشيد الإنفاق الحكومي وفي كافة المرافق.

ضرورة تنمية الإيرادات وزيادة الموارد وتفعيل دور الجهات الإيرادية في هذا الجانب.

الدفع بمشروع قانون الاتصالات لإقراره من مجلس النواب، بالإضافة إلى مشاريع القوانين والتشريعات الأخرى ذات الصلة بالجوانب الإيرادية.

ضرورة مكافحة التهرب الضريبي واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتهربين من دفع الضرائب والرسوم الجمركية، وبخاصة كبار المكلفين، وإحالتهم للنيابة العامة لمساءلتهم قانونيا إزاء ذلك وبما يكفل الحفاظ على المال العام.

وهي إشارة إلى أن صلاحيات إدارة البلاد تحولت فعليا من الحكومة المدنية إلى المؤسسة العسكرية والأمنية.

 وفي 13 فبراير، قرر رئيس الجمهورية فتح مكتبه في دار الرئاسة لاستقبال كافة الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني ومختلف شرائح المجتمع من كافة محافظات الجمهورية وذلك للاستماع إلى آرائهم وقضاياهم وكل ما يهم الوطن والمواطنين عن كثب.

 في 26 فبراير، عقد مجلس الدفاع الوطني مجددا اجتماعا برئاسة رئيس الجمهورية، وحسبما أوردته وكالة (سبأ) فإنه جرى مناقشة العديد من القضايا والموضوعات التي تهم جهود البناء والتحديث في القوات المسلحة، وتعزيز القدرة الدفاعية لليمن، بالإضافة إلى الدور الذي تضطلع به المؤسسة العسكرية في الحفاظ على الأمن والاستقرار وصيانة المكتسبات الوطنية. كما عرض رئيس الجمهورية على قادة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والعسكرية مسار الجهود التي بذلت في سبيل الوصول إلى اتفاق مع أطراف العمل السياسي وحزمة الإصلاحات والتنازلات التي عرضت في هذا الصدد تهدئة للأوضاع والحفاظ على أمن ووحدة اليمن.. ولكن دون جدوى –حسب تعبير وكالة (سبأ).

 في 27 فبراير التقى الرئيس صالح بالكتلة البرلمانية لحزبه، حيث جرى مناقشة القضايا والتطورات على الساحة الوطنية. واتهم صالح في حديثه وسائل الإعلام الخارجي بعدم الحيادية، ضاربا المثل بالمظاهرة المؤيدة لمبادرته يوم الجمعة الماضية في العاصمة صنعاء، مقدرا إياها مابين مليون و200 ألف إلى مليون و300 ألف شخص، والمظاهرة المؤيدة للمعارضة، مقدرا إياها ما بين 8 إلى 10 ألاف! وحذر من انزلاق الشعب نحو الفوضى كونه "شعب مسلح"، واصفا الأحداث بأنها "زوبعة تحتاج إلى صمود أعضاء حزبه، وإلى رباطة جأش ومعنويات عالية للتصدي "للدعايات الفارغة والمغرضة".

 وأشار صالح إلى أن الأغلبية المؤتمرية قدمت تنازلات وإصلاحات عدة استجابة لرغبة الأقلية، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، حسب وصفه، لكنها قوبلت بارتفاع سقف المطالب –حدَّ زعمه. واعتبر ما يجري في عدن بأنه إطلاق للنار من البيوت بغرض اتهام أجهزة الأمن، مضيفا بأن  مجلس الدفاع الوطني قرر منع استخدام القوة وبكل الوسائل، وبأن من ارتكب التخريب عناصر ومجموعات تخريبية من عدة مناطق من يافع والحبيلين والضالع وبعض مديريات أبين، واصفا إياها بأنها قوى فاشلة وحاقدة على الوطن، وخططت للهروب إلى الوحدة من أجل التآمر والانقضاض على السلطة وإحكام القبضة على شمال الوطن ببرنامجهم السياسي المعروف "الاشتراكية العلمية" وتصفية المشائخ وسحل العلماء وكل من له رأي سياسي مغاير، وتصفية السياسيين الاقتصاديين ، وأصحاب رؤوس المال، كما عملوا في جنوب الوطن.

 وقال صالح: الذين يعتقدون أن عقارب الساعة ستعود إلى الوراء.. هذا أبعد عليهم من عين الشمس وأبعد من تخيلاتهم؛ في إشارة منه إلى الحوثيين والاشتراكيين! متهما المطالبين برحيل النظام بأنهم لا يحملون مشروعا لما بعد الرحيل، سوى إقامة شطرين: "دولة متوكلية" في الشمال و"الجنوب العربي" في الجنوب.

 وأشار صالح إلى أن هناك "عاصفة في العالم"، و"عاصفة إعلامية"، و"غرفة عمليات" لإدارة أجهزة الإعلام.

واستطرد قائلا: "نثق أن لدينا قيادات سياسية ومثقفين وعسكريين واقتصاديين يدركون مصلحة وطنهم، وما هو الشيء الأنفع لمصلحة وطنهم، وليس تقليد ما يجري في بلدان أخرى"، وأضاف: "ينبغي أن نكون على قلب رجل واحد وعصبة واحدة وموقف واحد لمواجهة كافة التحديات"؛ مذكرا بأن ثورتي تونس ومصر باتت تطالب بالصف الثاني والثالث والرابع.. في لغة تحذيرية من مستقبل الثورة اليمنية إذا ما نجحت.

 في 28 فبراير، أكد رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم سلطان البركاني أنه لا يزال مقتنعاً بفكرة قلع عداد الرئاسة؛ وقلل في حوار صحفي مع "حديث المدينة" من حجم الضحايا في صفوف المحتجين المطالبين بإسقاط النظام، قائلاً: إن وسائل الإعلام تتحدث عن القمع وكأن الدماء تسيل أنهاراً؛ معتبراً أننا لا زلنا في المكان الآمن رغم أننا بلد مسلح ورغم الموروث القبلي والاجتماعي.

 

 

اليـمـن .. ثـورة شعـب!  إجراءات السلطة 2

 

 

أعلى