العلاقات الإيرانية السورية

العلاقات الإيرانية السورية


من حيث الجوهر فإن إيران دولة تبني تحالفاتها وفق أسس ثورية لضمان استمرار حكم الطبقة الدينية المحافظة التي تحكم البلاد منذ الثورة الإيرانية عام 1979 و عدم خروج مطالبات بالديمقراطية و المزيد من الحقوق للإفراد و الأقليات في ظل سيطرة الطائفة الشيعية الاثنى عشرية على مقاليد السلطة، أما في سوريا فمنذ عام 1970 ويدير السلطة حافظ الأسد في ظل نظام علماني اشتراكي رسخ عداء النظام الحاكم و أدواته للإسلام ومكن للأقلية العلوية الباطنية في بلد يعيش فيه غالبية سنية.

إيران دولة غالبية سكانها من العرقية الفارسية و ينتمون للطائفة الشيعية بعكس سوريا التي يتحدث أهلها اللغة العربية وغالبيتهم من أهل الجماعة و السنة، لذلك منذ الثورة الإيرانية بدأ النظام الحاكم في طهران يبحث عن حلفاء في المنطقة سواء وفق أسس ثورية أو منطلقات دينية مثل تعزيز العلاقات مع حركة فتح الفلسطينية و ليبيا و اليمن الجنوبي و آخرها العلاقات مع النظام السوري، و كان الهدف من وراء مثل هذه العلاقات تعزيز الزخم الثوري للنظام الحاكم و كذلك التخلص من عقدة الهيمنة الأمريكية و تشكيل تحالف جديد في منطقة الشرق الأوسط. 

جزء كبير من التحالف الإيراني السوري يعود أساسه للدين، و هذا يبرره قوافل الحجاج الإيرانيين الذين يأتون سنويا لزيارة مقام السيدة زينب في دمشق، بالإضافة إلى ما يقرب من 50 ضريحا ومزارا شيعيا في سوريا يتم زيارتها و الاعتناء بها من قبل شيعة إيران. و خلال أيام الثورة الحالية طالب النظام الإيراني من المحاربين الشيعة الذين يدافعون عن النظام السوري و الكثير منهم إيرانيين في مايو من العام الماضي الدفاع عن ضريح حُجر بن عدي في دمشق بعد أن خرجت شائعات بأن بعض العناصر المسلحة قامت بنبشه.

يلتقي العلويين وهم أقلية بالنسبة للمذهب الشيعي مع الشيعة في الإيمان بأن إمامة العالم الإسلامي لا بد وأن انتقلت من آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، إلى علي ابن عم النبي وصهره رضي الله عنه، و كان ينبغي أن يكون الخليفة الأول في القرن السابع.

حاول العلويون منذ القرن التاسع عشر البحث عن الاعتراف بهم من قبل بقية الفرق الإسلامية إلى أن تم لهم ذلك من قبل الشيعة الاثنى عشرية حيث أعلن في سبعينيات القرن الماضي الإيراني وزعيم الطائفة الشيعية في لبنان موسى الصدر فتوى يقر فيها بأن العلويين هم جزء من الشيعة.

و استغلالا للتكتلات العقدية التي بدأت تظهر مع ضمور القومية العربية و غيرها من شعارات الستينات بدأت إيران تزيل الفوارق بين الطيف الشيعي العام في المنطقة و العلويين، حتى أصبحت دمشق يربط بين الشيعة في إيران والعراق والكويت ولبنان، وهو ما وصفه العاهل الأردني عبد الله الثاني بالهلال الشيعي. يختلف العلويون عن الشيعة الاثنى عشرية بأنهم طائفة نصيرية "باطنية" أي يبطن العلويون ما يؤمنون به، بعكس الاثنى عشرية.

يقول كتاب "إيران – مبادئ القراءة" الصادر عن معهد الولايات المتحدة للسلام بالاشتراك مع مركز وودرو ويلسون الدولي عام 2010 ،"خلال قرون اعتُبر النصيريون العلويون فعلاً كمهرطقين من قبل الشيعة والسنة على حد سواء وغالباً ما كانوا يتعرضون للاضطهاد".

أما الفارق الآخر بين الشيعة الإمامية  و العلويون هو "الزعامة" فالإمامية يتزعمها آية الله و هو الذي يمثل المرجع في المسائل الفقهية و الشرعية و الطقوس، لكن العلوية لا يوجد فيها زعامة دينية مثل الإمامية.

و يمكن أن نخلص هنا إلى أن الروابط التي تجمع بين إيران وسوريا تتعلق بالحفاظ على الأقلية في ظل منطقة يسيطر عليها أغلبية سنية، وقد تعززت هذه الروابط بصورة أكثر عقب بروز حكومة يهيمن عليها الشيعة في العراق عام 2003. بالإضافة إلى العزلة التي يعيشها الطرفان جعلتهما أكثر قربا من بعضهما البعض

العلاقات السياسية

تعززت العلاقات السياسية بين سوريا و إيران بعد الثورة الإيرانية وبداية الحكم الديني للجمهورية الإيرانية،  وتولى التنظير لها ووضع فلسفتها محمد حسين منتظري مؤسس الحرس الثوري الإيراني، الذي كان يرى أن الثورة الإيرانية الوليدة لا يُمكن أن تقف على قدميها إلا بالارتكاز إلى منظومة وثيقة من التحالفات مع كافة القوى التي تشاركها الأهداف الأساسية، وأن هذه التحالفات تُعد جزءاً من الثورة ذاتها.

ويقول الباحث عبد الجليل المرهون في مقالة بعنوان "تحليل العلاقات الإيرانية السورية" كان لمنتظري عبارة يرددها دائما تقول: "ثورة مستمرة لا دولة مستقرة". و بدأ هذا الشاب بتعزيز علاقات بلاده مع الأنظمة التي كانت توصف بالرديكالية في المنطقة مثل النظام الليبي و منظمة التحرير الفلسطينية

أرسلت طهران وفود مختلفة لبدأ تدشين علاقات دبلوماسية عميقة بين الطرفين بعد أسابيع قليلة من تسلم المتدينين مقاليد السلطة، بالتزامن مع توقيع ميثاق العمل القومي المشترك بين العراق و سوريا الذي انسحبت العراق منه بعد فترة قصيرة بعد سيطرت صدام حسين على الحكم، و في عام 1980 م اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في حينها وقفت سوريا إلى جانب حليفتها إيران و عادت العلاقات السورية العراقية إلى نقطة الصفر.

حجمت الحرب العراقية الإيرانية التوسع الإيراني و منعت من تطور العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية بين إيران وحلفاءها الجدد، وبعد تلك الحرب ظهرت تحالفات جديدة في المنطقة و على رأسها ما عرف بمحور الاعتدال الذي قام بسياسة خارجية ضاغطة على إيران و النظام السوري أو ما سمي بمحور الممانعة.

بعد الاجتياح العراقي للكويت في تسعينيات القرن الماضي و بدأ إنشاء تحالف دولي لإسقاط صدام حسين و تسارع الأحداث حتى احتلال العراق عام 2003 استغلت إيران انهيار العراق و بدأت بتوسيع نفوذها  وكانت قاعدة انطلاقها للمنطقة هي سوريا, من خلال استضافة الأحزاب و الحركات المتحالفة معها وتوفير قواعد دعم لوجستي لتلك الأطرف.

منذ نهاية عهد صدام حسين بدأت العلاقات الإيرانية السورية تمر بمرحلة تحول متأثرة بما يحدث في الشرق الأوسط و تشكل قوى ومحاور جديدة لا سيما بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي و زيادة الهيمنة الأمريكية على المنطقة، حيث رأت إيران في ذلك خطرا على أمنها القومي لا سيما بعد أن أصبحت عرضة للضغوط الغربية بشكل كبير، و بالرغم من تقوقع سوريا و إيران نحو شعارات المقاومة وفلسطين إلا أن هذه السياسات لم يكن لها أي رصيد في الميدان، إذ سعت سوريا إلى تعزيز إرتباطها مع الفصائل الفلسطينية المقاتلة مثل حماس و الجهاد الإسلامي للتأثير في مجريات الاحداث و عملية السلام التي لا تزال تراوح مكانها حتى يومنا هذا، و بالرغم من توجيه ضربات عسكرية صهيونية إلى الأرضي السورية إلا أن النظام السوري كان يلتزم دائما الصمت حيال ذلك في إشارة واضحة تظهر تمسكه بالمحافظة على الهدوء في علاقته مع

وأصبحت إيران الداعم الأساسي للصناعات العسكرية السورية بالتزامن مع دعمها لحزب الله في لبنان وأحزاب عراقية أخرى للتمهيد لإنشاء محور شيعي مؤثر في المنطقة.

مع بداية الثورة السورية رأت إيران أنها تمثل خطر استراتيجي عليها إذ أن إسقاط النظام العلوي في سوريا الذي كان مطلب الثوار سيكون من شأنه أن يطيح بأكبر حليف لها في الشرق الأوسط، وهذا الأمر له تبعاته على الأمن القومي الإيراني و مصالحها الإقليمية لذلك دعمت بكل قوة النظام السوري بالمال و السلاح و الجنود.

التعاون الإقتصادي

استثمرت إيران أموال كبيرة و خبرات بشرية في سوريا لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وفي تقرير نشرته محلة "فورين بوليسي" في يناير الماضي قالت إن العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية لا تقتصر على تلك المبالغ الكبيرة من الأموال والمصادر التي خُصصت للاستثمارات في وسائط النقل والبنية التحتية السورية، لأن السلطات الإيرانية وقعت قبل أشهر قليلة من اندلاع الثورة اتفاقية للغاز الطبيعي بقيمة 10 بلايين دولار مع سوريا والعراق لبناء خط انابيب للغاز يبدأ في إيران ويمر في سوريا ولبنان والبحر المتوسط حتى يصل إلى عدد من أوروبا.

وبموجب الاتفاقية التي دعمها المرشد الأعلى علي خامنئي فإن العراق وسوريا تحصلان على كميات معينة من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي كل يوم. كما أقر المرشد الإيراني 5.8 بليون دولار كمساعدة لسوريا من مركز الأبحاث الإستراتيجية  المختص بالبحث في ستة مجالات مختلفة بما فيها ابحاث السياسة الخارجية، والشرق الأوسط والخليج وأبحاث الاقتصاد السياسي الدولي.

ووقع الطرفان اتفاقية أخرى تنص على تأسيس بنك مشترك في دمشق، تملك فيه الحكومة الإيرانية 60 في المائة. والمفروض أن يسمح الاتفاق لإيران تعيين مواقع مالية أخرى تتم فيها تحويلاتها إلى سوريا.

وكان النظام السوري بفعل الضغط الدولي المفروض عليه يسعى إلى تشكيل جبهة اقتصادية إقليمية من خلال مشروع مكون من 17 مادة جرى التوقيع عليها وركزت على "التجارة والاستثمار والتخطيط والإحصاءات والصناعات ووسائط النقل والصحة والزراعة والسياحة"، إلا أن الجهود الإيرانية فشلت لتعزيز هذا الجانب.

ودفع الضغط الاقتصادي على الدولتين كلا من إيران وسوريا إلى توقيع اتفاق تجارة حرة رمزي في 13 ديسمبر 2011،  لمحاولة التقليل من تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض دول الجامعة العربية.

::  "البيان" تنشر ملف شامل ومواكب لأحداث الثورة السورية

أعلى