العبث الإيراني والديموغرافيا السورية

العبث الإيراني والديموغرافيا السورية



أعدّه: حسين الزعبي




قد لا يكون الحديث عن خطورة ملف اللاجئين السوريين بجديد لجهة البعد الانساني وما يترتب عليه من معاناة مُركبة لملايين البشر حيث تقدر الإحصائيات عددهم بـأكثر من عشرة ملايين نازح ولاجئ يتوزعون على أصقاع الأرض في ظروف إنسانية سيئة، فالرعاية الصحية في حدها الأدنى والتحصيل العلمي بمفهومه الحقيقي شبه متوقف للسنة الثالثة على التوالي، فالطفل الذي كان يفترض أن يدخل المدرسة منذ ثلاث سنين ويفترض أيضا أنها الآن على مقاعد الصف الثالث الابتدائي، لكن شيئا من هذا لم يتحقق لمئات الآلاف من الأطفال السوريين، الذين بدأت الأمراض التي انقرضت من العالم تعود إلى أجسادهم التي أرهقها النظام؛ فشلل الاطفال بات زائرا دائما في محافظة دير الزور، والسل أخذ يفتك بأبناء حوران، بينما تهتك الصدمات العصبية بأطفال حمص، وإن كانت كل هذه الأمور تندرج ضمن الطابع الإنساني الإغاثي، فهي أيضا ذات انعكاس اجتماعي جعل العديد من المناطق السورية تربة خصبة لنمو أفكار وسلوكيات طارئة على المجتمع السوري المسلم في عمومه، العربي في جُله.

الجانب الإنساني في قضية اللاجئين والنازحين السوريين بتفرعاته الاقتصادية والتعليمية والصحية لا يشكل سوى رأس جبل الجليد، بل لعل هذه  التفرعات هي الأسهل والأقل خطورة، على أهيمتها،  إلا أن تحت الماء كتلة من التأثيرات الأخرى ولعلها الأخطر ليس على الوضع السوري فحسب، بل على المنطقة برمتها دون أن يسلم من تداعياته العالم برمته، تداعيات ذات أبعاد سياسية وديموغرافياً من شأنها أن تخلق وضعا (جيوبولتيكياً) جديداً.

قواعد التاريخ والجغرافية

إذا كانت الجغرافية ثابتة في شكلها الطبيعي فإن الأمر ليس كذلك إذا نظرنا إليها من النافذة السياسية، فما رسمه سايكس وبيكو سياسيا في العام 1916 تحول إلى حالة جغرافيّة ذات بعد سياسي أوجدت في لحظة تاريخية تحولات كبرى على المستوى العالمي، أوجدت، كيانات محددة بحدود افتراضية، وهنا نستخدم مفردة كيان بعيدا عن المفهوم الذي تداولته أدبيات البعث السوري ونظيره العراقي، وإنما الاستخدام هنا للإشارة إلى المكون السياسي الذي ارتبط بجغرافية سُميت العراق، سوريا، الاردن... وذلك في صيرورة تاريخية لم يكن العرب فيها إلا الجزء المنفعل المُنفذ من حيث لا تدري الشعوب أنها تنزلق إلى مكان يخرجها من التاريخ كفاعل حضاري، ومُتقلصة إلى كيانات متنافرة بفعل القائمين عليها والذين ينفذون إما إجبارا أو طوعا ما تريده القوى العالمية التي تستند في تحريك خيوط اللعبة السياسية إلى التناقضات الاثنية القومية منها والدينية فضلا عن التناقضات السياسية بين تلك الكيانات، فكانت سوريا والعراق إحدى الكيانات الأبرز في المشرق العربي، فالعراق تشكل من أغلبية سنية جزء منها كردي القومية أراد الاستقلال وقدم الهوية القومية على الهوية الدينية ليترك العرب السنة مكشوفي الضهر في مواجهة الفعل الشيعي الصفوي الذي أخذ ينزع عن العراق عروبته، بل وسُنيته، بالمعنى السياسي فضلا عن المعنى الاستئصالي للتواجد السني من مساحات واسعة من جغرافيا العراق الذي أصبح سيفا فارسيا مصلتا على المنطقة جنوبا باتجاه الجزيرة العربية ودول الخليج.. وغربا باتجاه سوريا، حيث يكمن الحلم الامبراطوري لدولة فارس المعممة بالوصول إلى مياه المتوسط، المياه التي عجزت عن الوصول إليها طيلة ألفي عام.

عقر دار الأمويين

لم يكن التواجد الإيراني في سوريا وليد الأزمة الحالية بل بدأت بمشروعها الثقافي والاجتماعي والعقائدي منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، أما المشروع السياسي فكانت خطوطه العامة واضحة من خلال التحالف مع حافظ الأسد خلال تلك الحرب. وبعد احتلال العراق ووقوعه في القبضة الإيرانية وجدت إيران الطريق ممهدا إلى سوريا، وأخذت تعمل على تشييع الكثير من المناطق بدءا من مركز السيدة زينب في ريف دمشق إلى منطقة الجزيرة السورية مروراً بوسط سورية خاصة حول حماة، وذلك بترحيب من النظام الذي كان أحد أعمدته الشيعي (هشام الاختيار) والذي كان له دورا كبيرا في تصعيد الثورة السورية من لحظاتها الأولى إذ كان معنيا بإدارتها، بينما كان ذراعه الإعلامي مدير مكتب قناة العالم الإيرانية في دمشق حسين مرتضى الذي خصصت له الأفرع الأمنية مرافقة خاصة لحمايته وكان يشرف بشكل مباشر على الأداء الإعلامي للتلفزيون السوري الرسمي ولقناة الدنيا شبه الخاصة.

سهل هشام الاختيار رجل إيران في سوريا الذي تم اغتياله في تفجير خلية الأزمة الغامض- سهل- فتح الحوزات وإقامة الندوات وإجراء الاجتماعات وممارسة الشعائر (اللطمية) في ساحات منطقة السيدة زينب، وبالتوازي مع هذه التسهيلات  أقدمت المستشارية الإيرانية على تأمين بعثات دراسية مجانية للطلاب السوريين في محاولة لإغرائهم بطريقة غير مباشرة بالتشيع. وبالمقابل مورست على أهلالسنةوالجماعةضغوط بكافة الاتجاهاتفنشطت أجهزة الأمن في تعقب كل من تسول له نفسه أن يستقبل بعض أصدقائه أو معارفه سواء كانوا رجالا أو نساء أمن لتدارس القرآن الكريم أو السنة النبوية، ويجري بصورة دورية استدعاء أئمة وخطباء لممارسة سادية القمع عليهم لإخافتهم، ومنثم تتم اعتقالات واسعة في هذا الطيف تحت ذريعة السلفية أو الوهابية و ما سوى ذلك،ويجري منع الصلاة في الجيش ومراكز الأمن خلافاً للدستور والقانون. وهذا ما أكده المعارض السوري الحقوقي هيثم المالح.

نور الدين الشهيد..مرتين

لقد نجح الإيرانيون عبر أزلامهم في مؤسسات النظام لاسيما الأمنية والاقتصادية والثقافية  فضلا عن المؤسسة الدينية- إن صح التعبير- في اختراق المجتمع السوري، فالمؤسسة الامنية وفرت الغطاء لكل الأذرع الأخرى التي تنفذ مخطط خلخلة المجتمع السوري.. فلم تكن بعض المشاريع الاقتصادية التي اقامتها إيران إلا مراكز استخبارية بالدرجة الاولى، وهنا لابد لنا أن نشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين كان حتى العام 2010 أقل من 250 مليون دولار وهذا ما أعلن عنه في اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التي عقدت في طهران في ذلك العام وكان لي فرصة حضورها كصحفي. ومن خلال هذا الرقم يمكن التأكيد أن الفوائد الاقتصادية العائدة على الشعب السوري هي في حدودها الدنيا، بينما الحقيقة أن بعض المنشآت التي أقامتها إيران كانت كما أشرنا عبارة عن مراكز استخباراتية  ، ووسائل استقطاب الفقراء للعمل فيها ليس بهدف مساعدتهم بل بهدف استقطابهم والتأثير الناعم على أفكارهم فضلا عن الإغراء المادي وخصوصا لأبناء الأحياء القريبة من منطقة السيدة زينب ولعلي أورد هنا ما ذكره البعض من أن إدارة معمل سيارات سابا الإيراني في دمشق كانت تحاول أن تغري بعض العمال بأن يجعلوا زوجاتهم المحجبات يرتدين الحجاب ولكن بالطريقة التي يرتدينها فتيات الشيعة في سوريا، وهن يتميزن بطريقة خاصة لارتداء الحجاب، وذلك مقابل مئة دولار للزوج ومئة للزوجة وذلك بهدف ترسيخ الزي الشيعي وجعل الناس يعتادونه.. وقد تم اعتماد هذا النهج في أوساط الطبقة الفقيرة، أما في قلب مدينة دمشق فكان تركيزهم على شراء البيوت داخل دمشق القديمة ولاسيما تلك المحيطة بالجامع الاموي والقريبة من مقام السيدة رقية، تارة بالترغيب المالي وأخرى بالترهيب الأمني لمن يرفض البيع ولعلنا لا نكشف سرا إذا قلنا أن المستشارية الإيرانية التي تقبع في ساحة المرجة هي من تتولى هذه العملية، ولهذه المستشارية وموقعها قصة مع بناء يفصله عن المستشارية شارع، هذا البناء والمعروف باسم مجمع البغا الإسلامي شُيدت أساساته في العام 1985 على أن يكون مسجدا ومركزا ثقافيا إسلاميا لأهل السنة والجماعة، ولكن هذا البناء ومنذ ذلك التاريخ بقي هيكلا عظميا، وقد روج النظام إشاعة أن هذا البناء توقف العمل به نتيجة اكتشاف نبع ماء تحته، وطبعا ومن معاينة شخصية أيضا لم أر هذا النبع، لكن ما يقال همسا أن المستشارية الإيرانية هي من عطل إتمام هذا البناء، بل وهي من ساهم في تحويل اسمه أيض من مجمع البغا نسبة لأحد علماء دمشق إلى اسم مجمع (الشهيد باسل الأسد)..

وليس بعيدا عن مكان المستشارية، لنور الدين الزنكي قصة أخرى مع الفرس، فمرقده يقع بمنطقة البزورية القريبة كذلك من المسجد الأموي، وهنا لا نشير إلى الحكم الشرعي في المقامات، ولكن نورد القصة التالية لإظهار الحرب التي يشنها الشيعة حتى على رموز السنة في قبورهم، إذ سعوا لإغلاق مسجد نور الدين والذي يضم في صحنه قبر الزنكي وتحويل المسجد إلى ما يشبه الخراب تحت مسمى إعادة الترميم، إذ بقي المسجد لأكثر من عام ونصف العام (وربما مازال مغلقا) وممنوع دخول الناس إليه تحت حجة إجراءات الترميم علما أن الجوار أكدوا أن لا أحد يأتي إلى المسجد ولا توجد أي أعمال ترميم على الإطلاق ولكن الجيران همسوا لأحد الزملاء الصحفيين طالبين أن لا يذكر المعلومة في التحقيق الذي أجراه أن إيرانيين دخلوا المسجد قبل أيام قليلة من قرار إغلاق المسجد، علما أن كرها تاريخيا يجمعهم بنور الدين فما الذي دفعهم لدخول المسجد..

الصحفي الذي أجرى التحقيق وتحدث عن الموضوع من باب الحرص على المناطق الأثرية خشية أن تتلقفه أجهزة المخابرات أوصل في حينها نسخة من المجلة التي نشر بها إلى محمد سعيد رمضان البوطي على أمل أن يتحرك في هذا الموضوع ولكن الرجل لم يحرك ساكنا.

وإذا كانت الإساءة مبطنة وبأسلوب ناعم تجاه مسجد نور الدين زنكي ومرقده، فإنها مفضوحة مكشوفة بل ووقحة في مقبرة باب الصغير حيث يُلقي الزوار الأوساخ على قبور ومراقد الصحابة في تلك المقبرة التي تقع في حي الشاغور في قلب دمشق.

لعبة التجنيس

قد يكون كل ما ذكرناه من سلوكيات أقل خطورة من محاولة تغيير الواقع الديموغرافي في سوريا، فالمعروف أن سوريا ذات أغلبية سنية، بينما لا تتجاوز نسبة الشيعة بحسب بعض الإحصائيات الـ 0.4% من مجمل السكان لذلك سعت إيران إلى استخدام منهج التشييع لرفع هذه النسبة ولم يكن السنة وحدهم المستهدفون من حركة التشيع ولعلنا هنا نقتبس بعض الأرقام من إحدى الدراسات الميدانية الممولة من الاتحاد الأوروبي والتي تعود للأشهر الستة الأولى من عام 2006،و وفقاً لهذه الدراسة،فإن توزيع المتحولين إلى المذهب الشيعي (المتشيعين) بين «العلويين»هو على النحو التالي:

- طرطوس: 44 % من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية.

-  اللاذقية 26 % من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية.

- حمص 14% من «مجموع» المتشيعين من الطائفة العلوية.

- حماة ودمشق: 16 %.

وأما النسب المئوية للمتحولين إلى المذهب الشيعي بين «السنة» في مختلف المحافظات فهي على النحو والتالي:

- حلب 46 %

- دمشق 23 %

- حمص 22 %

- حماة 5 %

- إدلب 4 %

بينما يتوزع بقية المتحولين إلى الشيعة على باقي المذاهب مثل الإسماعيليين والدروز وغيرهم.

ومع اندلاع الثورة وتحول إيران إلى عدو مباشر للشعب السوري الثائر ومشترك رئيس في الجرائم التي يرتكبها نظام الاسد تكشفت الأمور أمام الشعب السوري الذي خدعته مفردات المقاومة والممانعة لاسيما تلك التي كان يتشدق بها ربيبها حسن نصر الله، كما سقطت كل الإغراءات المادية أمام هول الجريمة التي ترتكبها الميليشيات الشيعية بدعم إيراني معلن وصريح، أصبح التواجد الشيعي برمته مهددا في سوريا، وهذا الأمر يعني بشكل أو بآخر القضاء على المشروع الشيعي الصفوي الفارسي، لذلك عمدت إلى تغيير سياستها التي تتماهى وتتوحد مع سياسات النظام، ففي حمص على سبيل المثال أفرغت أحياء بكاملها من السنة واستبدل سكانها بآخرين من العلوية والشيعة، ورغم ذلك لم تنجح هذه السياسة لأن عدد الشيعة والعلوية أصلا أقلية مقارنة بالسنة، إلا أن أسلوبا أكثر خطورة يجري تطبيقه بصمت ويتمثل بمنح شيعة لبنان الجنسية السورية بالإضافة إلى آخرين من العراق وبعض شيعة الأحواز، وهذا من شأنه أن يغير الخريطة السورية في أي تسوية مقبلة قد يُسفر عنها الملف السوري، وما يزيد من خطورة هذا الأمر النزف الدائم للسوريين السنة قتلاً ولجوءً.

::  "البيان" تنشر ملف شامل ومواكب لأحداث الثورة السورية

 

أعلى