شيخ الإسلام محمد العربي العلوي
يزخر
المغرب عبر تاريخه بعدد كبير من العلماء الأجلاء الذين ساهموا في بناء الدولة
المغربية، بما يقدمونه من إسهامات علمية، ونضالات ومواقف بطولية، واجتهادات فقهية،
خاصة وأن الملوك المغاربة كانوا يقربونهم دائما إليهم، ويستشيرونهم في الأمور
الهامة المتعلقة بالدولة باعتبارهم أهل الحل والعقد.
ويعتبر
"الشيخ محمد بن العربي العلوي" واحدا من الوجوه العلمية الكبيرة، التي
أفرزتها ظروف مغرب القرن العشرين، الذي تزايدت فيه الأطماع الاستعمارية بشكل خطير،
والتي أفضت في النهاية إلى احتلال البلاد، كنتيجة حتمية للضغوط العسكرية
والسياسية، والمالية، والفكرية، والتجارية التي مورست على النخبة الحاكمة في
المغرب، من قِبل الدول الأوربية الطامعة فيه.
ومما زاد الأمر
تعقيدا أن أوضاع المجتمع المغربي الداخلية في هذه الفترة، كانت متردية نتيجة
الجمود الفكري، وانتشار الخرافات والشعوذة، بسبب كثرة الطرق والزوايا، التي ابتعدت
بشكل كبير عن روح الكتاب والسنة، مما أدى إلى تشويه الفهم الصحيح للإسلام.
حالة المغرب هذه
التي تدعو إلى الشفقة والحسرة، اجتماعيا وفكريا، بسبب طغيان الجهل، وسياسيا
واقتصاديا، من جراء الاحتلال الأجنبي، هي التي ستجعل شيخنا يعمل بكل ما أوتي من
قوة، ضمن الحركة الوطنية، على شن حرب لا هوادة فيها ضد الجهل والطرقية، وضد
المستعمر الغاشم للبلاد، مستعملا في ذلك فكره السلفي، وحسه الوطني.
ميلاده، نشأته،
ودراسته:
هو الشريف
المصلح شيخ الاسلام أبو مصطفى محمد ابن العربي، ويمتد نسبه رحمه الله إلى محمد بن
عبد الله الملقب بالنفس الزكية (أخو إدريس الداخل للمغرب، وجد الأدارسة).
ولد محمد بن
العربي العلوي يوم 7 من ذي الحجة عام 1301 أو 1302 هـ / 1884م، بالقصر الجديد
بمدغرة، إحدى واحات "تافيلالت".
لعبت أسرته دورا
كبيرا في تكوين شخصيته وتوجيهه التوجيه العلي القويم، حيث كانت والدته تعينه على
حفظ القرآن الكريم، وتحثه على التحلي بالفضائل والأخلاق الإسلامية. ولم يكن دور
والده سيدي العربي بأقل من دور والدته في الحرص على تربيته وتوجيهه التوجيه العلمي
الصحيح، لأنه كان الأستاذ والمرجع الذي يستعين به الابن على فهم الدروس
واستيعابها، وذلك بطرح بعض الأسئلة عليه، وتتبع عمله، ومراقبته عن قرب لاختبار مدى
تقدمه في كل ما يدرسه.
وبعد أن أدرك
الأب أن ابنه قد حفظ القرآن، وبدأ يشق طريقه في الاتجاه العلمي الصحيح، وإرضاءً
لطموحات ولده وإرواءً لعطشه العلمي والفكري والسياسي، اصطحبه إلى فاس، العاصمة
العلمية والسياسية في بداية القرن العشرين، ليكون قريبا من أهل العلم ومصادر
القرارات حول ما يجري في المغرب من أحداث وتطورات، بعد أن ترك زوجته وأولاده
بمدغرة.
وبفاس استطاع
الشيخ العربي أن يجد لابنه مسكنا في "مدرسة الصفارين"، وبقي مع ولده
بفاس بضع سنوات، يخفف من ألم غربته، ويشد أزره، ويذلل معه كل الصعوبات التي تعترض
دراسته التي كان يتابعها "بالمدرسة المصباحية"، المركز الرئيسي آنذاك
للدراسات العلمية والأدبية والتاريخية والمنطقية والفلكية، بالإضافة إلى التفسير
والحديث وغيرها من العلوم. أما أساتذته "بجامعة القرويين" فنذكر منهم:
- الفقيه عبد
السلام بناني، قرأ عليه "المختصر الخليلي" للخرشي والدردير وجل
"صحيح البخاري" وشرح "الألفية" للمكودي، وغير ذلك من
المؤلفات.
- الفقيه محمد
بناني، قرأ عليه "منظومة الخزرجية في العروض" بشرح الزموري.
- التهامي جنون،
قرأ عليه بعض دروس من "المختصر" للخرشي و"صحيح" الإمام
البخاري، وغير هؤلاء العلماء الذين درس عليهم وهم كثير.
ويروى أن والده
العربي، دخل ذات يوم عليه فوجده منكبا على المطالعة والتحصيل، فقال له: "الآن
أودعك لأنك تذوقتها"، يقصد الدراسة، فما مرت بضع سنوات حتى أصبح محمد بن
العربي لامعا يشهد له بذلك شيوخه، وفي مقدمتهم شيخ الجماعة آنذاك أحمد بن الخياط.
اتجاهه الديني:
كان محمد بن
العربي العلوي في بدايته صوفيا في "الطريقة التجانية"، التي عرفت
انتشارا كبيرا في "تافيلالت" كباقي الطرق الأخرى مثل
"الدرقاوية" و"العيساوية" وغيرهما، وكان يدافع عن الطرق
وأهلها، إلا أنه بعد عدة عقود من الزمن، سوف يصبح إضافة إلى أستاذه أبي شعيب
الدكالي من الذين يضرب بهم المثل في السلفية بالمغرب، وكان السبب المباشر لهذه
الهداية، كتابا قدمه له إدريس برادة الكتبي آنذاك بالسبيطريين "بفاس"،
وعنوان هذا الكتاب هو "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لابن
تيمية، وبعد أن قرأ هذا الكتاب، وأمعن النظر فيه، رأى "الإسلام النظيف الذي
يحكم العقل والمنطق والعلم، الإسلام الذي يحرر الإنسانية من العبودية والاستغلال
والظلم، ثم اكتشف "المنار" و"الشهاب" و"العروة
الوثقى" لجمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، وبذلك تفتحت بصيرته على كنز
لم يحلم به".
ومن الأسباب
التي يجب الإشارة إليها في هذا التحول، شخصية شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي الذي
عاد من المشرق حاملا لواء السلفية الداعية للرجوع إلى الإسلام كما كان في منبعه
الأول، فقد اتصل به ابن العربي العلوي وأخذ عنه صحيح الامام البخاري للقسطلاني
والموطأ وجامع الترمذي ومقامات الحريري والنخبة في الاصطلاح لابن حجر وتفسير
النسفي، فأنار فكره، وقوّى عزيمته، وأخرجه من ربقة التقليد الأعمى، وبذلك انقلب من
فقيه عادي إلى مفكر إسلامي، يفضح المشعوذين ويجادلهم بالحجة الدينية والعقلية،
وانطلق كالنور يضيء عقول الشباب، وينقيها من الاعتقادات الفاسدة.
ومن بعد كان
الشيخ العلوي سبباً في خروج الشيخ تقي الدين الهلالي من التيجانية أيضاً بعد أن
تناظرا في صحة دعوى التيجاني أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، وعجز الهلالي
عن دفع طعون العلوي بكذب هذه الدعوى، فتبين للهلالي ضلال التيجانية، وتحول لمنهج
السلف وتتلمذ على الشيخ العلوي حتي أصبح علماً من أعلام الدعوة السلفية.
يقول د.
"محمد عابد الجابري" أن أصداء السلفية النهضوية في المشرق لم تتطور في
المغرب إلى سلفية جديدة فعلا، إلا عبر الشيخ أبي شعيب الدكالي "1878م -
1937م"، ومع السلفي المناضل محمد بن العربي العلوي (1884م - 1964م)،
وتلاميذه…"، ويقول "…بالفعل، كان الشيخ محمد بن العربي العلوي نموذجا
للعالم السلفي المناضل الشعبي في المغرب، سواء أثناء عقد الحماية أو خلال عهد
الاستقلال…" .
ولإبراز أهمية
هذا الشيخ ودوره في خدمة بلده، أورد الباحث محمد الوديع الآسفي في كتابه
"السلفي المناضل محمد بن العربي العلوي" شهادات لشخصيات وزعامات وطنية
أخرى، تشيد بالشيخ ابن العربي، وتجمع كلها على إخلاص الرجل وحبه لوطنه، وتسخير
علمه لمحاربة الخونة والمشعوذين، ورد كيد المستعمر الغاشم.
ومن بين هذه
الشخصيات:
- الأستاذ علال
الفاسي.
- الأستاذ محمد
المختار السوسي.
- المقاوم
الدكتور عبد اللطيف بن جلون.
- الدكتور محمد
زنيبر.
- الأديب
المقاوم محمد زياد.
- الأستاذ أحمد
زيادي.
- الأستاذ علي
يعتة.
- المقاوم حسن
العرائشي.
- شارل أندري
جوليان.
الوظائف التي
تولاها الشيخ:
تخرج محمد بن
العربي العلوي من "جامعة القرويين" متوجا بأعلى شهادة تمنحها الجامعة
آنذاك، بعدما أنهى دراسته بها سنة 1912، فكانت أول وظيفة أسندت إليه، هي تعيينه
"عدلا بأحباس فاس الجديد" في آخر نفس السنة، ثم رئيسا للاستئناف الشرعي
الأعلى بالرباط عام 1928، ووزيراً للعدل ابتداء من سنة 1938.
كما أن الشيخ
محمد بن العربي العلوي اختير "أستاذا ومربيا لأبناء الأسرة الملكية منذ العهد
الحفيظي"، بل يرجح محمد الوديع الآسفي أن يكون تواجد هذا الشاب الوطني الغيور
قرب مولاي عبد الحفيظ عقب التوقيع على معاهدة الحماية في تلك المرحلة الصعبة، كان
من جملة الأسباب التي دفعت بالملك المحاصَر إلى التنازل عن العرش، بعدما استشار،
واطلع، وشاهد غضب الجماهير في كل أنحاء البلاد.
وكان الفقيه ابن
العربي يُضرب به المثل في النزاهة والعدل في القضاء في فترات كان الارتشاء
والمحسوبية أمرا عاديا، بل أصبح يضرب المثل بنزاهته بين قضاة قبائل الأمازيغ في
أحواز فاس فكان يقال: «هذا ما توصّلت إليه من حكم وليس في استطاعتي مع الأسف أن
أُحضر القاضي ابن العربي للحكم في قضيتك».
كما أسندت إليه
أيضاً وظيفة أستاذ بثانوية مولاي إدريس بفاس، حيث وجد هناك شبابا متفتحا حبب إليه
دراسة الثقافة العربية، وخلال هذه المدة كان يتطوع لإلقاء دروس بالقرويين، فاجتمعت
حوله ثلة من شباب الثانوية الإدريسية، وأخرى من شباب القرويين، في طليعتهم علال
الفاسي، ومحمد بن الحسن الوزاني، وغيرهم كثير، من الذين أصبحوا قادة المغرب فيما
بعد وساروا على دربه.
ومن الوظائف
التي تقلدها في عهد الاستقلال، منصب "وزير مستشار بمجلس التاج"، الذي ظل
يشغله حتى سنة 1960".
أعماله الفكرية:
لقد كان التدريس
عند الشيخ محمد بن العربي العلوي جهادا ووسيلة للتربية الخلقية والسياسية، لذلك
عندما نقرأ سيرة حياته نجده متمسكا به إلى حد كبير في جميع أطوار حياته، سواء
عندما كان طالبا أو أستاذا أو قاضيا أو وزيرا، أو رئيسا لمجلس الاستئناف الشرعي.
ففي أي مكان حل
به كان التدريس هو شغله الشاغل: فقد كان يدرس في مسجد القرويين بفاس قبل تخرجه
وبعده، ودرس في مساجد الرباط وسلا والدار البيضاء، وحتى أثناء عمله قاضيا كانت له
ثلاثة دروس أسبوعيا في مادة الأدب مع توجيهات وإرشادات وذلك بالمدرسة الثانوية
الإدريسية بفاس، وكان يدرس حتى في منفاه كما حدث له عندما أبعد إلى إيموزار، وقرية
القصابي ومدغرة، حيث كان يقوم بجمع الناس حوله والتحدث إليهم، بل كان يخرج في سبيل
ذلك إلى الأسواق لتوعية الناس بأعداد كبيرة .
وقد تميزت دروسه
دائما بطابعها السلفي، في تجاوز كتب الفروع إلى الأصول في كل ما يتصل بالدين
والفقه، فأحيى بذلك دروس التفسير التي كانت مهجورة، لِما شاع بين الفقهاء من أن
تدريسها يعجل بموت السلطان.
وقد تميز محمد
بن العربي العلوي بالتجاوب مع أذهان الطلبة والمتتبعين، ومن السير بهم إلى الأمام
في التحصيل والمعرفة؛ من خلال حسن العبارة وانتخاب أساليبها، مما يسهل على الطلبة
الانتفاع بها، والاستفادة منها لغة وإنشاء، وبيانا، وحسن إلقاء.
وكانت له عناية
واهتمام بالتوسع في الدراسات اللغوية والأدبية، وهي دراسة لم تكن سوقها رائجة
بالبلاد، وبذلك تجاوز بطلبته كتب عصر الانحطاط والركاكة، إلى كتب تعتبر أصولا للغة
والآداب العربيين، كـ: "الكامل" للمبرد، و"الأمالي" لأبي علي
القالي، "العقد الفريد" لابن عبد ربه، و"البيان والتبيين"
للجاحظ، وهي كتب تزخر بالنماذج الأدبية الرائعة.
كما كان من
المشاركين الدائمين في مجالس الوعظ والإرشاد ودروس الحديث التي كانت تنظم بالقصر الملكي
بالرباط، خصوصا في شهر رمضان، ناهيك عن دروس التوعية ضد الجهل وكيد الاستعمار،
التي كان يعطيها بحماس وكثافة واستمرارية وفعالية كما سنفصل ذلك لاحقا.
ولم تقتصر جهوده
على طلبة العلم بل كان يحرص على هداية الجميع ولذلك كانت له علاقة طيبة ببعض
الشباب الذين انضموا تحت لواء بعض الأحزاب السياسية، فحرصاً منه على هدايتهم كان
يزورهم في مقرهم ليحاضر فيهم فخطب في مركز الاتحاد الاشتراكي وكانت النتيجة ما
ذكره المهدي بن بركة حين قال: "لولا محمد بن العربي العلوي لأصبح جل سياسيي
الاتحاد الاشتراكي ملاحدة".
غير أن ما يثير الانتباه،
في شخصية محمد بن العربي العلوي هو قلة آثاره المكتوبة، باستثناء بعض الأشعار
المنسوبة له، والتي أوردها محمد بن الفاطمي بن الحاج السلمي، وبعض أحكامه الشرعية
لما كان رئيسا للاستئناف الشرعي بالرباط.
فهل كان شيخنا
هذا زاهدا في الإنتاج الفكري فعلا، معتبرا أن الأجيال التي يكونها ويخرجها هي أحسن
كتبه وأفيدها؟ أم أن انشغالاته الكثيرة حالت دون اهتمامه بالتأليف؟ أم أن الظروف
لم تسمح بعد للباحثين لاكتشاف ما قد يكون خلفه هذا العالم من تآليف؟
بعض جوانب نضاله
ضد الجهل والاستعمار:
نقسم مضمون هذا
المحور إلى قسمين، نخصص الأول منهما لنضال هذا الشيخ ضد الجهل والشعوذة، وخرافات
الطرقية الخارجة عن تعاليم الكتاب والسنة، ونتطرق في الثاني لتصديه للإدارة
الاستعمارية وسياستها في المغرب، ومن دار في فلكها من المداهنين لفرنسا والمتزلفين
لها.
1- نضاله ضد
الجهل:
فتح محمد بن
العربي العلوي عينيه وترعرع وشبّ في مغرب يئن تحت وطأة التكالب الاستعماري، ولم
يكد يبلغ الثلاثين من عمره حتى خضعت البلاد للحماية الفرنسية، وانبطحت بذلك تحت
ضربات العدو، من دون أن يجد أية حيلة تمكنه من تجنيبه هذا المصير المشؤوم.
ولما كان محمد
بن العربي العلوي شاهدا على كل التطورات التي أفضت إلى سقوط المغرب، ومتتبعا لكل
المراحل الصعبة التي مر بها حتى توقيع عهد الحماية، فإنه تألم وحز في نفسه أن يرى
بلاد البطولات والأمجاد، وحامية الأمة العربية الإسلامية في جناحها الغربي ضد
التوسع الاستعماري والمسيحية تسقط في براثن الاستعمار؛ ومما زاده وعيا بهذا الوضع
المغربي الرديء حكومة ومجتمعا واقتصادا، متابعته لدراسته بجامعة القرويين بفاس
العاصمة السياسية والعلمية للبلاد، وتعرفه بنفس الجامعة على الطالب "محمد بن
عبد الكريم الخطابي"، "بطل حرب الريف" لاحقا، حيث دارت بين الشابين
الغيورين على بلدهما محادثات وحوارات، تركزت كلها حول المصائب التي ألمّت
بالبلاد، وما يجب القيام به مستقبلا من أجل إنقاذها من السقوط في الهاوية، دون أن
ننسى أن شيخنا كان معلما لأبناء الأسرة المالكة في عهد مولاي عبد الحفيظ كما سبقت
الإشارة إلى ذلك.
وإذا أضفنا إلى
كل هذا، تشبع ابن العربي بالفكر السلفي، إما أخذا عن شيخه الكبير أبي شعيب الدكالي
مباشرة، أو عن طريق قراءة كتابات ابن تيمية، ومحمد عبده، وجمال الدين الأفغاني
ورشيد رضا، والأمير شكيب أرسلان الذي زار المغرب، وغيرهم، فإن شيخنا سوف يبذل كل
ما في وسعه لتسخير هذه المعرفة وذلك الوعي من أجل يقظة الأمة المغربية.
ما هي مظاهر ذلك؟
نعتمد في الجواب
على هذا السؤال العريض على كتابات قليلة، وفي مقدمتها الكتاب القيم الذي ألفه محمد
الوديع الآسفي حول هذه الشخصية الفذة، وهو الكتاب الذي ضمنه شهادات عدد غير قليل
من المفكرين والزعماء الوطنيين، تجمع كلها على عظمة هذا الشيخ وتضحياته الكبيرة،
وفكره النير، وعمله الدؤوب من أجل الإسهام في تحرير البلاد والعباد، كما أن مؤلفين
غيورين آخرين قدموا إسهامات لا يستهان بها في الموضوع، مثل عبد القادر الصحراوي،
وعبد السلام بن عبد القادر بن سودة، وعبد الله الجراري، ومحمد بن هاشم العلوي،
وأحمد بناني، وعلال الفاسي، وعبد الكريم غلاب، وعبد الهادي التازي، وغيرهم.
ولولا تفضل هذه
الثلة من العلماء بإسهاماتهم هذه، لما عرفنا شيئا عن هذه القامة الوطنية الشامخة،
خصوصا وأن ابن العربي لم يكتب شيئا عن نفسه.
• الشهادات
الواردة التي أثبتها محمد الوديع الآسفي كثيرة، نكتفي منها بـ:
* شهادة الأستاذ
عبد الرحيم بوعبيد: أن الشيخ ابن العربي كان يقول ويدعو ويبشر، فأصبح علما من
أعلام الوطنية المغربية، بإبراز الهوية الإسلامية عن طريق نشر اللغة العربية،
والتشبث بالتعاليم النبوية الصحيحة.
* شهادة الدكتور
المقاوم عبد اللطيف بن جلون: الشيخ ابن العربي، كرس حياته ووقته وفكره وجهاده في
سبيل إصلاح هذه الأمة وتقويم اعوجاجها، وإيقاظها من رقادها، كما حاول ذلك قبله
جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، فأصبحت دروسه بمثابة ثورة فكرية ضد الجمود
والخرافات والأوهام، قبل الاستقلال وبعده.
* شهادة الأستاذ
محمد زنيبر: إن تعيين الشيخ ابن العربي العلوي وزيرا للعدل، لم يثنه عن الاشتغال
بالتدريس وإفادة الغير، ولعله كان يشعر بأن لديه رسالة نحو مواطنيه لا بد من
تأديتها، وصار يلقي دروسا مشبعة بروح سلفية وثيقة، مما جعل الجمهور يقبل عليه
ويلتف حول حلقته في المساجد.
* شهادة الأستاذ
المقاوم محمد العلوي الزرهوني: كانت لهجة الشيخ قوية مقرونة بالتحدي، يتصدى
للرجعيين من علماء الدين، فيقارع الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، كان ينبه جمهور
المواطنين بأن هذه الجماعة ترمي من وراء ذلك إلى تجميد العقول، وبث التواكل
والخمول، ودفع الناس إلى الرضوخ والاستسلام، فيتقاعس الناس عن النضال والكفاح،
بدعوى أن الله قد قضى ما قضى، وقدر ما قدر، فكان رحمه الله ينعتهم بالجبناء، ويحمل
على أهل الزوايا والطوائف الضالة؛ لكل ذلك، كانت رحاب المسجد تغص بالمواطنين الذين
كانوا يأتون من سائر الأحياء لسماع درره الغالية.
* أحمد زادي:
ابن العربي العلوي كان له أثر عميق في تأصيل الوطنية المغربية وتسليحها بالمنهج
السلفي المتحرر من رق الأضاليل والخرافات والأوهام.
* محمد
الحمداوي: كان حربا على الخرافة المحترفة للاكتساب والتضليل، في المسجد والبيت
والمنتزه.
ومن الذين درسوا
على الشيخ محمد بن العربي العلوي، وغرفوا من معينه فاعترفوا له بفضله، وما أسداه
من أياد بيضاء لهم، ولأقرانهم من الطلبة والمهنيين، في ثنايا الكتب التي ألفوها،
نذكر على سبيل المثال: علال الفاسي في "الحركات الاستقلالية" ومحمد
المختار السوسي في "الإلغيات".
فالأول يذكر
شيخه بإجلال، ويرى فيه الداعي الأساسي لحركة السلفية والمخرج لرجالها لما كان له
من الجرأة والإقدام والثبات في مواجهة المستعمر، ورجال الطرق الصوفية المتحالفين
معه، وكانت تجتمع بفاس ثلة من الشباب حوله، يضيف نفس المصدر.
ونفس الشيء يؤكد
عليه صاحب "الإلغيات"، الذي يعترف بفضل شيخه ابن العربي عليه.
أما الأستاذ
"عبد الكريم غلاب"، فنقرأ في كتابه ما يفيد أن الحركة السلفية
والإصلاحية عامة، انطلقت إلى المغرب عن طريق رائدين عظيمين هما: أبو شعيب الدكالي
وابن العربي العلوي، وبخصوص هذا الأخير يرى فيه الداعية الأول للسلفية بالمغرب،
مما عرضه لاضطهاد السلطات الاستعمارية عدة مرات لتضامنه مع الحركة الوطنية على
الخصوص.
إن الكل يجمع
على الدور الكبير الذي لعبه هذا الشيخ، في الرفع من المستوى الفكري لأبناء بلاده،
لإخراجهم من غياهب الجهل أولا، ولتوعيتهم بضرورة طرد المستعمر.
وما كان له أن
ينجح في مهمته هذه، لو لم يتصف بالصراحة والجرأة الضروريتين، وهو يعلن حربا لا
هوادة فيها ضد الفكر الغيبي التواكلي، مما أدى به بعض الأحيان إلى منع وإيقاف
عوائد الطرقيين الشنيعة، أثناء زيارتهم إحدى الأضرحة، كما فعل مع "الفرقة
العيساوية" بفاس، في خروجها إلى مكناس في شهر ربيع النبوي، لزيارة ضريح شيخهم
سيدي بن عيسى، وعندما قصد سدرة عظيمة كانت قبالة ضريح سيدي علي بوغالب بفاس، كان
يؤمها الناس من أجل الزيارة والتبرك فحطمها بنفسه، وذلك اقتداء بشيخه أبي شعيب
الدكالي الذي عمد إلى قطع شجرة كانت توجد بجوار "ضريح سيدي المنكود"
المجاور للسور الأندلسي، بسبب ما يعلق عليها من تمائم وحروز وخرق، وغيرها للتبرك
بها.
ومن ذلك أيضاً
أنه أفشل محاولات بعض الحاقدين الذين سعوا لتأليب الملك على الأستاذ علال الفاسي
بسبب دروسه التي كان يقدمها في القرويين والتي هاجم فيها الخرافات وأصحابها من
الأولياء المزيفين، فتدخل الشيخ العلوي بصفته عضواً بالمجلس الأعلى لجامعة
القرويين ودافع عنه ووضح الأمر للملك.
وفي إطار اهتمام
شيخنا بمواطنيه رجالا ونساء، ورغم شدته في المحافظة على تعاليم الإسلام، فإنه عمل
من أجل إخراج المرأة من غياهب الجهل التي كانت تعيش فيها، ولهذه الغاية ألقي
مجموعة من المحاضرات في ضرورة تعليم الفتاة المربية.
2- نضاله ضد
الاستعمار:
أشير في البداية
إلى أنه لا يمكن الفصل بين نضاله ضد الجهل والخرافة، ومواقفه المعادية للاستعمار،
لارتباط القضيتين ارتباطا وثيقا.
ورغم ذلك، سوف
أعمل على رصد بعض هذه المواقف فقط، خصوصا تلك التي اتسمت بالجرأة والشجاعة
والإقدام ضد الاستعمار الفرنسي بالمغرب، وجرّت عليه الكثير من المحن والاضطهادات.
كانت
"جامعة القرويين" هي مدرسة محمد بن العربي العلوي الأولى، التي ولّدت
فيه الروح الثورية، وهو ما يزال طالبا بها، للوقوف في وجه المستعمر، الذي جر على
البلاد كل أصناف الذل والمهانة، وقد زاد هذا الشعور الثوري تأججا لديه، بعد
التقائه بمحمد بن عبد الكريم الخطابي الذي كان يتابع دراسته بنفس الجامعة، إذ وجد
فيه نفس الروح، ونفس الميولات والتطلعات التي يراها لإنقاذ البلاد من التدهور،
فكانا يتبادلان فيما بينهما الأفكار الإسلامية المستقلة والآراء المتحررة من ربقة
الجهل والخرافة والتقليد، والتي تدعو إلى الجهاد من أجل حرية الإنسان وكرامته،
وعملا معا على نشر أفكارهما بين الفئات الشعبية، وفي مقدمتها الطلبة، بحيث لم يمض
غير قليل من الوقت حتى أصبح عدد هام من طلاب العلم وغيرهم من الحرفيين والعمال
والفلاحين، يجتمعون لدراسة الأحداث الوطنية والدولية المستجدة.
هذا الشعور
الجياش نحو وطنه، ورغبته الجامحة في ضرب المستعمر وهزمه أين ما كان هي التي جعلته
يبيع كل ما يملك من الكتب النفيسة حتى يستطيع شراء ما يحتاج إليه المقاتل المتطوع؛
ولذلك حاول أن يلتحق بجبهة القتال في حرب الريف، وفي الأطلس، غير أن ظروف الحصار
المضروب على البلاد من قبل العدو، حالت دون ذلك، كما أن القائد موحا وحمو الزيان
أقدم على تغيير خطته القتالية، بعد أن اكتفى بأبناء المنطقة الثائرة، لمعرفتهم
الدقيقة بمسالكها الوعرة.
من جهة أخرى،
عمد ابن العربي العلوي إلى مراسلة الزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني، ليسمح له
بالالتحاق بأرض فلسطين، بغية الجهاد مساهمة منه في تحريرها، لكن لم يصل له أي
جواب.
يقول علال
الفاسي: "… وما بدأ الجهاد في المغرب ضد الفرنسيين حتى اشترى بندقية، وتوجه
مع المجاهدين لمقاومة المهاجمين، ملهبا حماس الجند، ضاربا المثل بشجاعته
وصبره".
ومن أبرز
المحطات النضالية التي سجلها له التاريخ ضد المستعمر موقفه الشجاع سنة 1944، سواء
أمام السلطان محمد الخامس، أو أمام المقيم العام الفرنسي، عندما وضعت "عريضة
الاستقلال" التي قدمها حزب الاستقلال – الذي أسسه تلميذه علال الفاسي- على
طاولة المناقشة، كان ابن العربي العلوي الوحيد من أعضاء الحكومة الذي آمن بالفكرة
دون تردد، وأيد "حزب الاستقلال" بآرائه الصارمة في الموضوع، بخلاف بقية
أعضاء الحكومة الذي تراجعوا أمام رفض المقيم العام للعريضة، وتهديده لكل من يساند
مطالب هذه العريضة، باستثناء ابن العربي العلوي الذي تحدى تهديد المقيم العام،
وقدم استقالته من حكومة الصدر الأعظم احتجاجا على هذا الموقف، الذي اتخذته فرنسا
من هذا المطلب الوطني، واحتجاجا على تخاذل الهيئة الوزارية وتراجعها، أما رد
السلطات الاستعمارية على هذا الموقف، فكان نفي ابن العربي إلى قرية
"القصابي" ثم إلى "ميسور"، وبعد ذلك إلى "مدغرة"
مسقط رأسه.
ومن مواقفه
الجريئة الأخرى، وما أكثرها، افتاؤه بوجوب قتل محمد بن عرفة الذي حاولت فرنسا فرضه
سلطاناً على المغرب بعد نفيها لملك البلاد محمد الخامس سنة 1953 تطبيقاً للحديث
الشريف :"إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما"، ورفض التوقيع على
بيعة محمد بن عرفة سلطانا على المغرب، ومن مظاهر وفائه وحبه وإخلاصه لمحمد الخامس،
معارضته لتأسيس "مجلس المحافظة على العرش" بعد انسحاب بن عرفة.
كشف المؤرخ عبد
الكريم الفيلالي في كتابه" التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير" أن
هذه المؤامرة ضد السلطان كانت من تدبير التهامي الكلاوي الذي أصدر بيانا وقع عليه
270 من الباشاوات والقواد فيه:" إننا معشر القواد في مختلف الجهات المغربية
ومن في دائرتهم من المغاربة رجال حركة المعارضة والإصلاح الممضين أسفله تحت رئاسة
سعادة الباشا الهمام السيد الحاج التهامي المزواري الكلاوي، نتقدم بكل شرف إلى
سعادة المقيم العام للدولة الفرنسية الفخيمة بما يأتي: بما أن السلطان سيدي محمد
بن يوسف خرج عن جميع رجال المغرب العاملين، واتبع طريقا مخالفا للقواعد الدينية
بانتمائه للأحزاب المتطرفة غير المعترف بها وتطبيق مبادئها في البلاد، الشيء الذي
جعله يسير بالمغرب في طريق الهاوية، فإننا بصفتنا كبراء المغرب وأصحاب الحل
والعقد، ومن ذوي الغيرة على الدين الإسلامي نقدم لسعادة المقيم العام وللدولة
الفرنسية طلب عزل السلطان عن الحكم وتنحيته عن العرش وإسناد هذا الأمر إلى من
يستحقه".
بعد انكشاف
مؤامرة الكلاوي ضد السلطان الشرعي، خرجت فتوى شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي
بكفر الكلاوي ومن معه وإباحة دمائهم، وهي الفتوى التي تبناها 300 عالم من كل أنحاء
المغرب، وعززتها فتوى علماء الأزهر" بكفر الكلاوي ومروقه".
وبسبب هذا
الموقف والفتاوى نفاه الفرنسيون إلى القصابي قرب ميدلت، ثم نقلوه الى قصر السوق
نحو عامين، ثم نفوه مرة ثانية من فاس فاختار الإقامة بمصطاف إيموزار وذلك لأنه كان
يقوم بدروس بجامع القرويين فتضايقت منها السلطات الاستعمارية، فطلبت منه الانقطاع
عن تلك الدروس فأبى الخنوع لإرادتها فقررت نفيه ونفذته في 18 رمضان 1371هـ، ثم رجع
الى فاس في آخر رمضان وأقام بمنزله بدرب الورد بالمدينة الجديدة لكنه بقي ممنوعا
من دخول المدينة العتيقة لأنها اعتبرت أن منزله خارج المدينة، وعند محاولة فرنسا
إبعاد الملك محمد الخامس عن عرشه جعلت الحراسة على باب منزله ومنعته من الخروج منه
ومنع جميع الناس من الاتصال به، وبقي الأمر كذلك الى أن نفي مرة ثالثة في 11 ربيع
الثاني 1373هـ، وكان المنفى بمدينة تزنيت، ثم رجع إلى منزله بفاس بعد أن قضى عاما
كاملا.
وبعد عودة محمد
الخامس من منفاه عام 1376هـ، وحصول المغرب على استقلاله كان ابن العربي في طليعة
المستقبلين للملك المحبوب الذي استقبله بالأحضان، وأسند له بعد ذلك "وزارة
التاج" ليصبح مستشارا خاصا به، وعينه قاضياً شرعياً بالقصر الملكي وعضوا في
لجنة مدونة الفقه الإسلامي بيد أنه حضر في الاجتماع مرة واحدة ولم يوقع على
القرارات لاصطدام بعض فصولها مع أفكاره، ولما عرض مشروع الدستور الذي نص على أن
الحاكم يجوز له التشريع أفتى أن الحاكم هو الشريعة الإسلامية، فتعرض بسبب هذه
الفتوى لجملة من المحن وحاربه الوزير رضا أكديرة العلماني ونعته بالضلال، فقدم
استقالته من مجلس التاج في 1379هـ/ 1959م، وأعفي من منصب القضاء وأبى أن يتسلم
راتبه بعد استقالته. ورجع إلى منزله بفاس وصار يقوم بدروس بين الآونة والأخرى
بمسجد السنة بالمدينة الجديدة.
والشيخ العلوي
كان محل إجماع وقبول من سياسيي المغرب الوطنيين لسابق جهاده ومواقفه المشرفة ولأنه
لم ينحز إلى فريق عندما انقسمت الحركة الوطنية إلى حزب الاستقلال وحزب الشورى
والاستقلال، بعد رجوع الزعيمين الوطنيين (علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني) من
منفاهما وقد غابا فيه تسع سنوات (1937-1946م)، ولذلك قبل الطرفان به رئيساً للجنة
الوساطة بينهما، والتي للأسف لم تنجح.
منهجه:
* التركيز على نشر العلم من خلال التدريس، مع تبسيط العلم وعدم التعقيد
في الشرح.
* الاهتمام بالشباب لأنهم عماد المستقبل ولم تتمكن خرافات الطرقية من
عقولهم.
* كانت لديه شدة
على المخالفين خاصة أصحاب البدع، وكان يعتقد أن اللين لا يجدي معهم.
* المشاركة
السياسية ولو تحت قهر الاستعمار، والإصلاح من الداخل.
* التمسك
بالثوابت الوطنية ضد المستعمر ومحاربة الخونة.
* العمل الفردي،
والذي تسبب فيما بعد بتغلب التيار الموالي للمستعمر على المغرب، وإقصائه رحمه
الله.
وفاته رحمه الله:
بقي الشيخ
ملازما منزله يعيش حياة الكفاف بعد أن رفض راتب التقاعد واعتاش من كد يده حيث كان
عنده حلب أربع بقرات وعدد من الدجاج فيتعيش ببيع الحليب والبيض، إلى أن أجاب داعي
ربه إثر مرض قصير وذلك عشية يوم الخميس 22 محرم الحرام 1384هـ/ 4 يونيو - حزيران
1964م بمدينة فاس، وفي صباح الجمعة شيعت جنازته من منزله بفاس إلى مرقده الأخير
حيث جعل في طائرة خاصة أقلته إلى قصر السوق ثم حمل إلى مدغرة ودفن هناك بجانب
والده تنفيذا لوصيته.
:: سلسلة رموز الإصلاح
مصادر للتوسع:
* السلفي
المناضل الشيخ محمد بن العربي العلوي، د.محمد الوديع الآسفي.
* السلفية
والإصلاح، د.عبدالجليل بادو.
* الحركة
السلفية في المغرب، عدة مؤلفين.
[1] -
أصل مادة هذا المقال من مقال بعنوان (الشيخ محمد بن العربي العلوي العالم العامل
والسلفي المناضل ضد الجهل والاستعمار) لأحمد الأزمي، ونشر في مجلة دعوة الحق المغربية، وقد عدلت عليه وأضفت إليه من مقالات
أخرى في الإنترنت وبعض المراجع. أسامة شحادة.