المرحلة الجديدة من الصراع في سوريا

المرحلة الجديدة من الصراع في سوريا

 دخلت سوريا في مرحلة جديدة من الصراع الداخلي بعد أن نزل الجيش ودهم عدة مدن سورية على رأسها درعا مما أسفر عن مذابح بحق المدنيين، بعد أن كان الوضع متأرجحًا بين تظاهرات تقابلها بعض التنازلات من الحكومة السورية، إلا أن التطور الأخير ينذر بتفجر الأوضاع في سوريا بعد أن قرر النظام الحاكم فيما يبدو باستخدام سياسة الأرض المحروقة لتكون رادعًا للمدن السورية الأخرى التي تفكر في الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد، مهددًا بتحويل الوضع إلى حماة أخرى والتي قتل فيها عشرة آلاف سوري على يد نظام حافظ الأسد.

وعن هذا الموضوع كتب أنطوني شديد مقالاً(1) في النيويورك تايمز الأمريكية في 26 أبريل 2011، يعرض فيه منحنيات الصعود في ذلك الصراع الدامي بين شعب يطالب بإصلاحات وبين حكومة تستخدم أقصى أنواع العنف ضد الشعب وبنزول الجيش إلى الشارع وقمع المدنيين، ويقارن بين الوضع في سوريا والوضع في مصر التي رفض الجيش فيها أن يضرب المدنيين وهو ما كان السبب الرئيس في سقوط نظام حسني مبارك.

ويؤكد الكاتب أن عمليات القمع الوحشية تلك التي جرت في سوريا ضد المتظاهرات تمثل فصلاً جديدًا في ذلك الصراع الذي راح ضحيته أكثر من أربعمائة مدني حتى الآن، مما أدى إلى تصاعد المخاوف الدولية ودعوات إلى وقف العنف والحديث عن عقوبات محتملة ضد النظام السوري.

فقد شن الجيش السوري عمليات دهم واسعة النطاق على مدينة درعا بالدبابات والجنود وساعد في اعتقال العشرات من مختلف المدن حول البلاد يوم الاثنين الماضي، في تصعيد لهجمات مضادة ضد الانتفاضة السورية التي بلغت أسبوعها الخامس، وذلك طبقًا لسكان ولنشطاء حقوق إنسان، صرحوا بأن ما لا يقل عن 25 شخصًا قتلوا في درعا وسحل الجثث في شوارع المدينة، وكان ذلك هو جرس الإنذار الذي دق في الغرب بشأن التطورات في سوريا، والتي تعد لاعبًا إقليميًا هامًا متاخمًا لإسرائيل وحليفًا هامًا لإيران؛ فقد حثت وزارة الخارجية الأمريكية مواطنيها على عدم زيارة البلاد وقالت أنه على الأمريكيين المتواجدين هناك بالفعل الآن أن يغادروا البلاد على الفور.

وقد صرح مستشار أمريكي سافر إلى سوريا ليل الاثنين بأن وزارة الخارجية الأمريكية أمرت بإجلاء عائلات الدبلوماسيين وبعض الأفراد غير الأساسيين في تسيير العمل في السفارة الأمريكية في دمشق، وهي الإجراءات ذاتها التي تم اتخاذها في مصر بعدما دخلت الثورة هناك مراحلها المتقدمة، كما حثت بريطانيا هي الأخرى مواطنيها من غير ذوي الحاجة الملحة على عدم البقاء في سوريا والمغادرة على الفور.

وقد صرح وزير الخارجية البريطاني وليام هيج الثلاثاء أن هناك تحركات سيتم اتخاذها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي بعض الدول العربية الأخرى من أجل إرسال "إشارة قوية" للسلطات السورية، وأضافت الخارجية في بيان أن "هذا القمع الوحشي يجب أن يتوقف"، ولكن البيان لم يحدد أي إجراءات سيتم اتخاذها لكبح جماح الجيش السوري والأجهزة الأمنية هناك عن قمع المواطنين.

وفي مؤتمر صحفي في روما استخدم الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني لهجة مشابهة لإدانة عمليات القمع في سوريا، وفي وقت سابق وصفت الولايات المتحدة عمليات القمع تلك بأنها غير مقبولة على الإطلاق، وقد صرح تومي فيتور المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أن إدارة أوباما تفكر في فرض عقوبات على المسئولين السوريين من أجل "التوضيح لهم بأن سلوكهم غير مقبول على الإطلاق".

وفي الأمم المتحدة تبادل مسئولو الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مسودة بيان لمجلس الأمن يدين عمليات القمع ويدعو الحكومة السورية إلى احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير، وقد تبنت المسودة دعوة سكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون إلى إجراء تحقيق مستقل في ذلك الازدياد المضطرد في عدد القتلى في البلاد.

وحتى الاثنين الماضي قامت الحكومة السورية بإجراء خليط من التنازلات والاستخدام المفرط للقوة، ولكن تحركاتها الأخيرة تشير إلى أنها انحازت في النهاية إلى الاستخدام المفرط للقوة، بهدف قمع موجة الانشقاق في كافة محافظات البلاد والتي أدت إلى اهتزاز حكم بشار الأسد.وقد صرح محلل سوري في بيروت رفض ذكر اسمه أن "الحكومة السورية قررت أن تختار طريق العنف والقمع، ولكن من غير المعروف إلى أي مدى يمكن للحكومة السورية أن تصل إليه حتى الآن".

وكما حدث عام 1982 عندما تم قمع الثورة الإسلامية هناك وقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص في حماة، فإن الجيش السوري مرة ثانية أظهر رغبته في استخدام القوة لقمع شعبه، وبالرغم من أن هناك شائعات بانشقاقات بين صفوف الجنود، إلا أن القيادة لا يزال يهمن عليها الدائرة الداخلية لبشار الأسد، ونشر الجيش السوري في درعا يظهر أن قطاعًا كبيرًا من الحكومة لا يزال مواليًا لبشار، في تناقض صارخ لما حدث في مصر، عندما رفض الجيش أن يطلق النار على المتظاهرين وهو ما أثبت بعد ذلك أنه كان حاسمًا في سقوط حسني مبارك.

وقد صرحت وكالة الأنباء السورية الرسمية ليل الاثنين الماضي أن الجيش قد دخل المدينة بطلب من مواطنيها لاعتقال من وصفتهم بـ "الجماعات الإرهابية المتطرفة". ودرعا بلدة صغيرة بها ما يقرب من 75 ألف نسمة، أصبحت مرادفًا للثورة الشعبية التي مثلت التحدي الأكبر لحكم عائلة الأسد منذ أربعة عقود، فقد اندلعت التظاهرات هناك في مارس بعدما قامت الأجهزة الأمنية بالقبض على طلاب من المدارس الثانوية اتهموا برسم عبارات وصور معادية للحكومة على الحوائط، مما أدى إلى اندلاع تظاهرات انتشرت بدءًا من ساحل المتوسط وحتى المناطق الشرقية التي تهيمن عليها الأكراد امتدادًا حتى سهول جنوب سوريا حيث تقع درعا.

وقد صرح السكان أن ثمانية دبابات على الأقل دخلت المدينة قبل الفجر بقوات ما بين 4 إلى 6 آلاف جندي، بالرغ من أن بعض التقديرات تضع الأرقام أقل من ذلك بقليل، بعدة مئات. وقد تم قطع المياه والكهرباء وخطوط الهاتف عن المدينة، مما يجعل روايات شهود العيان صعبة وكذلك صعوبة التحقق من الأرقام، كما أن المعابر المجاورة إلى الأردن تم إغلاقها أيضًا، وقد اتخذ القناصة مواقعهم على أسطح المساجد بحسب روايات السكان، ودهم الجنود بمصاحبة قوات غير نظامية المنازل من بيت إلى بيت بحثًا عن المتظاهرين.

وقال أحد ساكني درعا والذي سمى نفسه عبد الله والذي تم التواصل معه عبر هاتف بالأقمار الصناعية: "هناك جثث في الشوارع لا نستطيع الوصول إليها، وأي فرد يغادر منزله يتلقى طلقه على الفور، إنهم يريدون أن يلقنوا سوريا درسًا عن طريق درعا".

وقد تم نشر عدة فيديوهات على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى شهادات سكان محليين، وكل ذلك أعطى صورة لمدينة تحت هجوم عسكري موسع، فيما يبدو فصل جديد في عمليات القمع الحكومي. فالدبابات لم يتم استخدامها في السابق ضد المتظاهرين، وقوة الهجوم تفيد أن الجيش يخطط لنوع من احتلال المدينة، وأكد عبد الله أن تلك محاولات صريحة لاحتلال البلدة.

فقد صرح بأن الجنود احتلوا ثلاثة مساجد ولكنهم لم يحتلوا المسجد العمري حتى وقت المكالمة، والذي لجأ إليه الآلاف من أجل حماية أنفسهم، ومنذ بدء الانتفاضة في الشهر الماضي كان المسجد بمثابة المقر الرئيس لتنظيم التظاهرات، ونقل عن أناس هناك أنهم أقسموا أن الجيش لن يدخل إلا على جثثهم.

وقال أن السكان حاولوا أيضًا أن يقطعوا الطريق بحواجز أسمنتية وسيارات، وأضاف: "إننا لم ندفع ذلك الثمن الباهظ لنتراجع الآن". فعلى مر أسابيع استطاع منظمو التظاهرات أن يفشلوا محاولات الحكومة للتعتيم الإعلامي على درعا والمدن الأخرى مثل حمص، ولكن بدا أن الأمر كان أكثر نجاحًا يوم الاثنين الماضي.

وقد عانى المنظمون أنفسهم من مشكلات في التواصل مع الآخرين وظهرت مقاطع فيديو قليلة من تلك الأحداث، إحداها تظهر جنودًا مدججين بالسلاح يتخذون مواقع وراء الجدران على بعض أمتار قليلة من دبابات رابضة على قمة طريق به أشجار، وفي لقطة أخرى يظهر شاب صغير السن يلقي بكتلة أسمنتية على دبابة مارة، وأظهرت مقاطع أخرى سحبًا من الدخان الأسود ووابل من الطلقات النارية تتردد صداها على مدى بعيد.

وصرح أحد السكان قائلاً أن "تلك هي الإصلاحات التي قدمها بشار الأسد" عندما كان يصور الدبابات وهي تدخل المدينة، وييف: "إنه يصلح درعا بالدبابات". وقد صرح وسام طريف المدير التنفيذي لمجموعة "إنسان" لحقوق الإنسان أن منظمته لديها قائمة بخمس وعشرين قتيلاً في درعا يوم الاثنين.

وقد صرح المتظاهرون أن الحكومة السورية شنت حملة اعتقالات موسعة على السكان البالغ عددهم 22 مليون نسمة، وقامت الأجهزة الأمنية بالبحث من منزل إلى منزل في المدن الأخرى المحيطة بدرعا، وقال نشطاء أن القوات الأمنية دخلت أيضًا بلدتين على ضواحي العاصمة واعتقلت العشرات.

وقد وقعت اشتباكات في الأحياء الفقيرة التي تحيط بالعاصمة دمشق وصرح نشطاء أنه سمعت طلقات نارية أثناء تلك المداهميات والاشتباكات، وفي جبلة المدينة الساحلية التي يقطنها غالبية سنية وبعض أعضاء الطائفة العلوية التي تنحدر منها الحكومة السورية وتحظى من خلالها بالدعم، قامت القوات الأمنية بقتل ما لا يقل عن 12 شخصًا في حملة مداهمات بدأت الأحد واستمرت حتى الليل، وقال أحد السكان أن متظاهرًا قام بحرق عربة عسكرية وأخذ جنديًا رهينة.

وصرح شخص آخر يكنى بـ "أبو أحمد" أن "الجيش ينتشر في كافة أرجاء المنطقة، لا أستطيع أن أصف مدى سوء الوضع طوال الليل، لقد كانت حرب شوارع". وقال أن القتال أدى إلى تفاقم التوتر بين السنة والعلويين، وهي دلالة خطيرة في تلك البلد التي تتشكل من فسيفساء من الأديان والأقليات العرقية، العديد منهم يخشون من أن سقوط الحكومة ربما يضير بهم، وأضاف أبو أحمد قائلاً أن "الإناء قد كسر، فهناك مشاحنات بيننا الآن، وأن المشكلة سوف تستمر للأبد في جبلة".

والمصالح الغربية في سوريا تتمثل في عدم سقوط النظام هناك لعدم تحولها إلى دولة فاشلة على الحدود الإسرائيلية، وما يمكن أن يستتبعه ذلك من هجرة المجاهدين من العراق ومن مناطق أخرى من العالم إليها والتسلل عبر أراضيها إلى الكيان الصهيوني، مما يمكن أن يجر المنطقة إلى حرب جديدة غير مضمونة العواقب لإسرائيل في ظل الثورات العربية في عدة بلدان في المنطقة.



(1)  http://www.nytimes.com/2011/04/27/world/middleeast/27syria.html?_r=1&pagewanted=1&hp

أعلى