• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
دلالات نتائج الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية

دلالات نتائج الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية

 لم تشهد الانتخابات التركية عبر تاريخها الطويل شغفاً واهتماماً وخطورة داخلياً وخارجياً مثل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة بتاريخ 24 يونيو 2018م، فكل الانتخابات السابقة كانت شبه طبيعية وإجرائية في نقل السلطة بالطرق الديمقراطية من حزب إلى آخر، لكن الانتخابات الأخيرة في تركيا وإن بدت في مظاهرها الشكلية عادية من حيث توجه المواطنين إلى صناديق الاقتراع إلا أنها ستكون مغايرة في نتائجها وآثارها على مستقبل تركيا ومكانتها الدولية، وستؤدي إلى قفزة دستورية في التاريخ التركي الحديث، كما أنها ستقرأ في قادم الأيام على أنها تدشين للجمهورية التركية الثانية، فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً لا تمثل فوزاً للرئيس أردوغان لمدة خمس سنوات جديدة فقط، ولا فوزاً لأعضاء جدد لمجلس النواب التركي فقط أيضاً، وإنما هي بمثابة إعادة تصويت على التعديلات الدستورية التي دعا إليها حزب العدالة والتنمية قبل سنة تقريباً، والتي تم التصويت عليها في الاستفتاء الشعبي بتاريخ 16 أبريل 2017م، فهذه التعديلات الدستورية أدخلت الجمهورية التركية في مرحلة تاريخية جديدة، ليس في اسم النظام الرئاسي وإنما بما أحدثته من تعديلات في بناء النظام السياسي الرئاسي وتغيير في وظيفة رئيس الجمهورية التركية وصلاحياته التنفيذية، وفي وظيفة البرلمان التركي والقانون القضائي والعسكري والانتخابي وغيرها، فهذه التعديلات الدستورية أدخلت تركيا في مصاف الدول الرئاسية الكبيرة من وجهة نظر تركية رسمية على أقل تقدير، مثل النظام الرئاسي الأمريكي والنظام الرئاسي الروسي والنظام الرئاسي الفرنسي وأشباهها، وهذه نقطة تحدٍ للرئاسة التركية الجديدة في السنوات القادمة في جعل تركيا دولة كبيرة وقوية وفي مصاف الدول المتقدمة.

فوز تحالف الشعب فوز للتعديلات الدستورية:

كان من الشعارات التي رفعها مرشح المعارضة الأكبر محرم أنجي مرشح حزب الشعب الجمهوري أنه سوف يلغي التعديلات الدستورية خلال أربع وعشرين ساعة من فوزه في الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى شعارات أخرى مثل رفع حالة الطوارئ وإعادة فتح السفارة السورية لنظام بشار الأسد وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهم نحو ثلاثة ملايين لاجئ في تركيا، وبرغم الجهود الكبيرة التي بذلها محرم أنجي في الحملة التحضيرية للانتخابات، وعقده لأكثر من مئة وخمسين مهرجاناً شعبياً كبيراً في معظم المدن التركية خلال فترة وجيزة بحدود خمسة وأربعين يوماً، إلا أنه لم يفز بمنصب رئاسة الجمهورية، وإن حقق نسبة عالية تجاوزت 30%، وهذا نجاح كبير لأنجي لا يمكن تجاهله، بل له تأثيراته على مستقبل المعارضة التركية في السنوات القادمة.

وإعلان محرم أنجي أن محور شعاره الانتخابي التراجع عن التعديلات الدستورية وعدم نجاحه في ذلك ينبغي أن يقرأ على أن أغلبية الشعب التركي مع هذه التعديلات الدستورية، فالشعارات التي رفعها الرئيس أردوغان هي أن التعديلات الدستورية سوف تنقل تركيا إلى مصاف الدول العشر الأولى في العالم اقتصادياً وصناعياً، وهو ما أكده بعد إعلان فوزه بصفة غير رسمية من أن هذا الفوز هو فوز للتعديلات الدستورية أيضاً، حيث سوف يتمكن رئيس الجمهورية من مباشرة سلطته السياسية التنفيذية بكامل الصلاحيات أولاً، ودون إعاقة بيروقراطية كما كان في السابق ثانياً، وأما البرلمان فقد حاز على تنوع من أغلب الأحزاب السياسية التركية، وبرغم تراجع نسبة برلماني حزب العدالة والتنمية نحو 7%، فإنه يبقى العدد الأكبر من نواب البرلمان، فقد حصد حزب العدالة والتنمية 42.56% بعدد (295) نائباً، وحزب الحركة القومية بنسبة 11.1% بعدد (49) نائباً، وحزب الشعب الجمهوري بنسبة 22.64% بعدد (146) نائباً، وحزب الشعوب الديمقراطي بنسبة 11.7% بعدد (67) نائباً، وحزب الخير بنسبة 9.69% وعدد (43) نائباً، فيما لم تستطع الأحزاب الأخرى تجاوز العتبة الانتخابية وهي  10% بحسب قانون الانتخاب التركي، ولن يكون لها نواب في المجلس، فالبرلمان التركي المؤيد للرئاسة سوف يتشكل من نواب تحالف الشعب، من نواب حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، وهم يشكلون نحو 53%، وعددهم (338) نائباً من عدد مجلس النواب التركي الجديد البالغ (600) نائب، ونواب المعارضة بنسبة 33.94% وعدد (189) نائباً، وهذه النسب ليس بالضرورة أن تثبت في صفوف السلطة أو المعارضة في التصويت على التشريعات القادمة أولاً، ويبقى دور حزب الشعوب الديمقراطي مستقلاً عن نواب السلطة والمعارضة ثانياً، وإن كان أقرب للمعارضة من السلطة.

آثار هذه التعديلات على تركيا والمنطقة:

من المؤكد أن تغيرات أساسية سوف تحدث على مستوى الداخل التركي، فتجاوز مرحلة الرئيس الجمهوري الفخري أو محدود الصلاحيات في النظام السياسي السابق سيكون له تأثيره على إدارة الشؤون السياسية الداخلية، وكذلك تغير دور البرلمان التركي عن المشاركة في الحكومة والسلطة التنفيذية سيكون له آثاره في المستقبل أيضاً، وكذلك إدارة الشؤون الاقتصادية والمالية وغيرها، فأردوغان وبرغم تأثيره الكبير على تحديد مهمات السياسة التركية داخلياً في السنوات الماضية، ولكنه الآن سيكون المسؤول المباشر عن رسم السياسات الداخلية وتنفيذها ومتابعة نجاحها وإخفاقها، فتركيا داخلياً أمام مستحقات أكبر في المصالحة الداخلية والانفتاح أكثر على كافة القوميات التركية، وبالأخص في المسألة الكردية، فقدرات الرئيس أردوغان على التقدم في هذه المسألة ستكون أكثر صعوبة من ذي قبل، لأن أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية ستكون قدراتهم مرتهنة بموقف حزب الحركة القومية ورئيسه دولت باهشلي، بل وربما مع حزب معارض قومي آخر وهو حزب الخير بزعامة ميرال أكشينار، لأنها تتزعم الشق الثاني من نواب الحركة القومية المنشقين معها عن حزب الحركة القومية بزعامة باهشلي، بل قد تكون الصعوبة أكبر بالنسبة لرئيس الجمهورية أردوغان إذا اتحدت أصوات القوميين واليمينيين الأتراك مع أصوات نواب حزب الشعب الجمهوري في معارضة بعض سياسات الرئيس أردوغان في المستقبل. 

لقد قرأ البعض بعض المؤشرات المهمة لفوز حزب الشعوب الديمقراطي في دخول البرلمان التركي وتخطيه للعتبة الانتخابية (10%)، والبعض يعزو هذا الفوز على حساب النسبة البرلمانية التي خسرها حزب العدالة والتنمية في البرلمان، وكأنها ثمن تمرير الانتخابات بهدوء وسلاسة، وحتى تكون هذه النسبة نواة لحزب الشعوب الديمقراطي داخل البرلمان التركي القادم، بهدف أن يعيد الحزب عملية المصالحة الداخلية إلى مسارها السياسي السلمي، ولكن ذلك سيكون رهن تخلي حزب الشعوب الديمقراطي التركي عن التبعية لحزب العمال الكردستاني الإرهابي من وجهة نظر الحكومة والشعب التركي، وهذا يعني تخلي حزب الشعوب الديمقراطي عن تأييد الأحزاب الانفصالية في سوريا أيضاً، والتي اضطرت الجيش التركي للدخول إلى الأراضي السورية لإخراجها من شرق الفرات، في عمليات عسكرية كبيرة هي درع الفرات وغصن الزيتون، ثم الاتفاق الأخير بين تركيا وأمريكا على سحب تلك القوات الكردية من منبج.

نتائج الانتخابات على السياسة التركية القادمة:

بعد هذه النتائج في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية ستكون تركيا أمام سياسة خارجية أكثر تحرراً، لأن الرئيس التركي سيجد نفسه رئيساً مكلفاً من الشعب التركي للدفاع عن أمنه القومي ومصالح شعبه داخلياً وخارجياً، وقد واجهت تركيا في السنوات القليلة الماضية الكثير من التحديات الخارجية، فبعض العواصم الأوربية حاولت كثيراً إعاقة مسار النجاحات الاقتصادية في تركيا، والتي تجد فيها بعض العواصم الأوربية منافساً كبيراً لها، ومنها مطار إسطنبول الكبير، والذي سيكون أكبر مطارات أوربا، إضافة إلى العديد من المشاريع الإنشائية الكبرى التي أقدمت عليها حكومات العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، ومنها أنفاق كبيرة وعديدة بين شقي إسطنبول بين قارتي آسيا وأوربا، فهذه الأنفاق وفرت طرقاً دولية جديدة يمكن أن تتحكم بطرق التجارة الدولية التي ترتبط بخط الحرير التجاري بين بكين وإسطنبول ولندن.

لقد قرأ بعض الأوربيين والغربيين أن الرئيس أردوغان كان متشدداً في مواقفه السابقة نحو السياسات الأوربية والأمريكية نحو قضايا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ومنها مواقفه الرافضة لازدواجية المعايير الدولية نحو القضايا التركية والإسلامية، ومنها قضية القدس والإسلاموفوبيا في أوربا وأمريكا ومنع المهاجرين من دخول أوربا وتحميل تركيا القسط الأكبر من المسؤولية عنها دون مشاركة أوربية حقيقية ولا تقدير، إضافة إلى دعم بعض العواصم الأوربية المنظمات الإرهابية التي تعادي الرئاسة التركية ومنها حركة فتح الله جولن، وبالأخص بعد تزعم العملية الانقلابية الأخيرة الفاشلة قبل عامين، إضافة لما تمنحه هذه العواصم الأوربية لعناصر حزب العمال الكردستاني من حرية الحركة ونقل الدعم اللوجستي لعناصره في سوريا وتركيا والعراق، بحسب اعترافات بعض جنرالات حلف الناتو أنفسهم قبل أيام.

إن فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية سيفتح صفحة جديدة لرسم العلاقات التركية الأوربية والأمريكية، وسوف يفتح صفحة جديد في العلاقات التركية الأمريكية المتوترة، وقد بدت بوادر تحسنها قبل الانتخابات بأيام، ظهرت بوادرها بعودة السفير الأمريكي الجديد إلى أنقرة الأسبوع الماضي بعد غياب دام نحو عام، وكذلك بدأت تركيا وأمريكا بتنفيذ اتفاق منبج بتسيير دوريات مشتركة وبدء انسحاب قوات سوريا الديمقراطية منها، وأخيراً توقيع اتفاق تملك تركيا للمقاتلة الأمريكية إف 35 من أمريكا قبل الانتخابات التركية بأيام، فهذه مؤشرات على اتجاه متفق عليه على تحسين العلاقات التركية الأمريكية، قد تتعداها إلى اتفاقات تركية أمريكية حول غرب الفرات.

إن الترحيب الدولي الكبير بفوز أردوغان هو دليل على أن تركيا مقدمة على نوع من الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، فمؤسسات التصنيف الائتماني اليابانية قرأت في نتائج الانتخابات التركية مؤشرات إيجابية لرفع مستوى التصنيف الائتماني للاقتصاد التركي، وعودة تحسن سعر الليرة التركية مؤشر آخر، إضافة إلى أن كل دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية فضلاً عن الدول الخليجية الأخرى، كلها أرسلت برقيات التهنئة بفوز الرئيس أردوغان، وهذا مؤشر  على رغبة خليجية لتحسين علاقاتها مع تركيا وزيادة التعاون الاقتصادي بينها.

لا شك أن محاولات التأثير على هذه الانتخابات قد آتت أكلها بشأن تحسين موقف المعارضة التركية، ولكن هذا التحسن قد يكون ضعيفاً ومحدوداً بالنظر إلى تغير النظام السياسي في تركيا، والمأمول أن تعيد الرئاسة التركية والحكومات الأوربية النظر في العلاقات التركية الأوربية، فقدرات تأثير العواصم الأوربية على السياسة التركية ستكون أضعف في النظام الرئاسي الجديد، وإن بقيت العلاقة مع أوربا في إطار انعكاس العلاقات بين الأحزاب التركية، فالتوتر داخل تركيا ليس بين أبناء الشعب التركي وإنما هو توتر بين الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة، ونتائج الانتخابات تؤكد ذلك، ولكن أحلام الغرب قد لا تجد نجاحاً بالتعويل على أحزاب المعارضة التركية، وبالتعويل على صراعات داخلية أو حروب أهلية قومية أو طائفية، فهذه احتمالات بعيدة من وجهة نظر الشعب التركي، لأن الشعب التركي يرى نفسه قد أدرك وأتقن اللعبة الديمقراطية على الطريقة الأوربية والغربية، واتصال محرم أنجي المنافس الأكبر لأردوغان في الانتخابات الرئاسية الحالية بعد صدور نتائج الانتخابات وتهنئته لأردوغان بالفوز دليل على أن السياسيين الأتراك يتقنون اللعبة الديمقراطية ويتقبلون نتائجها برحابة صدر، وهذا موضع تقدير واحترام من الشعب التركي أيضاً.

أعلى