• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حوار مع رئيس حزب الرشاد السلفي اليمني

حوار مع رئيس حزب الرشاد السلفي اليمني


استهلال: يعدُّ الدكتور محمد بن موسى العامري من أبرز مشائخ وعلماء اليمن، ومن أوائل من تتلمذ على الشيخ مقبل الوادعي، ورحل إلى أرض الحرمين واستفاد من بعض مشائخها؛ كالشيخ عبدالعزيز بن باز، وابن عثيمين - رحمهما الله -، وغيرهما من المشائخ.. وأسس مركز الدعوة العملي بصنعاء، وهو نائب رئيس هيئة علماء اليمن، وعضو رابطة علماء المسلمين، ومؤخراً أسس مع بعض المشائخ أول حزب سلفي في اليمن باسم «اتحاد الرشاد اليمني». والشيخ العامري شارك في اللجنة الفنية للتحضير للحوار الوطني عن حزب الرشاد، ثم اختير عضواً للحوار الوطني، وبعد ذلك تم اختياره ضمن لجنة التوفيق في المؤتمر نفسه.. «البيان» التقت الدكتور العامري وحاورته عن المشهد السياسي في اليمن، والتجربة السلفية في العمل السلفي، وتداعيات التحول السلفي إلى العمل السياسي، والجدل الدائر عن الشريعة الإسلامية في مؤتمر الحوار، وغيرها من المواضيع في ثنايا هذا الحوار الشامل:

البيان: بداية كيف تصفون المشهد السياسي الحالي في اليمن؟

المشهد السياسي في اليمن يمكن أن ينظر إليه من زاويتين:

الأولى: وهي الجانب الإيجابي، وهو توافق القوى السياسية من خلال الحوار الوطني إلى بعض الصيغ التصالحية التي حالت دون دخول أبناء اليمن في دوامة الصراعات المسلحة والحروب الأهلية، وهذا الاتجاه بحد ذاته إذا نُظر إليه مجرداً يعد في الواقع مقارنة بما يجري في مناطق مشابهة إنجازاً لا بأس به، وهو ما أفرزته المبادرة الخليجية.

الثانية: وهي الجانب السلبي باعتبار ما يجري في الواقع على صعيد العملية السياسية بالغ التعقيد، سواء من حيث الأداء الحكومي لحكومة الوفاق الوطني وما يحيط بها من المناكفات السياسية والصراعات التاريخية بين القوى التقليدية التي قطفت ثمار الثورة الشبابية.. أو من الناحية الأمنية التي تزداد سوءاً وتدهوراً يوماً بعد يوم بسبب أعمال المليشيات المسلحة خارج إطار النظام والدستور لجماعة الحوثي وغيرها.

وكذلك بسبب الضعف الشديد في أداء الأجهزة الأمنية وغياب أو شبه غياب لتفعيل دور المؤسسة القضائية.

ولم يكن بعيداً عن ذلك الجوانب الاقتصادية التي جعلت من اليمن دولة أقرب ما تكون إلى منظومة الدول الفاشلة.

ويضاف إلى ذلك البطء الشديد في إجراءات وتنفيذ القرارات التي من شأنها ترسيخ مبدأ سيادة النظام والقانون ورفع المظالم ورد الاعتبارات للفئات المتضررة من مخلفات النظام السابق، وبخاصة في بعض المحافظات الجنوبية التي تشهد احتقانات متنامية بسبب هذه السياسة التي يرى كثير من المراقبين أنها مفتعلة؛ لإيجاد تسوية سياسية معينة تخل باستحقاقات المرحلة القادمة.

وفيما يتعلق بسيادة الدولة والحفاظ على استقلالية القرار فيها، هناك موجة من السخط الشعبي بسبب الوصاية الدولية على سير العملية الانتقالية السياسية في اليمن، وفرض أجندة خارجية تستهدف النسيج الاجتماعي اليمني ومنظومة القيم والأخلاق المتجذرة فيه.

هذا عدا عن سلسلة الغارات الجوية الأمريكية في عدة مناطق يمنية بحجة القيام بمكافحة الإرهاب في اليمن.

البيان: بعد الربيع العربي اعتنق السلفيون العمل السياسي بعد أن كانوا يجرمونه ويحرمونه في السابق، فما الذي تغير؟

العمل السياسي وفق مقاصد الشريعة الإسلامية لم يكن محرماً ولن يكون كذلك عند علماء الإسلام عموماً وعلماء الدعوة السلفية على وجه الخصوص، باعتبار أن الإسلام دين ودولة وعقيدة وشريعة، وما يدور سابقاً ولاحقاً هو الحديث عن جدوى المشاركة السياسية في ظل النظم التي تتبنى مسلك الديمقراطية، وهي مسألة اجتهادية مصلحية تخضع العملية فيها لحسابات الربح والخسارة في فقه الموازنات الشرعية، وغالب علماء الدعوة السلفية وجمهورهم، سواء قبل أو بعد الربيع العربي، يرون أن هذا العمل يعد نوعاً من الحسبة متى ما رجحت مصالحه على مفاسده.

وهناك فئة قليلة جنحت إلى المنع من ذلك من منظور عقدي قد لا يكون له اعتبار في اليمن؛ لأن الدستور اليمني من الناحية النظرية ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر لجميع التشريعات.

وربما كان عزوف بعض السلفيين عن العمل السياسي يعود إلى مسالك بعض السياسيين من الناحية الواقعية التي لا تتعامل في مسيرتها السياسية وفق ضوابط الشريعة الإسلامية، وهو ما نتج عنه إخلال ملحوظ بالجانب القيمي والأخلاقي في تصرفات كثير من الوالجين في دهاليز العمل السياسي.

وهذا بحد ذاته لا يعد بالضرورة لازماً من لوازم العمل السياسي، إلا أنه قد أحدث نفوراً وردود أفعال لدى قطاع واسع من السلفيين.

وربما كان للمشاريع الدعوية والخيرية والتعليمية التي مارسها الدعاة السلفيون في اليمن وتكيّفت ظروفهم عليها؛ أثر بالغ في العزوف عن العمل السياسي، وهي جهود مقدرة وتتكامل وتتعاضد من وجهة نظرنا مع المشاركة في العمل السياسي، وبخاصة في هذه المرحلة التي يشهد فيها اليمن تحولات جذرية تستدعي أن يكون هناك حضور في المشهد السياسي وتفعيل دور العمل الاحتسابي في هذا المجال.

البيان: ما التصنيف الأيديولوجي الذي يمكن أن نصف به حزب الرشاد؟

حزب الرشاد اليمني جزء لا يتجزأ من الشعب اليمني، وينطلق في مبادئه من جملة من المبادئ، أهمها: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مرجعية المجتمع والدولة، وتقوم رسالته على تحكيم شريعة الإسلام وتحقيق نهضة اليمن وإصلاح المجتمع، وهي أمور ضرورية لكل توجه إصلاحي لا سيما في بلد الإيمان والحكمة التي لا يسع أي تيار سياسي أو اجتماعي إلا الالتزام بذلك.

وليس هناك أي تصنيف أيديولوجي يخصنا خارج إطار الجمل الثابتة التي يؤمن بها أبناء الشعب اليمني المنبثقة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمعت عليه الأمة.

البيان: يعاب على السلفيين بُعدهم عن المشاركة في العملية السياسية والتنموية وتركيزهم على الجانب الدعوي، بالنسبة لحزب الرشاد كيف سيتعامل مع هذا الموضوع؟

ليس هناك ما يعاب على أي جماعة رأت أن بإمكانها أن تخدم الإسلام من أي منشط اجتماعي أو تعليمي أو سياسي متى ما كانت ترى نفسها مكملة ومترابطة مع غيرها، وإنما يأتي العيب من احتكار العمل لخدمة الإسلام من زاوية واحدة فحسب، مع التزهيد والتحقير في المجالات الأخرى، وكون بعض السلفيين قد اختار أن يسد ثغرة من ثغرات العمل الإسلامي المتعددة وفق رؤية تكاملية وشاملة؛ لا يعد في واقع الأمر عيباً، بل نراه منقبة ومزية تندرج في منظومة التخصصات التي نفتقدها اليوم في أعمالنا المختلفة.

ونحن في «الرشاد» نرى ضرورة التكامل بين الأعمال ونسعى مستعينين بالله إلى ترسيخ ذلك من خلال دوائر وأنشطة الرشاد المتعددة.

البيان: البعض يعتبر أن الأحزاب السلفية في مصر واليمن وغيرهما من الدول، امتدادٌ للمدرسة السلفية الوهابية، هل ينطبق هذا الأمر على حزب الرشاد، ولمن ينسب الرشاد نفسه؟

كثيراً ما يحاول خصوم المدرسة السلفية أن يحصروها في زاوية ضيقة ومختزلة، والذي نراه ونؤكد عليه دائماً هو أن السلفية تعني الالتزام بالكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف هذه الأمة، ومثل هذا الأمر يعنى به الإسلام بشموليته واستيعابه جميع جوانب الحياة، فالسلفية إذن ليست حزباً معيناً وليست حكراً على طائفة بعينها، وكون الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - قد أحدث نهضة تجديدية أو غيره من أئمة الإسلام؛ هذا لا يعني بالضرورة الالتزام بجميع آرائه واجتهاداته، شأنه في ذلك شأن غيره من علماء وأئمة الإسلام الذين يستفاد من علومهم وإنجازاتهم وتجاربهم.

وحزب الرشاد لا ينسب نفسه لشيء سوى الإسلام والسنة، ويعتبر نفسه واحداً من المناشط التي قامت لخدمة الشعب اليمني والحفاظ على مصالحه وثوابته، سالكين في ذلك الطرق المشروعة السلمية، ومتعاونين مع كافة شرائح المجتمع السياسية والاجتماعية لتحقيق الشراكة النافعة التي يحتاج إليها اليوم أبناء الشعب اليمني في ظل هذه الظروف التي تعصف به.

البيان: كيف يجد السلفيون في اليمن أنفسهم وهم يمارسون العمل السياسي؟

هناك دون أدنى شك فارق كبير بين الجانب النظري في العمل السياسي والجانب التطبيقي، وكلاهما ضروريان، غير أن الدخول في العمل السياسي وممارسة ذلك مع بقية القوى السياسية يمتاز عن الجانب النظري بكونه أقرب ما يكون إلى الواقعية، ومعرفة سير العملية السياسية، وتشابك المصالح، وتقدير المصالح والمفاسد بصورة أنسب وأقرب إلى الحقيقة من مجرد التنظير السياسي الذي كثيراً ما يكون جانحاً إلى النظرة المثالية.

ومن ناحية أخرى، فإن الدخول في العمل السياسي من الناحية العملية يعد بحد ذاته مدرسة في تنمية القدرات والمهارات لدى العاملين في حقل العملية السياسية.

البيان: بعض الناس يتخوّفون من وصول الإسلاميين إلى الحكم بحجة أنهم غير قادرين على إدارة المرحلة الراهنة، هل أنت مع هذا التخوف؟

الذين يزرعون مثل هذه الإيحاءات أو التخوفات من وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم لا يخرجون عن ثلاث فئات:

الفئة الأولى: وهم خصوم الإسلام، سواء كانوا من خارج دائرة الإسلام أو كانوا من المتلبسين بالإسلام والمنتسبين إليه من ضحايا المؤامرات الخارجية.

الفئة الثانية: هم الذي يجهلون حقائق المشروع الإسلامي وما يشتمل عليه من الهدى والرحمة والعدل والحقوق والحريات المشروعة وغير ذلك من معاني الخير.

الفئة الثالثة: وهم المتظاهرون بالإسلام الذين يريدون منه أن يكون مفصلاً على حسب أهوائهم، وهؤلاء يحاربون المشروع الإسلامي ووصول الإسلاميين إلى سدة الحكم خوفاً من انكشاف حالهم ومن بروز نموذج إسلامي يبين حقيقة ما هم عليه.

وأما القول بأن الإسلاميين غير قادرين على إدارة المرحلة، فإن الزاعمين لهذه المقالة هم أول من ينكرونها، ولو كانوا مقتنعين بذلك لما أقدموا على محاربة وصول الإسلاميين إلى الحكم ولأفسحوا لهم المجال ليظهر فشلهم، لكن لعلمهم ويقينهم بأن الأمر مختلف عن مزاعمهم فإنهم لا يألون جهداً في تقويض دعائم أي توجه إسلامي.

وقد جرب المسلمون مشاريع قومية ويسارية وعلمانية أوصلت الأمة إلى هذا التخلف المزري في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية وغيرها.

البيان: لكن هل ترى أن السلفيين في اليمن مناسبون لدخول العمل السياسي؟

نعم، السلفيون سيقدمون بمشيئة الله الكثير من خلال مشاركتهم في العمل السياسي، وسيتكاملون مع غيرهم من القريبين منهم؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى سيقدمون - بإذن الله - نموذجاً جديداً للسياسة الشريعة والخطاب الإسلامي الراشد الذي كاد أن يتلاشى في ظل الحملات المسعورة على المشروع الإسلامي وانهزام كثير من الناس أمام هذه الحملات.

وبالجملة، فالعمل السياسي هو جزء لا يتجزأ من مشروع الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقرر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

البيان: هناك من ينادي بإدماج الحركة السلفية مع الإخوان في إطار واحد أو مكون مشترك باعتباركم جميعاً تياراً إسلامياً، هل أنت مع هذه الفكرة، ولماذا؟

مسألة الدمج بين الحركات أو الأحزاب الإسلامية قد تكون إلى حد كبير مثالية في ظل الاختلافات الحاصلة بين مكونات العمل الإسلامي، وفي ظل الظروف الراهنة، وقد يكون التعدد متى ما حقق المقصود وهو التعاون على البر والتقوى والتنسيق في الأمور المشتركة التي هي محل اتفاق بين الجميع، قد يكون ذلك هو الأقرب إلى الواقعية وإمكانية التطبيق، وهذا بحد ذاته متى ما تحقق سيمهد لما بعده من التقارب أكثر بين العاملين للإسلام، على أن التعدد متى ما كان برامجياً وفي حدود الوسائل أو الاختلاف المقبول سيظل باقياً ما بقي الاجتهاد في الأمة.

البيان: كيف تقرأ مجريات الحوار الوطني الذي يقام حالياً في اليمن؟

مجريات الحوار الوطني يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة ومتعددة، فالحوار لا شك جنَّب اليمنيين ويلات الدخول في صراعات مسلحة وحروب أهلية، وهذا بلا شك أمر لا يمكن التقليل من شأنه، ومن جهة ثانية أعطى نموذجاً جديداً لتلاقح الأفكار وسماع ما لدى الآخرين وسماعهم من غيرهم.

ولا ريب أن السماع من المخالفين مباشرة غير السماع عنهم؛ لأن ذلك يجعلنا نقف على حقيقة الأمور كما هي، وكثير منهم عندما التقوا الدعاة في هذا الحوار غيروا نظرتهم، والعكس حاصل، على الأقل في بعض الجوانب التي كان فيها شيء من التضخيم أو سوء النقل أو التلفيق، فكون كل طرف يسمع من الآخر بكل تأكيد سيجعل الأمر مختلفاً عن تلقف الأقاويل بالوسائط المختلفة، على أن الخلاف قائم وله خلفياته بين المتحاورين، لكن المكاشفة المباشرة ستكون مفيدة للطرفين.

ويضاف إلى ذلك مجريات الحوار الوطني مرصودة إعلامياً وبارزة للجميع، وهي فرصة لإيصال الخطاب الشرعي المفيد والحلول الحقيقية لعامة الناس بدلاً من الاكتفاء فقط بالمشاريع القاصرة أو الضارة، فهو إذن منبر جديد من منابر الخطاب الإسلامي العام للمجتمع.

البيان: ما أبرز مخاوفكم من هذا الحوار؟

الحوار بحد ذاته ليس فيه ما يدعو للمخاوف؛ لأن القرآن الكريم والسنة النبوية مليئان بالحوارات مع الموافقين والمخالفين، والتحاور والمجادلة بالتي هي أحسن من أهم السبل لإيصال الحق إلى الخلق، والتخوف الذي كنا قد أشرنا إليه في فترات سابقة مرده إلى أن مخرجات الحوار الوطني ستتحول إلى مواد دستورية وعقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، ومثل هذه المواد يجب أن تكون محل رضا من الشعب اليمني المسلم، ولا يمكن أن تكون كذلك ما لم يكن المتحاورون يمثلون حقيقة عموم الشعب اليمني وفي مقدمتهم علماء الشريعة الإسلامية الذين أقصوا من المشاركة الفاعلة في الحوار الوطني، هذا مع أن تركيبة الأعضاء في الحوار الوطني لم تقم على أسس ومعايير موضوعية بقدر ما كان للبعد الخارجي تأثيره في أنماط المشاركين في الحوار الوطني بسبب دخول اليمن في أزمة خانقة بعد قيام ثورة الربيع العربي.

البيان: هناك جدل حول الشريعة الإسلامية في الحوار الوطني، ما الجديد في هذه القضية؟ وهل تم حسم الخلاف الدائر حول المادة الأولى من الدستور التي تنص على أن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع؟

مسألة الجدل حول الشريعة الإسلامية في الحوار الوطني وكونها مصدراً لجميع التشريعات، ليس لها ما يبررها في الواقع؛ لأن معاناة الشعب اليمني وتعدد مشاكله كافية عن افتعال إضافات جديدة من الصراعات والوضع لا يحتمل مزيداً من المعاناة، والذين يفتعلون خصومات حول الهوية الإسلامية لا يخرجون عن صنفين من الناس:

الصنف الأول: وهم الذين لا يقدرون المسؤولية حق قدرها ولا يدركون معاناة الشعب اليمني وما فيه من اختلالات وإعاقات تستدعي الاصطفاف الشعبي لمعالجة المشكلات الحقيقية.

الصنف الثاني: وهم الذين يراهنون على خلق وإيجاد الصراعات المفتعلة لتسويق مشاريعهم التي لا تنمو إلا في أجواء الفتن والصراعات، فلذلك يحاولون زرع بذور الفتنة وإشغال الناس عن البناء والتنمية بمثل هذه الافتعالات.

ومن جهة ثانية يريد بعض الرافضين لأن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً لجميع التشريعات، أن يسوقوا أنفسهم لدى الدوائر الخارجية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، والأخطر من ذلك كله أن يوجد من يسعى لسلب وصف الهوية الإسلامية عن الدولة لعزلها عن مجتمعها اليمني بقصد التحريض عليها وتأليب الناس عليها لاحقاً بغية ترويض الناس فيما بعد لمشاريع وأجندة خارجية ذات طابع عنصري وسلالي أو مذهبي ومناطقي.

وبالجملة، فإن هذه المسألة لم تحسم بعد ولا يزال الحوار جارياً فيها، وأملي أن يغلِّب أهل اليمن ما عرفوا به من الحكمة، وينأوا بأنفسهم عن الدخول في متاهة الجدل حول المحكمات والمسلمات الشرعية، ويفوتوا الفرصة على المتربصين الذين لا يريدون لليمن أمناً ولا استقراراً.

البيان: ما الإجراءات التي يمكن أن يتخذها العلماء والسلفيون فيما إذا انحرف مسار الحوار الوطني إلى ما تحذرون منه؟

علماء اليمن لا شك أنهم يحظون باحترام كبير في أوساط المجتمع في عموم مناطق اليمن، ولا شك أن التجاهل أو التجافي عن محكمات الشريعة إذا ما تم، أو الإخلال بمصالح الوطن الكبرى؛ سيدفع العلماء لأن يقوموا بواجب النصح والبيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومثل هذا سيكون له تأثير كبير وخطير على مخرجات الحوار الوطني التي ستفقد شرعيتها ولن تكون محل رضا غالبية الشعب اليمني الذي لن يقبل التفريط في ثوابته ومصالحه، والمنطق السليم يقول إن إيجاد القناعة الشعبية والرضا عن المخرجات هو المحك الحقيقي لبناء الدول على أسس سليمة.

البيان: ما موقف حزب الرشاد من فتنة الحوثي في صعدة؟

موقفنا من قضية صعدة في حزب الرشاد واضح تقدمنا به في فريق صعدة في الحوار الوطني، حاصله أن ما قامت به جماعة الحوثي من أعمال في محافظة صعدة وما حولها من الدعوات العنصرية وحمل السلاح على المجتمع والدولة؛ أمر مرفوض شرعاً ونظاماً، وأن على الدولة أن تبسط نفوذها في جميع مناطق اليمن حتى تحول دون قيام المشاريع الطائفية الممولة من إيران وغيرها.

وأوضحنا مراراً وتكراراً أن أعمال جماعة الحوثي وقيامها بصلاحيات السلطة المحلية في صعدة، قد أدى إلى أن تفقد الدولة سيادتها، وستكون له انعكاساته السيئة على الأمن والاستقرار في المنطقة.

البيان: تعليق أخير على ما جرى في مصر، وهل سيؤثر على الإسلاميين في اليمن؟

بكل تأكيد ما جرى في مصر من الانقلاب العسكري ومصادرة إرادة الشعب المصري وإعادة إنتاج النظام القمعي؛ سيكون له تأثيره على المنطقة عموماً واليمن بشكل خاص؛ نظراً لما تحظى به مصر من مكانة سياسية وثقافية وجغرافية في المنطقة، لكن ما يجري في مصر لا يلزم بالضرورة أن يستنسخ تماماً في بلد آخر، ومن ذلك اليمن؛ لاختلاف الظروف والمناخات السياسية، وللخصوصيات المجتمعية اليمنية، فالعداء الصارخ للتوجهات العلمانية في مصر للمشروع الإسلامي قد لا يكون بالضرورة يحظى بنفس الحجم في اليمن، وتركيبة الجيش المصري أيضاً تختلف عن تركيبة الجيش اليمني، هذا إضافة إلى خصوصية اليمن من الناحية القبلية ودورها الكبير في مجريات العملية السياسية، وهي قوة لا يستهان بها في النسيج الاجتماعي اليمني المحافظ، وقبل ذلك كله يرى كثير من المحللين أن ما جرى في مصر من تآمر دولي على حملة المشروع الإسلامي له دوافعه الاستعمارية وحساباته الدقيقة في الموقع الإقليمي المصري المحيط والمجاور لدولة اليهود وتأثير ذلك المباشر على أمنها واستقرارها في حال نجاح التجربة الإسلامية التي سعى خصومها لإجهاضها.

وبالجملة، فإن أخذ الدروس والعبر مما جرى في مصر أمر بالغ الأهمية، وهو دور منوط بكل مواطن صالح، وفي مقدمة ذلك أهل الحل والعقد من العلماء والدعاة والقيادات السياسية الواعية وشيوخ القبائل وبقية شرائح المجتمع.

:: مجلة البيان العدد 316 ذو الحجة 1434هـ، أكتوبر – نوفمبر  2013م.

 

أعلى