• - الموافق2024/06/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
رفح.. المعركة الأخيرة

لماذا أصر نتنياهو على دخول رفح وهو يعلم أن لا جديد عسكريا يمكن تحقيقه، ما هي مآلات تلك المعركة وتداعياتها على الكيان الصهيوني في حال فشلها عسكريا وسياسيا، ما هو الموقف الأمريكي من نتنياهو وهل تستطيع إبقاء عملية رفح محدودة حقًا؟


منذ عدة شهور، ورئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو لا يكل ولا يمل من الحديث عن ضرورة اجتياح منطقة رفح واحتلالها، أسوة بما حدث في شمال غزة، وبما جرى في خان يونس.

ويردد الرجل مع أبواقه الإعلامية ويزعم أن هناك 24 كتيبة لحماس في كل قطاع غزة، وأنه نجح في تفكيكها كلها عدا أربعة موجودة في رفح، فالانتصار الحاسم والنهائي لن يتحقق -بحسب زعمه - إلا باجتياح رفح والقضاء على تلك الكتائب الأربعة.

وبالرغم من أن الواقع يكذب ما يدعيه نتانياهو من أنه قضى على المقاومة، فلازالت تلك المقاومة تقوم بعمليات ناجحة ضد قواته في المناطق التي يزعم أنه أخرجها منها، وبالرغم أيضا من تأكيد القيادات السياسية والعسكرية الصهاينة السابقين، والخبراء في العالم كله أن حماس يصعب هزيمتها.

ولكن الرجل مصمم على المضي في طريقه، وما لبث أن حقق ما كان يوعد به، حين بدأت قواته عمليتها المرتقبة في رفح ودخلت الآليات الصهيونية وأحكمت سيطرتها على معبر رفح منذ أيام، مع العلم أن المعبر يبعد عن المدينة نفسها المكتظة بالنازحين حوالي ثلاث كيلومترات، هذا من ناحية الغرب، أما في شرق رفح فقد بدأ اجتياحا بريا قابلته المقاومة بعمليات كر وفر ناجحة، استهدفت آلياته وجنوده، في سيناريو يكاد يكون مطابقًا لما جري في شمال غزة وخان يونس.

لكن السؤال الملح لماذا الإصرار الصهيوني على اجتياح رفح بالرغم من ذلك؟

هل سيستطيع الجيش الصهيوني تحقيق ما عجز عنه في المعركتين السابقتين، سواء في شمال غزة، أو في وسطها؟

أم أن الأمر يتعلق بحسابات شخصية لنتانياهو؟ وإذا كان كذلك لماذا إذاً سكت أقطاب المعارضة الصهيونية (والذين يكنون كرهًا وحقدًا على نتانياهو) على تلك الخطوة؟

والسؤال الأهم: هو سؤال المآلات، هل ستكون معركة رفح هي المعركة الأخيرة في غزة وفي نفس الوقت يصحبها نهاية حكم نتانياهو، أكثر حكام الكيان الصهيوني بقاءً في الحكم؟

للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا جولة في فكر نتانياهو لمعرفة دوافع إصراره على تلك العملية، ومتى يتوقف؟

 

حلفاء نتانياهو في أحزاب الصهيونية الدينية وزعمائها سواء بن غفير وسموتريتش، يريدون حلاً جذريًا في غزة بتدميرها تمامًا وتهجير أهلها منها واستيطان أرضها، لذلك يحفزون نتانياهو على دخول الجيش الصهيوني إلى رفح وارتكاب مذابح لأهلها

معركة البقاء

تمثل رفح بالنسبة لنتانياهو الفرصة الأخيرة لبقائه في الحكم ولتماسك الائتلاف الحاكم الذي يدير الحرب.

كيف ذلك؟

عملية رفح هي عملية رفع عتب عن نتنياهو، حتى يسوق إعلاميًا في مجتمعه الداخلي أنه دخل حتى رفح وتحدى العالم كله من أجل مصلحة (إسرائيل).

فنتنياهو يدرك الضغوط الواقعة فوق رأسه، والتي تأتيه من جبهتين:

الجبهة الأولى داخلية متعارضة ومتداخلة وطيفها واسع، فهناك جماهير صهيونية تظهر استطلاعات الرأي انقسامها على نفسها، فهناك غالبية يهودية تريد الانتقام من أهل غزة جراء ما حدث من هزيمة مذلة في السابع من أكتوبر، وتريد مزيدًا من الدماء والخراب والتدمير، بينما هناك قلة أكثر نشاطًا من أهالي الأسرى تطالب وتضغط بضرورة إبرام صفقة مع حماس، حتى ولو أدى ذلك إلى وقف الحرب نهائيًا، وتُحمِّل نتانياهو مسئولية الإخفاق في السابع من أكتوبر، فهو في نظرهم المتسبب في أسر أبنائهم ويجب عليه إخراجهم من غزة بأي ثمن، ويتحالف مع هؤلاء فئات يسارية وليبرالية صهيونية كانت تطالب باستقالة نتانياهو من قبل حرب غزة.

وبالرغم من أن نتانياهو نجح في اختراق فعاليات أهالي الأسرى، واستطاع استقطاب قسم منهم من مؤيدي الحل الذي يطرحه نتانياهو وهو أن الضغط العسكري على حماس هو السبيل الوحيد لإخراج الأسرى، ولكن باقي أهالي الأسرى صعّدوا مظاهراتهم وطوروها إلى قطع طرق رئيسية في شوارع القدس وتل أبيب، مما أدى إلى صدامات مع الشرطة الصهيونية وازدياد وتيرة التوتر داخل المجتمع الصهيوني، خاصة مع دخول المقاومة بالفيديوهات الضاغطة، والتي تظهر قتل بعض الأسرى من جراء القصف الصهيوني على غزة، أو تعرض مناشدات للأسرى بضرورة إخراجهم لمرورهم بحالة نفسية سيئة.

ولا يعاني نتانياهو من ضغوط الجمهور الصهيوني وحسب، بل يتعرض أيضًا لضغوط الأحزاب سواء في الائتلاف الحكومي أو الحربي والذي يُطلق عليه الكابينت.

فحلفاء نتانياهو في أحزاب الصهيونية الدينية وزعمائها سواء بن غفير وسموتريتش، يريدون حلاً جذريًا في غزة بتدميرها تمامًا وتهجير أهلها منها واستيطان أرضها، لذلك يحفزون نتانياهو على دخول الجيش الصهيوني إلى رفح وارتكاب مذابح لأهلها، ولا يعنيهم قضية الأسرى ولا تدخل في أي من اهتماماتهم، فهدف احتلال غزة وإزالة حكم حماس هو الأولى حتى لو أدى ذلك إلى قتل كل الأسرى.

وهدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب من الحكومة، إذا تم إلغاء خطة الهجوم على رفح في إطار اتفاق لاستعادة الرهائن.

ودعا وزير المالية في شريط مصور رئيس الوزراء إلى رفض المقترح المصري للتوصل إلى اتفاق، معتبرًا أن أي اتفاق في الظروف الحالية يعني نهاية الحكومة.

وقال الوزير، إن الموافقة على المقترح المصري استسلام مذل، ويمنح النصر للنازيين على ظهور مئات جنود الجيش الأبطال الذين سقطوا، ويفرض حكم الإعدام على المختطفين غير المشمولين بالصفقة، وفوق ذلك كل ذلك، يشكل خطرًا وجوديًا مباشرًا على دولة إسرائيل.

أما رئيس المعارضة، يائير لبيد، فرد على تهديد اليمين الصهيوني في منشور على منصة إكس ذكر فيه، أن على هذه الحكومة أن تختار: إعادة الرهائن أحياء، أو بن غفير وسموتريتش.. علاقات مع الأمريكيين، أو بن غفير وسموتريتش، أمن إسرائيل، أو بن غفير وسموتريتش.

أما أحزاب الوسط اليميني الصهيوني بزعامة غانتس، فهي تقف في موضع متردد مائع، كمن يمسك العصا من المنتصف.

 

يراهن الكيان الصهيوني ويأمل أنه يستطيع تحقيق إنجاز عسكري، بسياسة الحصار الكامل لغزة، ومنع الغذاء والطعام، واستخدام استراتيجية التجويع، مما سيجبر حماس في النهاية على التسليم بالمطالب الصهيونية

يقول غانتس، إن دخول رفح مهم في الصراع الطويل ضد حماس. إن عودة الرهائن الذين تخلت عنهم الحكومة في السابع من أكتوبر أمر عاجل وذو أهمية أكبر بكثير. إذا تم التوصل إلى مقترح مسؤول لعودة المختطفين بدعم من الجهاز الأمني برمته، الذي لا يتضمن إنهاء الحرب، والوزراء الذين قادوا الحكومة في السابع من أكتوبر سيمنعون ذلك، لن يكون للحكومة الحق في الاستمرار في الوجود وقيادة الحملة.

الجبهة الثانية هي الولايات المتحدة الأمريكية، والتي اضطرت إلى تغيير موقفها العلني من الدعم المطلق لحكومة نتانياهو في حملة الإبادة في غزة، إلى الضغط للتقليل في قتل المدنيين.

فإدارة بايدن تقترب من الانتخابات الرئاسية الملتهبة، وهي واقعة بين فكي كماشة: لوبي صهيوني قوي يمسك بتلابيب الإعلام والمال والتشريع، وبين شريحة ضخمة من المؤيدين التقليديين للحزب الديمقراطي، وخاصة من بين الشباب والذين يستنكرون حملة الإبادة الصهيونية، والذين مع قلتهم لعبوا دورًا مرجحًا في الانتخابات السابقة.

لذلك فإنه على ما يبدو فإن الإدارة الأمريكية تقوم الآن بلعبة مزدوجة: فمن ناحية علنية تقوم بالضغط على الكيان الصهيوني لا لمنع اجتياح رفح، ولكن لجعل هذا الاجتياح محدودًا كما تزعم، وتقوم أيضًا بحجب جزء يسير من المساعدات العسكرية مؤقتًا أو تأجيلها، علمًا أن المخزون لدى الجيش الصهيوني يكفيه لمدة ستة شهور، ومن ناحية أخرى فإنها لا تزال تدعم الكيان دبلوماسيا وماليا وعسكريا في واقع الأمر.

وقد استفاد نتانياهو من هذه اللعبة على صعيد ازدياد الشعبية المنهارة داخل الكيان، فوقف متحديًا أمريكا ومصرًا على مواصلة القتال في رفح كما يحلو له ووفق الخطة العسكرية الموضوعة.

النهاية المحتومة

نتنياهو لا يكترث لأسراه، والمفاوضات بالنسبة له تضليل، وخطته استمرار الحرب حتى تتغير الظروف.

ويراهن الكيان الصهيوني ويأمل أنه يستطيع تحقيق إنجاز عسكري، بسياسة الحصار الكامل لغزة، ومنع الغذاء والطعام، واستخدام استراتيجية التجويع، مما سيجبر حماس في النهاية على التسليم بالمطالب الصهيونية، ولكن الصهاينة ينسون أمرين:

أن المقاومة الفلسطينية ومن ورائهم أهالي غزة صامدين، كم أن الرأي العام العالمي أصبح ضاغطًا أكثر من ذي قبل وأن سردية (أي انتقاد للكيان الصهيوني تعني العداء للسامية) أصبحت على وشك الانهيار.

والمقاومة بقيادة حماس تدرك ذلك، لذلك تشدد من ضرباتها العسكرية فألحقت به خسائر كبيرة في آلياته وأفراده، وفي نفس الوقت فإنها تلعب بملف الأسرى لتفجر شيئين: ائتلاف الأحزاب الداعمة له، وإثارة الرأي العام المتعاطف مع أسرى الصهاينة لدى المقاومة.

عملية رفح لن تطول.. ولكن قد نجد إجرامًا حقيقيا في الأيام القادمة حتى يلتقط نتنياهو صورة النصر المزعومة.

أما نتيجتها الاستراتيجية، فستصبح القيادات السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني مقتنعة بالأصوات سواء من داخل الكيان أو خارجه أنها باتت لا تملك بدائل عسكرية أخرى، والحرب قد استنفدت أدواتها، وأنه يجب عليها أن تحاول الوصول إلى حل سياسي يجنب الكيان الانهيار.

 

أعلى