• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كتاب (القرامطة وآراؤهم الاعتقادية) -عرض وتعريف-

تأتي أهمية الكتابة والقراءة النقدية في الفِرَق والمذاهب الفكرية العقدية القديمة؛ نظرًا لما يُراد منها وبها من هدم أو تشويه للإسلام القائم على منهج أهل السنة والجماعة، وتتأكد الأهمية حينما يكون الإحياء لهذه الفِرَق والدعم لها باستراتيجيات مكتوبة ومنشورة من


هذا الكتاب كان رسالة علمية بعنوان (القرامطة وآراؤهم الاعتقادية)، وهي رسالة ماجستير للباحث سليمان بن عبدالله السلومي -رحمه الله-، ولم تُطبع طباعةً عامة إلا بعد وفاة مؤلفها، وذلك لدى مركز آفاق المعرفة للبحوث والدراسات بالرياض عام 1445هـ بمجلد واحد بعنوان (القرامطة: تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية)، وعدد صفحاتها بعد الطباعة متضمنة ترجمة مختصرة لمؤلفها، وكان المشرف على هذه الرسالة بجامعة أم القرى الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-. ويتضح للقارئ اهتمام الباحث العلمي الدكتور سليمان ودوافعه في رسائله العلمية عند الاطلاع على فصول وموضوعات هذه الرسالة. 

وتأتي أهمية الكتابة والقراءة النقدية في الفِرَق والمذاهب الفكرية العقدية القديمة؛ نظرًا لما يُراد منها وبها من هدم أو تشويه للإسلام القائم على منهج أهل السنة والجماعة، وتتأكد الأهمية حينما يكون الإحياء لهذه الفِرَق والدعم لها باستراتيجيات مكتوبة ومنشورة من دوائر رسمية وشبه رسمية غربية عُرفت بمعاداة الإسلام.

ومن ذلك ما ورد في تقرير مؤسسة راند توصيف وتوصية بدعم الصوفية المنحرفة كفرقة من الفِرَق الدينية في القديم والحديث. وهذه الاستراتيجيات الغربية المعادية والتوصيات بالدعم مما يستوجب نشر الرسائل والبحوث العلمية ذات القراءات النقدية للمذاهب والمِلَل والنِّحَل العقدية والفِرَق المنحرفة. 

ومما يُعدُّ من الاهتمام العلمي الدقيق للباحث سليمان ما ورد في مقدمة بحثه هذا عن القرامطة؛ حيث تتكون المقدمة من 15 صفحة من المطبوع على الآلة الكاتبة، وفيها كَشَفَ المؤلف عن أهمية اختيار الموضوع، وقيمته العلمية، ومدى حاجة المكتبة العلمية والتراثية إليه؛ وعن هذا كَتَبَ الباحث فقال: «وبِحُكْم العاطفة وسرعة الاختيار تقدَّمت بموضوعٍ [لرسالة الماجستير] يروي شيئًا من عاطفتي، ولكن بعد فترة من الوقت تبيّن لي أن الموضوع أقرب إلى الأسلوب الإنشائي، كما أنه غير محدَّد الجوانب والأفكار.   

بعد ذلك فكرت باختيار موضوع آخر، وبينما كنت أُقلِّب بعض المراجع والمصادر في مكتبتي المتواضعة وقعت على كُتيّب صغير يحمل عنوان القرامطة[1]، فبدأت أقرأ فيه حتى استمالني، ولم أتركه حتى أنهيته قراءةً، وشدَّني ما فيه من أخبار هذه الفئة وأفكارها ومخططاتها، فذهبت أُقلِّب في المصادر الأخرى؛ ابتغاءَ المزيد من المعلومات، ولكن اتضح لي بعد تتبُّع واطلاع أن أخبارهم مُفرَّقةً ومبعثرة في الكتب التاريخية المتعددة، وليس هناك أيّ صورة شاملة ومفصّلة لحياتهم الفكرية والتاريخية، ومِن ثَم وقع الموضوع في نفسي، وأدركت جوانب متعددة تدل على جدواه وأهميته»[2].

تحديات وعوائق:       

كان لهذا الموضوع الدقيق تحديات علمية وعوائق عملية، وقد ذكر الباحث سليمان أبرزها بقوله في مقدمة بحثه: «أخذتُ في جمع المعلومات، فلم أجد سوى بعض الفقرات المتناثرة في كتب الفِرَق والتاريخ، وجميعها تتحدث من وجهة نظر علماء السنة والجماعة، أيقنت بعد ذلك أن المهمة ليست سهلة، وإنما تحتاج إلى السفر والبحث الطويل للعثور على المصادر الأصلية التي يَظُنُّ بها أصحابها، ويعتبرونها من كتب الحقيقة التي لا يجوز الاطلاع عليها إلا لمن وصل رتبة معينة من دعوتهم.

ولسوء الحظ أو لحُسنه أن مكتباتنا خالية من هذه المصادر جملةً وتفصيلًا، وكان لا بد من الرحلة والسفر؛ حيث سافرت إلى عدة أقطار جمعت منها على قدر الوسع والطاقة ما مكَّنني من السير في الموضوع سيرًا حسنًا».

ثم ذكر الباحث أبرز الصعوبات التي واجهته في إعداد هذه الرسالة، وهي خمس صعوبات، وذلك بقوله في مقدمة بحثه: «وقد واجهني في هذا الموضوع الباطني عدة صعوبات؛ منها:

(1) ما أشرتُ إليه سابقًا من نُدرة المراجع والمصادر التي أُلِّفَت مِن قِبَل القرامطة والباطنية، فغالبها مفقود، وما وُجد منها ففي الحصول عليه عُسْر ومشقة.

(2) التضارب والاختلاف في آراء القرامطة ومناهجهم، فكانوا يقولون بآراء في بلد، وآراء أخرى مناقضة للآراء الأولى في بلد آخر؛ مما يعطي دليلًا على تقلُّبهم وعدم التزامهم بمنهج واحد، ولا يخفى ما يترتب على ذلك من صعوبة الوصول إلى صورة واضحة ومحددة لمعتقداتهم.

(3) إن معتقداتهم مبنية على أصل من الأصول الغامضة؛ وهو التأويل الباطني الذي لا يَعتَمِد على لغة أو نقل أو منطق، بل هو في حقيقة الأمر سلاح من أسلحتهم استخدموه لإضفاء القداسة على أئمتهم، وفرض سلطتهم على السُّذج من البشر، وبسبب هذا الأصل المائع واجهتُ صعوبة شديدة في الوصول إلى مصطلحاتهم وما تدل عليه من معتقدات وأفكار، والحقيقة أن هذا الجانب من أَعْقَد ما يعترض القارئ والباحث في مثل هذا الموضوع، ولذا استغرق مني زمنًا ليس بالقصير.

(4) هناك فترة تاريخية مرت بها حركة القرامطة، وهي ما يسمى بدور الاستتار، وقد ابتدأ هذا الدور لدى القرامطة بإمامهم محمد بن إسماعيل، وبقي الأئمة في كهف الستر والتقية حتى خروج عبيد الله المهدي، وقد نص الباحثون على صعوبة دراسة هذا الدور، واعتبروه سببًا من اضطراب المؤرخين الذين لم يصلوا بعدُ إلى رأيٍ قاطعٍ في عدد هؤلاء الأئمة ومعرفة شخصياتهم.

(5) تعدُّد جوانب هذا الموضوع وتشعُّبه، فهناك ما يسمى بقرامطة العراق، وما يسمى بقرامطة الشام، وما يسمى بقرامطة البحرين، وما يسمى بقرامطة اليمن، والحق أن إعطاء صورة تاريخية وعقدية لكل من هؤلاء يتطلب جهدًا شاقًّا ووقتًا أطول، وقد أدرك أحد الطلبة الباحثين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ذلك، فاختار قرامطة البحرين فقط موضوعًا لرسالته الماجستير مع الاقتصار على الجانب التاريخي».

ويتميز كثير من الباحثين الجادين لأيّ موضوع بما يمكن تسميته (العناد العلمي) لتجاوز معوقات وتحديات الموضوع، وقد خاض الباحث سليمان غِمَار هذا البحث بدوافع تستحق تجاوز التحديات، وقد كتبها في مقدمة بحثه، ومما قال عن أبرز الدوافع والأسباب لاختيار الموضوع: «وكان لزامًا عليَّ أن أمضي وأخوض غِمار هذه الحركة الباطنية، يدفعني إلى ذلك أسباب:

(1) إن هذه الحركة الهدَّامة لم تُدْرَس في العصر الحديث دراسة علمية تلتزم جانب الإسلام، وتعالج هذا الموضوع بأمانة وتجرُّد واستيعاب لجوانبها العقدية والتاريخية والتنظيمية[3].

(2) كَشْفُ هذه الحركة على حقيقتها؛ حيث إنها قامت على خداع الجماهير واستغلال عاطفة المسلمين نحو آل البيت، مع ما كانت تنادي به من شيوعية وَقِحَة تجاوزت الأموال والأراضي إلى الحُرمات والنساء.

(3) هناك بعض الأقلام المأجورة -ممن أعماهم التعصب البغيض- أشادوا بالقرامطة، واعتبروا حركتهم تجربة رائدة في الاشتراكية، ومثالًا ينبغي أن يُحتذَى في تصحيح الأوضاع، وتنظيم المجتمعات، وتطبيق مبدأ الشورى الذي يُعبِّرون عنه بالديمقراطية. كما يصفون القرامطة الطغاة القتلة بالعفة والتعاون والعدالة»[4].

الدعم الاستشراقي المُريب:       

يأتي السبب الرابع من أسباب اختيار الباحث هذا الموضوع للبحث العلمي، -وهو المهم في رأيي- ليكشف فيه الباحث سليمان عن معلومة تاريخية مهمة، وهي اهتمام مجموعة من المستشرقين بهذه الحركة الباطنية والكتابة عنها والإشادة بها، وهو ما يكشف أكثر عن حقيقة هذه الفرقة، وعن أهداف الاستشراق وبعض المستشرقين كذلك؛ حيث تزيين أو تجميل صور الفِرَق المنحرفة عن الإسلام، ودعمها؛ من خلال التعريف بها وإشهارها بالبحوث والمقالات والدراسات، وهذا الاهتمام الغربي الحديث مما يؤكد أهمية القراءات العلمية المتعددة لهذه الفِرَق والتوضيح عن حجم الانحراف العقدي لديها، ومما قال الباحث حول هذا السبب من الاختيار وهو السبب الرابع لاختيار بحث القرامطة: «لفت نظري من خلال جمع المعلومات أن عددًا كبيرًا من المستشرقين ركزوا في دراساتهم وبحوثهم على نشر آراء الباطنية وتحقيق الكثير من مخطوطات الإسماعيلية، ومن أهم الباحثين في موضوع القرامطة والإسماعيلية اعتمادًا على كتبهم المستشرق الروسي إيفانوف الذي أصدر مجموعة من الرسائل والكتب، ونقل بعض كتاباتهم مترجمةً، وتمتاز مؤلفاته بالتعصب الشديد للحركات الباطنية، فهو كما يقول النشار: يقف دائمًا بجوار الفكرة الإسماعيلية، ويجعل نفسه أسيرًا لها ولا يرى سواها[5].

ويأتي بعد ذلك المستشرق الهولندي ميكال يان دي خويه الذي ألَّف كتابًا بعنوان «القرامطة: نشأتهم وعلاقتهم بالفاطميين»، وقد تعصَّب هو الآخر للقرامطة ودافَع عنهم، ونفَى كثيرًا من الحقائق مع التهكم والسخرية بكتابات علماء المسلمين، ويبدو هذا واضحًا في الفصل الثامن عند حديثه عن الديانة القرمطية[6].

وللمستشرق الفرنسي لويس ماسينيون مقالات متعددة عن القرامطة[7]، ومن أشهرها ما كتبه في الموسوعة الاستشراقية «دائرة المعارف الإسلامية» تحدث عن القرامطة، واعتبر حركتهم مثالًا حيًّا ليقظة الفكر الإسلامي، وركَّز في مقاله هذا على الناحية الاجتماعية؛ حيث أشاد بثورتهم، وقال: «إن هدفها تأمين الإصلاح والعدل الاجتماعي على أساس المساواة»، وأخيرًا يرى أنها فرقة إسلامية، وأن ما نقله علماء الفِرَق من المسلمين من أحكام عن القرامطة تُعتبر خاطئة[8].

ومن أشهر المستشرقين المعاصرين الذين كتبوا عن القرامطة: المستشرق الإنجليزي برنارد لويس؛ حيث ألَّف كتابه المشهور والُمتَرجَم «أصول الإسماعيلية»، تحدث فيه عن الحركة القرمطية، وكانت غالب أحكامه تتَّسم بالواقعية، غير أنه يُؤخَذ عليه اعتماده على الروايات الدرزية[9]، وخلطه بين بعض الشخصيات[10]، وإنكاره لبعض الأحاديث الثابتة[11]، وتعبيره عن بعض آراء أهل السنة بالأساطير[12].

ومجمل القول: إن دراسات المستشرقين عن الحركات الباطنية كثيرة ومتعددة[13]، وجميع هذه الدراسات تُصوِّر القرامطة كغيرها من الحركات الثورية على أنها فرقة إسلامية هَدَفَت في تحركاتها ومبادئها ونُظُمها إلى نشر العدل! وإنارة الفكر والإصلاح».

وأقول معلقًا: كفى بهذه الأقوال الاستشراقية مُبرِّرًا وسببًا مُقنعًا للاهتمام بالقراءة والكتابة عن هذه الفِرَق مِن قِبَل علماء الإسلام؛ لبيان بُعْدها عن منهج أهل السنة والجماعة، والتعاطي الاستشراقي المُريب مع هذه الفِرَق على أنه لا يُراد لها أن تُنْسَى أو تَبِيد!

ويُوضِّح الباحث سليمان دوافع المستشرقين الأيديولوجية، وأنها من الأسباب والدوافع للمُضي قدمًا في خوض غِمار هذا البحث وتجاوز تحدياته وصعوباته، حيث قال عن هذا: «والحق الذي لا مِرْية فيه أن المستشرقين بدافع الدّس والحقد استغلوا هذه الحركات ونَفَذُوا من خلالها لنشر سمومهم المعسولة وأفكارهم البرَّاقة. وفي حدّ علمي القاصر إن كشف هذا المنطلق الاستشراقي في دراسة الحركات الباطنية مِن قِبَل علماء المسلمين لم يَنَل قسطه من الدراسة والبيان.        

إن هذه الأسباب جعلتني أتجشم أعباء الخوض في هذا الموضوع رغم غموضه، وقلة مراجعه، وبدأت أولًا بالقراءة والاطلاع على مصادر الباطنية التي تمكَّنت من الحصول عليها، وقد استغرق ذلك مني فترة زمنية ليست بالقصيرة، وبعد ذلك بدأت بالكتابة معتمدًا على الله -سبحانه وتعالى-، ومستمدًّا منه التوفيق والسداد».

أهميةٌ وجهود:   

من يتتبع الأبواب الأربعة بفصولها المتعددة في كتاب (القرامطة وآراؤهم الاعتقادية)، إضافةً إلى ما سبق يُدرك مدى الجُهد العلمي المبذول فيه، كما يدرك أهميته العلمية وقيمته التخصصية وحجم الإضافة فيه إلى المكتبة العربية والإسلامية، بل ومدى حاجة المسلمين اليوم إلى العلم والمعرفة بهذه الفِرَق والمِلَل والنِّحل، ويمكن الاطلاع على أبواب هذا البحث الأربعة بفصولها المتنوعة المتكاملة، وذلك من خلال فهارس الكتاب، وما في هذه الحركة من غرائب وعجائب في حجم الانحراف العقدي، وانتشارهم في بعض بقاع العالم الإسلامي، بل إنّ مَن يقرأ في هذه الحركة وعنها في هذا البحث يُدرك أهمية القراءة في عموم الفِرَق والمذاهب خاصةً الباطنية منها، وكيف تتكرر عبر التاريخ بأسماء ومسميات جديدة لمزاحمة منهج أهل السنة والجماعة وإضعافه، أو القفز عليه وتشويهه.

وحقًّا فإن التاريخ يُعيد نفسه! فالمسلمون يرون بأعينهم اليوم الدعم الكبير للرافضة الشيعة، ودعم الحداثة والليبرالية والعلمانية والقوميات بتوجهاتها الفكرية التي لا تعدو أن تكون جزءًا من مخططات استراتيجية غربية باسم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات! وكذلك الدعم للصوفية ومن قبلها القاديانية والبهائية، ودعم داعش وغيرها من التوجهات الفكرية الدينية المنحرفة، وهو ما ورد كثير منه في تقارير مؤسسة راند الأمريكية على سبيل المثال.

وهذه العقائد أو التوجهات الفكرية أو بعضها ممّا يُعدُّ امتدادًا لتلك الفِرَق الضالة المتكررة عبر العصور، وأحيانًا تكون صناعة هذه التوجهات الفكرية أو العقدية المنحرفة لتخدم السياسات الإمبريالية الغربية في تمزيق وحدة أمة الإسلام. 

ومن يتأمل في هذا الدعم الغربي المتعصّب لهذه الفِرَق والعقائد والمذاهب والتوجهات الفكرية الحديثة؛ يُدْرِك أبعاد استغلالها وتوظيفها ضدّ أهل السنة، وهذا مُعلَن وليس سرًّا، كما أنه ليس من المؤامرة -كما قد يرى البعض-، بل إن الدعم والتبني استراتيجيات غربية منشورة، ولهذا فإن مَن يقرأ في تقارير مؤسسة راند -على سبيل المثال- يُدرك تمام الإدراك ماذا يعني إحياء الميّت من الفِرَق ودعمها، لا سيما أن مصطلحات الغرب المتعصّب تكشف عن أهدافهم، فالمعتدلون من المسلمين في تقارير راند -مثلًا-، وحسب مفهوم هذا المركز يعني: الليبراليِّينَ، والعَلمانيِّين، والصوفيَّة، والليبراليَّة وفقَ إحدى التقارير الصادرة من (راند)، بل إن هؤلاء من أهمِّ الشُّركاء للغَرب في مُواجَهة الإسلام!

وقد تحدَّث التقرير عن الصوفيَّة، وأنَّها حليفٌ جيّد للغَرب وَفقَ تقرير (بناء شبكات مسلمة معتدلة)، فأمَّةُ الوَسَط والاعتدال بحَسَب المفهوم الأمريكي: هي الصوفيَّة والفِرَق المُنحَرِفة. وأشارت بعض التقارير إلى أنَّ من أهَمِّ الأسباب التي جعَلَت الغربَ يختارُ الصوفيَّة: تخاذُل الصوفيَّة عن الجهاد في سبيل الله، وتخذيل النَّاس عنه، ومؤازرة الصوفيَّة للاستعمار (الاحتلال). وعداء الصوفيَّة لأهل السنَّة، والتزامهم طريقةً تَهدِمُ الإسلام! حسب ما ورد في تلك التقارير.

 أبواب الكتاب:        

جاء الباب الأول لبحث القرامطة لدى الباحث سليمان بعنوان (الجذور الأساسية لحركة القرامطة)، وفيه أربعة فصول، ثم جاء الباب الثاني عن (تاريخ القرامطة)، وفيه خمسة فصول، وكان الباب الثالث عن (عقائد القرامطة)، ويتكون من تمهيد وخمسة فصول، ثم كان الباب الرابع وفيه عن أساليب القرامطة في نشر دعوتهم بعنوان (نُظم القرامطة ومخططاتهم)، وقد اشتمل على ثلاثة فصول. 

ومن أبرز خلاصات البحث وفوائده التي استخرجتها من مقدمة الباحث على وجه الاختصار والإيجاز لفائدتها للقارئ والباحث، ما ورد في الفصل الأول من الباب الأول: «أن مذهب التشيع استُخْدِمَ على مر العصور والأزمان مَطِيَّة لكل من يريد الإساءة إلى الإسلام واستغلاله وتشويهه، فمعظم الدَّجالين والمُخرّبين ممن تزعَّموا بعض الحركات الخطيرة كانوا يَدَّعون النسب العلوي».

ومما كتبه الباحث من خلاصات عن القرامطة ما أورده في الفصل الأول من الباب الأول: «القرامطة فِرْقة من فِرَق الغلاة لم تكن جديدة بآرائها وغلوّها؛ حيث إنها امتداد مباشر لمذاهب إلحادية وُجدت قبل الإسلام وبعده، وذلك كالمزدكية والخطَّابية».

ومما كَتَبَه من خلاصات عن القرامطة مفيدة في مقدمة بحثه قوله: «تحدثتُ عن حركة الخُرَّمية وحركة الزنج؛ حيث بَيَّنتُ معاركهما مع الدولة العباسية، وما حصل من جراء ذلك من اضطرابات وفتن ظَهَرَ القرامطة في ظِلها».

ومما ورد من فوائد مختصرة في الفصل الثالث من الباب الأول أنه أورد التعريف بهم بقوله: «التعريف بالحركة الأم -الباطنية- مبتدئًا بتعريفها وبدايتها، ثم بيان فِرَقها والتي تُعتبر الحركة القرمطية واحدة من أكبر وأهم هذه الفِرق».

وفي الفصل الرابع من هذا الباب وردت الخلاصة التالية: «طائفة الإسماعيلية ودورها في حركة القرامطة، وذلك لما بين الإسماعيلية والقرامطة من التداخل والتشابه، بل والاتفاق في غالب الآراء والمنطلقات... كما تحدثتُ عن الصلة التي تربط بين الحركتين الكبيرتين الإسماعيلية والقرامطة، وهذا الموضوع من أبرز العقبات التي واجهتني في البحث». وللعلم فقد أكمل الباحث سليمان دراسته المتخصصة عن الفرق بموضوع عن الإسماعيلية في رسالته الدكتوراه بعنوان (أصول الإسماعيلية - دراسة وتحليل ونقد).

ومما كَتَبَ المؤلف في توضيحه المفيد في الفصل الرابع من الباب الثاني عن خطر هذه الفِرقة على الإسلام والمسلمين، قوله: «أما ابنه أبو طاهر الجنابي [ابن مؤسس القرامطة] فتعرضتُ له بالتفصيل أكثر من أيّ زعيم آخر من زعماء القرامطة؛ وذلك لشهرته وشدة نكايته بالمسلمين وحجاج بيت الله الحرام، وأخيرًا إجرامه الشنيع بمهاجمة مكة، وأخذه الحجر الأسود، وقتل جميع الحجاج، وقد أفردتُ عنوانًا خاصًّا لهذا الحدث المُريع بيَّنتُ فيه الدوافع لهذا العمل الإجرامي، وتفصيل ما حصل من أبي طاهر وزُمرته في بيت الله الحرام».

 تساؤل ونتائج مهمة للباحث:       

لعل مما يُعدُّ من أبرز النتائج العلمية التي توصَّل إليها الباحث هذه الخلاصات المُستنتَجة عن جذورهم وتاريخهم وعقيدتهم، وهي خلاصات مفيدة يصعب اختصارها أو تلخيصها، ولذلك تم إيرادها كما كتبها المؤلف، ومما قال عن هذا: «وأخيرًا فهؤلاء هم القرامطة كما هي حقيقتهم، فجذورهم مذاهب إلحادية سافرة، وتاريخهم أسود مليء بالحقد وبشاعة الجريمة، وعقائدهم خليط عجيب من مذاهب الملحدين والفلاسفة الضائعين، وخططهم هدم للأخلاق وسحق لكرامة الإنسان، ولقد تساءلت أمام هذه الحقائق! كيف انتشرت حركتهم في مجتمعات المسلمين، وهذه هي حقيقتهم المُرَّة وصورتهم المخزية؟».

وفي آخر الرسالة، وقبل أن ينتهي الباحث من بحثه كَتَبَ وتساءل! وكأنها خاتمة لبحثه العلمي: كيف تنطمس أمام بعض المسلمين حقيقة القرامطة الهدَّامة؟! مُخَتِصرًا الإجابة عنهم من أقوال العلماء السابقين من سلف الأمة الذين صنَّفوا أحوال من تأثر بهم، أو استجاب لفكرهم وعقيدتهم، وأنهم سبعة أصناف. وكانت الإجابة هنا قد جمعت بين نتائج الباحث سليمان ونتائج علماء الأمة السابقين.

 وقد أجاب عن هذا التساؤل المُثير بإجابة مطوَّلة يصعب اختصارها لأهميتها، وذلك بقوله: «إن الإجابة عن كل ذلك سطَّرها لنا عالمان خبيران بمذهب القرامطة؛ هما الإمام أبو حامد الغزالي (450-505هـ)، وابن الجوزي (510-597هـ)، اللذان صنَّفا أتباع الحركة القرمطية بثمانية أصناف، ومما قالا: لا ينخدع بالباطنية والقرامطة إلا المائلون عن اعتدال الحال واستقامة الرأي، فللعقلاء عوارض تُعمي عليهم طُرُق الصواب، وتقضي عليهم بالانخداع بلامع السراب، وهم سبعة أصناف: 

الصنف الأول: طائفة ضَعُفَت عقولهم وقلَّت بصائرهم وسخفت في أمور الدين آرائهم لما جُبلوا عليه من البَلَهِ والبلادةِ، مثل السواد وأفجاج العرب والأكراد وجفاة الأعاجم وسفهاء الأحداث، ولعل هذا الصنف هم أكبر الناس عددًا، وكيف يُستَبعد قبولهم لذلك! وقد اعتقدت طائفة في علي -رضي الله عنه- أنه إله السماوات والأرض! وهم خلقٌ كثير لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلد، فلا ينبغي أن يكثر العجب من جهل الإنسان إذا استحوذ عليه الشيطان واستولى عليه الخذلان.

الصنف الثاني: من أتباعهم طائفة انقطعت دولة أسلافهم بدولة الإسلام كأبناء الأكاسرة والدهاقين[14] وأولاد المجوس، فهؤلاء موتورون قد استكَن الحقد في صدروهم فهو كالداء الدفين، فإذا حرَّكَتْه تخاييل المُبطلين اشتعلت نيرانه تشوقًا إلى دَرَكِ نارهم وتلافي أمورهم.

الصنف الثالث: طائفة لهم همم طامحة إلى العلياء، متطلعة إلى التسلط والاستيلاء، إلا أنه ليس يساعدهم الزمان، فهؤلاء إذا وُعدوا بنَيْل أمانيهم وسُوِّل لهم الظفر بأعاديهم؛ سارعوا إلى قبول ما يظنونه مُفضيًا إلى مآلهم وسالكًا إلى أوطارهم ومطالبهم.

الصنف الرابع: طائفة جُبلوا على حبّ التميز عن العامة، والتخصص عنهم ترفعًا عن مشابهتهم، وتشرفًا بالتحيز إلى فئة خاصة تزعم أنها مُطّلعة على الحقائق، وأن كافة الخلق في جهالتهم كالحمر المستنفرة والبهائم المسيَّبة، وهذا هو الداء العضال المستولي على الأذكياء فضلًا عن الجهال الأغبياء، وكل ذلك حُبًّا للنادر الغريب، ونُفْرةً عن الشائع المستفيض، وهذه سجية لبعض الخَلْق على ما شهدت به التجربة وتدل عليه المشاهدة.

الصنف الخامس: طائفة اتفق نشوؤهم بين الشيعة الروافض، فمالوا إليهم ورأوا هذه الفرقة تساعدهم على ما عندهم، فمالت نفوسهم إلى المساعدة لهم والاستئناس بهم، وانجرَّت معهم إلى ما وراء ذلك من خصائص مذهبهم.

الصنف السادس: ومن أتباعهم مُلحدة الفلاسفة والثنوية الذين اعتقدوا أن الشرائع نواميس مُؤلَّفة والمعجزات مخاريق مُزخرفة، وهذه الطائفة هم الذين لفَّقوا لهم الشُّبه، وزيَّنوا لهم -بطريق التمويه- الحُجَج، وسَوَّوها على شروط الجدل وحدود المنطق من حيث الظاهر، وستروا مكامن التلبيس والمغالطة فيها تحت ألفاظ مجملة وعبارات كُلِّية مبهمة، قلَّما يهتدي الناظر الضعيف إلى فكّ تعقيدها وكشف الغطاء عن مَكْمَن تدليسها.

الصنف السابع: ومن اتباعهم قوم مالوا إلى عاجل اللذات ممن استولت عليهم الشهوات، ولم يكن لهم عِلْم ولا دين، فإذا صادفوا مَن يرفع عنهم وَعِيد الشرع ونواهيه، ويفتح لهم هذا الباب مالوا إليه، على أن تحسين مثل هذا لا يُكشف إلا بالتدرج ومقدار طمعهم بالشخص»[15]. وتأتي هذه الإضافة العلمية إلى نتائج هذا البحث من السابقين من العلماء لتؤكد نتائج الباحث.

ومما يلزم تدوينه في هذا الموضوع ما أورده الباحث في نهاية مقدمة بحثه عن القرامطة، وقبل تقدُّم الباحث بالشكر لكل مَن سانده ووقف معه في داخل البلاد أو خارجها؛ دوَّن الباحث ما يراه من ضخامة البحث وتحدياته، ثم أورد ما يُعدُّ من التواضع العلمي بعدم التزكية لما كَتَبه وسطَّره، ومما قال حول هذا: «هذا وأُحبّ الإشارة إلى أنه كان في نيتي حصر المراجع الأساسية التي اعتمدتُ عليها مع دراسةٍ وتمحيصٍ وموازنةٍ لها، ولكن المدة الزمنية وضخامة البحث أوقفاني عند هذه النهاية لهذا البحث الذي أرجو من الله العلي القدير أن أكون قد وَفَّيْته بعض حقه، وقدمت للباحثين والدارسين في هذا المجال خدمةً متواضعةً لكشف هذه الحركات على حقيقتها وإيضاح زيفها، وإنني مع ذلك أقول كما قال بعض السلف الصالح: «أمَّا سائر ما تكلمنا عليه فإنا أَحِقَّاء بألاَّ نزكيه، وأن لا نؤكد الثقة به، وكل مَن عَثَر منه على حرف أو معنى يجب تغييره، فنحن نناشده الله في إصلاحه وأداء حق النصيحة فيه؛ فإن الإنسان ضعيف لا يسلم من الخطأ، إلا أن يعصمه الله بتوفيقه، ونحن نسأل الله ذلك، ونرغب إليه في دركه إنه جواد وهَّاب».

وكان الانتهاء من هذه الرسالة وتقديمها لجامعة أُم القرى (فرع جامعة الملك عبدالعزيز) سابقًا بمكة المكرمة عام 1400هـ، وللعلم فقد كان الباحث سليمان على مِلاك الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وكانت دراسته الماجستير بابتعاث داخلي إلى فرع جامعة الملك عبدالعزيز بمكة، ثم انتقل أو نَقَلَ خدماته إلى الجامعة في مكة المكرمة بعد ذلك. 

وفي ختام هذا التعريف والعرض عن هذا البحث؛ فإني أقترح على الدار الناشرة للكتاب بعد الطبعة الأولى الكاملة للكتاب اختيار بعض أبوابه أو فصوله أو موضوعاته ونشرها كرسائل صغيرة وموضوعات يسيرة لتعميم الفائدة وزيادة التبسيط والانتشار، وهو منهج علمي عَمِل به كثير من سلف الأمة تجاه بعض كتب التراث الكبيرة والواسعة، كما أن التعريف الإلكتروني بالكتاب حريٌّ بخدمة الموضوع والكتاب.

 وقد أدركت جيدًا سبب تأخُّر الباحث في طباعة رسالته طبعة عامة بكتاب، وذلك حينما تصفَّحت وقرأت في بحث القرامطة فوجدتُ في الكتاب من التفاصيل والتفريعات العلمية ما يمكن أن يكون عُذرًا للدكتور سليمان في تحقيق أمله وطموحه كتابة بعض الإضافات، والله أعلم.

كما وجدتُ أن الباحث دخل في بحثه بمستنقعٍ من التناقضات والتضاربات في أفكارهم وطرقهم، بل وعقيدة ونُظُم هذه الفِرقة وسياساتها مع أتباعها وعامة الناس، ومنهجها في التعامل مع الإسلام والمسلمين، والتعاطي مع منهج أهل السنة والجماعة، ومن أبرز أحداثهم الدموية مع المسلمين ما حدث مع حجاج بيت الله الحرام وحادثة الحرم المكي الشريف عام 317هـ.

والله خيرٌ حافظًا، وهو أرحم الراحمين. 


 


[1] هذا الكتيب عبارة عن فصل من فصول كتاب ابن الجوزي المنتظم (5: 110- 119)، وقد نشره الأستاذ محمد الصباغ وطُبع عدة طبعات بعنوان: القرامطة.

[2] معظم هذه النصوص المقتبسة من مقدمة كتاب (القرامطة وآراؤهم الاعتقادية)، وعند النقل والاقتباس من غير المقدمة سوف تتم الإشارة إلى هذا، كما أن هذا التعريف بكتاب القرامطة أَوَرَد جميع المصادر التي ذكرها المؤلف في مقدمة كتابه وغيرها.

[3] تحدث الأستاذ محمد عليان في كتاب له بعنوان (قرامطة العراق) ملتزمًا الجانب التاريخي، ولم يتعرض لمعتقداتهم كثيرًا ومناقشتهم، كما أنه لم يتعرض لقرامطة اليمن والبحرين.

[4] انظر -على سبيل المثال- كتابات عارف، ومصطفى غالب عن القرامطة.

[5] نشأة الفكر الفلسفي للنشار (2/ 382).

[6] القرامطة لدى خويه (ص129- 146).

[7] انظر: المستشرقون للعقيقي (1/ 290- 291).

[8] دائرة المعارف الإسلامية مادة القاف.

[9] انظر: أصول الإسماعيلية (ص122- 123).

[10] المرجع السابق (ص 141).

[11] المرجع السابق (ص 62- 63).

[12] المرجع السابق (ص 133).

[13] ذَكَرَ جمعًا من هذه الدراسات الدكتور الدوري في مقدمته لكتاب أصول الإسماعيلية، انظر (ص 10- 27)، وكذلك عارف تامر في كتابه القرامطة (ص 13).

[14] عبارة فارسية تُطلق على رئيس الإقليم أو زعيم الفلاحين.

[15] القرامطة وآراؤهم الاعتقادية، ص563-564، نقلًا عن: فضائح الباطنية للغزالي ص34-36، والقرامطة لابن الجوزي ص66-68.

 


أعلى