• - الموافق2024/04/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ولاية المظالم

ولاية المظالم

 

 مما تميزت به جهود الفقهاء في عصور الإسلام الأولى مواجهةُ المستجدات الاجتماعية وغيرها بالحلول المناسبة التي تميزت بأمرين:

الأول: واقعية هذه الحلول وقدرتها على تحقيق المراد على أفضل الوجوه وأحسنها.

الثاني: انبثاق هذه الحلول من نصوص الشريعة وقواعدها وعدم الخروج عليها أو مخالفتها.

وتُعَدُّ ولاية المظالم من تلك الحلول التي واجه بها الفقهاء الحالات التي يكون فيها المعتدي أعلى شأناً وأقوى يداً من المعتدى عليه، وهذا يكون في أوضح صوره عندما يكون المعتدي من أصحاب السلطان أو الوجاهة (الحسب والنسب والثراء)، ويكون المعتدى عليه من عامة الناس، وفي هذه الحالة قد يعجز القاضي العادي عن إنصاف المظلوم (الطرف الضعيف) من الظالم (الطرف الأقوى) وأَخْذ الحق منه، وهذا يكثر عندما يضعف الإيمان في القلوب ويقل الخير في الناس.

وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - من الخلفاء الذين حضُّوا رعيتهم على التظلُّم من الولاة الظالمين الذين يمنعون الناس حقوقَهم أو يعاقبونهم بالظلم. قال عمر - رضي الله تعالى عنه -: «إني - والله - ما أُرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أُرسِلهم إليكم ليعلِّموكم دينكم وسنَّتكم؛ فمن فُعِلَ به شيء سوى ذلك فَلْيرفعه إليَّ؛ فوالذي نفسي بيده إذاً لأقصنِّه منه، فوثب عمرو ابن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين! أوَ رأيت أن كان رجل من المسلمين على رعية فأدَّب بعض رعيته أئنك لمقتصه منه؟ قال: إي، والذي نفس عمر بيده إذاً لأقصنه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه: ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمِّـروهم فتفتنـوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفِّـروهم، ولا تُنزلوهم الغيـاض فتضيعـوهم»[1]، فهذا توجيـه الخليفة الراشد عمر - رضي الله تعالى عنه - القائم على النصوص الشرعية والسوابق التاريخية في وجوب العدل والإنصاف ومَنْع الظلم في جميع الصور والأحوال.

المظالم في التاريخ:

لم تكن المظالم في أول أمرها ولاية من الولايات السلطانية، وإنما كانت مسلكاً وعملاً يقوم به وليُّ الأمر أو المتنفذون في المجتمع، وقد تطور الأمر من مسلك يقوم به ولي الأمر إلى تأسيس ولاية شرعية ومؤسسة نظامية يشرف عليها أمير المؤمنين ولم تعد همَّة شخصية بحسب همة المتولي ونشاطه، عُرِفَت باسم ولاية المظالم.

وأول ما نقابله من المظالم هو ما عُرِف بحلف الفضول قبل الإسلام؛ حيث تعاقد المتحالفون على أن يكونوا يداً للمظلوم على الظالم حَتَّى يُؤَدِّي إِلَيْهِ حقه وسبب ذلك أن رجلاً من بني زبيد قدم مَكَّة بسلعة لَهُ فَبَاعَهَا من الْعَاصِ ابن وَائِل فظلمه ثمنهَا ولم يمكنه أخذ حقِّه منه بعدما طَافَ فِي الأحلاف: عبد الدَّار، وجُمَح وَسَهْم، ومخزوم، فَسَأَلَهُمْ أن يعينوه على الْعَاصِ بن وَائِل فزجروه وتجهموه وَأَبُو أَن يغلبوه على الْعَاصِ. فَلَمَّا نظر إِلَى سلْعَته قد حيل دونهَا رقي على جبل أبي قبيس عِنْد طُلُوع الشَّمْس وقريش فِي أنديتها فصاح بِأَعْلَى صَوته وأنشد شعراً يستعدي فيه على العاص فَقَالَ الزبير بن عبد الْمطلب: إن هَذَا الأمر مَا يَنْبَغِي لنا أن نمسك عَنهُ فَطَافَ فِي بني هَاشم وزهرة وأسد وتيم فَاجْتمعُوا فِي دَار عبد الله بن جدعَان وتحالفوا على رد المظالم بمكة، وأن لا يُظلَم أحد إلا منعوه وأخذوا للمظلوم حقه، ثمَّ نهضوا إِلَى الْعَاصِ بن وَائِل فنزعوا سلْعَة الزبيدِيِّ ودفعوها إِلَيْهِ، فَقَالَت قُرَيْش: إِنَّه قد دخل هَؤُلَاءِ فِي فضل من الْأَمر فَسمي حلفَ الفضول، وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحلف في الجاهلية، وقال عنه صلى الله عليه وسلم: «شَهِدْتُ حِلْفاً فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ: بَنِي هَاشِمٍ، وَزَهْرَةَ، وَتَيْمٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، وَلَوْ دُعِيتُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَخِيـسَ بِهِ وَإِنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ» قَالَ: وَكَانَ مُحَالَفَتُهُمْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ لَا يَدَعُوا لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ فَضْلاً إِلَّا أَخَذُوهُ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَ حِلْفَ الْفُضُولِ»[2]، وقد عدَّ أهل العلم بعض الأحداث التي حدثت زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من باب المظالم كقضائه في الشرب الذي كان بين الزبير وأحد الأنصار، لكن المظالم لم تكن في ذلك الوقت ولاية، وكان الأمر على ذلك زمن خلافة الراشدين. قال الماوردي: «ولم ينتدب للمظالم من الخلفاء الأربعة أحد؛ لأنهم في الصدر الأول مع ظهور الدين عليهم بين من يقوده التناصف إلى الحق، أو يزجره الوعظ عن الظلم، وإنما كانت المنازعات تجري بينهم في أمور مشتبهة يوضحها حكم القضاء»[3]. قال الماوردي: «احتاج علي - رضي الله عنه - حين تأخرت إمامته واختلط الناس فيها، وتجوزوا إلى فضل صرامة في السياسة، وزيادة تيقظ في الوصول إلى غوامض الأحكام، فكان أول من سلك هذه الطريقة واستقل بها، ولم يخرج فيها إلى نظر المظالم المحض لاستغنائه عنه». ثم قال: «ثم انتشر الأمر بعده حتى تجاهر الناس بالظلم والتغالب، ولم يكفهم زواجر العظة عن التمانع والتجاذب، فاحتاجوا في ردع المتغلبين وإنصاف المغلوبين إلى نظر المظالم الذي يمتزج به قوة السلطنة بنَصَف القضاء، فكان أولُ من أفرد للظلامات يوماً يتصفح فيه قصص المتظلِّمين من غير مباشرة للنظر عبدَ الملك بنَ مروان... ثم زاد من جور الولاة وظلم العتاة ما لم يكفُّهم عنه إلا أقوى الأيدي وأنفذ الأوامر، فكان عمر ابن عبد العزيز - رحمه الله - أول من ندب نفسه للنظر في المظالم، فردَّها وراعى السنن العادلة وأعادها، وردَّ مظالم بني أمية على أهلها ثم جلس لها من خلفاء بني العباس جماعة فكان أول من جلس المهدي ثم الهادي ثم الرشيد، ثم المأمون، فآخر من جلس لها المهتدي حتى عادت الأملاك إلى مستحقيها»[4]، وأما زمنُ عدِّها ولاية سلطانية فلم أقف على نص محدد في ذلك لكن هناك إشارة واضحة تدل على أن تلك الولاية السلطانية كانت معروفة سنة 136هـ كما جاء في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم[5].

ولاية المظالم:

هي ولاية تُعنَى بإقامة العدل وردِّ المظالم على أصحابها فهي ولاية قضائية في الذروة من ولايات القضاء بحسب ما تقضي فيه وبحسب من تقضي عليه وتفصل بينهم.

وقد عرَّف الماوردي ما تقوم به هذه الولاية بقوله: «ونَظَر المظالم هو قَوْد المتظالمين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة»[6]، ويتبين من التعريف أن ولاية المظالم تفصل في أمرين:

 1 - التظالم: حيث يدَّعي أحد على آخر أنه ظلمه ويريد حقه منه: ودور والي المظالم أن ينصف أحدهما من الآخر، فإذا كان المتظالمان في رتبة واحدة كان القضاء العادي كفيلاً بإنصاف أحدهما من الآخر. أما إذا كان أحد الطرفين أعلى شأناً وأقوى يداً من الآخر؛ كأن يكون من الولاة - مثلاً - والآخر من العامة احتيج لولاية المظالم فيها لقوة والي المظالم ورهبته.

2 - التنازع: حيث يثور النزاع ويجحد المتنازعان أو أحدهما ما للآخر: فبالرهبة يقود والي المظالم المتظالمين إلى التناصف، وبالهيبة يزجر المتنازعين عن التجاحد.

قال ابن خلدون: «وهي وظيفة ممتزجة من سطوة السَّلطنة ونَصَفَة القضاء وتحتاج إلى علوِّ يدٍ وعظيمِ رهبةٍ تقمع الظَّالم من الخصمين وتزجر المتعدِّي وكأنَّه يُمضِي ما عجز القضاة أو غيرهم عن إمضائه»[7].

شروط والي المظالم:

لما كان جُلُّ عمل والي المظالم النظرَ في أعمال الولاة ورجال الدولة؛  حيث يتترسون أو يتحصنون خلف مراكزهم، وحتى يقوم والي المظالم بما هو مرجوٌّ منه على الوجه اللائق احتاج والي المظالم أن يكون ذا صفات خاصة تؤهِّله للقيام بذلك، وهي صفات القاضي وزيادة؛ وذلك راجع لطبيعة الولاية وقد بيَّنها الماوردي بقوله: « فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليلَ القدر، نافذَ الأمر، عظيمَ الهيبة، ظاهرَ العفة، قليلَ الطمع، كثيرَ الورع؛ لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحُماة وثبت القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين»[8].

فعندما تجاهر الناس بالظلم والتغالب، ولم يكفهم زواجر العظة عن التمانع والتجاذب، فاحتاجوا في ردع المتغلبين وإنصاف المغلوبين إلى نظر المظالم الذي يمتزج به قوة السلطنة بنَصَفة القضاء.

ويغلب على عمل والي المظالم النظرُ في أعمال الولاة ورجال الدولة في تعاملهم مع عامة الناس؛ لأنهم الطرف الأقوى، وليس هذا قاصراً على الظلامات الشخصية التي تكون من الوالي إزاء أحد الرعية، ولكن أيضاً إذا تجاوز الوالي الأحكام والأنظمة المرعية وانتقل إلى بدل منها بغير مسوِّغ مقبول؛ فإن على والي المظالم أن يردَّه عن ذلك ويبطل تصرُّفَه؛ بحيث لا يترتب عليه أثر؛ وذلك أن الأمير أو الوالي ليس مطلقَ التصرف في ما يأتي ويذر، بل عليه أن يتقيد بأحكام الشريعة ويخضع لها. 

تكوين مجلس والي المظالم:

نظراً لطبيعة الدور الذي يقوم به والي المظالم فإنه يحتاج لفريق عمل حتى ينجز عمله على الوجه الأكمل، وقد بيَّن الماوردي هذا الفريق ودَوْر كل واحد فيه، فقال: «ويستكمل [والي المظالم] مجلس نظره بحضور خمسة أصناف لا يستغني عنهم ولا ينتظم نظره إلا بهم:

أحدهم: الحماة والأعوان لجذب القوي وتقويم الجريء، وقد يكون من تطبيق ذلك أن تكون هناك وحدة من الشرطة تابعة لوالي المظالم تبعية كلِّية.

والصنف الثاني: القضاة والحكام لاستعلام ما يثبت عندهم من الحقوق ومعرفة ما يجري في مجالسهم بين الخصوم.

والصنف الثالث: الفقهاء ليرجع إليهم في ما أشكل ويسألهم عما اشتبه وأعضل.

والصنف الرابع: الكتَّاب ليثبتوا ما جرى بين الخصوم، وما توجب لهم أو عليهم من الحقوق.

والصنف الخامس: الشهود ليُشهدَهم على ما أوجبه من حق وأمضاه من حكم، فإذا استُكمِل مجلس المظالم بمن ذكرنا من الأصناف الخمسة شرع حينئذٍ في نظرها»[9].

وينظر والي المظالم في ما يتعلق بالولاة ورجال الدولة في ما يلي:

 1 - في تعدي الولاة على الرعية وأَخْذهم بالعسف في السيرة، فيكون لسيرة الولاة متصفحاً عن أحوالهم مستكشفاً ليقويهم إن أنصفوا، ويكفهم إن عسفوا، ويستبدل بهم إن لم ينصفوا، فهذا من لوازم النظر في المظالم الذي لا يقف على ظلامة متظلِّم؛ إذ ذلك من طبيعة عمله؛ فهو بمنزلة الرقيب الذي يتابع ويرصد التصرفات، وله صلاحية التصرف في إحقاق الحق وإبطال الباطل 

لَـمَّا تولى يوسف بن يعقوب سنة 277هـ المظالم ببغداد «نودي في الناس: من كانت له مظلمة - ولو عند الأمير الناصر لدين الله الموفق [وهو أخ الخليفة المعتمد وكان ولياً للعهد]، أو عند أحد من الناس - فَلْيحضر، وسار [يوسف بن يعقوب] في الناس سيرة حسنة، وأظهر صرامة لم يُرَ مثلها»[10].

ولعل من مظاهر تعدِّي الولاة على الرعية هو سياستهم بمجرد الرأي أو الاجتهاد الشخصي من غير رجوع للأحكام والأنظمة المعتمدة من قِبَل دولة الإسلام أو بالمخالفة لها، ويكون دور ولاية المظالم في هذه الحال هو الحفاظ على تقيد الدولة بالأحكام الشرعية وبالنظام المعتمد، وهو ما يعني خضوع سائر التصرفات والنشاطات للأفراد والجماعات للأحكام الشرعية والنظم المرعية.

2 - في جور العمال في ما يَجْبُونه من الأموال: فيُرجَع فيه إلى القوانين العادلة في دواوين الأئمة فيحمل الناس عليها، ويأخذ العمال بها وينظر في ما استزادوه، فإن رفعوه إلى بيت المال أمر بردِّه، وإن أخذوه لأنفسهم استرجعه لأربابه، وعاقب العمال لخيانتهم

3 - في كتَّاب الدواوين؛ لأنهم أمناء المسلمين على ثبوت أموالهم في ما يستوفونه له ويوفونه منه: فيتصفح أحوالهم في ما وُكِل إليهم، من زيادة أو نقصان، وهذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج والي المظالم في تصفحها إلى تظلُّم متظلِّم.

4 - تظلُّم المسترزَقة (الموظفين) من نقص أرزاقهم، أو تأخُّرها عنهم وإجحاف النظر بهم، فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل فيجريهم عليه، وينظر في ما نُقصُوه أو مُنِعوه من قَبْل؛ فإن أخذه ولاة أمورهم استرجعه منهم، وإن لم يأخذوه قضاه من بيت المال.

5 - في ما اغتصبه الولاة أو أقاربهم من أربابه: فمتى ما علم بذلك ردَّه عليهم، حتى وإن لم يطالب به أصحابه، «ورد رجل من هَراة فرفع قصته إلى عبد الله بن طاهر [وكان أميراً]. فلما قَدِم بين يديه قال: من خصمُك؟ قال: الأمير أيَّده الله. قال: ما الذي تدَّعي عليَّ؟ قال: ضيعةٌ لي بهراة غصبنيها والد الأمير، وهي اليـوم في يده. قال: ألك بيِّنة؟ قال: إنما تقام البينـة بعـد الحكـومة إلى القاضـي؛ فإن رأى الأميـر - أيَّده الله - أن يحملني وإياه على حكم الإسلام. قال: فدعا عبد الله ابن طاهر بالقاضي نصر بن زياد، ثم قال للرجل: ادَّعِ. قال: فادَّعى الرجل مرة بعد أخرى. فلم يلتفت إليه نصر بن زياد، ولم يسمع دعواه. فعلم الأمير أنه قد امتنع عن استماع الدعوى حتى يجلس الخصم مع المدعـي، فقـام عبد الله بن طاهر من مجلسه حتى جلس مع خصمه بين يديه، فقال نصر للمدَّعي: ادَّع. فقال: أدَّعي - أيَّد الله القاضي - أن ضيعة لي بهَراة وذكرها بحدودها وحقوقها، هي لي في يدي الأمير، فقال له الأمير عبد الله بن طاهر: أيها الرجل، قد غيَّرت الدعوى إنما ادَّعيت أولاً على أبي. فقال الرجل: لم أشته أن أفضح والد الأمير في مجلس الحكم، أدَّعي أن والد الأمير قد كان غصبني عليها، وإنها اليوم في يد الأمير، فسأل نصر بن زياد عبد الله ابن طاهر عن دعواه فأنكره، فالتفت إلى الرجل فقال: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فما الذي تريده؟ قال: يمين الأمير بالله الذي لا إله إلا هو. قال: فقام الأمير إلى مكانه وأمر الكاتب ليكتب إلى هَراة بردِّ الضيعة عليه»[11].

6 - في تنفيذ ما وقف القضاة من أحكامها لضعفهم عن إنفاذها، وعجزهم عن المحكوم عليه؛ لتعزُّزه وقوة يده، أو لعلوِّ قدره وعِظَم خطره، فيكون ناظر المظالم أقوى يداً وأنفذ أمراً، فينفِّذ الحكمَ على من توجه إليه بانتزاع ما في يده، أو بإلزامه الخروج مما في ذمته.

7 - في ما عجز عنه الناظرون من الحسبة في المصالح العامة: كالمجاهرة بمنكر ضعف عن دفعه، والتعدي في طريق عجز عن منعه، والتحيُّف في حق لم يقدر على ردِّه، فيأخذهم بحق الله - تعالى - في جميعه، ويأمر بحملهم على موجبه.

يتبين من ذلك أن ولاية المظالم ولايةُ قضاء هدفها إقامة العدل وإشاعته وكفُّ الظلم ومحاربته، وتستمد قوَّتها وقدرتها على تحقيق الهدف منها من متوليها؛ وهو أمير المؤمنين أو نائبُه أو من يفوِّضه في القيام بذلك، وعندما تعود مثل هذه الولايات لمزاولة أعمالها على الوصف المذكور يعم العدل ويرتفع الظلم ويسود الأمن والسلام مجتمعنا المسلم.

 


 


[1] أخرجه أحمد في مسنده مسند العشرة، رقم 273، وأبو داود كتاب الديات، رقم 3933، تجمروهم: تجمير الجيش جمعهم في الثغور وحبسهم عن العود إِلى أَهليهم، الغياض: جمع غَيْضة وهي الشجر المُلْتَفُّ؛ لأَنهم إِذا نزَلُوها تفرَّقوا فيها فتمكَّن منهم العدوُّ.
[2] شرح مشكل الآثار للطحاوي: 15/221.
[3] الأحكام السلطانية: ص 81.
[4] الأحكام السلطانية: ص81 - 82.
[5] المنتظم: 7/3340 - 341.
[6] الأحكام السلطانية: ص 81.
[7] تاريخ ابن خلدون: 1/276.
[8] الأحكام السلطانية: ص 81.
[9] الأحكام السلطانية: ص 83 - 84.
[10] البداية والنهاية لابن كثير: 11/67.
[11] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: 11/247 - 248، ومختصر تاريخ دمشق: 4/226.

 

 

أعلى