موافقة قول الخطيب عمله

موافقة قول الخطيب عمله

حين يقف خطيب الجمعة أمام الناس متحدثاً؛ فهو يذكرهم ويعظهم، ويدلهم على ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، ويحـذرهـم ممـا يضرهم فيهـما، والأصـل أنه لا يبتغي من وراء ذلك جزاءً دنيوياً، ولا شكوراً من الناس، إنْ هو إلا مصلح يترسم خطى المرسلين - عليهم السلام - في دعواتهم، ويتأسى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته، ويقتبس هدي الصالحين من هذه الأمة سلفها وخلفها في أقوالهم وأفعالهم وسمتهم.

 ولما كانت الحكمة من مشروعية الخطبة نفع الناس بها كان الأولى أن ينتفع الخطيب بما ألقاه على الناس قبل أن يلقيه؛ لعلمه به وقناعته بمضمونه؛ فإنه ما نصح به الناس إلا وفيه خير لهم، وهو أَوْلَى بهذا الخير من غيره.

ولكن النفس البشرية مطبوعة على الظلم والجهل إلا أن يتعاهدها صاحبها بالإيمان والتقوى والتوبة والاستغفار. ودليل ذلك كثرة ما يقع ممن يتصدرون للكلام في شؤون الناس الدينية والدنيوية من مخالفة أفعالهم أقوالَهم، وليس ذلك حكراً على الخطباء والدعاة والعلماء فحسب، بل حتى أهل السياسة والاقتصاد والطب والفكر والإعلام وغيرهم يكثر فيهم مخالفة أقوالِهم أفعالَهم؛ فيوصون الناس بأشياء لا يفعلونها هم، ويحذرونهم من أشياء يقعون هم فيها، ولكن هؤلاء لا يؤاخذهم الناس كما يؤاخذون أهل العلم والدعوة والخطابة، ولا يثرِّبون عليهم مثلهم؛ لأن الناس وضعوا أهل العلم والدعوة والخطابة قدوة لهم - وهذا حق وشرف ومسؤولية - فكانت مخالفة العالم أو الداعية أو الخطيب أقواله أفعاله أشد على الناس من مخالفة غيرهم؛ ولهذا فإنه يجب على العالم والداعية والخطيب أن يراعوا هذه الخصوصية لهم، ويحافظوا على هذه المنزلة التي بوأهم الله - تعالى - إياها، ويحفظوا مكانتهم في قلوب الناس بإتباع العلمِ العملَ، وعدم مخالفة القول الفعلَ؛ ليصدر الناس عنهم، ويقبل الناس منهم، ويكون لخطابهم وَقْعٌ في القلوب، وتأثير في النفوس.

ذم مخالفة القولِ الفعلَ:

 تظاهرت نصوص الكتاب والسُّنة على ذم مخالفة قول الإنسان عملَه؛ لأن ذلك نوع من الكذب، ويدل على ضعف الإيمان، وهو طريق إلى النفاق. نعوذ بالله - تعالى - من ذلك، والنصوص الواردة في ذلك على أنواع:

النوع الأول: نصوص تثبت أن الأنبياء، عليهم السلام - وهم رؤوس المصلحين وأئمة الدعاة والخطباء - توافق أقولُهم أفعالهم؛ حتى إن المكذبين بهم من أقوامهم لم يرموهم بمخالفة أفعالهم أقوالَهم مع حاجتهم لمثل هذه التهمة في صرف الناس عن الدعوة، لكنهم لم يفعلوا ذلك؛ لعلمهم أن الناس لا يصدقونهم؛ لأنه من الكذب الظاهر.

ومن الأنبياء من صرح بذلك كما فعل شعيــب - عليه السـلام - حين وعـظ قـومه، فبين لهـم أنـه أول مـن يمتثـل ما يدعوهم إليه حين حكى الله - تعالى - عنه قوله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88].

النوع الثاني: نصوص تفيد أن الله - تعالى - قد ذم بني إسرائيل على عدم إتْبَاع العلم العمل، فقال - سبحانه -: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]. فإنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه، فعيَّرهم الله، تعالى[1].

النوع الثالث: نصوص تثبت الوعيد الشديد المتنوع في مخالفة الإنسان قولَه فعلَه:

1 - فصاحبه متوعَّد بمقت الله - تعالى - كما في قوله - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3].

2 - ومتوعد بالعذاب في النار كما في قول الله - تعالى -: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ* كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 49 - 51].

قال الشنقيطي - رحمه الله تعالى -: «فيجب على المذكِر (بالكسر) والمذكَر (بالفتح) أن يعملا بمقتضى التذكرة وأن يتحفظا عن عدم المبالاة بها؛ لئلا يكونا حمارين من حُمُر جهنم»[2].

3 - وعذابه في النار يكون بطــريقة بشـعة منفِّــرة جاء تصويرها في حديث أســامة بــن زــيد - رضــي الــله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ! مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ»[3].

النوع الرابع: أن الخطباء جاء فيهم وعيد خاص إذا خالفت خطبهم أفعالَهم كما في حديث أَنَــسِ بْنِ مَــالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ. قُلْتُ : مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ : هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ»[4].

وقد تمسَّك بهذه النصوص من يرى أن من كان مقارفاً للمعصية فلا يأمر ولا ينهى، وهاهنا ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: اشتراط أن يكون الخطيب أو الداعية خالياً من المعاصي وإلا لا يعظ الناس ولا يخطب فيهم، ولم أقف على أحد يقول بهذا، ولازم القول به تعطيل الأمر والنهي الشرعيين؛ لاشتراط العصمة من الذنوب في صاحبه.

ولهذا يجوز أن ينصح المفضولُ الفاضلَ، وأن يعظ الطالبُ العالمَ؛ لأنه لا أحد من البشر فوق النصح والموعظة مهما كانت منزلته، ومهما علا كعبه في العلم والفضل.

المسألة الثانية: اشتراط موافقة قولِه فعلَه فيما يخطب به، فلا يحل له الكلام إلا فيما وافق فيه قولُه فعلَه، وما خالف فيه قولُه فعلَه فلا يخطب به، وفي هذه المسألة قولان:

القول الأول: يشترط ذلك؛ لأن ظاهر النصوص السابقة تدل على تقبيح من خالف قولُه فعلَه؛ بمعنى أنه لا يأمر بما لا يفعل، ولا ينهى عما يفعل؛ لئلا يتناوله الوعيد الوارد في النصوص السابقة. قال أبو القاسم القشيري الصوفي: «فَشَرْطُ الأمرِ بالمعروف استعمالُ ما تأمر به والانتهاء عما تنهى عنه»[5]. ويتأيد هذا القول بالآثار التالية:

1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه جاءه رجل فقال: «يا ابن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. قال: أَوَبلغت؟ قال: أرجو. قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله - عز وجل - فافعل. قال: وما هن؟ قال: قوله - عز وجل -: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله - عز وجل -: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحـرف الثـالث؟ قال: قـول العبـد الصالح شعيب - عليه السلام -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فابدأ بنفسك»[6].

2 - وقال النخعي - رحمه الله تعالى -: «ثلاث آيات منعتني أن أقص على الناس {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: ٤٤] {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2][7].

3- وعن بعض السلف أنه قيل له: «حدثنا. فسكت ثم قيل له: حدثنا. فقال: أترونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله، تعالى»[8].

القول الثاني: لا يُشترَط في المتصدي للخطابة أن لا يعظ الناس إلا بما وافق فيه قولُه فعله، بل يعظهم بما يحتاجون ولو كان مخالفاً فيه، وهو قول عامة العلماء، ويُستدل له بما يلي:

1 - عموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، تعالى؛ إذ ليس في شيء منها منع من فرَّط في طاعة من الدعوة إليها، ولا منع من وقع في معصية من النهي عنها.

2 - قول الله - تعالى -: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] فذمهم الله - تعالى - لأن بعضهم لم ينهَ بعضاً عما قارفوا من المنكرات.

3 - أن حكم الله - تعالى - في عباده كتابةُ حسناتهم وسيئاتهم، ومحاسبتهم على أعمالهم، وليس من لازم اكتساب السيئة بطلان الحسنة إلا ما كان محبطاً للعمل وهو الشرك. ودعوة الناس للخير وتحذيرهم من الشر حسنة يثاب العبد عليها، ووقوعه في المنكر سيئة يحاسب بها، فالجهة منفكة بين ميادين اكتساب الحسنات، وميادين اجتراح السيئات.

وهذا القول هو الراجح، وأما الجواب عن النصوص المنفرة من مخالفة القول الفعل فإن الذم فيها على المعصية مع العلم بها، وليس على النهي عنها، وعلى هذا المعنى اجتمعت كلمة المحققين من العلماء:

قال الجصاص - رحمه الله تعالى -: «من لم يفعل سائر المعروف ولم ينته عن سائر المناكير فإن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عنه»[9].

وقال القرطبي - رحمه الله تعالى -: «اعلم - وفقك الله  تعالى - أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر»[10].

وقال الشنقيطي - رحمه الله تعالى -: «فالحق أن الأمر بالمعروف غير ساقط عن صالح ولا طالح، والوعيد على المعصية لا على الأمر بالمعروف؛ لأنه في حد ذاته ليس فيه إلا الخير»[11].

وأما الآثار الواردة عن ابن عباس والنخعي وغيرهما فهي غير ثابتة، فإن ثبت شيء منها أو ثبت مثلها عن بعض السلف فتُحمَل على التشديد في إتباع العلمِ العملَ، والترهيب من مخالفة القول للفعل.

وقد نُقل عن السلف ما يقابل الآثار السابقة، ومن ذلك:

1 - قول أبي الدرداء - رضي الله عنه -: «إني لآمركم بالأمر وما أفعله ولكني أرجو فيه الأجر»[12].

ويُحمَل قوله - رضي الله تعالى - عنه على بعض المندوبات؛ لأن الإنسان مهما بلغ فلا يستطيع أن يأتي بالسنن كلها لا يفوته منها شيء، فكان يأمر بأنواع من المندوبات لا يتمكن من فعلها.
2 - قول عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى -: «لو أن المرء لم يعظ أخاه حتى يحكم نفسه ويكمل في الذي خُلِقَ له لعبادة ربه إذاً تواكل الناس بالخير، وإذاً يرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستُحلَّت المحارم وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض»
[13].

3 - قول سعيد بن جبير - رحمه الله تعالى -: «لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحدٌ بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟»[14].
المسألة الثالثة: قد يتلبس الخطيب بمعصية مثل: ترك واجب كصلة الرحم، أو فعل محرَّم كقطيعتها؛ فهل له أن يؤجل الكلام عنها حتى يتوب من معصيته؛ لأنه متلبس بها أم يبادر إلى إنكارها ولو لم يتب منها؟
 إن الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن ذلك منوط بحاجة الناس، فإذا احتاجوا إلى العلم بها والتنبيه عليها فلا يؤخَّر الحديث عنها إلى أن يتوب؛ لما يلي:

1 - عموم نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، تعالى؛ فليس في شيء منها تأجيل الأمر والنهي الشرعيين لمخالفة الآمر والناهي ما يقول، وإنما فيها ذم من فعل ذلك كما مضى، وذمه لعدم انتفاعه بالخير الذي يدعو إليه لا لدعوته.

2 - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - تعليقاً على الذي قتل نفسه في غزوة خيبر: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا مُؤْمِنٌ وَإِنَّ الله لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ»[15].

3 - أن الخطبة شرعت لمعالجة ما يحتاج الناس من موضوعات، فلا يعدل الخطيب عن حكمة ذلك لعلة فيه هو.

4 - أن دعوته إلى طاعة قصَّر هو فيها، أو نهيه عن معصية وقع هو فيها، طاعة وقربة تقرِّب إلى الله، تعالى؛ فلا يؤخر الطاعة؛ للأمر بالاستباق إلى الخيرات، ولعلها تكون كفارة لذنبه؛ فقد قال الله - تعالى -: {إنَّ الْـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وفي الحديث: «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا»[16] أو لعله يُرزَق بسببها التوبة من ذنبه؛ لما يقوم في قلبه من الخجل والحياء من الله - تعالى - أو لتأثره بما ألقى على الناس من موعظة، أو لتأثره بتأثير خطبته في الناس فيرى فضل الله - تعالى - عليه بانقياد الناس له في هذا الأمر، فتدعوه نفسه لأن يكون أول الممتثلين.

على الخطيب أن يجاهد نفسه على ما يلي:

1 - خشية الله - تعالى - بالغيب؛ فإن الخطيب مذكِّر بكلام الله - تعالى - وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فأولَى به أن يكون أوَّل متعظ به، وقد خاطب الله - تعالى - نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - فقال - سبحانه -: {إنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} [يس: 11].

2 - الحذر من معاصي السر، والإصرار عليها، فإنها سلَّم يهبط بالعبد إلى درك النفاق المظلم، وهي سبب لذهاب الحسنات؛ كما في حديث ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قال: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً من أُمَّتِي يَأْتُونَ يوم الْقِيَامَةِ بِحَسَنَــاتٍ أَمْثَــالِ جِبَـالِ تِهَــامَــةَ بِيضــاً فَيَجْعَلُهَــا اللــه - عز وجل - هَبَاءً مَنْثُوراً. قال ثَوْبَانُ يا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لنا، جَلِّهِمْ لنا أَنْ لَا نَكُونَ منهم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قال: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ من اللَّيْلِ كما تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إذا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»[17].

3 - اللجوء إلى الله - تعالى - بالدعاء والإخبات والاستغفار، وسؤاله الثبات على الدين، مع الخوف الشديد من عاقبة ذنبه.

4 - الإكثـار مـن الأعمـال الصالحة المكفـرة. قـال اللـه - تعالى -: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إنَّ الْـحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].

5 - وعلى الخطيب أن يحذر من كثرة مخالفة فعله لقوله، وتعدد ذنوبه، وإصراره عليها، واستهانته بها؛ لئلا يقع في النفاق، أو يرديه الشيطان إلى الانتكاس.

 


[1] جاء ذلك عن السدي وقتادة - رحمهما الله تعالى - كما في تفسير الطبري: 1/258.

[2] أضواء البيان: 1/463.

[3] رواه البخاري: (3094)، ومسلم: (2989).

[4] رواه ابن أبي شيبة: 8/446، وأحمد: 3/120، وعبد بن حميد: (1222) وحسنه البغوي في شرح السنة: (4159) والألباني في صحيح الجامع: (129).

[5] لطائف الإشارات: 2/55. وغالب الذين يتكلمون عن هذه المسألة ينسبون هذا القول للماوردي وأبي يعلى في الأحكام السلطانية لكل واحد منهما، وينسبونه لغيرهما ممن بحثوا أحكام الحسبة؛ لأنهم ذكروا في شروط المحتسب أن يكون عدلاًً، وفي ظني أن هذه النسبة غير دقيقة؛ لأن الذين تناولوا الحسبة وشرطوا هذا الشرط أرادوا والي الحسبة الذي يعيَّن من قِبَل ولي الأمر، كما هو ظاهر كلام الماوردي، ص271، وهذا لا يفيد أنهم يرون أن من وقع في معصية فلا ينهى عنها، ولا أن من قصر في طاعة لا يأمر بها، وحكى هذا القول ابن كثير في تفسيره لكنه لم ينسبه لمعيَّن، فقال: وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف.ا هـ: 1/86.

[6] رواه البيهقي في الشعب: (7569) والشجري في الأمالي: 2/320، وابن عساكر في تاريخه: 23/73، وهو أثر لا يصح، في سنده بشر بن الحسين الأصبهاني الهلالي يرويه عن الزبير بن عدي. قال أبو حاتم: يكذب على الزبير، وقال البخاري: فيه نظر، وقال الدارقطني: متروك. انظر: المغني في الضعفاء: 1/105، رقم (898) ولسان الميزان: 2/21.

[7] تفسير القرطبي: 18/80، ولم أقف عليه مسنداً.

[8] تفسير القرطبي: 18/80، ولم أقف عليه مسنداً أو منسوباً لمعين.

[9] أحكام القرآن للجصاص: 2/320.

[10] تفسير القرطبي: 1/366.

[11] أضواء البيان: 1/463.

[12] رواه ابن أبي شيبة: 7/111.

[13] رواه أبو نعيم: 5/276 - 277.

[14] تفسير القرطبي: 1/368، وتفسير ابن كثير: 1/86، ولم أقف عليه مسنداً.

[15] رواه البخاري: (6232)، ومسلم: (111).

[16] رواه الترمذي وقال: حسن صحيح: (1987) .

[17] رواه ابن ماجه: (4245).

 

أعلى