• - الموافق2024/04/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 تأصيل رؤية سلفية للمشاركة السياسية

تأصيل رؤية سلفية للمشاركة السياسية



إذا كانت السياسة تعني في المفهوم العام تدبير أمر الشعوب بما هو أصلح لها في كل شؤونها ونظمها، فتلك كانت مهمة المرسلين إلى أقوامهم؛ قال الله تعالى في دعوة نبيه صالح لقومه: {إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: ٨٨]، وقال موسى - عليه السلام - عندما استخلف أخاه هارون - عليه السلام - في قومه: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْـمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142]، وقال الله تعالى في حق عباده الصالحين: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170].. فتبين أن الإصلاح الحقيقي الذي تحتاج إليه مجتمعات الناس، هو التمسك بدين الله تعالى وبما شرعه لهم والقيام بالأوامر واجتناب النواهي، وهذا لا يقوم به المسلم الراجي رحمة ربه في خاصة نفسه فقط، بل يقوم به في خاصة نفسه وأهله وكل من يلزمه القيام على شأنه، وأيضاً فيما يؤسس له من النظام السياسي الذي من خلاله يتم التدبير العام للمجتمع في جميع شأنه، وأحق من يقوم بذلك ويدعو إليه ويلتزم به من يقتفي أثر الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ حتى تكون ممارسة السياسة محكومة بالنصوص الشرعية وفق الفهم المستقيم لها الذي فهمه سلف الأمة المبارك، لا بما هو في الفكر الديمقراطي. ومن ثم فإننا نضع هنا بعض التصورات لممارسة السياسة انطلاقاً من أحكام الشريعة التي يكون في امتثالها تحقيق الصلاح في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة، حتى إن لم تكن لنا الآن القدرة على فرض رؤيتنا الشرعية لممارسة السياسة، فإننا نضع الرؤية لتمثل الشيء الذي نطمح إلى تحقيقه ونعد ما نقوم به في ظروفنا المخالفة للوضع السياسي الشرعي بغية الوصول لما نريد من باب ما يطلق عليه الأحكام الانتقالية؛ لأن التحول من وضع فاسد لوضع صالح كامل الصلاح لا يمكن حدوثه أو تحقيقه دفعة واحدة في غالب الأحوال، وإنما عبر الانتقال إلى الهدف بخطوات مدروسة ثابتة فيها نوع من التدرج أو التريث، ولعل فيما حدث من انتقال من أوضاع فاسدة إلى وضع شرعي صحيح في أول البعثة النبوية ما يكون شاهداً لهذا المسلك، فمثلاً الانتقال من إباحة الخمر التي كانت سائدة في المجتمع أول البعثة إلى تحريمها تحريماً باتّاً، لم يتم بنقلة واحدة، وإنما عبر خطوات بلغت في مداها الزمني قرابة الخمسة عشر عاماً، وكذلك الربا أيضاً انتقل من الإباحة إلى التحريم البات في عديد من السنوات؛ فهذه الأمور الفاسدة كانت متحكمة في المجتمع وكان الانتقال عنها دفعة واحدة يمكن أن يحدث هزة في المجتمع لا تحمد عقباها كما قالت السيدة عائشة «إنما نزل أول ما نزل منه (أي القرآن) سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبداً»[1]، قال ابن حجر - رحمه الله: «أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام، ولهذا قالت ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها، وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف»[2]. وقد يقول القائل إن الشريعة اكتملت وإن الأحكام استقرت وإن نسخ الأحكام لا يكون إلا بشريعة من الله تعالى كما قال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]، فبيَّن أنه هو الذي ينسخ الأحكام لا أحد غيره؛ وهذا كلام صحيح لا اعتراض عليه، لكن ما نتكلم عنه ليس من باب الحديث عن نسخ الأحكام أو العودة إلى التشريع في بداية زمن البعثة قبل اكتمال الشريعة واستحكام الأحكام، وإنما هو من باب القدرة والتمكن، ومثل هذه الحالات إنما تظهر في أزمنة غُربة الإسلام وابتعاد الناس عن الفهم الصحيح لأحكام الشرع وضعف الالتزام بها، ولقد تكلم في ذلك كأحسن وأدق ما يكون الكلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - فقال: «إذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجباً ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة. وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة، وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعلاً محرماً باعتبار الإطلاق لم يضر. ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة؛ أو لدفع ما هو أحرم... وهذا باب التعارض باب واسع جداً، لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم... فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضها - كما بينته فيما تقدم - العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء لا التحليل والإسقاط، مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلاً لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعاً لوقوع تلك المعصية، مثل أن ترفع مذنباً إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضرراً من ذنبه، ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركاً لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفاً من أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر. فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة، كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح - كما تقدم - بحسب الإمكان، فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر. فالعالم في البيان والبلاغ كذلك قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً إلى بيانها.. يبيَّن حقيقة الحال في هذا أن الله يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين:

1 - بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله.

2 - والقدرة على العمل به.

فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي، وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله، كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلاً، وهذه أوقات الفترات، فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئاً فشيئاً بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئاً فشيئاً، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع. فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبالغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب؛ والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجباً عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجباً لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط. فتدبر هذا الأصل فإنه نافع. ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم، فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجباً في الأصل والله أعلم. ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علماً وعملاً أن ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه، إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا أن يوجب عليه اتباعه، فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها، بل هي بين الإباحة والعفو. وهذا باب واسع جداً فتدبره»[3].

من هذا النقل المطول يبيِّن ابن تيمية إمكانية ترك الواجب لعذر وفعل المحرم إما للمصلحة الراجحة وإما للضرورة وإما لدفع ما هو أشد تحريماً، ومن ثم فإنا نقول إنه في الفترة التي ننتقل فيها من الفساد إلى الصلاح الكامل لا يمكن الانتقال دفعة واحدة أو القفز قفزة هائلة نعبر بها من وضع إلى وضع مخالف له تماماً، ومن ثم فإنه قد يكون هناك اضطرار لترك بعض الواجب أو الوقوع في محرم، وهذا في الحقيقة لا يعد وقوعاً في الحرام أو تركاً للواجب، فإنه وإن كان حراماً من حيث الأصل والإطلاق فإنه لا يعد كذلك من حيث عدم القدرة على الامتثال، إما علماً وإما قدرة وتمكناً، وإذا كان هذا التصرف مما يمكن أن نجد له مسوغاً في الشرع حسبما تقدم تقريره، لكان جوازه مرهوناً بأمرين:

1 - أن تكون المخالفة في حدود الشريعة ولا تتجاوزها إلى العقيدة.

2 - أن يكون هناك ظن راجح بحصول ما لأجله جرت المخالفة.

 ومن ثم فإن الخطوات في الانتقال من الوضع الفاسد إلى الوضع الصالح ينبغي أن يحتاط فيها حيطة شديدة حتى لا تقع فيما هو مخالف للتوحيد أو فيما ليس فيه تحقيق للمصالح المبتغاة.

الإشكالية التي تعترض طريق الإسلاميين في العمل السياسي أن الأنظمة التي توافق على العمل السياسي للإسلاميين أنظمة لا تتبنى الخيار الإسلامي، ومن ثم فإن كثيراً من الأنظمة والقوانين التي تنظم ذلك لم تراع الأحكام الشرعية المتعلقة بقضايا السياسة، وعليه فإن ممارسة الإسلاميين للسياسة لن تخلو من الوقوع فيما تقدم توضيحه من المحذورات، ورغم ذلك فلا بد لنا من اتباع سنة التدافع، فإنه من غير القيام بمدافعة الباطل ودفعه لن نتمكن من الوصول لتأييد الحق وإحلاله محل الباطل، ومن هنا فإن علينا أن نعلن ابتداء رفضنا لأي شكل من أشكال المخالفة للشريعة، وأننا ما قمنا ولا شاركنا في الممارسة السياسية المعاصرة إلا لكي نعمل على تطبيق شرع ربنا وسيادته على ما عداه من الأنظمة والقوانين، وأن مشاركتنا لا تعني بحال قبولنا أو موافقتنا على ما يخالف الشريعة من النظم والقوانين.

 فمن الأشياء المرفوضة غير المقبولة ابتداء وانتهاء وعلى الدوام مقولة السيادة للشعب؛ لأنها تعني أن يكون الشعب صاحب المرجعية العليا في سن الأنظمة والقوانين، أي أن الحاكمية للشعب، وفي هذا مخالفة للتوحيد الذي هو أصل الدين الذي أرسل الله به المرسلين كافة، وهو أن تكون الكلمة العليا في كل شيء لشرع الله كما قال تعالى: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: 40]، ومشاركة من يشارك من الإسلاميين لا تعني الموافقة على النص المتقدم؛ لأن الموافقة إنما تثبت بالإقرار بصريح اللفظ وهذا ما لم يكن ولن يكون إن شاء الله تعالى، ومثل هذه المادة يجب أن تحذف من أي دستور في أي بلد إسلامي، وإذا كان هناك من يحاول أن يعطي تفسيراً لهذه الكلمة يغاير به ما قدمته؛ فإن هذا ينفعه في أنه لم يرد منها قبول الشرك، لكن الصواب أن يعبر عن المعنى الصحيح بلفظ صحيح ليس فيه دلالة على الباطل ولا يكون حمّالاً لأوجه من التأويل، كما ينبغي أن يكون من أول ما ينبغي على الإسلاميين فعله بعد وصولهم للحكم؛ هو تنقية الدستور والقوانين من مثل هذه المواد، وإذا كان هناك تخوف من البعض من أن يطغى عليهم الإسلاميون، فلنبحث عن صياغة أخرى تضمن أمرين:

1 - موافقة أحكام الشريعة وعدم معارضتها.

2 - طمأنة الآخرين بعدم طغيان الإسلاميين عليهم.

كل ذلك بنصوص واضحة تفيد المضمون وليس بوعود أو أمنيات.

ومن الأمور التي ينبغي إلغاؤها والإتيان ببديل صالح لها، المادة القانونية التي تمنع من إقامة الحزب على أساس الدين، فهذا نص في غاية الفساد، وهو فرض أيديولوجية على شعب بأكمله من قبل واضع المادة القانونية دون أدنى مسوغ، فينبغي إلغاؤه ووضع نص بديل له ينص فيه على حظر إقامة أي حزب على أسس أو قواعد أو أحكام تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وكون المادة في صياغتها الحالية الفاسدة لم تحل بين إقامة أحزاب ذات مرجعية إسلامية، فإن هذا لا يكفي في تركها كما هي وعدم إلغائها.

وإذا انتقلنا من القوانين إلى الآليات، فأعظم هذه الآليات المتبعة آلية الانتخاب، والانتخاب معناه الاختيار والانتقاءُ، ومنه النُّخَبةُ، وهم الجماعة تُخْتارُ من الرجال، فتُنْتَزَعُ منهم.

 واختيار من يصلح لأمر ما من بين متعددين أمر لا غبار فيه، بل ولاية أمر الناس في الشرع قائمة على الاختيار، والمشكلة التي تواجه الإسلاميين في هذا المجال هي جعل الأنظمة القائمة الاختيار حقاً لجميع مواطني الدولة، فيشارك في الاختيار المسلم والكافر والبر والفاجر والعالم والجاهل، بينما الأمر في الشرع ليس كذلك، وهذا الأمر لم يقرره الإسلاميون ولم يرضوا به، بل هو مفروض، ومن ثم فإن التعامل معه لا يعني الموافقة عليه أو الرضا أو الإقرار، بل المدون في كتبهم ومقالاتهم وأحاديثهم ما هو معلوم في كتب السياسة الشرعية فيمن له حق الاختيار، لكن ليس الحل الصواب في مثل هذه الحالة الانسحاب؛ لأن الانسحاب لن يغير شيئاً، وإنما يكون فيه تدعيم لمن يعارضون الشريعة، فإن الدعوة إلى انسحاب الصالحين من ذلك تعني تفريغ المجال أمام المعارضين للشريعة وأمام العوام، وحينئذ لن يختاروا في غالب أمرهم إلا من كان على شاكلتهم، والرأي الشرعي أن من يقوم باختيار ولي الأمر هم أهل الحل والعقد، وقد يكون تحقيق هذا دفعة واحدة متعذراً أو كالمتعذر في ظل الضعف الذي يلف بلاد المسلمين، وقد يكون مما يجوز العمل به الانتقال إلى ذلك عبر أكثر من خطوة، كأن يكون الاختيار يتم على مرحلتين:

1 - يتاح لكل المواطنين المشاركة في الاختيار لكن الاختيار لا يكون لشخص واحد وإنما لخمسة أشخاص مثلاً.

2 - المرحلة الثانية: تقوم لجنة مشكلة ممن ينطبق عليهم وصف أهل الحل والعقد باختيار واحد من هؤلاء الخمسة مع بيان مسوغات اختياره وتفضيله على من عداه.

وعندما تستقر الأوضاع ويألف الناس مثل ذلك ويقوم الإعلام الإسلامي بدوره في الدعاية بقوة إلى الطريق الشرعي في الاختيار مع مساعدة المشايخ والدعاة في الدروس والمحاضرات؛ يكون الاختيار التالي عن طريق أهل الحل والعقد عندما يكون اتضح للناس معنى هذا المصطلح وصفات أهله.

وأما المجلس النيابي فإن إشكاله يتمثل في أمرين:

1 - الأعضاء الذين يتكوّن منهم، ومنهم كما ذكرنا المسلم والكافر والبر والفاجر والعالم والجاهل.

2 - صلاحيات هذا المجلس التي تكون أحياناً بمنزلة أهل الحل والعقد، وأحياناً بمنزلة أهل الاجتهاد.

والأصل في ذلك أن لا يشارِك فيه ترشحاً وانتخاباً إلا المسلم الصالح الذي تمكنه قدراته من القيام بذلك العمل، وقد يكون في الفترة الانتقالية من الوضع المسمى ديمقراطية إلى الوضع الشرعي أن يقوم المسلمون باختيار المسلمين وأهل الملل الأخرى باختيار أهل ملّتهم بعدد من الأعضاء مناظر للتعداد السكاني لكل فئة، وبذلك نتخلص من مشاركة الذميين في اختيار المسلمين، وأن يكون لهم دور في ترجيح مرشح مسلم على آخر، ولا تكون لمقترحات أعضاء المجلس جميعاً وآرائهم صفة الإلزام إلا بعد مرورها على لجنة شرعية تنظر فيها وتقر منها ما يوافق الحق وترد ما خالفه، وبذلك نتخلص من دخول من ليس أهلاً من الناحية الشرعية في الإلزام بالقرارات أو القوانين.

وهذا مجرد اجتهاد في هذا الباب يمكن لأحد من الناس أن يأتي بأفضل منه وأجود، ومن ثم فينبغي الأخذ بالأفضل الأجود.

:: مجلة البيان العدد 309 جمادى الأولى 1434هـ، مارس - إبريل 2013م.


[1] أخرجه البخاري رقم 4993.

[2] فتح الباري 9/40.

[3] مجموع الفتاوى 20/57-61.

أعلى