• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حوار مع "خالد أبو صلاح"

حوار مع "خالد أبو صلاح"


أجرى الحوار: أ. أحمد أبو دقة


البيان: كيف تصف لنا بداية الثورة السورية وتصاعد الحراك الشعبي فيها؟

ثورة كان لا بد من قيامها.. كانت نارها تحت رماد 40 عاماً من القهر والظلم والفساد.. بدأت بأطفال خطّوا ما كان يجول في فكر آبائهم على جدران أضحت اليوم مضمّخة بدمائهم ومدمّرة بآلة قتل النظام.

حمل رايتها شباب آمنوا بربهم وبعدالة قضيتهم فضحوا بكل ما يمكن أن يضحي به شاب مؤمن في سبيل تحقيق هدفه المنشود.

تدرّجت الثورة والعمل الثوري من النضال السلمي إلى المقاومة الشعبية بعد أن خذلها القاصي والداني.. فبعد أكثر من ثمانية أشهر من النضال السلمي باعتراف رأس النظام، لم ينتصر أحد لدماء السوريين، فقرروا الدفاع عن أنفسهم وتحرير بلادهم من طاغية مجرم ومدلل عند نظام عالمي يدّعي أنه نظام عادل ينتصر لحقوق الإنسان.

البيان: ما الرابط المشترك الذي جعل الشارع السوري يخرج للمطالبة بإسقاط النظام؟ وهل استئثار الطائفة النصيرية بالسلطة كان له دور في ذلك؟

الظلم والقهر والاستعباد والإذلال لنصف قرن؛ كل هذه كافية لدفع السوريين ليوحدوا صرختهم ومطلبهم ضد هذا النظام.. وبالطبع حكم العلويين لسورية وسيطرتهم على مقدرات البلاد واستئثارهم بكل مفاصل الدولة؛ دافع إضافي لقيام ثورة في سورية.

البيان: كيف تصف أوضاع اللاجئين في تركيا، وكذلك الوضع الميداني للثوار داخل المدن السورية، وما مصادر دعمهم، وما حاجاتهم؟

لم نتوقع في يوم من الأيام أن يُذلَّ أهل الشام في البلدان التي لجؤوا إليها.. «الزعتري» في الأردن.. آه.. عندما تنظر إلى أهلك فتجدهم لاجئين وضاقت الدنيا على سعتها ليُترَكوا في صحراء قاحلة في بلد شقيق.

أما عن الوضع الميداني، فرغم التضحيات الجسام لكن تقدم الثوار ملحوظ وانحسار النظام وتهافته كذلك.

ومصادر دعمهم متعدّدة، منها ما يحصلون عليه من غنائم بعد المعارك التي يخوضونها ضد نقاط وثكنات عسكرية تابعة للنظام، وإما بعض الأسلحة التي يتم تهريبها من هنا ومن هناك عبر الحدود.

يحتاج اليوم الثوار إلى دعم حقيقي ودولي، فدعم الأفراد ما عاد كافياً لردع ولجم شهوة الإجرام لدى النظام الذي بات يستخدم الطيران الحربي والمروحي بقصف الأحياء المدنية.

نحتاج إلى ذخيرة وسلاح نوعي مضاد للدروع والطائرات، وأذكر هنا بعض ما نحتاج إليه على سبيل المثال لا الحصر: «ستنجر، سام، كورنيت، وميلان».. هذه الأنواع وغيرها أصبحت حاجة ملحة لا سيما في هذا الوقت.

البيان: شهدنا تحولاً كبيراً في الفترة الأخيرة على مسار الثورة، حيث لوحظ غلبة النشطاء الإسلاميين على الواجهة العسكرية في الثورة، هل هذا الاعتقاد صحيح؟

إسلاميون غير مؤدلجين..

سورية بطبعها بلد ذو غالبية مسلمة، وهذا بالطبع لا ينفي مشاركة غير الإسلاميين ونشطاء كثر من طوائف متعددة..

ولكن بسبب احتدام المواجهة وكثرة المعارك والشهداء، ترتفع وتيرة الإيمان لدى شبابنا المؤمن بطبعه.. وهذا ما جعل الإسلام السمة الظاهرة في معظم الفصائل المقاتلة إن لم نقل كلها.

البيان: ما الذي دفعك لتخرج للشارع وتطالب الشعب السوري بالخروج للثورة؟

الذي دفعني للخروج هو ما دفع كل هذا الشعب العظيم لأن يخرج ويضحي ويصرخ في وجه الجلاد ويصبر أمام آلة قتله ويتحمل كل ما نشاهده ونراه من شهوة إجرامية لدى نظام الأسد.

البيان: تركيا تقدم دعماً للاجئين السوريين، ولديها موقف سياسي واضح، لكن لم يلبِ طموحات السوريين الثوار.. هل ترى أن ذلك بسبب العجز التركي، أم أنها تعمل وفق خطة متدرجة لتمكين الثوار من استنزاف النظام؟

لا بد بداية من شكر تركيا، حكومة وشعباً، على ما تقدمه من دعم للاجئين السوريين والمعارضة السورية التي ما زالت مشتتة إلى يومنا هذا، لكن في الوقت نفسه لم تقدم تركيا كل ما يجب إزاء إخوانها في سورية الذين يذبحون في كل يوم بالعشرات، لا بل في الآونة الأخيرة بالمئات.

لكن لا بد من ذكر أمر مهم، تركيا دولة مؤسسات، والمؤسسة العسكرية التركية لا تريد أن تدخل حرباً لا تستطيع ضمان نتائجها، لا سيما أنها في حرب استنزاف مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى وجود أحزاب تركية عديدة معارضة للتدخل في سورية ودعم الثورة، كحزب الشعب المؤيد لبشار الأسد ونظامه..

وهناك حتى في حزب العدالة والتنمية الحاكم أيضاً من يعارض تقديم الدعم العسكري الصريح للشعب السوري، ويبرّرون هذا بأن أطرافاً عديدة تريد أن تقحم تركيا بمواجهة مباشرة مع إيران..

كذلك ضغط الروس عليها بواسطة الغاز الذي تعد روسيا أحد أهم مصدريه لتركيا، إن لم نقل الوحيدة.

وبالطبع لا ننسى الشبح الأكثر خطورة بالنسبة للأتراك الذي يجعلهم يفكرون ملياً قبل اتخاذ أي موقف سياسي وعسكري حقيقي، ألا وهو حزب العمال الكردستاني الذي شن عدداً من الهجمات منذ بدء الثورة السورية بإشارة من نظام الأسد ليصبح دافعاً إضافياً للأتراك حتى يتمهلوا ويفكروا ملياً قبل الإقدام على أي خطوة حاسمة في الشأن السوري..

بالطبع نحن هنا لا نريد تبرير موقف تركيا، وإنما هي قراءة بسيطة للواقع التركي ولما يجول ببال أصحاب القرار فيها..
وفي الوقت نفسه قابلت عدداً كبيراً من المسؤولين الأتراك من مختلف الوظائف الحكومية - دبلوماسية وأمنية - ومنهم وزير الخارجية السيد أحمد داود أوغلو، وتكلمت معه ملياً حول الثورة وتحدياتها ومصالح تركيا بقيام دولة قوية في سورية بدلاً من دولة مهلهلة، وأخبرته بأن طول مدة الصراع سيجعل من سورية أفغانستان جديدة على تخوم تركيا، لا سيما أن هناك 850 كم شريطاً حدودياً بين البلدين..
وشعرت بصراحة أن تركيا تجهز لأمور مهمة في دعم الثورة لكن بعيداً عن الأصداء الإعلامية والسجالات السياسية التي ستكون عبئاً عليهم أمام خصومهم في الداخل والخارج.

البيان: هل لك علاقة بالمجلس الوطني أو الجيش السوري الحر أو أي إطار آخر من أطر الثورة؟

ليس لي أي علاقة بالمجلس الوطني السوري مؤطرة ضمن هذه المؤسسة، ولي علاقات طيبة ببعض أفراده المخلصين وعلاقات سيئة في نفس الوقت مع بعض أعضائه المتسلقين..

أما الجيش الحر، ففي حمص هم إخواني جميعاً تربطني بهم أواصر المحبة والأخوة، وأعرف معظم قادته الميدانيين إن لم أقل كلهم، فقد كنا جميعاً على الطريق ذاته منذ أن كانوا جميعاً ثواراً سلميين إلى أن انخرطوا بالمقاومة الشعبية للدفاع عن أهلهم وذويهم..

كذلك الأمر في بقية محافظات سورية.. لي أصدقاء كثر من قادة الكتائب من مختلف المناطق من أجل التشاور ببعض الأمور الميدانية والسياسية ومن أجل التنسيق مع أبطالنا في حمص وغيرها.

البيان: تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الأقليات، والمشاركة السياسية؛ هل يمكن أن يعود العلويون إلى السلطة في إطار تصالح سوري داخلي؟

إن صاحب القرار في هذا الأمر هو الشعب السوري الذي سينتخب عبر صناديق الاقتراع من يريد أن يحكمه.

البيان: كيف يمكن أن نرسم مستقبل سورية بعد ما حدث؟

بالطبع من قاوم أعتى نظام قمعي في هذا القرن بصدره العاري وقوة إيمانه - ووقف العالم بأسره مع هذا النظام إما بصمته أو دعمه الصريح أو المخفي له يستطيع أن يصنع مستقبلاً مزهراً لسورية، وبإذن الله هو من سيحدد ملامحه وشكل دولته ونظام حكمه، لأنه هو من ضحى وهو من تكبّد ثمن حريته.. فضل الله على هذه الثورة المباركة كبير، ومن أهمه: زيادة القناعة لدى الشعب بعدالة قضيتهم وأن الناصر الحقيقي هو الله عز وجل لذا صدحوا بها عالية (ما لنا غيرك يا الله)، ومنه الانتصارات التي تتحقق على أرض الواقع مع قلة العدد والعتاد.

البيان: هل تأثّر البناء الاجتماعي والفكري داخل المجتمع السوري بأحداث الثورة، وما ملامح هذا التأثير؟

نعم، تأثر كثيراً، لا سيما أن المجازر ما زالت مستمرة والقاتل معروف الهوية..

وهنا أتحدث عن البناء الاجتماعي، ففي حمص مثلاً وفي بعض قرى ريف حماه الغربي وريف اللاذقية، ما عاد هناك من عقد اجتماعي بين المسلمين والعلويين بعد كل هذه المجازر، وتكلمنا ملياً كما تكلم غيرنا في هذا الباب حتى أمام وسائل الإعلام لا لتأجيج الفتنة والصراع بل لمعرفة المرض حتى نتمكن من علاجه إن كنا بالفعل حريصين على ذلك.

أما البناء الفكري، فنحن اليوم في سورية في ثورة فكرية حقيقية على كل ما هو قديم ومستهلَك، فهذا الشعب سئم الخطابات والشعارات وأصبح اليوم أكثر قدرة على مجابهة أي مشاريع لا تخدم مصلحته العليا وقضيته.

البيان: كيف تقيّم موقف كلٍّ من الدروز والمسيحيين والأكراد من الثورة؟

أريد أن أبدأ من عند الإخوة الأكراد الذين ومن دون مزاودة كانوا من أول الثائرين على النظام، إن لم نقل أنهم بدؤوا بالثورة من 2004 ولاقوا أثناءها ما يلاقيه الشعب السوري اليوم من بطش وقتل وسجن وتعذيب وتهجير... إلخ، لكن الأصوات القبيحة لا بد لها أن تخرج من أفواه الحاقدين من هنا وهناك.. الأكراد ليسوا انفصاليين، بل هم سوريون بامتياز وجزء عريق وأصيل من مكونات الشعب السوري، ولديهم مطالب محقة كغيرهم من السوريين تحت سقف الوطن..

أما موقف الإخوة الدروز والمسيحيين، فوقف معظمهم على الحياد خوفاً من بطش النظام، وفيهم نشطاء كثر كانوا من أول المنخرطين في الحراك الثوري، وانشق عدد لا بأس به من ضباطهم الذين كانوا في جيش النظام.

البيان: ألا تخشى أن تدخل البلاد في أتون حرب طائفية بعد سقوط النظام، لا سيما بعد الجرائم التي ارتكبت باسم الطائفية خلال الثورة؟ وكيف سيتم القضاء على أي مطالبات بانفصال سياسي مثل الأكراد مثلاً؟

لسنا مع تمزيق البلاد ودخولها في أتون حرب طائفية لا تبقي ولا تذر، لكننا في الوقت نفسه سنحاسب كل من تلطخت يداه بدماء أهلنا وكل من انتهك حرماتنا ومقدساتنا، وسنقدمهم جميعاً أمام المحاكم العادلة، والضامن لهذا الأمر هم السوريون أنفسهم الذين ضحوا ليصنعوا وطناً حراً قوياً وأبياً.. فالحرب الطائفية تضعف البلاد ونحن نريد بناءها..

أما عن الأكراد، فلا أظن أنهم سيطالبون بالانفصال، لقد قابلت الكثير من سياسييهم ونشطائهم، هم سوريون قبل أن يكونوا أكراداً، هذا ما قالوه لي، وهذا ما لمسته لدى شارعهم الثائر..

ما يجري هو تضخيم إعلامي واضح للقضية الكردية لتأجيج الصراع وحرف الانتباه عن القضية الأساسية، ألا وهي الثورة وجلادها.

البيان: كيف ترى الموقف العربي من الثورة؟

موقف مخزٍ وهزيل كعادة المواقف العربية من مختلف القضايا المهمة والجوهرية للأمة.. مع الأسف الشارع العربي لا يزال أسير هذه الحكومات التي حكمت البلاد والعباد بالحديد والنار.

البيان: كلمة توجّهها للشباب العربي والإسلامي مستخلصاً فيها العبر من تجربتك كناشط منذ بدايات الحراك في سورية، ماذا تقول فيها؟

إن لم تكن صاحب قضية وتؤمن بها أيها الشاب المسلم، فلم تدرك بعدْ رسالتك في هذه الحياة العابرة..

لكل أجل كتاب، هذه حقيقة لمستها من خلال تجربتي البسيطة.. فيا أيها الشباب المسلم.. يا عصب هذه الأمة وعمودها الفقري.. دعونا نعود ونأخذ زمام المبادرة من جديد لنبني صرح الأمة بهمة جديدة وروح جديدة ليسود السلام في الأرض ونعيد للأمة مجدها وأيام عزها، وهذا لن يكون إلا من خلال استرداد كامل حقوقنا المسلوبة التي ضيعها هؤلاء الذين كانوا ولا يزالون أذناباً للاستعمار.

:: مجلة البيان العدد 304 ذو الحجة 1433هـ، أكتوبر-نوفمبر 2012م.

::  "البيان" تنشر ملف شامل ومواكب لأحداث الثورة السورية

أعلى