• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كيف تبني نظاماً سياسياً في عام؟

كيف تبني نظاماً سياسياً في عام؟


ما هو النظام السياسي؟

يمكن أن نعرّف النظام السياسي بعدة اعتبارات..

فبالنظر إلى دور النظام السياسي، يمكن تعريفه بأنه الكيان السياسي الذي يقوم بوظائف معينة استناداً إلى السلطة التي يملكها أو القوة التي يستند إليها، وهذه الوظائف هي: إدارة موارد المجتمع، تحقيق الأمن الداخلي والخارجي، تحقيق القدر الأكبر من مصالح المجتمع، والعمل على تخفيض مستوى التناقضات المجتمعية.

وبالنظر إلى سلوك النظام وممارساته، يمكن تعريفه بأنه مجموعة من السلوكيات المترابطة المقترنة التي تنظم عمل الوحدات المكونة للنظام، مثل: القوى السياسية، المؤسسات، والوحدات الجزئية.

وبحسب الرؤية الهيكلية، يمكن تعريف النظام السياسي بأنه مجموعة من المؤسسات تتشارك فيما بينها في صنع القرار السياسي، وهي: المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

إذن باختصار يمكن القول بأن النظام السياسي عبارة عن: دور، سلوك، ومؤسسات.

عندما ننظر إلى الواقع المصري بعد الثورة – كنموذج لبناء النظام - نجد أن فترة ما بعد الثورة تنقسم إلى مرحلتين منفصلتين تماماً:

المرحلة الأولى: تسلَّم فيها المجلس العسكري مقاليد الحكم، وكان يفترض به الشروع مباشرة في بناء النظام السياسي الجديد، لكنه لم يفعل، بل اتّبع سياسة غامضة عرقلت بناء المؤسسات المنتخبة وتأخّر في تسليم السلطة ليتجاوز المدة المحددة مسبقاً، حتى المؤسسات التي انتخبت في مرحلة العسكري تم حلها لاحقاً بمسوغات دستورية، ليعود المشهد إلى نقطة البداية.

المرحلة الثانية: تبدأ من انتهاء انتخابات الرئاسة بفوز الرئيس محمد مرسي، وبدء مرحلة بناء النظام بصورة فعلية.

انطلاقاً من الواقع المصري سنسرد أهم الخطوات والإجراءات المطلوبة للشروع في بناء النظام السياسي.

أولاً: مقدمات لا بد منها:

1 - الفرق بين البناء وإعادة البناء:

بناء النظام السياسي لا يحدث من فراغ، ولا تكاد توجد حالة واقعية أو تاريخية بدأ فيها النظام من الصفر، إذ عادةً ما يعتمد النظام الجديد على كثير من موروثات النظام السابق، ومن ثم فنحن أمام عملية مركبة من إعادة البناء تتضمن: الهدم، والبناء..
فلا يسوغ لأحد الزعم أو المزايدة برفع مطالب تتضمن إزالة كل ما يتعلق بالماضي، أو تطهير كل ما يمت بصلة إلى النظام القديم، فهذا الكلام غير واقعي ولا سند له في التاريخ أيضاً.

2 - عن أي نظام نتحدث؟

في الحالة المصرية هل المقصود أن نبني نظاماً على أطلال نظام مبارك الذي استمر ثلاثين عاماً؟ أم نبني نظاماً أكثر جذرية على أطلال النظام العسكري الذي تأسس في كثير من الدول العربية في بداية مرحلة الاستقلال؟

باعتقادي أن تقليص نطاق التغيير وحصره في موروثات مبارك، هو عمل ينطوي على مخاطرة كبيرة؛ فمبارك لم ينزلق إلى ذلك المستوى المتدني من الحكم إلا بمواءمة واضحة وقوية من مكونات النظام العسكري الذي تأسس بعد ثورة يوليو، فهذا النظام بفلسفته وشرعيته ومكوّناته، قادر على إعادة مظاهر الفساد وتعميق مواطن الخلل مرات ومرات، فالقضاء على معالم الحقبة المباركية لن يكون أكثر من معالجة أعراض المرض، بينما أسبابه لا تزال قائمة وفاعلة.

3 - الفرق بين استقرار النظام واستمراره:

الهدف الأسمى لعملية التحول السياسي هو الانتقال من نظام قديم فاسد إلى نظام جديد يحقق المطالب الثورية ويرضي طموحات الشعب، لكن هذا الانتقال يبدو في كثير من الحالات صعباً للغاية، حتى لكأنه يفتقر إلى قوة دفع هائلة ليخرج عن جاذبية المرحلة الانتقالية ويحلق عالياً في فضاء المستقبل.

وهنا يجب أن نفرّق بين استمرار النظام كوجود إجرائي ربما يتضمن بعض الملامح الجدية، مثل الانتخابات النزيهة؛ وبين استقرار النظام بمعنى زوال مسببات الخطر وبلوغ النظام مرحلة الرسوخ التي يتعذر فيها على أي قوة سياسية أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء.

ثانياً: محاور بناء النظام السياسي:

رغم أهمية عامل الزمن في عملية بناء النظام السياسي، إلا أن العامل الأكثر أهمية هو التقيّد بآليات البناء ومجالاته، ووجود رؤية بنائية متكاملة؛ فهذه العوامل لو توافرت فإن زمن التنفيذ – البناء - من الممكن نظرياً أن يستغرق وقتاً قصيراً للغاية ربما لا يتجاوز عاماً واحداً، والعبرة هنا بمستوى الفاعلية وتوافر الإرادة السياسية القادرة.

المحور الأول: بناء الشرعية:

ينطلق الرئيس المصري حالياً في حكمه من نوعين من الشرعية؛ الأول: الشرعية الثورية، باعتباره أول رئيس منتخب بعد الثورة وبتأثيرها، لكن هذه الشرعية خبت وانزوى تأثيرها، خاصة مع تراجع الاحتفاء الشعبي بالثورة وأدبياتها وتحولها إلى حدث من الماضي..
النوع الثاني: شرعية الانتخاب، فالرئيس يستمد قوته الأساسية من كونه منتخباً من قبل الشعب، لكن المشكلة هنا في وجود فئات غير قليلة ترفض الرئيس والتيار الذي ينتمي إليه، وهذا من شأنه أن يقلص قدرته على اتخاذ القرارات الجذرية، لذلك يحتاج الرئيس في هذه المرحلة الحرجة إلى النوع الثالث من الشرعية وهو: شرعية الإنجاز.. أي أنه يحتاج إلى تحقيق قدر من الإنجازات التي تمسّ حياة المواطنين بصورة مباشرة، وفي فترة زمنية قصيرة؛ كي يشعر الجمهور بأن الرئيس يحقق طموحاته ويلبي حاجاته، عندها سيكتسب الرئيس دعماً شعبياً واسعاً يمكّنه من اتخاذ قرارات مهمة وتنفيذ سياسات تغييرية جذرية دون أن يخشى ردة الفعل الجماهيرية أو النخبوية.

المحور الثاني: بناء المؤسسات:

بين أيدينا ثلاثة أنواع من المؤسسات في مرحلة ما بعد الثورة:

مؤسسات قديمة تنتمي كلياً إلى النظام السابق، ويغلب أن تكون متعلقة بالحياة اليومية، مثل: شؤون التعليم، والصحة والغذاء.

مؤسسات معدلة يطبق عليها قرارات إلغاء جزئية، مع تعجيل لأسس وقوانين عملها، مثل: المؤسسات الأمنية.

مؤسسات جديدة يلجأ إليها الحكام الجدد من أجل معالجة القصور في المؤسسات القديمة والمعدلة، ولضمان الولاء وحُسن الأداء.

التحدي الأكبر في طريق بناء المؤسسات هو إعادة تصميمها بما يضمن تبعيّتها للمجتمع وليس لمصلحة شخص أو فئة معينة، وصياغة رؤية جديدة لـ: مستوى المركزية واللامركزية وتفويض السلطات والعلاقة بين مؤسسات الدولة وبعضها.

التحدي الآخر هو صعوبة التخلّص من القيادات المنتمية للنظام القديم، والتي تحرص على بقاء مصالحها، أو تعمل على عرقلة التغيير؛ خشية التعرّض لمحاكمات قضائية على الفساد في الحقبة الماضية.

المحور الثالث: بناء القوانين:

من الثغرات التي يجب التنبّه إليها، ألا تُستنفد الجهود في اتخاذ قرارات واتباع سياسات إجرائية يمكن أن تتغير أو تعود إلى الوضع السابق بمجرد حدوث تغيير في النخبة الحاكمة، والأولى من ذلك أن تتركز عملية التغيير على البنية القانونية داخل الجهاز التنفيذي للدولة، فهي أكثر قدرة على الاستمرار وأكثر صموداً في مواجهة محاولات التحريف.

مشكلة الواقع القانوني في مصر أن النخبة الحاكمة في عهد مبارك صاغت كثيراً من القوانين بما يتناسب مع مصالحها، كما أن مبارك تعوّد أن يدير الدولة مستخدماً «النفوذ العابر للقوانين»، والذي يعتمد على صلاحية العزل والتعيين، أو على التهديد بممارسات قمعية، أو تقديم مكافآت وتحقيق منافع للدائرين في فلك النظام المستجيبين لرغباته.

هذه الظاهرة متفشية بقوة وتجعل من الصعوبة بمكان تنفيذ القانون ووضعه، ومن ثم نحن أمام مشكلة مزدوجة: هي إعادة صياغة منظومة القوانين، ثم معالجة ظاهرة «القفز فوق القانون».

المحور الرابع: بناء القواعد:

اعتمد نظام مبارك أساساً على تدمير القواعد الحاكمة للعلاقة بين مكونات المجتمع الأساسية، ثم وضع قواعد بديلة تربط الجميع بالنخبة ومصالحها، ليصبح الرئيس هو مركز الدولة وهو ملتقى المصالح، وهذه الوضعية المنحرفة أدت إلى إفساد العلاقة بين القوى السياسية والسلطة، وبين السلطة والشعب، وبين القوى السياسية نفسها.

وهذا الواقع السلبي يضع مسؤولية إضافية على السلطة الحاكمة بعد الثورة في أن تعيد رسم القواعد الحاكمة للعلاقات بين هذه المكونات بما يكفل تداولاً سلساً للسلطة وقناعة كافية لدى المواطنين بأن السلطة تعمل لصالحهم وفي خدمتهم، فيتوقفوا عن اتباع الأساليب الاحتجاجية التصعيدية ضد الدولة، وكذلك تحول بين أي قوة سياسية تتقلد الحكم وبين أن تتحول إلى قوة مسيطرة متحكمة.

المحور الخامس: بناء التناسق:

عندما يتفكّك النظام القديم فإن إعادة بناء نظام جديد يحل مكانه يجب أن تتسم بتوافر رؤية واضحة وفلسفة محددة وأهداف متفق عليها، فكتابة الدستور الجديد وصياغة القوانين وبناء المؤسسات ووضع القواعد؛ يجب أن تتم في حالة من المواءمة والتزامن تجعل مكونات النظام تعمل بصورة وظيفية متوازنة ومتناغمة مع بعضها، وإلا تحوّل النظام إلى ساحة للصراع الداخلي، حيث تقفز السلطات على بعضها، وتتجاوز المؤسسات صلاحياتها، وتعجز القوانين عن التحكم في مشهد مضطرب.

إنها كلمات قليلة تهدف إلى توضيح الطريق نحو بناء النظام السياسي الجديد، لكنها تبقى كلمات لا قيمة لها إلا إن تحولت إلى واقع يشهد لها، وهذا هو التحدي الأكبر في دول الربيع العربي: ليس المهم أن نبني نظاماً سياسياً بديلاً، بل المهم أن نصيغ نظاماً جديداً يستغل الطاقات ويلبي الحاجات ويحقق الطموحات.

:: مجلة البيان العدد303 ذو القعدة 1433هـ، سبتمبر - أكتوبر 2012م.

 

أعلى