• - الموافق2024/04/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الانتماء إلى الوطن أم إلى المبدأ

الانتماء إلى الوطن أم إلى المبدأ


في سبيل الدعاية لأنفسهم ليكونوا رؤساء لبعض البلاد أو ليكونوا أعضاء في مجالس تشريعية يقول بعض الناس على سبيل التزكية لأنفسهم إنهم «لا ينتمون إلى جماعة أو فكرة» وإنهم إذا ما انتخبوا فسيكونون حريصين على مصلحة البلد لا غير..

وهذه الدعاية مبنية على افتراض أن هنالك تناقضاً بين الانتماء إلى الوطن أو الانتماء إلى فكرة أو عقيدة معينة أياً كانت وهذا افتراض غير صحيح.

أولاً: لأن الانتماء إلى الوطن يلزم عنه الانتماء إلى عقيدة قد لا يشعر بها صاحبها، فإنه إن عرضت عليه مشكلة فأراد حلَّها لمصلحة وطنه فكيف سيفكر فيها؟

ثانياً: لأن الانتماء إلى فكرة أوعقيدة معينة لا يلزم عنه أن يكون الشخص متعصباً غير عاقل ولا متجرد؛ بل إن الفكرة التي ينتمي إليها قد تكون هي نفسها مبنية على الدعوة إلى مكارم الأخلاق التي من بينها الصدق والأمانة والتجرد، وقد كان هذا في الإسلام فحين سرق أحد المنتمين إلى هذا الدين   درعاً وخبَّأها عند يهودي فوُجدت عنده فحلف أنه ما سرقها فسأل قومه النبي صلى الله عليه وسلم أن يجادل عنه ويبرِّئه أنزل الله تعالى: {إنَّا أنزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:105]  فبَّرأ القرآن الكريم اليهودي.

لست أدري ماذا كان سيكون موقف الذين يجعلون الوطن هو الأساس فيقدمونه على مكارم الأخلاق في مثل هذه الحال؟

ثالثاً: من أقوى الأدلة على أن الانتماء إلى فكرة أو عقيدة معينة لا يلزم عنه التنكر للوطن؛ بل إن الإنسان قد ينتمي إلى عقيدة معينة ويظل مستمسكاً بالحنين إلى وطنه، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجبره الكفار على الهجرة من مكة:

 «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ ، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِي مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ». قال الحاكم في المستدرك حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وكذلك كان أصحابه يعبرون عن هذا الحنين إلى الوطن ومن ذلك قول بلال بن رباح - رضي الله عنه -:

ألا ليت شعري هل أبيتَـنَّ ليلة

 بواد وحولي إذخر وجليل

وهل أردْنَ يوماً مياه مجنة

وهل يبدون لي شامة وطفيل

رابعاً: أن تحول الوطن إلى عقيدة تعلو على كلِّ العقائد والأفكار الأخرى فإن هذا قد يؤدي بالمؤمن بهذا الاعتقاد إلى أن يجعله كارهاً لكلِّ المعتقدات والأفكار التي يراها متناقضة مع فكرته هذه فيصير كما كان هتلر عدواً لكلِّ من يراه معتقداً لغير ما يعتقد، ومحارباً له بكلِّ الوسائل.

:: مجلة البيان العدد 300 شعبان 1433هـ، يوليو 2012م.

أعلى