• - الموافق2024/04/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التدخل الأجنبي في الثورات العربية

التدخل الأجنبي في الثورات العربية


لم تكن الثورات العربية وليدة صدفة أو جاءت فجأت؛ إنما هي نتاج طبيعي للكبت الذي مورس على الشعوب، وللقهر الذي أصاب تلك الشعوب، ومن الطبيعي أن الكبت والقهر يولِّدان الانفجار.

وقد ثبت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اشتكتِ النار إلى ربها فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضاً. فإذن الله لها بنَفَسَين نَفَس في الشتاء فهو أشدُّ ما تجدون من الزمهرير، ونَفَس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر»[1]، والنفسان خشية أن يأكل بعضُها بعضاً من شدة الكبت، قال الصنعاني: (أي أن حرَّها وأُوارُها قد اشتد فطلبت من ربها أن يخفف عنها فسمح لها بنَفَسَين)[2]. فكذا الكبت لا يولِّد في المجتمع إلاَّ انفجاراً؛ فكان لا بد للشعوب أن تتنفس الحرية وهذا ما حصل في الثورات العربية.

والجدير بالذكر هنا أن الثورات العربية الحالية المسماة (بالربيع العربي) لم تكن الأُولَى من نوعها في التاريخ، بل كانت هناك ثورات من قبل؛ ولكن الجديد في الربيع العربي هو التدخل الأجنبي المباشر الذي ظهر بمظهر المساند للشعوب المنتفضة على الرغم من أنه كان قبل فترة وجيزة مناصراً لهذه الأنظمة ومُعِيناً لها، ولم يكن التدخل سياسياً فحسب بل كان عسكرياً كما في حالة ليبيا.

 ويمكن القول بأن الدول الغربية إنما تدخَّلت في هذه الثورات بهذا الشكل السافر لجملة من الأسباب، وهي في نظري تحدد السيناريوهات المحتملة، ومن هذه الأسباب ما يلي:

1-  تحسين صورة الغرب عند الشعوب؛ خاصة بعد أن أصبحت الشعوب تنظر إليه على أنه مستعمِر ومعادٍ لها؛ وذلك لممارساته تجاهها، ومن ذلك:

• عون الغرب لهذه الأنظمة فترة من الزمن في كل المجالات على ظلم الشعوب وكبتها.

• والعدوان الذي مارسه الغرب على الأمة الإسلامية والعربية تحت ما يسمى بمكافحة الإرهاب! الأمر الذي ولَّد حقداً وكراهية للغرب.

2-  رجحان كفة الشعوب على كفة الحكام، وهذا يدفع الغرب للتعاون مع الأقوى والأرجح بسبب المصالح؛ لأن الغرب لا تحكمه الأخلاق بل المصالح الضيقة.

3-  استباق الأحداث ومحاولة كسب ودِّ الحكومات القادمة التي ستقوم على الثورية الشعبية.

4-  تنامي التيارات الإسلامية - خاصة السلفية - وانحسار التيارات العَلمانية واليسارية والقومية، وانتشار حب الإسلام بين أفراد الشعوب العربية وصعود التيارات الإسلامية للواجهة في شتى المجالات.

هذه الأسباب وغيرها دفعت الدول الغربية ومنظماتها إلى التدخُّل المباشر في هذه الثورات بصورة ملفتة للنظر .

السيناريو الأول:

وهو عندي أقوى الاحتمالات؛ فبحسب المعطيات المطروحة على الساحة التي تؤكد أن الدول الغربية بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة اقتنعت بالإسلام واقعاً يجب التعامل معه لا معاداتُه كما حصل سابقاً، أو إيجاد إستراتيجة جديدة للتعامل معه خاصة بعد تنامي الشعور بضرورة الاحتكام للشرع، وأصبح التيار الإسلامي من القوة بمكان رغم ما بُذِل من جهود عسكرية وإرهابية وخطط ثقافية واجتماعية لإضعافه؛ فالمعاداة الصريحة للإسلام والازدواجية في المعايير التي مارستها الدول الغربية ومنظماتها التي باتت واضحة للعيان بين المسلمين واليهود والنصارى زادت من ذلك الشعور.

 فبالأمس تعترض الدول الغربية على فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر؛ بل وتُجمِع على ضرورة إبعادها على الرغم من فوزها عن طريق صناديق الاقتراع (المحترمة في الغرب) بسبب برنامجها الإسلامي، وتعترض على فوز حركة حماس للسبب ذاته، وتضرب حصاراً على السودان للسبب ذاته، وتدعم قمع الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي وتغضُّ الطَّرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في السجون العربية في حق الإسلامين. وغير ذلك كثير لا يسع المقام لذكره.

ونرى اليوم أمريكيا تُُجرِي لأول مرة مباحثات مع حركة الإخوان في مصر الثورة، وتبارك فوز حركة النهضة الإسلامية في تونس وتبعتها كل الدول الغربية في ذلك، وتبارك فوز الإسلامين في المغرب وفي مصر، وتشرع في رفع العقوبات عن السودان. وتدعو وزيرة الخارجية الإسبانية في تصريح لقناة الجزيرة الليبين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وبالجملة تبدي الدول الغربية عدم ممانعتها من وصول التيار الإسلامي إلى السلطة وهذا يدفعنا إلى السيناريو الأول المحتمل: (وهو أن الدول الغربية تريد أن تتعامل مع الإسلام ولكنه إسلام من نوع خاص بأفكار تخلو منها عقيدة الولاء والبراء، يُعترَف فيه بالأديان المحرَّفة على أنها أديان صحيحة (على قاعدة قبول الآخر)، وغير ذلك بمعنى الإسلام المعروف بالمعتدل الوسطي.

فالدول الغربية بين خيارين أحلاهما مرٌّ. وأخف الضررين، وأهون الشرَّين هو التعامل مع الإسلام المسمى بـ (الوسطي) خشية وصول الإسلام المتشدد - على حدِّ قولهم - إلى السلطة مع ملاحظة تنامي التيارات السلفية في الساحات الإسلامية.

وفي نظري أن هذا يحقق لهم عدة مكاسب:

أولها: الوصاية على التيار المسمى بالوسطي بحكم قابليته للتعاون بعد إغراقه في معمعة السلطة وما فيها من متعة وغرور يُسقِط كلَّ من تعلق قلبه بها وقصدها لذاتها.

ثانيها: جعلُ المعركة بين الإسلامين أنفسهم، وضربُ بعضهم بعضاً، وتأجيج الصراع بينهم بعد أن كانوا متفقين على عداوة الغرب؛ فينتقل الصراع من صراع بين الإسلامين مع الغرب الى صراع بين الإسلاميين أنفسهم؛ إما لأسباب تتعلق بالكرسي أو لأسباب فكرية أو لأسباب تتعلق بكيفية تطبيق الشرع؛ وخاصة أن بعض حكومات الثورات ورثت تركة ثقيلة في كل المجالات وقد استرشد الغرب في ذلك بعدة شواهد في الساحة، منها ما يلي:

1- ما حصل في أفغانستان بين المجاهدين الذين وصلوا إلى مرحلة رفع السلاح في وجه بعضهم بعضاً، الأمر الذي أدى إلى سقوط دولتهم.

2- ما حصل في السودان من انشقاق أضعف الحكومة وجعل الجناح المنشق يقاتل في دارفور تحت مظلة (خليل إبراهيم[3]) المعروف بانتمائه للترابي الذي انشق عن الحركة الأم وأصبح بينهم ما صنع الحدَّاد.

3- ما يحصل من صراع في قطاع غزة بين الإسلامين الذي يقل قليلاً عن نظائره لوجود عدو مباشر يتفقون عليه.

لذلك سعى الغرب لعسكرة الثورة الليية ليكون الخلاف أقوى وأسرع في حسم الصراع وقتل الإسلاميين بعضهم بعضاً، وتماطَل في موضوع اليمن لتنتقل الثورة إلى السلاح، وهو ما قد يضطرهم إلى الترافع إلى الدول الغربية ومنظماتها، وهذا يُعَد اعترافاً به من قِبَل الإسلاميين، ويصبح الغرب هو صاحب الترجيح بين الأقوال والأفعال ومِن ثَمَّ يضمن السيادة على العالم.

ثالثاً: إثبات فشل الإسلاميين في إدارة الدول إذا هي فشلت في استمالتهم أو إيقاعهم في حرب داخلية؛ وذلك بالتضييق عليهم وحصارهم حتى تقتنع الشعوب بعدم جدوى ترشيحهم مرة أخرى أو سرقة ثورتهم وإعداد بدائل، هذا إن لم تكن قد أُعِدَّت بالفعل.

السيناريو الثاني:

هناك احتمال آخر أن الحكومات الغربية أدركت عودة العالم إلى الحرب الباردة بدخول الصين لاعباً جديداً في الساحة العالمية، وصعود روسيا من جديد إلى القمة وتشكيلها مع الصين قوة جديدة يدفع الدول الغربية إلى إيجاد حلفاء في المنطقة.

فكل المؤشرات تشير إلى أن الحرب الباردة قادمة فهي بالجملة حالة استقطاب؛ فمن يُحسِن قراءة الواقع من الدول الكبرى ويتحين الفرص هو الذي يجمع من الحلفاء أكثر؛ فالغرب اختار المراهنة على الشعوب وروسيا والصين اختاروا المراهنة على الحكام، وفي نظري أن روسيا والصين خسرتا الرهان في ليبيا، وهو ما دفعهما إلى مباركة سقوط القذافي بعد الوقوف معه فترة من الزمن.

السيناريو الثالث:

أن الدول الغربية دعمت الأنظمة بما فيه الكفاية، ولم يوفر لها ذلك حماية حتى في عقر دارها، ولم تقم هذه الأنظمة بدورها كما يجب في حماية مصالح الدول الغربية وقمع ومحاربة التيارات الإسلامية في بلدانها، وهو ما دفعها لمساندة التغيير القسري الذي جاء من الشعوب لتكون الشعوب نفسها هي التي تقوم بالدور؛ وهو حماية الأنظمة الغربية وحماية مصالحها؛ وذلك لعجز الأنظمة عن ذلك.

السيناريو الرابع (وهو المشهور بين الناس):

أن الغرب دفعته المصالح الضيقة؛ فهو لا يعرف معنى العدل أو الحرية ولا تحكمه الأخلاق ولا يعرف الرحمة ولا تستفذه الدماء والأشلاء؛ فقد فعل في بلاد الإسلام ما هو أشد من ذلك؛ ولكن لما شعر بضعف الحكومات سعى من أجل الحفاظ على مصالحه الموجودة في البلاد العربية وخاصة الاقتصادية؛ فالأرض العربية مليئة بالثروات الظاهرة والباطنة، والسباق أصبح شديداً عليها ومحموماً من أجل الظفر بها فيتوقع أن يكون للدول الغربية نصيب الأسد في هذه الثروات، يوازي ما قدمته هذه الدول من نصرة لهذه الثورات. 

حلول عاجلة:

أولاً: إذا كان الغرب يراهن على الخلاف بين الإسلاميين، فلا بد للإسلامين من تفويت هذه الفرصة، وذلك بجملة من الأمور، منها:

1- سعة صدر المسلم لأخيه المسلم وقبوله له: فالحفاظ على أخوة الإسلام أَوْلَى من الحفاظ على الكرسي.

2- ضرورة تعلُّم أدب الخلاف ومنهج المولاة للمسلم: حيث إن المسلم لا يوالى جملة ولايعادى جملة؛ يوالى بقدر ما فيه من الطاعة ويعادى بقدر ما فيه من المعصية.

3- الوقوف على أحاديث التعامل بالسلاح بين المسلمين ومنها:

• قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح...»[4].

• قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار...»[5]، وغيرها من هذه النصوص.

4- قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن: «تطاوعا ولا تختلفا...»[6].

ثانياً: لا بد من رفع وعي الشعوب بخطورة ما يخطَّط لها، ولا بد من غرس روح العزة فيها لكيلا تكون ذنباً يقاد تُحقَّق به المصالح ويتسلقي على ظهره.

هذا والله الموفق.

 


[1] متفق عليه.

[2] انظر: سبل السلام.

[3] قائد حركة العدل والمساواة المتمردة في إقليم دارفور، لقي حتفه في 25 ديسمبر/كانون الأول 2011م، خلال اشتباكات مع الجيش السوداني.

[4] أخرجه الشيخان.

[5] أخرجه مسلم.

[6] أخرجه البخاري.

 

أعلى