• - الموافق2024/04/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
احذروا خطاب: ( مرحباً بكم.. تباً لكم)

احذروا خطاب: ( مرحباً بكم.. تباً لكم)


إنها مسافة هائلة قطعتْها التيارات السلفية في مصر ما بين انتخابات مجلس الشعب المزورة في نوفمبر 2010م وبين يونيو 2011م حين وافقت لجنة الأحزاب للمرة الأولى في تاريخ مصر على تأسيس أول حزب ذي مرجعية إسلامية سلفية (حزب النور).

خمسة أشهر ونصف تفصل بين الحدثين، وخلال هذه المدة تغيرت الرؤية السياسية للتيارات السلفية مائة وثمانين درجة، تبعاً لتغير الظروف بعد ثورة يناير.

وأصبح لزاماً على كل تيار سلفي يؤسس حزباً أن يبني تصوراً سياسياً شاملاً كاملاً، مؤصَّلاً تأصيلاً شرعياً وفكرياً وسياسياً، وهي مهمة ليست سهلة أبداً؛ فأي حزب (إسلامي أو غير إسلامي) يحتاج إلى سنوات من التفكير والممارسة لكي يبني تصوراً نهائياً، لكن التيارت السلفية لا تملك ترف الوقت؛ فهي تبني في أشهر ما أقامه آخرون في عقود، وهو إنجاز كبير لا شك في ذلك.

في هذا التصور، يعمل التأصيل الشرعي إطاراً خارجياً للتحرك السياسي، والتأصيل الفكري يملأ الدائرة بداخل ذلك الإطار وبما لا يتجاوزه في أي اتجاه.

وإنما يحدث الخلل عندما لا يكون الإطار الخارجي محكماً (تأصيل شرعي ضعيف) فيكثر الخروج عنه بقصد أو عن غير قصد، وهي ظاهرة يمكن تعريفها بعبارة مختصرة: عجز طاقة التأصيل الشرعي عن ملاحقة طاقة التحرك السياسي.

كما يقع الخلل أيضاً عندما يكون التأصيل الفكري ضعيفاً فتكون الحركة السياسية نشطة لكنها مضطربة أو لا تملأ المساحة المتاحة، فتُهدَر طاقات وتضيع فرص.

هنا يغفل كثيرون عن إحدى قواعد اللعبة السياسية، وهي أن حساب الأخطاء (الناجمة عن العجز التأصيلي) يكون تراكمياً في أحيان كثيرة؛ فلن يأتيك أحد عند كل خطأ لكي يحذِّرك وينبِّهك، بل سيتركك الجميع تراكمَ أخطائك لتكون ساعة الحساب خصماً من رصيدك أو وجودك.

من تطبيقات (الاضطراب الشرعي الفكري) ظاهرة يمكن أن نسميها بـ (مرحباً بكم... تباً لكم) وهي تتعلق بكيفية التعامل مع القوى والشخصيات العَلمانية في الساحة السياسية والإعلامية؛ إذ يبدو واضحاً (ومتنامياً) في الخطاب السلفي بوادر إزدواجية غير مقبولة؛ ففي الإطار العام وفي وسائل الإعلام نجد خطاباً يتسم بالانفتاح والمرونة، كما نسمع أفكاراً تقبل وجود المخالفين وتعلن التزامها بقواعد اللعبة السياسية، وترفع شعار: مرحباً بكم.

لكن في الخطاب الموجه إلى الجمهور السلفي - وهو أيضا مشمول بالتغطية الإعلامية في ظل الانفتاح - يتم طرح القضية بصياغة مختلفة؛ وكأن الذين يتحدثون لتك القوى أو يناقشونها يرجعون إلى قواعدهم سريعاً رغبة في غسل أيديهم مما قالوا - على الرغم من خلوِّه مما يناقض الشرع - ودرءاً لاتهامات يتوقعونها، فيُجهدون أنفسهم في التأكيد على عدم (اختراق) الثوابت، وأن المواقف لم تتبدل ولم تتغير، ويرفقون كلامهم بتوجيه شعار مناقض للقوى السياسية العلمانية والليبرالية، هو: تباً لكم.

هذه الفجوة (الازدواجية) يخشى بعضهم أن تتسع تدريجياً مع الدخول الحقيقي في المعترك السياسي بعد الانتخابات، ومع تبلور التخصص داخل بنية التيارات السلفية؛ أعني التمايز مع الوقت بين التخصص الدعوي العلمي، وبين التخصص السياسي.

هذه الفجوة لن يعالجها مزيد من: التلويح المستمر بالثوابت في كل مناسبة من أجل طمأنة النفس وطمأنة الجمهور السلفي؛ ولكن علاجها يكون بسدِّ الخلل  (الشرعي الفكري السياسي) وإعادة النظر في عملية التأصيل المتخلفة عن الركب، وهذا التأصيل لن يتحقق ببعض الفتاوى أو التقريرات الشرعية والمقالات الفكرية؛ فالأمر أعقد من ذلك، ويستدعي تشكيل لجنة (أو لجان) وربما يكون الأفضل تأسيس مراكز دراسات متخصصة يكون هدفها الأول هو مواكبة التحرك السياسي، وسدُّ الخلل الناجم وإلغاء هذه الازدواجية التي تنذر مستقبلاً بهوة بين الدعوي والسياسي.


أعلى