مقدمة
سعى وزير الخارجية الأمريكية
جون كيري، منذ توليه مهامه في مطلع فبراير، لأن يكون من أبرز أولوياته تحريك عملية
التسوية السلمية المجمدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ بهدف "التوصل إلى
اتفاق سلام" دائم بين الطرفين. وكان كيري قد قضى الشهر الماضي أربعة أيام في
المنطقة قام خلالها بجهود دبلوماسية مكثفة سعياً لتقريب مواقف الطرفين. وفي نهاية
الجولة السادسة لكيري تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لاستئناف مفاوضات السلام بين
الجانبين. فعن الجانب الفلسطيني تم اختيار "صائب عريقات" كمفاوض
فلسطيني، وعن الجانب الإسرائيلي تم اختيار المفاوضين "تسيبي ليفني"
و"إسحاق مولهو"، حيث من المقرر أن يبدؤوا المفاوضات الأسبوع المقبل في
واشنطن.
مدة المفاوضات
والنجاح في جولة كيري
تضاربت البيانات حول مدة
المفاوضات، فالطرف الفلسطيني يذكر أن المدة محددة من 6-9 أشهر فقط، بينما يذكر
الجانب الإسرائيلي أنها على الأقل 9 أشهر، ويبدو أن الجانب الفلسطيني لم يكن
صادقاً في إفادته، خاصة أنه فاوض إسرائيل لمدة 25 سنة ولم يتمكَّن من تحديد سقف
زمني في الماضي، وبالتالي ما تم الإعلان عنه هو أرضية زمنية أقلها تسعة أشهر، ويتم
خلالها الامتناع عن أي خطوات أحادية الجانب على الساحة الدولية لإصدار قرارات ضد
الكيان الصهيوني، في حين يقوم فريق تفاوضي مشترك خلال الفترة ذاتها بالعمل على
بلورة اتفاق حول ذلك.
ويمكن إرجاع نجاح الوزير
كيري في عودة المفاوضات إلى سببين؛ الأول:
ضعف المفاوض الفلسطيني والسلطة الفلسطينية بشكل عام، وعدم قدرتها على بلورة
استراتيجية أو رؤية مستقبلية، لدرجة أنها جعلت المفاوضات هي البديل الذي لا بديل
عنه (لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات)، وخوفها من المستقبل، خاصة في الجانب
المالي. والسبب الآخر
يكمن في الحالة العربية التي تشهد تشويشاً وارتباكاً كبيراً، سواء في مصر أو سورية
أو في الخليج العربي بشكل عام، ويمكن القول إن ضعف الحالة العربية قد سهَّل لكيري
اللقاء مع 11 وزيراً من وزراء الخارجية العرب في عمّان لكي يستجلب ضغطاً منهم على
الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات أو يبني مرجعية وغطاءً عربياً للمفاوضات،
كما شجع الانقلاب في مصر الطرف الفلسطيني على استئناف المفاوضات، لا سيما بعد أن
تحرر الرئيس عباس من ردة فعل الجماهير الفلسطينية التي تعيش حالة انعدام الوزن من
النكبة التي حلت بأكبر دولة عربية.
ويمكن اعتبار أن المستفيد من
عودة المفاوضات هما اثنان، الأول:
جون كيري الذي يرغب أن يسجل في سيرته الذاتية نجاحاً شخصياً له كسياسي محترف
وكقيادي يملك قدرات مؤثرة في حل أو إدارة النزاعات الدولية. والثاني: هو الطرف الإسرائيلي
وحكومة نتنياهو التي ستحظى بغطاء فلسطيني يمنحها توصيةً في علاقتها مع الأنظمة
الدولية والأوروبية التي تلوم تعنتها، والتي تحاول محاصرة سياساتها الاستيطانية؛
حيث إن عودة المفاوضات تمثل الفرصة الذهبية للولايات المتحدة كدولة قوية في
المنطقة لتمارس الابتزاز على جميع الأطراف لتفرض سياستها.
مضمون المبادرة حسب
الرؤيتين الفلسطينية والإسرائيلية
أولاً:
فلسـطينياً
الجانب الفلسطيني أفاد بأن
"كيري" اقترح إجراء جولة مفاوضات تستمر ما بين 6-9 أشهر لتتركز على
الشؤون الجوهرية وفي مقدمتها الحدود والترتيبات الأمنية. وأن كيري يدعم اعتبار
حدود عام 67 بمثابة نقطة انطلاقة للمفاوضات. كما أنه تعهد للجانب الفلسطيني بأن
تُفرج إسرائيل تدريجياً عن نحو 350 سجيناً فلسطينياً خلال الأشهر القليلة المقبلة،
بينهم 100 سجين أُدينوا قبل توقيع اتفاقيات أوسلو.
كما أفاد الجانب الفلسطيني
بأن نتنياهو وافق على سلسلة مطالب أمريكية لتدعيم اقتصاد السلطة الفلسطينية وتعزيز
مكانتها في الشارع الفلسطيني؛ بُغية إحاطة المفاوضات، في حال استئنافها، بأجواء
إيجابية. ومن هذه المطالب: تسليم السلطة مناطق جديدة في الضفة الغربية، وإزالة
حواجز عسكرية، وتطوير مناطق سياحية في الشاطئ الشمالي للبحر الميت؛ بحيث يتم إنشاء
20 ألف وظيفة لعمال فلسطينيين، وإقامة مناطق صناعية مشتركة مع إسرائيل برعاية
أمريكية وأوروبية، وزيادة تصاريح الدخول لإسرائيل لعمال ولرجال أعمال فلسطينيين من
الضفة الغربية وقطاع غزة. والمعلومات جاءت بصيغة النكرة، بمعنى أنها لو صدقت، فهي
فضفاضة وغير واضحة المعالم.
لكن قرارات قيادة المنظمة
والسلطة تشير إلى غير ذلك، إذ تم تسريب بعض مخرجات اجتماع اللجنة المركزية لحركة
فتح الخميس (19 يونيو) برئاسة الرئيس محمود عباس، وأفادت التسريبات بأن اللجنة
تنازلت عن مطلب وقف الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967 والتخلّي عن مطلب إطلاق
سراح الأسرى وخاصة المعتقلين منذ ما قبل أوسلو؛ شرط أن يتم استئناف المفاوضات على
أساس الـ 67.
ووفق التسريبات، فإن 13
عضواً من المركزية صوتوا في اجتماعهم لصالح استئناف المفاوضات إذا ما كانت على
أساس حدود عام 1967 والتنازل عن مطلبي تجميد الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى وخاصة
المعتقلين منذ ما قبل أوسلو، في مقابل اثنين صوَّتا بالمعارضة، منهما اللواء توفيق
الطيراوي.
ثانياً:
إسـرائيلياً
نقلت صحيفة الحياة اللندنية
عن مصادر إسرائيلية أن خطة كيري المقدمة "شفوياً" إلى الرئيس الفلسطيني
حملت خمس نقاط، هي: دعوة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى التفاوض على أساس
إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، مع تبادل "أراض" متفق
عليه ومتساوية في المساحة والنوعية، وأن يجري التفاوض على الحدود والأمن لفترة
تراوح بين 6 و9 أشهر، وأن يضمن كيري قيام إسرائيل بتقليص البناء في المستوطنات
خلال المفاوضات إلى أقصى حد ممكن، وأن يضمن أيضاً قيام إسرائيل بإطلاق جميع أسرى
ما قبل اتفاق أوسلو، وعددهم 104 أسرى، بعد شهر من بدء المفاوضات، على أن تطلق
إسرائيل فور بدء المفاوضات 25 أسيراً آخر، وإطلاق خطة اقتصادية لإنعاش الاقتصاد
الفلسطيني.
ويمكن التعبير عن الخطة
الأمريكية لاستئناف المفاوضات بثلاثة مسارات مركزية، يتمثل الأول
في المسار السياسي الذي يهدف إلى إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، في حين يركز
المسار الثاني
على الملف الأمني الذي في إطاره تم تعيين جنرال أمريكي من أجل تقدير الوضع في
مناطق الضفة الغربية، وأما المسار الثالث
فهو الملف الاقتصادي الذي حاول كيري أن تكون كافة المزايا والنوايا الحسنة المقدمة
للسلطة هي اقتصادية بسبب تدهور وضعها الاقتصادي. وأضافت هذه المصادر أن نتنياهو لم
يرفض فكرة إقامة مطار للطائرات الخفيفة في تخوم السلطة الفلسطينية.
وفي نفس المضمون قال وزير
الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون،
"رفضنا كل الشروط المسبقة بما فيها المطالب الفلسطينية بشأن حدود 67 وتجميد
البناء في المستوطنات والإفراج عن السجناء".. وبناءً على مضمون هذا التصريح،
إذا ما كان صحيحاً، فإن موافقة الطرف الفلسطيني على العودة إلى المفاوضات هي
بمثابة انتحار سياسي للسلطة الفلسطينية، وبالتالي لن تغير في شيء من الظروف التي
دفعتها إلى الرفض في السابق.
ومما سبق يتضح أن ثمَّة
تضارباً في المعلومات حول أهم معالم الاتفاق الذي تم بين الجانبين برعاية أمريكية،
وهذا بحد ذاته يضع عقبة كبيرة أمام فهم المراقبين لطبيعة المفاوضات التي تجري،
ويضع علامات استفهام حول مصداقية الطرف الفلسطيني. وهذا الرأي يتأكد من خلال
تسريبات – نشرتها صحيفة فلسطيننا - أفادت بأنه قد تم الاتفاق على تسعة بنود خطيرة،
بموجبها تبدأ عمليات المفاوضات من جديد، وهي:
(1) استئناف المفاوضات دون
شروط.
(2) تجميد ملف اللاجئين لــ
5 سنوات.
(3) ضخ الأموال للسلطة
الفلسطينية دون توقف من البنوك الإسرائيلية.
(4) الاتفاق على التعاون في
الملف الأمني.
(5) ضبط الأمن في الحدود
المؤقتة لتكون حدوداً آمنة.
(6) إعلان من قبل
الفلسطينيين أن إسرائيل هي دولة ذات سيادة أمام المجتمع الدولي.
(7) فتح مطار في رام الله
وتزويده بالمنشآت الكاملة.
(8) تزويد السلطة بالسلاح
وتجهيز الأجهزة الأمنية بكل ما يلزمها لأداء دورها في المحافظة على الأمن العالم
في الضفة الغربية.
(9) تجميد ملف القدس حتى
إشعار آخـر.
وتؤكد شخصيات قريبة من
السلطة الفلسطينية أن ما تم بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أمريكية هو
"رزمة تسهيلات" لتحسين نمط الحياة اليومية وفتح الباب أمام أهل الضفة
الغربية للذهاب إلى السوق الإسرائيلي للتسوق، والدعاية للهبات الاقتصادية التي
ستأتي نتيجة تلك الصفقة، مع بعض الرتوش السياسية التي لا تحمل أي شكل التزامي أو
إلزامي، بل لا تحمل وعداً مكتوباً.
جولة كيري والثوابت
الفلسطينية
ما تم الاتفاق عليه من بنود
لاستئناف عملية المفاوضات، يؤكد أن هذه البنود جاءت كضربة في الصميم لكافة الثوابت
الفلسطينية، حيث بدا واضحاً من خلال تسريبات - صحيفة فلسطيننا - أن ملف الاستيطان
غير مطروح للنقاش، خاصة إذا ما أدركنا أن الحركة الصهيونية – حسب تعريف بن غوريون
- هي حركة استيطانية، وبالتالي من غير المعقول أو المقبول إسرائيلياً أن يتم وقف
عجلة الاستيطان، هذا في ضوء أن الاتفاق على استئناف المفاوضات جاء دون شروط،
وتجميد ملف القدس حتى إشعار آخـر، وضخ الأموال للسلطة الفلسطينية دون توقف من
البنوك الإسرائيلية، وهو أمر مُغرٍ جداً للسلطة.
ويعزز من هذا الرأي ما صرَّح
به وزير الإسكان الإسرائيلي المتطرف "أوري أريئيل"، الذي قال إنه إذا
الجميع ظن بأن إسرائيل ستعمل على تجميد الاستيطان فهو مخطئ، بل سنزيد الوحدات
الاستيطانية في الأماكن الضرورية. وكخطوة عملية لهذا التصريح، صادقت "الإدارة
المدنية الإسرائيلية" منتصف شهر رمضان الماضي على خطط لإقامة نحو 1000 وحدة
استيطانية في الضفة الغربية المحتلة.
وإذا ما أكدنا أن استئناف
المفاوضات جاء دون رضا الفصائل الفلسطينية – خاصة حماس والجهاد - عنها، فإن هذا
الأمر يقوِّض فرض تحقيق المصالحة الفلسطينية؛
فالمصالحة والمفاوضات خطان متوازيان لا يلتقيان، وإذا ما قرأنا تصريح عزام الأحمد
– الذي أعطى حماس مهلةً حتى 14 أغسطس لإعلان المصالحة - نُدرك أن حركة فتح تبيِّت
أمراً ما، في الغالب لا يصب في مصلحة حركة حماس، خاصة أن الحاكم في مصر تتقاطع
مصالحه مع مصالح فتح، واستلم الرئيس عباس قبل أيام رسالة دبلوماسية من الرئيس
المصري المؤقت عدلي منصور. بمعنى آخر: المتغيرات الإقليمية لا تصب في مصلحة حماس،
وهذا يزيد من تعنت حركة فتح.
كما نَفَدَت وربما انعدمت
فرصة تحقيق مبدأ حل الدولتين،
سواء من جرَّاء المفاوضات أو في غيابها؛ لأن إسرائيل تواصل إقامة الآلاف من
الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، وتبني جدار الفصل العنصري الذي
قطَّع أوصال الأراضي الفلسطينية، خاصة الضفة الغربية، الأمر الذي قضى على أي فرصة
لإقامة تواصل جغرافي يعطي أملاً بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ويمكن إضافة أن إسرائيل لن
تسمح بإقامة دولة فلسطينية
بجانب دولة إسرائيل، فكيف لإسرائيل السماح بإجراء يهدد وجودها، حيث إن الفلسطينيين
يتمددون ديمغرافياً وينافسون الإسرائيليين في وجودهم، ومن ناحية أخرى من غير
المقبول إسرائيلياً أن يُسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم على مملكتي يهوذا والسامر.
مواقف الفصائل
الفلسطينية
بمجرد أن تم الإعلان عن بدء
المفاوضات، حتى أبدى كل فصيل فلسطيني اعتراضه على هذه المفاوضات، وذلك انطلاقاً من
تفسيرات متفقة ومتباينة، لدرجة أن أعضاء من حركة فتح نفسها رفضوا المفاوضات، وفيما
يلي أبرز التصريحات بخصوص المفاوضات:
حركة
حماس أعلنت رفضها القاطع لعودة السلطة الفلسطينية
إلى مربع المفاوضات العبثية مع الاحتلال الإسرائيلي. وأكَّد عزت الرشق أن “هذه
المفاوضات ثبت فشلها وعقمها في تحقيق تطلعات شعبنا الفلسطيني، ولن تكون إلا غطاءً
لتكريس الاستيطان والتهويد وضياع الحقوق والثوابت الوطنية، وهي لن تلزم شعبنا
الفلسطيني بشيء؛ لأنها تأتي خارج سياق التوافق والإجماع الوطني، وضد إرادة شعبنا
الفلسطيني”.
حركة
الجهاد الإسلامي رفضت خيار عودة السلطة إلى
المفاوضات مع "إسرائيل" استجابة لجهود جون كيري، موضحة أن كيري يسعى
لاستغلال "انشغال المحيط العربي" لإنهاء الصراع وإجبار الفلسطينيين على
تقديم تنازلات. وأوضح القيادي في الحركة نافذ عزّام، أن الصراع الفلسطيني -
الإسرائيلي لا يمكن أن ينتهي "دون أن تعود الحقوق لأصحابها"، متوقعاً
فشل جهود وزير الخارجية الأمريكي.
أعلنت الجبهة الشعبية
رفضها استئناف المفاوضات الثنائية بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي، بالاستناد
لآراء وأفكار وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، مشددة على أن ذلك بمثابة
"انتحار سياسي". واعتبرت أن "العودة للمفاوضات بعيداً عن إطار
الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة بمثابة انتحار سياسي يطلق يد الاحتلال وحكومة
غلاة التطرف والاستيطان في اقتراف أفظع الجرائم بحق الإنسان الفلسطيني وأرضه
ومقدساته".
القيادي في حركة فتح نبيل عمرو هاجم
السلطة واتهمها بالتراجع عن مواقفها بسهولة تامة، مشدداً على أن السلطة تعاني أزمة
في القيادة أكثر بكثير من أزمة السياسة، على حد قوله. وقال عمرو: "لقد بدا
واضحاً أن هذه القيادة تجيد لغة التشدد، لكنها في نهاية الأمر تسلّم بالأمر الواقع".
حركة
المبادرة الوطنية الفلسطينية أعلنت رفضها
العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل دون مرجعية واضحة ومحددة تكون حدود الرابع من
حزيران لعام 67 أساساً لها وتقر بها إسرائيل ووقف الاستيطان في جميع الأراضي
الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس. واعتبرت الحركة أن إجراء المفاوضات في ظل
استمرار الاستيطان يعني أن إسرائيل ستستغلها غطاء لمشاريعها الاستيطانية التوسعية.
الجبهة
الديمقراطية اعتبرت أن العرض الذي تقدم به جون كيري
غير كافٍ لاستئناف العملية السياسية من جديد وإطلاق المفاوضات مع الجانب
الإسرائيلي، مشيرةً إلى أن استئناف المفاوضات يتطلب اعتراف إسرائيل بحل الدولتين
على أساس حدود عام 1967 كأساس لعملية السلام، ووقف النشاطات الاستيطانية، وإطلاق
سراح قدامى الأسرى.
التصريحات السابقة واضحة في
مضمونها، ومفادها أنه لا قبول بمبدأ المفاوضات بعدما ضاع الجزء الأكبر من التراب
الفلسطيني من جرَّاء الاتفاقيات السابقة، وهذا ما يضع عقبة كؤوداً أمام سير
المفاوضات، وبالتالي فإن ذلك سيسهم قدر الإمكان في إعاقة المفاوضات رغم غطائها
العربي.
آفاق المفاوضات في
ضوء الوضع الراهن
يبدو، منذ اللحظة الأولى
للإعلان عنها، أن هذه المفاوضات تحمل عوامل فشلها في جنباتها، وما يؤكد ذلك أن الجانب الفلسطيني
ضيف جداً، ومنقسم على نفسه، ويتجاهل حركتي المقاومة الإسلامية (حماس والجهاد)،
وهناك رفض كبير من الشرائح الفلسطينية ومن حركة فتح أيضاً لهذه المفاوضات، هذا في
ضوء أن تصريحات قيادات فصائل منظمة التحرير أكدت أن الرئاسة اتخذت القرار دون
مشورة هذه الفصائل أو العودة إليها، وبالتالي هناك تضليل إعلامي مارسته السلطة
الفلسطينية من أجل تسويق المفاوضات، وهذا ما يعجِّل في انهيارها.
ومن جانب
إسرائيل، فإن تصريحات قادة بارزين تؤكد هذا
الرأي، حيث صرَّح وزير الخارجية الصهيوني الأسبق، "أفيغدور ليبرمان"،
بأن "الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي غير قابل للحل، ويمكن فقط إدارة
الصراع". وأضاف "أبو مازن لا يمثل سكان قطاع غزة ولا الضفة الغربية
وشرعيته السلطوية غير واضحة من الناحية القانونية". وهذا الأمر كانت تتمسك به
إسرائيل من قبل، حيث أخبروا أبا مازن أنه لا يمثل كامل الشعب الفلسطيني، ومن
المتوقع إعادة هذا الطرح من جديد.
أمَّا وزير الإسكان
الإسرائيلي المتطرف "أوري أريئيل" فقد عقّب بخصوص الإفراج عن الأسرى
قائلاً: "إن هذه الخطوة ستهدد أمن إسرائيل وليست من مصلحتها". وبالتالي
لن تقبل إسرائيل أي شيء يمكن أن يهدد أمنها، هذا في ضوء أن موضوع الأمن صاحب نصيب
الأسد في الاتفاق الجديد.
أما وزير العلاقات الدولية
الإسرائيلي "يوفال شتينيتز"، فقد قال إن إسرائيل لن تقدم أي تنازل حول
"مسائل دبلوماسية"، ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق حول تجميد الاستيطان أو
حول الإشارة إلى حدود عام 1967، وهما مطلبان فلسطينيان أساسيان.
أما نائب وزير الجيش
الإسرائيلي "داني دانون" فقد اعتبر أن إقامة دولة فلسطينية على حدود 67
يعرض وجود إسرائيل للخطر، كما أنه عارض إطلاق سراح أسرى قدامى حتى يتم التوصل إلى
توقيع اتفاق شامل مع الفلسطينيين.
أما عضو الكنيست من حزب
الليكود "هنيغبي" فقد اعتبر أنه ليس من المفترض أن يكون هناك إفراج عن
أسرى فلسطينيين قبل الاجتماع التمهيدي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في
واشنطن. وأشار إلى أن تقديم إسرائيل مبادرة حسن نية أخرى للفلسطينيين يعتبر شوطاً
كبيراً لبناء الثقة، على حد تعبيره.
وصدر مؤخراً تصريح عن رئيس
الوزراء "نتنياهو" مفاده أن أي اتفاق سيتوصل إليه الجانبان سيتم عرضه في
استفتاء عام على "الشعب الإسرائيلي".
كل العوامل السابقة ستجعل من
الوصول إلى حل بين الطرفين أمراً في غاية الصعوبة، وبالتالي تفشل المفاوضات، ويعود
الطرف الفلسطيني إلى نقطة الصفر.
خلاصة
تضارب المعلومات الواردة حول
شروط الاستئناف، وتضارب وجهات النظر الفلسطينية وعدم اتفاقها على رؤية واحدة،
وكذلك الحال بالنسبة للطرف الإسرائيلي؛ كل هذه العوامل تضعنا أمام جملة من
التساؤلات: إلى متى من الممكن أن تستمر عملية المفاوضات؟ وهل ستقبل إسرائيل أن
تتنازل للفلسطينيين عن أراضي الـ 67؟ وهل ستقبل إسرائيل أن تفاوض السلطة في ضوء
دعوة عزام الأحمد للمصالحة؟ وما خيارات وبدائل السلطة الفلسطينية في حال انقضت مدة
المفاوضات دون إحراز إنجاز؟ وكيف ستتعامل السلطة الفلسطينية مع موضوع المصالحة في
ضوء تعارض هذا الموضوع مع مبدأ المفاوضات؟
::
مجلة البيان العدد 315 ذو القعدة 1434هـ، سبتمبر – أكتوبر 2013م.