الانتخابات التركية في الصحافة العربية والعبرية

الانتخابات التركية في الصحافة العربية والعبرية

بخلاف كل التوقعات والرغبات والجهود الدولية والإقليمية الرامية لإنهاء حزب العدالة والتنمية بالاستناد إلى نتائج الانتخابات السابقة استطاع الحزب أن يعود للصدارة من جديد لقيادة تركيا، محققًا فوزًا كبيرًا في الانتخابات البرلمانية التي جرت مطلع شهر نوفمبر الماضي، حاصلًا على نسبة 49.7%، أي ما يعادل 316 مقعدًا من مقاعد البرلمان. إلى جانب ذلك، حصل حزب الشعب الجمهوري على نسبة 25.45%، بينما حصل حزب الحركة القومية على 11.97%، والشعوب الديمقراطي على 10.56% من مجمل الأصوات.

هذا الفوز برغم أهميته للمنطقة العربية لم يعجب بعض الدول العربية التي تمنَّت لخصوم العدالة والتنمية أن يتقدموا في الانتخابات ويضعوا حدًّا لتقدم وتمدد العدالة والتنمية في ضوء الانتكاسة التي مُني بها الإسلام السياسي بعد موجة الربيع العربي، هذا في حين أن وسائل الإعلام العربية والعبرية عكست بوضوح مواقف الأنظمة العربية سواء مرحبة أو معارضة لنجاح العدالة والتنمية.

الصحافة العربية:

كانت بعض الصحف السعودية من أول المرحبين بنتائج الانتخابات التركية، فكتبت صحيفة عكاظ: «الأتراك يختارون الاستقرار»، واعتبرت الصحيفة أن «نتائج الانتخابات رسالة واضحة من الناخبين الأتراك بأنهم يفضلون حكومة الحزب الوحيد، كما أنها تعتبر عقابًا واضحًا من الناخبين لقيادات المعارضة ممثلة بالشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي».

وتحت عنوان: «أردوغان يستعيد سلطاته والأتراك يعاقبون المتطرفين» بينت جريدة «الحياة» السعودية أن الناخبين رجَّحوا «الاستقرار الذي اعتادوا عليه خلال حقبة الحزب الواحد»، وأشارت إلى أنه «بدا واضحًا أن الناخب قرر معاقبة المتطرفين سياسيًّا، وعلى رأسهم حزب الحركة القومية الذي خسر نحو نصف أصواته».

أما جريدة «الشرق الأوسط» السعودية التي تصدر من العاصمة البريطانية لندن والتي تدَّعي أنها تتمتع بسقف مرتفع من الحرية فقد بدأت بموقف مغاير لنظيراتها السعودية وخرجت عن السياسة الخارجية السعودية المتصالحة مع تركيا، فلم تحترف أخلاقيات المهنة ووقعت في سقطة مهنية كبيرة أثارت جدلًا كبيرًا لدى متابعي الصحيفة، لقد كتبت «الشرق الأوسط» في عنوان داخلي عريض صبيحة يوم الانتخابات: «الأتراك يختارون في الانتخابات البرلمانية بين العدالة والتنمية.. والاستقرار»، وكأنها أرادت لفت أنظار الناخب التركي إلى أن انتخاب العدالة والتنمية سيجلب الفوضى للشارع التركي، وهو ما يعني أن عليهم انتخاب الاستقرار. يبدو أن الصحيفة وجدت من يلفت انتباهها إلى سقطتها، فأشارت في اليوم التالي مباشرة إلى أن انتخاب أردوغان يحقق الاستقرار لتركيا وليس الفوضى، حيث كتبت على صفحتها الأولى في اليوم التالي للانتخابات: «الأتراك اختاروا الاستقرار على الحكومات الائتلافية.. الأتراك يعودون إلى بيت العدالة.. والقوميون أكبر الخاسرين».

الصحافة الإماراتية كانت تترقب نتائج الانتخابات بحذر بالغ، وفي حدود معرفة كاتب السطور: لم تستوفِ الانتخابات التركية وفوز العدالة والتنمية حقهما في التغطية الإعلامية لصحافة الإمارات، حيث كتبت صحيفة «دار الخليج» الإماراتية: «العدالة والتنمية يستعيد الغالبية المطلقة في تركيا». واكتفت جريدة «البيان» التي تصدر في دبي وجريدة «الاتحاد» الصادرة في أبو ظبي بنشر خبر قصير على الصفحة رقم (35) يقول إن «حزب العدالة والتنمية فاز بالانتخابات، واحتجاجات في ديار بكر»، في حين أن الانتخابات غابت عن بقية الصحف الإماراتية، وكأنه عمل مقصود بتوجيهات مباشرة من أجهزة الأمن الإماراتية.

الصحافة القطرية أشادت بفوز حزب العدالة والتنمية، وقالت صحيفة «الراية» إن هذه النتائج «تُعتبر نصرًا كبيرًا للرئيس رجب طيب أردوغان»، بينما نشرت صحيفة «الشرق» صورًا ومقاطع مرئية ترصد احتفالات الأتراك بفوز حزب أردوغان. فالصحف القطرية الأربع (الشرق، والوطن، والراية، والعرب) رحبت بفوز العدالة والتنمية، وجاءت افتتاحية جريدة «الشرق» تحت عنوان: «الشعب هو الرابح بفوز حزب أردوغان»، منوهة إلى أن «تركيا شهدت عرسًا ديمقراطيًّا بمعنى الكلمة، وجاءت نتائجه بمثابة انتصار للديمقراطية أحرزه الشعب التركي وحده، عن وعي بقدرة الرئيس أردوغان وحزبه، على العبور به نحو آفاق استقرار وتنمية رحبة».

أما صحيفتا «الوطن» و«الراية» القطريتان فقد أبرزتا في عناوينهما أن «حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بزعامة رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو استعاد الغالبية المطلقة، بعد الفوز الحاسم الذي حققه في الانتخابات البرلمانية المبكرة.

صحيفة «القبس» الكويتية من ناحيتها رحَّبت بفوز العدالة والتنمية، وكان عنوانها: «تركيا: فوز سهل لحزب أردوغان».

الصحافة الفلسطينية لم تكن بمعزل على الصحافة العربية، وأولت الانتخابات التركية اهتمامًا كبيرًا بحكم أن فوز العدالة والتنمية سيحافظ على استمرارية المشروعات التركية في الأراضي الفلسطينية، هذا في ضوء العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تربط الجانبين الفلسطيني والتركي.

صحيفة «القدس» المقدسية أفردت مساحة واسعة لتغطية الانتخابات التركية وفوز حزب العدالة والتنمية، مشيرةً إلى فقدان الحزب «الأغلبية المطلقة»، أما صحيفة الأيام الصادرة في رام الله بالضفة الغربية فقد اعتبرت أن فوز العدالة والتنمية الحاكم لم يكن مفاجئًا، لكنه لم يحصل على أغلبية مطلقة، وهو ما كان «زلزالًا سياسيًّا» للحزب بحسب وصف الصحيفة، في حين أن صحيفة «الحياة الجديدة» ركزت على أن خسارة العدالة والتنمية الغالبية المطلقة التي يتمتع بها في البرلمان «نكسة كبيرة».

وعلى الجانب الآخر من الأراضي الفلسطينية، أولت «صحيفة فلسطين» الصادرة في غزة اهتمامًا كبيرًا بالانتخابات التركية، معتبرةً أن عدم حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المطلقة شكل «مفاجأة»، فيما أفردت نتائج وأرقام الانتخابات بشكل تفصيلي.

واعتبرت بعض الصحف العربية أن فوز العدالة والتنمية ما هو إلا انتصار الشيطان أو الدكتاتور في انتخابات غير نزيهة، فالصحافة السورية واللبنانية انتقدت وبشدة فوز حزب العدالة والتنمية، متهمة الحزب بتزوير الانتخابات لصالحه، وتحت عنوان «فوز الشيطان أين يذهب بمستقبل تركيا؟» قالت صحيفة «الثورة» السورية إن «آمال أردوغان كانت كبيرة في إعادة الانتخابات وتزويرها بما يسمح بمنحه صلاحيات رئاسية أوسع عن طريق تشكيل حكومة تجنبه الانتكاسة الماضية»، مضيفة أن أردوغان «وضع كل إمكاناته التزويرية لتمرير هذه الانتخابات لمصلحة حزبه والوصول إلى حلمه الإخواني ببناء سلطنة إخوانية تحول تركيا إلى دكتاتورية يقودها بمفرده ويشهد لذلك ما وصلت إليه سياسة البلاد من انحطاط وتورط الإخوان في فساد داخلي ودعم للإرهاب في الجارة السورية».

أما صحيفة «تشرين» لم تكن موضوعية بالمطلق، وادَّعت أن الانتخابات قد جرت وسط «حالة من عدم الاستقرار بسبب الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد وتغول حكومة حزب العدالة والتنمية في سياسة القمع، والمخاوف من تعرض أحزاب المعارضة التركية لهجمات إرهابية ينفذها أزلام رئيس النظام رجب أردوغان».

لم تختلف الصحافة اللبنانية عن نظيرتها السورية، ففي صحيفة «السفير» اللبنانية، كتب خليل حرب: «إن الأتراك قد منحوا أردوغان ما لم يكن يحلم به الآن، غالبية مريحة في صناديق الاقتراع ستتيح للرجل الذهاب بعيدًا في جموحه السياسي والانفراد مجددًا بحكومة لحزب العدالة والتنمية الذي لا شريك له، مضيفًا: «ليس نصرًا انتخابيًّا هذا. في السياسة هو أكثر من ذلك بكثير. وهو بالإضافة إلى أنه إنجاز كبير لأردوغان في مساره السياسي، إلا أنه أيضًا، وربما أكثر أهمية من ذلك، يفتح الباب أمام الأسئلة الكبرى أمام حزبه المتجدد شعبيًّا، وحكومته الإقصائية، والأهم ما سيحمله ذلك من أخطار، لا على مستوى الانقسامات الداخلية سياسيًّا وعرقيًّا وأيديولوجيًّا فحسب، بل على المستوى الإقليمي أيضًا».

الصحافة العبرية والفارسية

ثمَّة قواسم مشتركة بين الإعلام الصهيوني ونظيره الإيراني وبعض الصحف العربية كجريدة الشرق الأوسط ودار الحياة والصحافة السورية واللبنانية، إذ ركَّزت جميعها على «خسارة» العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة في البرلمان، واعتبر الإعلام الإيراني أن سياسة تركيا القائمة على التدخل في شؤون الدول المحيطة هي السبب الرئيسي في خسارة الحزب الحاكم لشعبيته. وهذا الموقف نابع بكل تأكيد من رفض إيران دعم المعارضة السورية بالعتاد والسلاح من جانب تركيا، في حين تقف إيران بكل قوة مع النظام السوري، بجانب الدعم المقدم من جانبها إلى مليشيات حزب الله التي تحارب أيضًا في صف بشار الأسد.

وعلى سبيل المثال قالت قناة «العالم» الإيرانية، إن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا تلقى نكسة كبيرة، وسط دعوات لانتخابات مبكرة، في وقت هبطت بورصة إسطنبول عند الافتتاح بينما تراجعت الليرة التركية مقابل الدولار واليورو غداة الانتخابات التشريعية. وأضافت: «بهذه الخسارة لم يعد قادرًا على التفرد بالحكم، فيما برزت دعوات لانتخابات مبكرة».

أما وكالة «فارس» الإيرانية، فقد اعتبرت أن حزب الشعوب الديمقراطي هو الفائز الأكبر في الانتخابات، بينما أردوغان ومن دون شك هو الخاسر الأكبر. وتضيف: «بعد أن حكم البلاد رئيسًا للوزراء على مدى 11 عامًا بقبضة من حديد يجد أردوغان نفسه بعد الانتخابات النيابية بعيدًا عن السلطة الحقيقية».

صحيفة «كيهان» هي الأخرى تناولت الانتخابات بأسلوب يفتقر إلى المهنية، إذ اعتبرت أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي حقق في الانتخابات البرلمانية التركية إنجازًا سمح له بدخول البرلمان للمرة الأولى، الأمر الذي يعني بالضرورة ضياع أحلام أردوغان السلطوية أدراج الرياح.

أما الإعلام العبري هو الآخر تابع سير العملية الانتخابية عن كثب بترقبٍ وحذرٍ خشية الوقوع في حرج كما الحال في الانتخابات الماضية (7 يونيو 2015م) حينما احتفل الإعلام الصهيوني تحت عنوان: «ذهب أردوغان.. أصبحنا الآن أقوى»، وأجمعت الصحافة العبرية حينها على عنوان واحد وهو «حزب العدالة والتنمية التركي يخسر أغلبيته البرلمانية»، فيما نقلت أخبار فوز العدالة والتنمية بنوع من الذهول والصدمة لأنها كانت تراهن على هزيمته في الانتخابات، وهو ما يعني أن تركيا ستغير سياستها الخارجية تجاه الكيان الصهيوني وسوريا والقضية الفلسطينية، في حين التزم ساسة دولة الاحتلال الصمت ولم يصدر عنهم أي موقف أثناء سير العملية الانتخابية.

وبهذا الصدد اعتبرت صحيفة «معاريف» اليمينية هي الأخرى، ما جرى في تركيا أنه «دراما»، وقالت: لأول مرة بعد 13 عامًا في الحكم، فإن الحزب الحاكم يخسر الأغلبية في البرلمان؛ ما يعني خريطة سياسية جديدة في تركيا، وسيكون من شبه المستحيل على الرئيس أن يمرر مشروع تغيير الدستور ليعطي صلاحيات أكبر له.

من جانبها، قالت صحيفة «إسرائيل هيوم» اليمينية المقربة من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بعد فرز الأصوات تبين أن حزب العدالة والتنمية فقد أغلبيته البرلمانية للمرة الأولى منذ عام 2002م، وأضافت أن النتائج تضع نهاية لطموحات أردوغان بتحويل تركيا إلى النظام الرئاسي.

أما موقع «واللا» العبري فقد قال: إن أردوغان سيشكل الحكومة منفردًا. فيما زعمت صحيفة هآرتس العبرية أن إخلالًا بالنظام الانتخابي وخروقات قد حدثت خلال العملية الانتخابية. أما صحيفة هآرتس من ناحيتها قالت: أردوغان في القمة. بينما كتبت يديعوت أحرنوت: أردوغان استطاع حصد أكثر من 50% بعد الفشل في الانتخابات السابقة، وأكملت: «المؤشرات تؤكد الأغلبية الساحقة لأردوغان». وعلَّق الباحث الصهيوني «افرايم عنبر» على النتائج التركية بالقول: «صعود أردوغان نسف البيئة الإقليمية والإستراتيجية لإسرائيل بشكل كارثي»، وأخيرًا قال المعلق الصهيوني «برئيل»: في عهد أردوغان غزة أصبحت تحاصر الاحتلال الصهيوني وليس العكس.

ويمكن القول من القراءة السابقة إنَّ ثمَّة انقسامًا واضحًا في مواقف الصحف ما بين مؤيد ومعارض كما هي سياسة الدول، حيث إن الصحافة العبرية برغم انتكاستها بسبب فوز العدالة والتنمية إلا أنها لم تخض كثيرًا في حيثيات وتفاصيل الانتخابات التركية على عكس الحال لدى الصحافة العربية، في حين التزم الساسة الصهاينة الصمت المشوب بالحذر، وذلك خوفًا من أن تكون النتائج مفاجئة جدًّا لهم، وهو ما قد ينعكس سلبًا على العلاقات التركية الصهيونية في مجالاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.

:: مجلة البيان العدد  343 ربـيـع الأول 1437هـ، ديسمبر  2015م.

أعلى