اللاجئون المسلمون في إفريقيا مطاردون داخلياً ومنبوذون خارجياً

اللاجئون المسلمون في إفريقيا مطاردون داخلياً ومنبوذون خارجياً

 وسط تحذيرات المنظمات الدولية بشأن وضعية اللاجئين في دول العالم، تتفاقم أوضاع اللاجئين المسلمين في إفريقيا بسبب استمرار الاقتتال الداخلي في بعض البلدان كما هو الحال في الصومال وإرتريا وإفريقيا الوسطى والكونغو ونيجيريا ومالي، فمن أصل حوالي 60 مليون نازح في العالم يوجد 11.4 مليون نازح في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ففي آخر تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الصادر في يونيو الماضي، أظهر أن النزوح العالمي الناتج عن الحروب والصراعات والاضطهاد قد سجل أعلى مستوياته، وهو مستمر في الارتفاع بوتيرة متسارعة، وأظهر تقرير المفوضية أن عدد اللاجئين والنازحين داخليًّا ارتفع في إفريقيا بنحو 17 بالمائة مقارنة بالسنوات الأخيرة.

وما بين العام الماضي والحالي اندلعت صراعات مسلحة واشتعل فتيل الحروب في سبع دول إفريقية هي: كوتالهرب نحو الخطر:

يصدق هذا الوصف على اللاجئين الصوماليين الذين يفرون من جحيم الحرب في بلادهم إلى أخطار تنتظرهم في بلدان أخرى، ويتصدر الصوماليون اللاجئين الأفارقة جنوب الصحراء بأكثر من مليون لاجئ نصفهم في كينيا فقط، حيث يوجد أحد أكبر مخيمات اللجوء في العالم وهو مخيم «داداب» الذي يأوي زهاء 500 ألف مواطن صومالي بحسب إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وإلى جانب كينيا يتوزع اللاجئون الصوماليون في زامبيا التي منحت لهم أدوات لإنتاج غذائهم بأنفسهم، وقدمت لهم مساعدات في الحفاظ على المخزون المحلي، بحسب ما أكده الناشط السياسي الصومالي بكينيا «فرح معلم» في حوار مع «شبكة الأنباء الإنسانية».

وفي إثيوبيا يعيش بإقليم أوجادين الذي تقطنه الأغلبية المسلمة من اللاجئين الصوماليين أوضاعًا إنسانية صعبة في ظل تخاذل مخزٍ من جانب المنظمات الإنسانية الأجنبية والمحلية، وبحسب دراسة أعدتها مجلة قراءات المتخصصة في شؤون القارة السمراء فإن هذا الإقليم يقطنه مليونان من اللاجئين الهاربين من الصراعات المهلكة في أفغانستان والعراق والصومال، بالإضافة إلى الإرتريين الهاربين من القمع الوحشي الذي تمارسه حكومة إرتريا في حقهم، لكنه مع ذلك لا يوجد فيه دور ملموس لمنظمات الإغاثة الإنسانية الأجنبية وحتى المحلية، حتى بات هذا الإقليم مثل «السجين» الذي يئن خلف قضبان الحكومة الإثيوبية.

ولا تختلف معاناة اللاجئين الصوماليين مع التشرد والانتهاكات الحقوقية في مخيم داداب بكينيا عن نظرائهم في إقليم أوجادين بإثيوبيا، بسبب سياسة هذه الأخيرة إزاء الإقليم التي تتنافى مع أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، والذي ينص على أن التحريض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على إبادة مجموعة بعينها يعد تطهيرًا عرقيًّا، ويشير المصدر نفسه إلى أن إقليم أوجادين الذي كان يتلقى بعض المساعدات من صندوق الإغاثة التابع للولايات المتحدة الأمريكية، واليونيسيف، والمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، لا يشهد اليوم جهودًا ملموسة لمواجهة الجوع والقحط الذي يعيشه سكان الإقليم.

الاغتصاب ووصمة العار يلاحقان أزمة لاجئي إفريقيا الوسطى

بعد الانقلاب العسكري على تحالف «سيليكا» ذي الأغلبية المسلمة بدعم من القوات العسكرية الفرنسية، فر مسلمو هذا البلد الإفريقي الغني، الذين يشكلون ما بين 17 إلى 20 في المائة من مجموع السكان إلى دولة تشاد الإسلامية، هربًا من مجازر المتمردين المرتزقة من أنصار الرئيس الأسبق المسيحي «فرانسوا بوزيزيه». وأرجع الصحافي والباحث التشادي، أحمد بشير علي، في تصريح لمجلة البيان، عوامل لجوء مسلمي إفريقيا الوسطى إلى تشاد دون غيرها من الدول، إلى كون هذه الأخيرة جارة لإفريقيا الوسطي وبينهما منطقة حدودية تسهل عملية الانتقال والعبور، وثانيًا تدخل حكومة تشاد في قضية إفريقيا الوسطى حتى صارت طرفًا في النزاع بغية فرض قرارها في القضية، كذلك التداخل العرقي واللغوي بين القبائل الإفريقية في البلدين، بالإضافة إلى أن إفريقيا الوسطي تعتمد في الجانب الاقتصادي بنسبة 90% على التجار التشاديين.

واعتبر أحمد بشير علي، أن الانتهاكات التي يمارسها المسيحيون وتحويل القضية السياسية إلي قضية دينية وعدم وجود دولة مسلمة قريبة منهم ما عدا تشاد يعد عاملًا مهمًا جعل أغلبية مسلمي إفريقيا الوسطى يفضلون الفرار إلى تشاد، زد على ذلك موقف الدول الأوربية وخاصة فرنسا التي وقفت متفرجة أمام حملات إبادة وتصفية المسلمين، في مقابل صمت الدول العربية والإسلامية عن هذه القضية، ما دفع أكثر من 400 ألف مسلم من إفريقيا الوسطى للبحث عن ملاذ آمن يلتجئون إليه، وأكد المتحدث أن الدولة التشادية تحسب لقضية اللاجئين حسابًا حيث تعمل على توفير الإيواء لهم والسكن والطعام لكسب القضية لصالحها لا أكثر.

كما أن تشاد تعد الدولة الوحيدة من بين أربع دول لجأ لها مسلمو إفريقيا الوسطى وهي الكاميرون وكونغو الديمقراطية وبرازافيل، التي وقعت اتفاقًا مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحكومة إفريقيا الوسطى للسماح للاجئين باتخاذ الإجراءات التنفيذية لتسهيل مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها البلاد في أكتوبر الجاري بهدف الخروج من الأزمة، وقد شرعت في عملية تسجيل الناخبين، لكن وفي مقابل ذلك يواجه اللاجئون المسلمون في الكاميرون وصمة العار والاستغلال ولا يتلقون الدعم، فيما يتعرض الأطفال والقاصرون للاستغلال الجنسي، وفق ما جاء في تقرير لشبكة الأنباء الإنسانية حول أزمة لاجئي إفريقيا الوسطى في الكاميرون، وقد كانت قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في إفريقيا الوسطى (مينوسكا) قد عزلت قائدها «باباكار جاي» من منصبه في أغسطس الماضي للسبب ذاته بعد أن وجهت لجنود قوة الأمم المتحدة تهمة ارتكاب انتهاكات جنسية في حق النازحين داخل هذا البلد المنكوب.

القمع والتعذيب معضلة إثيوبيا:

جاء في تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في إرتريا، أن خمسة آلاف شخص يفرون من إرتريا كل شهر، وبينما صرح السفير الإرتري في جنيف «تسفاميكايل جيراهتو» لوكالة رويترز الأمريكية أن عصابات تهريب البشر هي التي تدفع الناس للرحيل عن البلد، يقول المهاجرون إنهم يفرون من الاضطهاد بسبب التجنيد القسري في الجيش لفترات مفتوحة إلى جانب تعرضهم لانتهاكات حقوق الإنسان.

ويشكل المسلمون في هذا البلد المنفصل عن إثيوبيا عام 1974م، والذي تربطه علاقة وثيقة بـ«الكيان الصهيوني»، نحو 36 بالمائة من مجموع السكان الذين يبلغ عددهم نحو 6 ملايين نسمة، وتشير تقارير لجان تحقيق تابعة للأمم المتحدة أن السلطات الإرترية تخلق مجتمعًا عسكريًّا يتعرض فيه المواطنون للقمع والعمل القسري والاعتقالات الجماعية والعبودية الجنسية والعمل بالسخرة والتعذيب، ولا يستثنى من ذلك النساء والمسنون والشباب والأطفال، وأن إمكانيات الدولة مسخرة لقومية واحدة من القوميات التسعة المشكلة للتوزيع الإثنوغرافي للبلاد، وأن حرية التعبد ممنوعة على كل هذه الطوائف باستثناء المسيحيين الأرثوذكسيين.

ويتجه الإرتريون الهاربون من الاضطهاد في بلادهم إلى السودان واليمن، حيث تشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة إلى وجود أكثر من 100 ألف لاجئ إرتري في شمال السودان، كما لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن أعداد اللاجئين في مخيم خوخة الذي يقع بمحافظة الحديدة اليمنية، وبحسب تقارير صحافية فإن أعدادهم تقدر بالمئات، ووصف الأستاذ سلطان عمر، المدير التنفيذي لمنظمة إيثار للإغاثة خلال استضافته قبل عام ونصف العام في «قناة الحوار»، الوضع في مخيم الخوخة بـ«المؤلم جدًّا»، إذ لا يتوفر المخيم الذي أنشئ عام 1977م سوى على مدرسة واحدة، فيما لا يحظى بأية رعاية من طرف المفوضية الأممية المكلفة باللاجئين، ولا تقدم لهم المنظمات الأجنبية أي دعم، وأشار سلطان عمر إلى أن اللاجئين الإرتريين في اليمن لا يجدون ما يسدون به رمقهم.

وبخلاف اليمن فإن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تجد لها حضورًا في المخيمات الـ12 المنتشرة بالسودان على الجانب الحدودي مع إرتريا، وبرغم هذه الامتيازات فإن اللاجئين الإرتريين يعتبرون السودان بلد العبور إلى أوربا، فيما اتخذ الذين وصلوا في عام 1968م هربًا من حرب الاستقلال الإرترية (من 1961م إلى 1991م) من السودان مكانًا لبدء حياة جديدة ونجح بعضهم في الحصول على وثائق سودانية، ويتعايش اليوم ما يقرب من 40 ألف لاجئ مع المجتمع المحلي حيث ينتمون إلى المجموعة العرقية نفسها من قبائل الرشايدة والبجة على كلا الجانبين من الحدود، لكن على العموم فإن اللاجئين ونظرًا لصعوبة الحياة بالمخيمات يظلون أرقامًا سهلة في أيدي تجار الهجرة غير الشرعية الذين يقدمون لهم وعودًا مغرية لركوب قوارب الموت طمعًا في العبور إلى أوربا.

أما في مالي، فبرغم توقيع اتفاق السلام في يونيو الماضي، إلا أن القتال الدائر في شمال البلاد يهدد على نحو متزايد سبل عيش الملايين، ويؤثر على كل شيء بدءًا من الوصول إلى الغذاء والماء والتعليم وحتى الرعي، وأدى اندلاع الصراع في البلاد عام 2012م إلى نزوح أكثر من 130 ألف مواطن مالي إلى حدود الدول المجاورة.

وبحسب الصحافي والباحث التشادي «علي بشر آدم» فإن أوضاع اللاجئين في المخيمات اللجوء تمر بثلاث مراحل: الأولى مرحلة الإيواء الكامل من الدولة المستضيفة، عبر تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية بحسب إمكاناتها، ثم المرحلة الثانية حيث تتناسى الحكومة قضية اللاجئين لطول مدة الإقامة ومشكلات السيولة المالية بصورة عامة، وهو ما يفتح الباب أمام المنظمات الدولية والمحلية في المرحلة الثالثة لأخذ دور الدولة في رعاية اللاجئين.

وسجّل المتحدث ضعف حضور المنظمات الإغاثية الإسلامية في مخيمات اللاجئين بإفريقيا، حيث أصبح حضورها يتمثل في تقديم معونات موسمية كموسم رمضان المبارك وعيدي الفطر والأضحى، وبخصوص سياسة المنظمات الإغاثية الدولية في المنطقة، قال علي إنها تتسم في كثير من الأحيان بسياسة «جوع كلبك يتبعك»، مشيرًا إلى أن المنظمات الدولية لا تقدم ما يكفي من المعونات وإنما تعطيهم ما يكفي شطر النهار لكي يحتاجوا إليهم في  الشطر الثاني.

:: مجلة البيان العدد  341 مـحـرّم  1437هـ، أكتوبر - نوفمبر  2015م.

 

أعلى