• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
السوريون الفارون من مؤمرات الغرب إلى "أحضانه"

السوريون الفارون من مؤمرات الغرب إلى "أحضانه"

قصص معاناة المهاجرين السوريين لا تنتهي عند اجتياز البحر للعيش في الدول الأوربية، بل تدخل فصلًا جديدًا من المأساة بسبب المطاردات التي تغلفها العنصرية الدينية، أو حفاوة الاستقبال التي تخفي وراءها ضميرًا زائفًا استيقظ فجأة تحت ذريعة الدوافع «الإنسانية».

وبرغم إعلان دول الاتحاد الأوربي منذ نحو شهر عن استضافة اللاجئين السوريين، وما تبعه من حملات إشادة من جانب الشعوب الإسلامية والعربية، إلا أن هذا الموقف الغربي المفاجئ يبدو مدفوعًا بقرارات سياسية للتأثير على الصراع في الأراضي السورية، وقد يكون له تداعياته على صعيد فرص اندماج اللاجئين السوريين في البلدان الأوربية، لاسيما في ظل تعالي أصوات اليمين هناك.

فتح أبواب أوربا أمام اللاجئين السوريين ثم إغلاقها يثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة بعد أن أخفقت دول الاتحاد الأوربي في منتصف سبتمبر 2015م في التوصل إلى اتفاق على خطة أعلنت عنها لتوزيع ملزم لنحو 120 ألف لاجئ على دول الاتحاد، كما فرضت أيضًا العديد من الدول الأوربية إجراءات على حدودها، لاسيما من جانب ألمانيا التي أعادت العمل بإجراءات مراقبة الحدود، وشركة القطارات النمساوية الحكومية التي أعلنت عن وقف جزئي للقطارات المتجهة إلى بلدان الاتحاد الأوربي.

حملة عنصرية دينية تغلق باب «أوربا المسيحية»:

تأتي التحركات الأوربية المعاكسة لتؤكد أن هناك تيارًا عنصريًّا يستحوذ على القرار الأوربي، وأن صحوة ضمير قادة الغرب لم تكن بدوافع إنسانية، في ظل الحديث صراحة على لسان القادة الأوربيين عن مخاوف من أن تمثل استضافة المهاجرين السوريين تهديدًا لأوربا المسيحية.

يستدعي الموقف الغربي وقفة أخرى بشأن طريقة معاملة اللاجئين السوريين من منطلق أنهم مسلمون يهددون هوية وثقافة أوربا المسيحية، حيث تتعاطى دولة المجر مع اللاجئين بمعاملة تتسم بالكراهية والمنع، وتصل في أحيان كثيرة إلى سحل آلاف من اللاجئين والمهاجرين واعتقالهم، إلى جانب التصريحات العنصرية التي خرجت مؤخرًا على لسان رئيس وزراء المجر «فيكتور أوربان» التي تتسم بالتحريض الديني ضد المهاجرين الذين اعتبرهم خطرًا على مسيحية أوربا.

رئيس وزراء المجر قال صراحة: «في حال لم يتم اتخاذ إجراءات حازمة لإيقاف تدفقهم سنجد أنفسنا فجأة أقلية في قارتنا.. أوربا والثقافة الأوربية لها جذور مسيحية.. أليس الموضوع برمته مثيرًا للقلق لأن الثقافة الأوربية المسيحية بالكاد قادرة على الحفاظ على القيم المسيحية لأوربا».

لم تتوقف حدة هذه العنصرية المغلفة بالدفاع عن مسيحية أوربا عند هذا الحد، بل تحدث رئيس الوزراء المجري عن أن بلاده بدأت تشييد سياج من الأسلاك الشائكة على حدودها مع كرواتيا لمنع تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط والساعين لدخول الاتحاد الأوربي، كما أعلنت بلدان أوربية أخرى، منها سلوفاكيا، عن استقبالها بطريقة «انتقائية» للمهاجرين المسيحيين فقط «بسبب الفوارق الثقافية» مع المسلمين، بحسب تعبير الرئيس السلوفاكي «ميلوس زيمن».

التنصير .. بوابة اللجوء:

لا يبدو الحال أفضل مع اللاجئين السوريين في البلدان الأقل عنصرية، حيث تصدر «التنصير» عنوان تقرير أعدته مؤخرًا وكالة «أسوشيتد برس» يتحدث عن عمليات تنصير واسعة تتم للاجئين المسلمين في ألمانيا، لافتًا إلى أن اللاجئين السوريين بدؤوا يدخلون على خط التنصير.

يشير التقرير إلى أن التحول إلى المسيحية يؤثر بشكل كبير على فرص اللاجئين في الفوز بحق اللجوء بزعم أنهم سيتعرضون للاضطهاد الديني إذا أعيدوا إلى بلادهم، موضحًا أن عشرات المسلمين يتحولون للمسيحية في كنيسة ألمانية، وأن مئات اللاجئين المسلمين وأغلبهم أفغان وإيرانيون تحولوا إلى الديانة المسيحية في كنيسة ترنتي المعمدانية في إحدى ضواحي برلين.

كما نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية في عددها الصادر منتصف سبتمبر 2015م تحقيقًا من مدينة هانوفر الألمانية نقلت فيه عن رجال كنيسة وباحثين تأكيدهم أن وتيرة الدخول في المسيحية زادت في السنوات الأخيرة، لافتة إلى أنه في حين يتذرع بعض اللاجئين المسلمين بأسباب روحية تدفعهم لاعتناق المسيحية، فإن ما وراء ذلك هو أنهم يخشون من الترحيل حيث يعتقدون أنهم إذا لم يقدموا على تلك الخطوة سيتم ترحيلهم من البلاد.

ونوهت الصحيفة إلى قيام قس يدعى «هانز يورغن» بإعطاء دورات مكثفة في مكان بجوار إحدى الكنائس للراغبين من اللاجئين المسلمين في اعتناق المسيحية.

دوافع سياسية وراء اليقظة المفاجئة إزاء أزمة اللاجئين:

على الصعيد السياسي، تثير المتغيرات المتسارعة على الأراضي السورية أسئلة كثيرة عن توقيت التوظيف السياسي الغربي لقضية اللاجئين السوريين، حيث يؤكد واقع الثورة السورية وما صاحبها من معاناة للشعب هناك وجود رغبة أوربية لإبقاء الصراع المشتعل منذ أكثر من أربعة أعوام ونصف العام، وهي الفترة التي قضى خلالها الشعب السوري أقصى درجات المعاناة والظروف المعيشية الصعبة تحت وطأة التفجيرات والإرهاب الذي يمارسه النظام السوري لقمع الثورة السورية.

نجاح آلاف اللاجئين في الوصول إلى شواطئ تلك البلدان الأوربية وسماح حكومات تلك الدول لهم بالعيش على أراضيها في هذا التوقيت يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول الدافع وراء هذه الصحوة الأوربية التي تعكس تحولًا سياسيًّا، وعما إذا كان موقف قادة الغرب يندرج في إطار لعبة توازن تتزامن مع التطورات السياسية المتلاحقة على الأرض.

هنا يبرز السؤال: لماذا أيقظت صورة الطفل «إيلان» الغارق على السواحل التركية ضمير قادة دول الغرب الآن برغم وجود صور وفيديوهات أكثر إثارة للمشاعر خلال الأعوام الأربعة الماضية، ما بين جثث لأطفال متفحمين، ومتسممين جراء الأسلحة الكيماوية التي يستخدمها نظام بشار الأسد؟

القرار المفاجئ باستضافة هؤلاء اللاجئين كما يحمل صورة إنسانية واستجابة لرغبة شعوب البلدان الأوربية المتحضرة مثل ألمانيا، يحمل أيضًا تمهيدًا لتقبل دور جديد للغرب ضمن مسار الأحداث المتلاحقة في سوريا، وذلك بعدما نجحت قوات المعارضة في السيطرة على معظم الأراضي السورية، وفي ظل المخاوف الغربية من انهيار نظام بشار وخروج بديل يهدد أمن الكيان الصهيوني.

استضافة اللاجئين تتزامن مع صمت الغرب على الدعم العسكري الروسي للأسد:

يبدو هنا موقف الغرب من استضافة اللاجئين ذريعة أمام شعوبه لتبرير تحركاته المستقبلية إزاء الأزمة السورية، والتي ستنكشف خلال الفترة المقبلة، سواء فيما يتعلق بمصير نظام بشار الأسد أو خطط تقسيم سوريا، أو حتى التدخل لمواجهة داعش، لاسيما بعد أن دعا وزير الخارجية الإسباني «خوسيه جارسيا» إلى ضرورة التفاوض مع بشار الأسد.

كما تظهر علامات استفهام كثيرة حول طبيعة الدور الأوربي بعد إقامة روسيا قاعدة عسكرية مؤخرًا في سوريا وإرسالها قوات لدعم بشار الأسد هناك بزعم مواجهة داعش، وسط تصريحات تتسم بالميوعة من جانب قادة الغرب الذين وقّعوا في يوليو الماضي اتفاقًا مع حليفته إيران لرفع الحظر عنها.

تنكشف هنا أيضًا نوايا الغرب بعيدًا عن الجوانب الإنسانية في استضافة اللاجئين، وذلك في ظل المقارنة بين تحركهم السريع للتخلص من نظام معمر القذافي في ليبيا خلال شهرين فقط لحماية إمدادات النفط، وعقد تحالفات مع القوى الداعمة لبشار وإطالة أمد بقائه في الحكم لأكثر من أربعة أعوام ونصف العام.

تظهر أيضًا تحركات الغرب إزاء الملف السوري في اتجاه يتسق مع الرغبة الروسية في الحرب على داعش بدلًا من بشار، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود جهودًا مع البلدان الأوربية في اتجاه تحويل دفة الصراع بعيدًا عن جذوره، لاسيما بعد إعلان البنتاجون عن محادثات بين وزيري الدفاع الروسي والأمريكي حول الوضع في سوريا، أعقبها تصريح لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال زيارته للندن، أعلن فيه أن بلاده تأمل إجراء مفاوضات «قريبًا جدًّا» على مستوى عسكري مع روسيا حول النزاع في سوريا.

كل هذه التحركات تنذر بحلول عسكرية تزيد من معاناة الشعب السوري، وتهدد بتفاقم أزمة اللاجئين، لكنها في الوقت نفسه ستكشف عن الأسباب التي دفعت قادة الغرب لهذا «الاستعراض الإنساني» المفاجئ أمام شعوبهم حيال اللاجئين السوريين، قبل أن تغلق أبوابها من جديد في وجوههم على طريقة قادة العرب.

:: مجلة البيان العدد  341 مـحـرّم  1437هـ، أكتوبر - نوفمبر  2015م.

أعلى