• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الدخول الشكلي في الحكومات

الدخول الشكلي في الحكومات

 

«الدخول الشكلي في الحكومات» مصطلح أطلقه صنم الدولة الخمينية المعاصرة، وهو يعني في لغة السياسة: الجاسوسية والعمالة لحكومة الولي الفقيه؛ ذلك أن من أبجديات النحلة الصفوية تحريم الدخول تحت راية أي حكومة لا تخضع للولي الفقيه، لأن هذه الحكومات كلها في مقاييسهم حكومات ظالمة جائرة وغير شرعية مهما كان صلاحها وعدلها، فلا يجوز الدخول فيها والانضمام إليها إلا في حالة واحدة، يسمونها: «الدخول الشكلي»، وقد جاء هذا النص في إحدى الوصايا الخمينية التي قدمها لبني نحلته من الخلايا المتسللة داخل بلاد المسلمين والموالية للولي الفقيه، حيث يوصيهم بالدخول في الحكومات شكلًا لا حقيقة، بمعنى أن يكون الغرض من الدخول والمشاركة في الحكومة هو السعي في نصرة نحلة الولي الفقيه، والعمل على الإضرار بمصالح تلك الدول والحكومات.

يقول الخميني: «إذا كانت ظروف التقية تلزم أحدًا منا بالدخول في ركب السلاطين، فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله، إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام وللمسلمين، مثل دخول علي بن يقطين، ونصير الدين الطوسي رحمهما اللَّه»[1]. ويقول أيضًا: «طبيعي أن يسمح الإسلام بالدخول في أجهزة الجائرين إذا كان الهدف الحقيقي هو الحد من المظالم، أو إحداث انقلاب على القائمين بالأمر»[2].

والدخول الشكلي الذي يوصي به خميني ويجعله قدوة لعملائه، ويضرب به المثل الذي يحتذى به هو الخديعة الكبرى التي تولى كبرها وتطبيقها قديمًا ابن العلقمي والنصير الطوسي، وبها خدع الخليفة، وبسببها حدثت النكبة العظمى التي انتهت بمقتل الخليفة العباسي، وسقوط الخلافة الإسلامية في بغداد، ومقتل مئات الآلاف من المسلمين.

وملخص الحادثة أن ابن العلقمي كان وزيرًا للخليفة العباسي المستعصم، وكان الخليفة على مذهب أهل السنة، كما كان أبوه وجده، ولكن كان فيه لين وعدم تيقظ، فكان هذا الوزير الرافضي يخطط للقضاء على دولة الخلافة، وإبادة أهل السنة، وإقامة دولة على مذهبه، فاستغل منصبه، وغفلة الخليفة لتنفيذ مؤامراته ضد دولة الخلافة، وكانت خيوط مؤامراته تتمثل في ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: إضعاف الجيش، ومضايقة الناس، حيث سعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين، قال ابن كثير: «كان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش، وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبًا من مائة ألف مقاتل.. فلم يزل يجتهد في تقليلهم، إلى أن لم يبقَ سوى عشرة آلاف»[3].

المرحلة الثانية: مكاتبة التتار: يقول ابن كثير: «ثم كاتب التتار، وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال»[4].

المرحلة الثالثة: النهي عن قتال التتار وتثبيط الخليفة والناس، فقد نهى العامة عن قتالهم[5] وأوهم الخليفة وحاشيته أن ملك التتار يريد مصالحتهم، وأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم، ونصفه للخليفة، فخرج الخليفة إليه في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والأمراء والأعيان.. فتم بهذه الحيلة قتل الخليفة ومن معه من قواد الأمة وطلائعها بدون أي جهد من التتر. وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو ألا يصالح الخليفة، وقال الوزير ابن العلقمي: متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عامًا أو عامين، ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وحسنوا له قتل الخليفة، ويقال: إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي، ونصير الدين الطوسي[6].

ثم مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن التجأ إليهم، وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي[7].

وقد قتلوا من المسلمين ما يقال: إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان أو أكثر أو أقل، ولم ير في الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر، وقتلوا الهاشميين، وسبوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين[8].

وقتلوا الخطباء والأئمة، وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد[9].

وكان هدف ابن العلقمي «أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضية، وأن يعطل المساجد والمدارس، وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون بها مذهبهم فلم يقدره الله على ذلك، بل أزال نعمته عنه وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة، وأتبعه بولده»[10].

فتأمل هذه الحادثة الكبرى والخيانة العظمى، واعتبر بجهل بعض أهل السنة إلى حد الغفلة بتقريب أعدى أعدائهم، وعظيم حقد هؤلاء الروافض وغلهم على أهل السنة، فهذا الرافضي كان وزيرًا للمستعصم أربع عشرة سنة، وقد حصل له من التعظيم والوجاهة ما لم يحصل لغيره من الوزراء، فلم يجدِ هذا التسامح والتقدير في إزالة الحقد والغل الذي يحمله لأهل السنة.

ومع عظم هذه الكارثة الكبرى فقد أشاد الخميني بها، وعدها من الإنجازات الإسلامية، وتحسر على فقد من تولى كبرها نصير الكفر النصير الطوسي، فقال: «... ويشعر الناس (يعني شيعته) بالخسارة بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأضرابه ممن قدم خدمات جليلة للإسلام»[11].

والخدمات الجليلة هي إسقاط الخلافة الإسلامية، وقتل المسلمين بكافة أطيافهم من السنة والشيعة، ومن آل البيت وغيرهم، حتى قتلوا الهاشميين وسبوا نساءهم، وهم يدعون التشيع لهم ومناصرتهم في الظاهر، «فهل يكون مواليًا لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم وعلى سائر المسلمين؟!»[12].

وقد كشف شيخ الدولة الصفوية (الخوانساري) حقيقة هذه الخدمات المنشودة التي يسعون لتحقيقها في عواصم الدول الإسلامية اليوم، فقال في ترجمة النصير الطوسي: «ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم.. هولاكو خان.. ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد وإصلاح البلاد بإبادة ملك بني العباس، وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغام، إلى أن أسال من دمائهم الأقذار كأمثال الأنهار، فانهار بها في ماء دجلة، ومنها إلى نار جهنم دار البوار»[13].

فهؤلاء الصفويون يعدون تدبير هذا المتآمر المدعو نصير الدين الطوسي لإيقاع القتل العام بالمسلمين من أعظم مناقبه، وهذا القتل هو الطريق عندهم لإرشاد العباد وإصلاح البلاد، ويرون مصير المسلمين الذي استشهدوا في هذه الكارثة إلى النار، ومعنى هذا أن هولاكو الوثني - الذي يصفه بالمؤيد! - وجنده هم عندهم من أصحاب الجنة، لأنهم شفوا غيظ هؤلاء الروافض من المسلمين، فانظر إلى عظيم حقدهم وشدة مكرهم! حتى صار قتل المسلمين من أغلى أمانيهم، وصار الكفار عندهم أقرب إليهم من أمة الإسلام.

أما الشخص الآخر الذي يشيد الخميني بخدماته، ويثني على أعماله الجليلة، ويوجه خلاياه إلى الاقتداء به والسير على نهجه، فهو المدعو علي بن يقطين الذي دخل في حكومة هارون الرشيد، وبلغ من تقدير الخليفة العباسي له أن قربه إليه وعينه وزيرًا له، بل جعله وزيرًا لما يسمى في عصرنا وزارة الداخلية، فصار هو المسؤول الأول عن السجون، فتمكن بخيانته في ليلة واحدة من قتل خمسمائة مسلم، وذلك بحيلة خفية ماكرة يصعب اكتشافها، ولاسيما في ذلك الوقت. ولذا لم أقف على أحد أشار إليها من مؤرخي أهل السنة، وإنما استقل بنقل خبر هذه الجريمة الكبرى والافتخار بها الرافضة الصفوية، وكان خبرها - فيما يظهر - موضع التداول السري بينهم، ولم يفصحوا عنها إلا بعد قيام دولتهم الصفوية فقالوا على لسان شيخهم نعمة الله الجزائري (نسبة إلى موضع في العراق) الذي نقل خبر هذه الجريمة المروعة فرحًا بها ومفتخرًا بحصولها. ونترك له الحديث ليقدم لنا هذا الإقرار الخطير حيث يقول: «إن عليّ بن يقطين وهو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين، فأمر غلمانه وهدموا أسقف المحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريبًا، فأراد الخلاص من تبعات دمائهم، فأرسل إلى الإمام مولانا الكاظم (عليه السلام) فكتب إليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت إليّ قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم، وحيث إنك لم تتقدم إليّ فكفر عن كل رجل قتلت منهم بتيس، والتيس[14] خير منه»[15].

فأنت ترى أن إمامه أو المسؤول السري عن خليته يقره على قتل خمسمائة مسلم لمجرد أنهم ليسوا على مذهبه، ويأمره بالتكفير بتيس؛ لأنه لم يستأذنه قبل ذلك، فالرافضي الصفوي إذا استأذن إمامه أو نائبه وهو الولي الفقيه فليقتل كما يشاء، وإن لم يستأذن فالأمر لا يعدو ذبح تيس.

ونحن نبرئ موسى الكاظم وآل البيت من الوقوع في الدم الحرام واستحلال الدماء المعصومة، لكنه افتراء الباطنية، وهذا ما اعترفوا به، ولذلك جاء في مصادرهم أن مصدر هذه الافتراءات على موسى الكاظم هو المدعو هشام بن الحكم، ولذلك قالوا: إنه اشترك في دم موسى، بمعنى أنه شارك في قتله على حد زعمهم، وإلا فإنه لم يقتل - رحمه الله -، وقد أشاع هشام ابن الحكم أن ما يقول به في الإمامة إنما هو عن أمر موسى الكاظم، فأساء إليه أبلغ الإساءة حتى سجنه المهدي العباسي ثم أخرجه «وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه، ولا على أحد من أولاده، فقال: والله ما هذا من شأني ولا حدثت فيه نفسي»[16].

وصاحب هذه الجريمة النكراء المدعو علي بن يقطين قد طالته يد العدالة، وتم اكتشاف حقيقته ومعرفة أمره، ولذا ذكر الطبري أنه قتل على الزندقة[17].

فانظر كيف يعيش هؤلاء الزنادقة الصفويون وسط المسلمين وهم يتحينون أدنى فرصة للكيد لهم ولحكامهم وحكوماتهم وشعوبهم! وهذه اعترافاتهم تشهد عليهم وآثارهم السوداء تفضحهم.

وقد علق هذا الصفوي المدعو بالجزائري على دية التيس بقوله: «فانظر إلى هذه الدية الجزيلة التي لا تعادل دية أخيهم الأصغر وهو كلب الصيد، فإن ديته عشرون درهمًا، ولا دية أخيهم الأكبر وهو اليهودي أو المجوسي، فإنها ثمانمأة [كذا] درهم، وحالهم في الآخرة أخس وأنجس»[18].

وهذا قول من الشناعة بمكان، ولا يحتاج إلى تعليق فهو ينطق بنفسه على حقدهم على أهل الإسلام، وأنهم أكفر عندهم من المجوس.

ولم يعد الأمر اليوم بحاجة إلى استئذان بعد صدور فتاوى التكفير والقتل لكل مخالف من قِبَل عمائم الصفويين في قم ومن يدور في فلكهم من أصحاب ولاية الفقيه - سود القلوب والعمائم -، ومن خلال هذه الفتاوى الدموية وفي جو المآتم المكرورة، وحكايات الصراع المكذوبة يملؤون قلوبهم حقدًا؛ ليتحول من ينشأ في هذه البيئة إلى سادي متوحش لا يرقب في مخالفه إلًّا ولا ذمة.

وما نراه اليوم في عراقنا وشامنا ويمننا هو من ثمار «الدخول الشكلي في الحكومات» الذي توصي به الخمينية الصفوية حتى استأثروا بالسلطة وسلطوا سيوفهم على الأمة.

 

:: مجلة البيان العدد  338 شوال  1436هـ، يوليو  - أغسطس  2015م.


[1] الحكومة الإسلامية: ص142.

[2] الحكومة الإسلامية: ص146.

[3] البداية والنهاية: 13/202.

[4] البداية والنهاية: 13/202.

[5] منهاج السنة: 3/38.

[6] كان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت، وانتزعها من أيدي الإسماعيلية (ابن كثير/ البداية والنهاية 13/201).

[7] البداية والنهاية: 13/201-202.

[8] منهاج السنة: 3/38.

[9] البداية والنهاية: 13/203.

[10] البداية والنهاية: 13/202-203.

[11] الحكومة الإسلامية: ص128.

[12] منهاج السنة النبوية: 5/155.

[13] روضات الجنات: 6/300-301، وانظر أيضًا في ثناء الروافض على النصير الطوسي: مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي: 3/483، الكنى والألقاب للقمي: 1/356.

[14] التيس: من المعز.

[15] الأنوار النعمانية: 2/308.

[16] البداية والنهاية: 10/183.

[17] انظر: تاريخ الطبري: 8/190.

[18] الأنوار النعمانية: 2/308.

أعلى