الحوثيون رأس حربة الانفصال

الحوثيون رأس حربة الانفصال

هل يقرر جنوب اليمن مصيره، بعد سقوط الشمال بيد الحوثيين؟!

 تعيش اليمن في الفترة الحالية مرحلة تحول كبير وحراك سياسي غير مسبوق أفرز تغيرات سياسية متلاحقة، في أعقاب سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين في 21 من أيلول/ سبتمبر الماضي.

وباتت فرص انفصال جنوب اليمن أوفر بعد التمدد المسلح لجماعة الحوثي الشيعية في مناطق الشمال، في ظل عملية سياسية هشة مهددة بالانهيار في أية لحظة، يقابله تدهور غير مسبوق في أجهزة الدولة المختلفة.

وتداعت المواقف السياسية في جنوب اليمن، إزاء هذا المعطى في الشمال، لتدفع بقطاع عريض من الجنوبيين إلى الخروج للشارع، ولكن هذه المرة بصورة مغايرة، للمطالبة بإنهاء الوحدة مع الشمال، حيث أقاموا مخيمات اعتصام في مدينة عدن، لأول مرة منذ بدء الاحتجاجات في الجنوب.

ويمكن القول إن هذا الحراك الشعبي يكشف عن مشهد جنوبي تتغير ملامحه وتتفاوت متغيراته، وإن كان يؤكد على أن اليمن يدخل تدريجياً في عملية تحول تاريخي عميق من شأنها إحداث تغيير في المكونات الأساسية للمشهد السياسي العام، والذي بدأ يتشكل بناءً على مخرجات الظرف الراهن بالبلاد.

وأدت المتغيرات التي شهدتها صنعاء إلى تغيرات عميقة في تصور النخب الجنوبية لتلك الأحداث، أو علاقاتها فيما بينها، وكذلك على مستوى ارتباطاتها مع مركزية صنعاء الحزبية، فقد أعلن قادة من العيار الثقيل في حزب الإصلاح بجنوب البلاد الوقوف مع مطالب الشارع الجنوبي بالانفصال، ومثّل هذا تغيراً كبيراً عززه حديث القيادي الجنوبي في حزب الإصلاح محسن باصرة أن «البرنامج السياسي للإصلاح في القضايا المصيرية يقتضي الاستفتاء بها، ومع ذلك سنكون إلى جانب مصلحة أهلنا في الجنوب.. فإذا أهلنا بجنوب اليمن مع فك الارتباط لن نكون مخالفين بل سنكون معهم»[1].

وأعاد الاجتياح الحوثي المسلح لمناطق الشمال اليمني طرح فكرة انفصال الجنوب بقوة إلى الواجهة، مع استبعاد تطبيق النظام الفيدرالي الذي تم الاتفاق عليه، كشكل جديد للحكم في اليمن، وهذه الفرضية جعلت الجنوبيين يتجهون صوب تعزيز تحالفاتهم السياسية، بهدف بلورة محور جديد على الساحة الجنوبية، يقوم بعملية البناء الداخلي ومحاولة تكوين إطار سياسي جديد للفاعلين السياسيين، من شأنه توفير أجواء مناسبة لطرح مضامين بديلة للقضية الجنوبية، في ضوء المعطيات الراهنة بشمال البلاد، وسيكون الانفصال في سلم أولوياتها في المرحلة المقبلة.

ويبدو أن مقاطعة برلمانيي جنوب اليمن للجلسة البرلمانية التي عقدت في مقر مجلس النواب بصنعاء نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، جسّدت حجم الهوة التي أضحت بين القادة السياسيين شمالاً وجنوباً، وكأن النخب الجنوبية تسعى لإعادة التموضع وفك ارتباطاتها تدريجياً بمركز القرار السياسي في صنعاء، وتجلى ذلك من خلال الإعلان عن تشكيل كتلة برلمانية جنوبية، يمكن قراءتها على أنها تأتي في سياق الترتيبات التي تجري على قدم وساق لخلق وسائل ضغط تنتهج الردع السياسي لتمدد الحوثي في الجنوب، وهذا بشكل مبدئي، بينما قد يفهم من هذا المعطى أن هدف نواب الجنوب تهيئة المناطق الجنوبية لإدارة الحكم الذاتي، كمقدمة للانفصال الناعم والبطيء؛ الأمر الذي جعل النائب في البرلمان اليمني عبده بشر، وهو من أبناء الشمال، يصف اجتماع الكتلة البرلمانية للجنوب في إحدى جلسات البرلمان الأخيرة في عدن بـ«جلسة انفصال»، مطالباً بطرح موضوع الانفصال للنقاش داخل مقر البرلمان في صنعاء وليس في عدن[2].

الحوثيون رأس حربة الانفصال

ومع بروز الحوثيين كقوة تتحكم بسير الأحداث في شمال البلاد، إلا أنهم باتوا رأس حربة تدفع الجنوبيين نحو الانفصال، من خلال أفعالهم التي تدمر كل الحاضنات السياسية والاجتماعية للوحدة شمالاً وجنوباً، غير أن لديهم قنوات تواصل مع تيارات جنوبية.

وربما يسعى الحوثيون للاستفادة من الخدمات التي من الممكن أن يقدمها حليفهم البارز الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، المقيم بلبنان في ضيافة حزب الله، وذلك لاستكمال حلقات السيطرة على جنوب اليمن، بعد إتمام سيطرتهم على الشمال. وتبدو هذه المهمة صعبة، وإشكاليتها أن هناك تذمراً جنوبياً واسعاً من جناح الحراك المرتبط بإيران، والذي يقوده البيض من المنفى، والمتهم بالعمل لحسابات لا تخدم تطلعات أبناء الجنوب بقدر ما تجعلهم مرتهنين للخارج، لاسيما أجندة طهران في المنطقة.

لذلك، قد يعكف الحوثي على إعادة تقسيم اليمن، كخيار آخر، من أجل التخلص من الثقل السني في الجنوب، والاستفراد بالعاصمة صنعاء وعدد من المدن الأخرى المهمة. وقد نقل مراسل موقع «عربي 21» اللندني في صنعاء[3] عن مصادر مطلعة أن الحوثيين يدركون أن السيطرة على اليمن كاملاً مسألة غير ممكنة بسبب كونهم لا يحظون بالأغلبية، ويريدون تبعاً لذلك التخلص من جنوب اليمن الذي توجد فيه أغلبية ساحقة من السنة، ليكونوا بذلك قد تخلصوا على الأقل من الثقل السني القادم من هناك.

مخاوف جنوبية

وتبقى الأوضاع في جنوب اليمن مفتوحة على كافة الاحتمالات ومرهونة بمخرجات التحركات المكثفة لتيارات جنوبية، خلال الفترة المقبلة، ويتزايد احتمال سقوط المحافظات الجنوبية بأيدي مقاتلي جماعة «أنصار الشريعة»، ومع انهيار المؤسسة الأمنية والعسكرية بسرعة في الشمال أمام مليشيا الحوثي يسود الاعتقاد بانهيارها في جنوب البلاد أمام القاعدة.

وما يفاقم خشية وقلق أبناء الجنوب بروز هويات متعددة في محافظات جنوب اليمن، وهي ليست وليدة اللحظة، بل كانت سائدة في الجنوب، وخلفت صراعات قوية قبل الوحدة مع الشمال في أيار/مايو 1990، ليأتي تحذير مستشار الرئيس اليمني ياسين مكاوي من تداعيات الأوضاع في بلاده، حيث قال إن الوضع الراهن ينبئ بقرب الكارثة، معتبراً أن «دعوات الانفصال تتزايد كلما اقتربنا من الخطر»، وأن «الانفصال لن يكون بين شمال وجنوب، بل داخل الشمال وداخل الجنوب أيضاً»[4].

وإذا سلمنا بانفصال جنوب اليمن، يبرز سؤال مهم في هذا السياق حول الطريقة المناسبة لهذا الانفصال؟ واقعياً، لا يزال الانقسام سيد الموقف لدى الأطراف الفاعلة في جنوب اليمن حول كيفية تحقيق الاستقلال، وليست لديها خطة للحكم فيما بعد، كما ليست لديها قدرة عسكرية كافية لدحر الحكومة الفيدرالية، لكنها ربما تستطيع القيام بحرب عصابات واسعة النطاق، في حين لا تزال التوترات قائمة منذ اندلاع قتال داخلي مميت في الجنوب عام 1986.

سيناريوهات مصير جنوب اليمن

يطرح الكثير من مراكز البحوث والدراسات سيناريوهات متعددة، يمكن أن تحدد مستقبل ومصير الجنوب اليمني في ظل الأوضاع غير المستقرة للجمهورية اليمنية وحالة العجز والضعف للرئيس والمنظومة الحزبية والسياسية المشاركة في الحكم الانتقالي أمام سيطرة مسلحة للشركاء الجدد في الحكم على مفاصل الدولة.

في تقرير حديث صدر عن مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية باليمن، توقع المركز أن «هناك ثلاثة سيناريوهات يتحدد من خلالها مستقبل جنوب اليمن».

السيناريو الأول: يتمثل في تحقيق الجنوبيين للانفصال السريع والكامل، في حال توافرت بعض الشروط كامتلاكهم قيادة قوية ومحل توافق جميع الكيانات لقيادة الدولة الجنوبية أثناء مرحلة تقرير المصير، وحصولهم على دعم إقليمي ودولي قوي، لتجنب مخاطر الانزلاق للتمزق والصراعات والحروب الجنوبية - الجنوبية.

السيناريو الثاني: قد تسهم سلطة الرئيس الجنوبي هادي في تحقيق انفصال آمن وبطيء تجنباً للفشل وتقليلاً للمخاطر وإضعافاً لردات الفعل المحلية والإقليمية والدولية غير الراغبة في قرار كهذا، ومثل ذلك يفرض على هذه القيادة البقاء في السلطة وتحمل المزيد من الأعباء والاتهامات بالفشل والتقصير.

أما السيناريو الثالث: سيكون ملهماً برغم استبعاد تحققه، ويتمثل في أن الجنوبيين يتجهون لتبني إعادة صياغة جديدة للوحدة اليمنية قائمة على القانون والدستور والتعددية والديمقراطية وخالية من اللوبيات والنفوذ المناطقي والمجتمعي، مؤكداً أن ذلك «يفرض عليهم قيادة النضال السياسي والعسكري والمدني لإرغام الميليشيات الحوثية المسلحة على إنهاء سيطرتها على حكم وعاصمة أسقطت من قبلهم في توقيت كانت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقيادة الجيش في يد الجنوبيين»[5].

الجنوبيون بانتظار التأييد الخارجي

يتوقع الجنوبيون أنهم كلما أثبتوا وجودهم على الأرض من الممكن إحداث تغير في المواقف الدولية الحالية؛ لذلك يحثون خطاهم نحو مزيد من التصعيد والتنسيق داخلياً وخارجياً، بعد أن ساد الاعتقاد لديهم بأن مشروعية الانفصال وفرها اجتياح الحركة الحوثية المسلحة للعاصمة صنعاء في 21 من أيلول/ سبتمبر الماضي، وفرضها لواقع مسلح جديد بديلاً للحكم الانتقالي في البلاد أسقط أي فرصة للوحدة الفيدرالية التي توافقت عليها جميع المكونات والقوى السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني المنتهي في 25 من كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، وسط رفض فصائل من الحراك الجنوبي الذي فضل العزوف عن المشاركة في المؤتمر.

ويشير الموقف الرسمي للحراك الجنوبي، أحد القوى الأكثر فاعلية في الجنوب اليمني، إلى تمسكه بخيار الانفصال.. لكن كيف؟ ومتى؟ هذا ما ستجيب عنه المراحل المقبلة من تفاعلات المشهد اليمني، وهذا ما وضحه تباعاً رئيس المجلس الأعلى للثورة الجنوبية صالح يحيى سعيد عندما قال إن «موضوع الأقاليم، والفدرالية، ونتائج الحوار باتت مرفوضة؛ ليبقى هدفهم الرئيسي هو التحرير واستعادة الدولة عبر تفاوض بين القيادة في الشمال والقيادة في الجنوب وتحت رعاية عربية ودولية». مؤكداً أن «التأييد والتعاطف الدولي مع الجنوب سيزداد كلما أثبت الحراك وجوده على الأرض من خلال تصعيد النضال السلمي بمختلف أشكاله، والنشاط السياسي والدبلوماسي الخارجي والعصيان المدني، وترك الخيارات الأخرى مفتوحة عندما تفشل الطرق السلمية[6].

 

:: ملف خاص بعنوان " الحوثيون.. من صعدة إلى صنعاء"

:: مجلة البيان العدد  330 صفر  1436هـ، نوفمبر  2014م.


[1] صحيفة الأمناء الصادرة من عدن.

[2] موقع براقش نت.

[3] موقع «عربي 21» اللندني.

[4] صحيفة عكاظ السعودية.

[5] مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية.

[6] الجزيرة نت.

أعلى