• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الإرادة القلبية بين العفو والمؤاخذة

الإرادة القلبية بين العفو والمؤاخذة

لم تزل فيوضُ اسم «الرَّحْمَنِ» سبحانه وتعالى تغمر الإنسان لترفع عنه ثقل خطاياه، ألا ومن أعظمها حديث نفسه إليه بالسوء؛ كما في الْحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} [البقرة: 284].

قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا.

قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ.

فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَانَا} [البقرة: 286].

قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.

{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286].

قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.

{وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} [البقرة: 286].

قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ»[1].

وأكد النبيُّ صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى كما في الْحَدِيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، أَوْ وَسْوَسَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ، أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ»[2].

وإذا كانت الرحمة الإلهية تتجلَّى في عفوه سبحانه وتعالى عما يريده القلب من السوء ما لم يفعله صاحبه، فإن الكرم الإلهيَّ يتوضحُ في مثوبته عز وجل للعبد على ما أراده بقلبه من الخير وإن لم يفعله، كما جاء في الْحَدِيْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل؛ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً»[3].

ألا... وما أبعدهم عن الصَّوَابِ أولئكَ الذين فهموا من هذه الأحاديثِ أن القلبَ غيرُ مؤاخذٍ على إراداته وأعماله البتة!

إذ دلت النصوص على مؤاخذة العبد على الإرادة القلبية الجازمة التي لم يحل بينها وبين العمل سوى العجز، ومنها ما جاء عَنِ أَبِي بَكْرَةَ؛ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا التَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ.

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا القَاتِلُ؛ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟

قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصاً عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»[4].

فقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم للمقتول إثم القاتل بحرصه القلبي الذي لم يحل بينه وبين تحقيقه إلا قوة قاتله وقتله له.

وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْماً، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقّاً، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ.

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْماً وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْماً، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقّاً، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ.

وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلَا عِلْماً فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ»[5].

قال شيخ الإسلام: «فَهَذَا التَّسَاوِي في الْأجر والوزر فِي حَال من قَالَ ذَلِك صَادِقاً، وَعلم الله مِنْهُ إرادة جازمة لَا يتَخَلَّف عَنْهَا الْفِعْل إلا لفَوَات الْقُدْرَة فَلهَذَا اسْتَويَا فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب»[6].

فقد استوى الغني والفقير في الثواب أو الإثم مع عدم قيام الفقير بما فعله الغني من الطاعات، أو المعاصي.

وذلك أن للفقير ثوابَ الطاعة، وإثمَ المعصية التي أرادها قلبه إرادة جازمة لم يمنعه منها سوى العجز.

ألا ولا يتوهمن متوهمٌ أَنَّ ثَمَّ تناقضاً بين الأحاديث الأولى التي نفت المؤاخذة الإلهية على المعصية التي يريدها القلب ما لم يفعلها صاحبها، والأحاديث الثانية التي أثبتت أن مريد المعصية ومرتكبها سواء في الوزر.

إذ التعويل في الأمر على الحائل بين الإنسان وارتكاب المعصية التي يريدها قلبه:

فإذا أراد القلب معصية ما، ثم استحضر العبد خشية ربه سبحانه وتعالى، وأليم عقابه فَأُرْعِدَتْ فَرائِصُه من خشية مولاه عز وجل وترك المعصية خشية لله سبحانه وتعالى؛ فإن إرادة قلب هذا التقي ليس معفواً عنها فحسب؛ بل مثابٌ أعظم المثوبة على تركه للمعصية خشية لله سبحانه وتعالى.

أما إذا أرادَ القلبُ معصيةً فانساقَ الإنسانُ لمرادِ قلبِهِ في إرادةِ المعصيةِ وكانت إرادته لها إرادةً جازمةً بحيث لم يحل بينه وبين ارتكابها إلا عجزه بحيث لو تمكن منها ما تأخر عنها؛ فإن هذا الذي لا يحول بينه وبين المعصية سوى العجز مستوٍ مع مرتكبها عياذاً بالله.

ألا فليكن منك على بالٍ أيها السالك أن الإرادةَ الجازمةَ من الأعمال القلبية يُجَازَى عليها العبدُ؛ إن خيراً، أو شراً.

فمن تلك الإرادات القلبية التي أثيب أصحابُها ذلك الذي أثنى عليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100].

فمن عزم على الهجرة، ولم يحل بينه وبينها سوى العجز كان من المهاجرين عند الله برحمته وكرمه سبحانه وتعالى.

ومن ذلك ما جاء عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ؛ قَالَ: لَقَدْ تَرَكْتُمْ بِالْمَدِينَةِ رِجَالاً، مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ، وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ، وَمَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ.

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ يَكُونُونَ مَعَنَا وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟!.

قَالَ: حَبَسَهُمُ الْعُذْر»[7].

فقد أكَّدَ صلى الله عليه وسلم أن الذين أرادت قلوبهم الغزو إرادةً جازمةً لم يمنعهم منها سوى العجزِ متساوون مع من خرجوا في الغزو فعلاً.

وفي المقابل، هناك من هلكوا بالإرادة القلبية بغير عمل زائد كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

فمحبةُ شيوعِ الفاحشةِ إرادةٌ قلبيةٌ توعَّدَ سبحانه وتعالى أصحابَها بأليمِ العذابِ، وشديد العقاب.

ومما يُرْوَى عن السلفِ في استحقاقِ العذابِ بالإرادةِ القلبيةِ؛ قولُهم: «فالعِبْرَةُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانتَ فِيهِمْ خَطِيئَةٌ: أَنَّ كُلَّ مَنْ أَعَانَ عَلَيْهَا بِفِعْلٍ، أَوْ كَلَامٍ، أَوْ عَرَّضَ بِهَا، أَوْ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ أَوْ رَضِيَ بها فَلَهُ مِنَ الإِثْمِ عَلَى قَدْرِ رِضَاه أو مُشَاركَتِهِ.

وَإِذَا كَانَتْ خَطِيئَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: فَمَنْ شَهِدَ وَكَرِهَ فَهُوَ مِثْلُ الْغَائِبِ، وَمَنْ غَابَ وَرَضِيَ فَهُوَ مِثْلُ الشَّاهِدِ»[8].

وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: «الظَّالِمُ، وَالْمُعِينُ عَلَى الظُّلْمِ، وَالْمُحِبُّ لَهُ سَوَاءٌ»[9].

وجديرٌ بالذكرِ أن للإرادة القلبية أثراً على الواقع كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «الْعَيْنُ حَقٌّ»[10].

ومن المواقف العملية لأثر العين أو الحسد - وهو إرادة قلبية محضة من الحاسد لزوال النعمة بالمحسود - ما جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ، أنه قال: «اغْتَسَلَ سَهْلُ بن حُنَيْفٍ بِالْخَرَّارِ، فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ، وَعَامِرُ بن رَبِيعَةَ يَنْظُرُ ـ قَالَ: وَكَانَ سَهْلٌ رَجُلاً أَبْيَضَ، حَسَنَ الْجِلْد ِـ.

فَقَالَ لَهُ عَامِرٌ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ عَذْرَاءَ، فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ، وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ.

فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلاً قَدْ وُعِكَ، وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

فَقَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ؟

فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرٍ. فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ: عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟!

أَلا بَرَّكْتَ؟!

إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأْ لَهُ.

فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ»[11].

فقد وقع الأذى من الحاسد للمحسود بالإرادة القلبية المجردة عن العمل وقد اغتاظ صلى الله عليه وسلم من ذلك قائلاً: «عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟».

وغير الإرادة القلبية فلا أعمال أعظم من الأعمال القلبية التي يترتب عليها التفاضل بين العباد.

قال شيخ الإسلام: «كَمَا فَضَّلَ اللَّهُ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم وَمُدَّةَ نُبُوَّتِهِ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً - عَلَى نُوحٍ وَقَدْ لَبِثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَاماً، وَفَضَّلَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى غَيرِهَا مَعَ قِصَرِ أَعْمَارِهِم؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ كَانَ أَكْمَلَ وَأَفْضَلَ، فَكَانَ أُولَئِكَ أَكْثَرَ عَمَلاً؛ وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ أَجْراً؛ إِذْ يَخُصُّ سبحانه وتعالى بَعْضَ خَلْقِهِ بِقُوَّةٍ يَنَالُ بِهَا الْعِلْمَ، وَالْيَقِينَ، وَالصَّبْرَ، وَالتَّوَكُّلَ»[12].

وقال شيخ الإسلام أيضاً: «والنُّصُوص تبين سَبَب استحقاق الشيخين تقدم الأمة إذ كَانَ لَهما مثل أَعمال جَمِيع الْأمة لوُجُود الإرادة الجازمة، إذ المريد إرادة جازمة بِمَنْزِلَة الْعَامِل الْكَامِل»[13].

فللقلب طاعاته الخاصة به، ومنها: الصدق، الإخلاص، الخشوع، الخشية، الإخبات، الإنابة، الرجاء، اليقين، التوكل، حسن الظن بالله، الثقة بالله، التسليم، الحمد، الشكر، الصبر، الرضا، الحب والكره في الله، الغضب لله سبحانه وتعالى... وغيرها.

وللقلب معاصيه أيضاً، ومن أخطرها: النفاق، الريب، اليأس، كره ما أنزل الله، سوء الظن بالله، الرياء، السمعة، العجب، الكبر، المفاخرة، الحسد، الحقد، الغل، الشماتة، حب الجاه والرئاسة... وغيرها.

وقال ابن القيم: «فعذاب الْقَبْر عَن معاصي الْقلب وَالْعين والأذن والفم وَاللِّسَان والبطن والفرج وَالْيَد وَالرجل وَالْبدن كُله»[14].

وعسى بهذا الإيجاز الشديد نكون قد وقفنا بفضله سبحانه وتعالى على جانب من فيوض اسميه سبحانه وتعالى «الرَّحْمَنِ» و«الْكَرِيمِ»، كما نكون علمنا بفضله عز وجل الفرق بين الإرادة القلبية الْمَعْفُوِ عنها، والْمُؤَاخَذِ عليها، وأن للقلب طاعاته ومعاصيه التي يحاسب عليها الإنسان، وتبين لنا خطأ من ظنوا عدم المحاسبة على الأعمال القلبية، وأهم من ذلك أجمع تبين لنا أنه لا تناقض بين النصوص، وأننا لا نستطيع استخلاص الحكم الشرعي في المسألة إلا بجمع كل النصوص، وأن حقيقة العلم هي توظيف النص في موضعه الصحيح، نسأله سبحانه وتعالى العلم النافع، والإخلاص، والقبول.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.

 

:: مجلة البيان العدد  330 صفر  1436هـ، نوفمبر  2014م.


[1] [صَحِيْحٌ] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (2070)، وَمُسْلِمٌ (126).

[2] [صَحِيْحٌ] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (7470)، وَالْبُخَارِيُّ (2528)، وَمُسْلِمٌ (127).

[3] [صَحِيْحٌ] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (2519)، وَالْبُخَارِيُّ (6491)، وَمُسْلِمٌ (131).

[4] [صَحِيْحٌ] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (20439)، وَالْبُخَارِيُّ (31)، وَمُسْلِمٌ (2888).

[5] [حَسَنٌ] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (18031)، وَالتِّرْمِذِيُّ (2325)، وَابْنُ مَاجَه (4228).

[6] الزهد والورع والعبادة، ص 163، بتصرف.

[7] [صَحِيْحٌ] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (12629)، وَالْبُخَارِيُّ (2839).

[8] هذا الأَثَرُ يُرْوَى بوجوه متعددة لا تصح، والصواب أن الأثرَ لمقاتلِ بنِ سليمانَ واللهُ أعلمُ، راجع تفسير مقاتل بن سليمان (3/190) باختصار وتصرف.

[9] رواه الخرائطيُّ في مساوئِ الأخلاقِ، ص 279.

[10] [صَحِيْحٌ] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (9668)، وَالْبُخَارِيُّ (5740)، وَمُسْلِمٌ (2187).

[11] [صَحِيْحٌ] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد (15980)، والنسائي بالكبرى (10036)، وابن ماجه (3509).

[12] مجموع الفتاوى (7/343)، بتصرف.

[13] الزهد والورع والعبادة، ص 160، بتصرف.

[14] الروح، ص 78.

أعلى