المؤشرات:قوة وضبط
تشيع عند المشتغلين
بالتخطيط عبارةُ: “ما لا يمكن قياسه، لا يمكن إدارته!” عند ذكرهم للأهداف، وهي
عبارةٌ صائبةٌ إلى حدٍّ كبير، ذلك أن للأهداف أبعاداً واسعة، يصعب الإحاطة بها
كلها، ولا تتمكن جهة ما من إدارتها ما لم تُحطها بإشارات تبين غاية المراد منها.
إن أهدافاً -على سبيل المثال- كتعزيز ثقافة الإنفاق، أو القضاء على الفقر، أو نشر
الفضيلة، تظل مفتوحة الجوانب إلا أن تحدَّ بدلائل تشير إلى مستوى راضٍ يوصل في
فضاء السفر القاصد إليها، وعلامات الطريق[1] هذه هي المؤشرات التي
أعني. قال - جلَّ مِن قائلٍ سبحانه -: {وَعَلامَاتٍ
وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16].
إنّ التخطيط في ختام
الأمر إنما هو سلوك طرق مثلى للانتقال من وضع معيّن إلى وضع مرغوب، إجابةً عن
السؤال المشهور الجامع لأطراف التخطيط كلها: أين نحن الآن؟ وماذا نريد؟ وكيف نصل
إلى ما نريد؟ ورحلة الإجابة عن تلك الأسئلة تتطلب علامات طريق، ومنهجية واضحة
للقياس.
وقد ظهرت في فترات
متباعدة أهمية أن تكون الأهداف محدّدة ومقيسة، ونظَّمَ أصحاب هذا الفنّ اختصارات
تدّلل على أهمية القياس[2]. وجُلُّهم يتفق على أنه
عند غياب المنظومة القياسية التي تستند إليها المؤسسة في وصف أهدافها؛ ينشأ
–بالتزامن- قلقٌ حيال النتائج.
إلى جوار الاحتياج إلى
القياس كمعيار على جودة العمل وإحكامه، فإن حاجةً إلى التقييم الصادق للعاملين
وأعمالهم تبرز كذلك، إذ سيظل حاضراً أمامهم دوماً ما يدلّهم على تقدمهم أو تأخرهم[3]، وحاجة أخرى تتعلق
بتصديق ما تدعيه المؤسسة من نجاح في عملها أو قصور، ولا شكّ أن حسماً للادعاء
سيفتقر إلى برهان ناجزٍ يوفره ما يُقرأ من نتائج للمؤشر.
ماهية المؤشرات:
بعد هذا يمكن القول: إن
المؤشرات هي مجموعة من الدلالات التي تظهر عند حدوث شيء معيّن أو عند وجوده،
كالأثر الذي يدلّ على المسير، والظلّ الذي يدلّ على وجود جسم ما، أو تغيب عند
وجوده أو غيابه، وهنالك مفاهيم تدور في فلك واحد مع المؤشرات مثل:
الآثــــار:
والآثار دلالات على وجود
الشيء أو عدمه[4]، وتقفي الآثار من طرق
الإثبات كما قال الناظم- وهو يدلّل على أهميته في الإيمان-:
وطــرقُ المعرفةِ الكبارُ
عِيـــَــانٌ أو مـــثالٌ أو
آثــــــــارُ
فالأوّلُ منعهُ الجــَـــــــبّارُ
إذ قال: (لا تُدْرِكُهُ
الأبـــْـــصَارُ)
والثاني أيضاً منعه بالنقلِ
إذ ليس له سبحانه من مثــلِ
لم يبقَ بعد ذا سِوَى آثارِ
قُدرتــــــه في العالم الســيّار[5]
وأجلّ من ذلك وأجلى، قوله
- جلَّ وعلا -: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ}
[يونس: 101]، وقوله سبحانه: {فَانظُرْ إلَى آثَارِ
رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّ ذَلِكَ
لَـمُحْيِي الْـمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ}
[الروم: 50].
المعايير:
والمعايير هي النماذج
العليّة التي تقاس عليها الأشياء، فيحكم على جودتها قرباً أو بعداً منها[6]، وإن الحاجة إلى المعيار الذي تُحاكم إليه
جودة الأشياء أمر ركيزٌ في الفطرة البشرية؛ التي تنحو دوماً إلى تأكيد تفوقها،
وتربيتنا في هذا الاتجاه لا تصادم ما فطر البارئ - سبحانه - عليه الناس، غير أنها
تهذبه وتوجّهه إلى ما ينبغي أن يكون، ولعلّ الأمرَ بالتأسي بالنبيّ صلى الله عليه
وسلم في الدّقيق والجليل من الشأن، يدلك على عمق هذا المفهوم في ثقافة المسلم: {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
[الأحزاب: 21]، وأمره صلى الله عليه وسلم الناس بالصلاة على طريقته: (صلوا كما
رأيتموني أصلي)[7]، وبالنسك على نهجه:
(خذوا عنّي مناسككم)[8]، دالّ على ذلك.
وتظهر أهمية المؤشرات في
عالم اليوم في مجالات الدراسات الاجتماعية، التي تحاول إدراك ظواهر بعينها تشير
إلى اتجاهات محدّدة من خلال إحصاءات تُعدّ وأرقام تُقرأ، ويُستنبط المؤشر من هذه
الإحصاءات، كأن يُقسم عددُ أحداثٍ مخصوصةٍ على مجموع الأحداث من ذات النوع؛ لتنتج
نسبة الحدث إلى مجموعه، فيكون الناتج (قلة أو كثرة) مؤشراً على حالة ما،وتُصدر
المؤسسات اليوم كمّاً هائلاً من المؤشرات الرئيسة والفرعية، من منظور ثقافتها.
وسيظلّ المؤشر يفتقر إلى الصدقيّة دوماً، بمعنى هل يدلّ هذا المؤشر فعلاً على
الاتجاه المقصود أم لا؟
يعرض القرآن كثيراً
أنماطاً من اختلال المعايرة لدى أهل الضلال عندما يقايسون اتجاهات معيّنة بمؤشرات
لا تدلّ عليها! ومن ذلك – على سبيل المثال -:
1 - اعتراض الملأ من بني
إسرائيل من بعد موسى على تولية طالوت عليهم ملكاً بافتراض مؤشر ضروريّ في نظرهم
للملك: سعة المال!: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللَّهَ
قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْـمُلْكُ
عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْـمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ
الْـمَالِ قَالَ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي
الْعِلْمِ وَالْـجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ} [البقرة: 247].
2 - تكذيب المشركين لرسل
الله تعالى وأنبيائه لمؤشرات افترضوها هم لتصديق النبيّ تشمل:
أ - مؤشر بشرية النبيّ
ابتداءً: {وَقَالَ الْـمَلأُ مِن قَوْمِهِ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي
الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا
تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ 33وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا
مِّثْلَكُمْ إنَّكُمْ إذًا لَّخَاسِرُونَ}
[المؤمنون: 33 - 34].
ب - مؤشر القوّة والمُكنة
السابقة للنبيّ من رياسة أو زعامة: {وَلَـمَّا جَاءَهُمُ
الْـحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإنَّا بِهِ كَافِرُونَ 30وَقَالُوا لَوْلا
نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}
[الزخرف: 30 - 31]، وقوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ
مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا
وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}
[هود: 91].
ت - مؤشر الموافقة: {وَإذَا
تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ إنِّي
أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:
15]، وقوله تعالى: {وَإن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ
الَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإذًا لاَّتَّخَذُوكَ
خَلِيلاً} [الإسراء: 73].
ث - مؤشر المكانة
الاجتماعية للأتباع: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ}
[الشعراء: 11]، {فَقَالَ الْـمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ
إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ
عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}
[هود: 27].
واليوم يجد المتأمل في
الهجوم (العولميّ) فَرْض مؤشرات عديدة للحكم الصالح، أو مؤشرات للتنمية، وغيرها،
منها ما يرضاه المسلم، وأكثرها يصادم عقيدته، ولكن التيار الجارف للقوة الناعمة
التي يعول عليها الغرب في مرحلة صراعه القادم تجعل كثيراً من الدول - فضلاً عن
المؤسسات - تذعن صاغرة إلى تلك المؤشرات[9]، بل ويحتفي بعضهم بإنجاز
تقدّم ملموس فيها، على الرغم من التهاوي الظاهر لمؤشراتهم من خلال الحراك - الذي
لم يتصوره الغرب - في العالم الإسلاميّ اليوم، الأمر الذي يجعلهم يعيدون حساباتهم
حول ما زعموا قطعيته من قبل[10]. إنه ليقع على علمائنا
ومثقفينا اليوم واجب جمّ في محاولات استخلاص مؤشرات من شرعنا الحكيم،تدلّ
قطعاً على مراداتها، وينتفي عنها زيغ أهل الإبطال والتحريف، وتكسب صدقيتها وثباتها
من صدقية مصدرها وثباته.
كيف نصمم المؤشرات؟
إن مجموعة القياسات التي
تدلّ على حالة ما، تسمى “بالمنظومة القياسية”، فدرجة الحرارة ومستوى ضغط الدم،
وعدد النبضات في الدقيقة، يمكن أن تكون منظومة قياسية لهدف التأكد من توافر الصحة
الأولية للشخص، ومع تطوّر العلوم، صار هناك الكثير من المنظومات القياسية الجاهزة،
وما ظهور الأجهزة الطبية سهلة الاستخدام إلا أمثلة على ما أعنيه هنا.
ولا يكفي مؤشرٌ واحد-في
الغالب- للقياس، فمؤشر درجة حرارة الجسم لا يكفي وحده لتأكيد وجود الملاريا
مثلاً، ما لم تضفْ إليه مجموعةٌ أخرى من المؤشرات، كفقدان الشهية، أو ظهور جرثومة
الملاريا في الدم، بل يعدّ الاعتماد على مؤشر واحدٍ مضللاً في كثير من الأحيان.
ويكمن التحدي في أنَّ من
يضع هدفاً ما، سيكون مسؤولاً عن وضع مؤشرات تدله على التقدّم تجاهه، أي سيحتاج إلى
تصميم حزم خاصّة، تفسّر الهدف وتشير إلى درجة تحققه.
لنبدأ من علٍ: سيظل من
المعقول أن يكون للمؤسسة أهدافٌ عامّة تنطلق من رؤية، تنتج هذه الأهداف من تساؤل
منطقيّ: ما الذي يحقق هذه الرؤية؟
مثلاً: مؤسسة خيريّة ما،
تعمل في مجال التنمية الاجتماعية، رؤيتها: “بحلول العام 1450 هـ- إن شاء الله-
منطقتنا خالية من الفقر”
يُشرَع مهنيّاً أن يتساءل
المُخَطِّطُون: ما المسائل الضرورية التي بتحققها تتحقق هذه الرؤية، ألا وهي
القضاء على الفقر في المنطقة في تلك الفترة المحددة؟ يتوقّع أن تكون من نتائج
عصفها الذهني لمسببات الفقر في تلك المنطقة ما يلي:
1- ضعف التديّن
وانتشار الربا والفواحش.
2- انخفاض معدّل
التعليم (الجهل).
3- انهيار الوضع
الصحّي.
4- سوء سياسة إدارة
الموارد.
ومن معالجاتها المعقولة
التي يمكن طرحها:
1- رفع مستوى
التدين.
2- تعزيز التعليم.
3- تهيئة وضع صحي
ملائم.
4- إدارة رشيدة
للموارد.
تصير هذه المعالجات
الأربع بمنزلة الأهداف العامة لهذه المؤسسة، ويصطلح عليها في عرف التخطيط: الأهداف
الإستراتيجية، أو الغايات.
ثم يجب على المخططين أن
يتعمقوا في كل هدف إستراتيجي ليحدّدُوا بالضبط ما المطلوب ليتحقق، مثلاً:
ليتحقق الهدف الثاني:
(تعزيز التعليم)، فإن علينا التفكير في التالي:
أ - تعميم التعليم
الأساسي لثمانين في المئة (80٪) على الأقل من غير المتعلمين بحلول العام 1440هـ.
ب - وضع مؤسسات التعليم
العام والعالي على أسس الجودة الحديثة المعتمدة في التعليم.
هذان الأمران المقترحان
لتحقيق (تعزيز التعليم) يسميّان في أدبيات التخطيط بالأهداف الفرعية، أو المرحلية،
أو التكتيكية. ولكن ليس هذا كلّ شيء، وإشكال كثير من المؤسسات أنها تقف عند هذا
الحدّ وتظنّ أنها قد أكملت تخطيطها، وأن وثيقة خطتها وافية وكافية.
لنتذكر أن ما لا يمكن
قياسه، لا يمكن إدارته! كيف يمكننا أن نعرف أننا نمضي قُدماً في هدفنا الفرعي؟ كيف
يمكننا أن ندرك أن جودة مستوى التعليم العام والعالي قد ارتفعت؟ هنا، وللإجابة عن
هذه الأسئلة تبرز أهمية المؤشرات:
لنقيس تقدمنا في هدف: رفع
مستوى جودة التعليم العام والعالي، يمكن تتبع ما يلي على سبيل المثال:
1 - نسبة العاطلين عن العمل من مجموع الخريجين:
بافتراض أن التعليم الجيّد يحدث كفاءة في الخريج،
وبالتالي تتوفّر له وظيفة.
2 - مقارنة المناهج التعليمية مع مناطق أخرى متقدّمة:
بافتراض أنّ التعليم الجيّد يقوم على منهج جيّد، ولا
سبيل لمعرفة جودة منهج ما في إطار التقدّم في معالجة الفقر، ما لم نقارنه
بالمعايير المعتمدة لجودة المناهج في الدول التي أحدثت رفاهية منضبطة لشعوبها، وهو
ما يسمى أحياناً في أدبيات التخطيط بالمقارنة المعيارية Benchmarking.
3 - درجة توفّر البنى الأساسية للتعليم:
عدد المعامل- عدد المراجع المهمة لكل قسم وكلية وجامعة
ومدرسة- نسبة توفّر الكتاب المدرسي لكل طالب، بافتراض أنها أساسيات حاسمة لتعليم
جيّد.
وستحتاج المؤسسة
إلى قياس وضع المستهدفين الحالي تجاه كل مؤشر من التي وضعتها، ومن ثمّ تحديد الوضع
الذي ترغب في الوصول إليه: فعندما تنتدب المؤسسة فريقاً بحثياً لمعرفة نسبة
العاطلين عن العمل من الخريجين في تلك المنطقة ، تجد أن نسبتهم -على سبيل المثال-:
40% من مجمل الخريجين. وهو ما يسمى بالوضع الحالي للمؤشر. وتستهدف المؤسسة – بحسب
تحليلها لإمكاناتها- أن تقلل النسبة إلى النصف خلال فترة الرؤية أي تصير نسبة
العاطلين في مجتمع تلك المنطقة 20%، وهو ما يسمى بالوضع المستهدف، عندها يبرز سؤال
مهم جداً، وهو: كيف ستسهم المؤسسة في تقليل نسبة العاطلين عن العمل إلى النصف خلال
خمس سنوات؟
في هذه المرحلة تأتي
أهمية طرح برامج ومشروعات تقلل نسبة العاطلين من 40% إلى 20%، ولعلها تقترح مثلاً:
1- برنامج المشروعات
الصغيرة للخريجين.
2- مشروع التدريب
الاحترافي والفنّي للخريجين.
3- تصميم قاعدة بيانات عن
الخريجين وإمكاناتهم العلمية والمعرفية والفنيّة ونشرها في الصحف المجانية.
ولنلخص ما ذكر في جدول
واحد، وسنفصّل في هدف واحد فقط، مَثَلاً لبقية الأهداف:
الرؤية: (بحلول العام 1450 هـ منطقتنا خالية من الفقر)
|
الأهداف الإستراتيجية
|
الأهداف الفرعية
|
المؤشرات
|
الاستهداف
|
البرامج والمشروعات
|
الحالي
|
المستهدف
|
رفع مستوى التدين
|
|
|
|
|
|
تعزيز التعليم
|
1- تعميم التعليم الأساسي لـ80% لغير المتعلمين
|
|
|
|
|
2-
رفع مستوى جودة التعليم في مؤسسات التعليم العام
والعالي
|
نسبة العاطلين عن العمل
من الخريجين
|
40%
|
20%
|
1-
برنامج المشروعات الصغيرة لخريجين.
2- مشروع التدريب
الاحترافي.
3- تصميم قاعدة بيانات.
|
اعتمادية المناهج
|
|
|
|
توفر البنى الأساسية
للتعليم
|
|
|
|
تهيئة وضع صحي ملائم
|
|
|
|
|
|
ولكن مهلاً! هل
انتهى الأمر؟ كلا، ليس بعد، لأن المؤشرات التي وضعت تظلّ افتراضية، وانبنت على هذه
المؤشرات الافتراضية البرامج والمشروعات! وسيظلّ ملحّاً سؤالٌ مهم: هل
حققت تلك البرامج والمشروعات تقدّماً في المؤشرات الموضوعة؟ وهل تعكس تلك المؤشرات
الافتراضية فعلاً تحقّقُ الهدفِ من عدمه؟ وللإجابة عن هذين السؤالين، يجب أن
تستصحب المؤسسةُ أهمية إنشاء وحدة مهمتها الرئيسة: متابعة
مسار هذه المؤشرات وتقييم المشروعات والتأكد من جدواها.
لقد أخذنا مثالاً واحداً
لهدف واحد فقط ومؤشر واحد، وعندما نجري هذه الطريقة على الأهداف كلها ستتوفر
منظومة متكاملة من مؤشرات القياس، ومجموعة متآزرة من البرامج والمشروعات التي
يفترض أن تحقق تقدماً في المؤشرات الموضوعة، ومن ثمَّ تقدماً في الأهداف الفرعية،
والتي يحقّق التقدم فيها تقدّمٌ في الأهداف الإستراتيجية، التي لو تحققت، ستتحقق
الرؤية بإذن الله. هكذا بذات الترابط.
أمور فنيّة تحسن
مراعاتها عند وضع المؤشرات:
1 - تبنى المؤشرات وفق إطار
منطقي يحقّق فعلاً قياس الهدف المطلوب، ويذكر المختصون في التخطيط أموراً من المهم
توفرها في المؤشر وهي:
أ - القابلية
للقياس: ويعني ذلك أن يكون المؤشر - قدر
المستطاع - عدداً، أو نسبة، أو معدّلاً، أو حجماً، أو
قيمة.
ب - الحساسية: أي
أن يكون المؤشر حساساً للقضية التي يقيسها.
ج - الارتباط: أي
أن يكون المؤشر مرتبطاً بالموضوع المراد قياسه، فلا يعقل أن يوضع مؤشر من مؤشرات
سوق الأوراق المالية (البورصة) ونحن
نريد قياس تقدمنا نحو مدينة معيّنة.
ث - القابلية
للتعميم: بحيث يمكن قياس الغرض في كلّ مرّة أردنا أن
نقيسه فيها.
2 - المؤشر في ذاته محايد،
فليس من المهنيّ أن نضع مؤشراً موصوفاً بقلة أو كثرة، كأن يُقال مثلاً: من
مؤشراتنا: تقليل نسبة الذين لا يجيدون الكتابة
والقراءة إلى النصف بحلول عام كذا، بل المؤشر هو: نسبة
الذين لا يجيدون الكتابة والقراءة، ثم يكون الاستهداف تقليلهم إلى النصف، إذ سيظلّ
المؤشر – إن توافرت فيه الشروط اللازمة- قائماً
ليدلّ على التقدّم أو التأخر في الهدف المحدّد، ومن هنا جاءت أهمية أن يكون المؤشر
محايداً.
ختاماً:
يتضح من هذا السرد
المختصر أنّ المؤسسات الخيرية تحتاج ما يلي لإحكام هذه الطريقة:
1- أن يستصحب القياس من
لحظة البدء في التخطيط، باختيار المنهجية الملائمة، وتخصيص وقت لتحديد المؤشرات
المناسبة. إنّ أحد الأسباب الجوهرية التي تجعل نتائج
قياس الأثر ضامرة، لا تعكس الصورة الحقيقية للمجهود، هو عدم استصحاب منهجية القياس
مع مرحلة البدء في وضع خطة، وفي أثناء التنفيذ، على الرغم من تشديد الإداريين
دائماً على مبدأ “الرقابة“،
وعلى الرغم من وجود قسم “المتابعة والتقييم” في
بعض المؤسسات الخيرية؛ ولكن لا تغني هذه المبادئ أو الأقسام شيئاً إن لم تستصحب
القضية منذ البدء.
2- أن تخصّص المؤسسات
الخيرية موازنة للبحوث والدراسات، لأن معرفة الوضع الحالي من المؤشرات يتطلب دراسة
استقصائية، فإذا أرادت المؤسسة معرفة نسبة الأمية الحالية أو الفقر، أو تفشي
الجرائم التي تحاربها فلا بدّ لها إذاً من تخصيص موازنة للبحث والدراسة لتضع
مشروعاتها على بيّنة.
3- وعلى هذا يجب أن تدرك
المؤسسات الخيرية أن بناء المؤشرات نفسه أمر مكلف، ولكنه في نهاية الأمر مربح
جداً، إذ ستوجّه الجهود بناء على إشارات معيّنة، وتبذل المؤسسة نفقات واضحة تجاه
قضايا قابلة للقياس.
4- سيحتاج الأمر ولا شكّ
قدراً من الابتكار في صياغة المؤشرات، وذلك لتميز مؤشرات العمل الخيري عن غيرها من
معهود المؤشرات في العمل الربحيّ.
5- يظهر بوضوح أن إنتاج
مؤشرات صادقة تدلّ على الأهداف، هو أمر توفيقٍ إلهيّ يُلزم الحريصين على وضع
مؤشرات جيدة بسؤال ودعاء لله العليم الحكيم أن يلهمهم الرشد في ذلك، إذ هو نوع
هداية، ومن يهدِ الله فهو المهتدي.
والله الموفق وعليه
التكلان.
:: مجلة البيان
العدد 299 رجب 1433هـ – يونيو
2012م.
[1] يشار أحياناً إلى
المؤشرات بمصطلح: Milestones، أو علامات الطريق (حرفياً: أحجار الطريق)، وهي تلك العلامات التي
يجدها المسافر على جنبات الطريق تحدد كم من الكيلومترات أو الأميال تبقى من أقرب
حاضرة إليه.
[2] مثل SMART: للإشارة إلى أن
يكون الهدف: محدداً - قابلاً للقياس - قابلاً للتحقيق - معقولاً - محدداً بزمن.
[3]
خاصة إن عمدت المؤسسة إلى تصميم نظام لوحات قياس الأداء Dashboards وهي قارئات
إلكترونية ترتبط بها المؤشرات من خلال نظام حاسوبي وتعطي قراءات مستمرة، ويشيع
منها ما هو متدرج بألوان ثلاثة أحمر وأصفر وأخضر للتدليل على خطورة الموقف أو
استقراره، بطريقة أشبه ما تكون بقارئات الوقود والسرعة والحرارة في لوحة السيارة.
[4]
يراجع للاستزادة: معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، دار
الجيل- بيروت، 1420هـ / 1999م، الجزء الأوّل، باب الهمزة، ص: 54
[5]
جزء من نصّ مفرّغ لمحاضرة بعنوان: «معرفة الله» للعلامة محمد الحسن الددو الشنقيطي
والنظم لمحمد الفالو المَتّالي:
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=152689
[6]
يراجع للاستزادة: ابن فارس، مرجع سابق، الجزء الرابع، ص: 191
[7]
رواه والبخاريّ
[8]
رواه أحمد ومسلم والنسائي.
[9]
انظر كتاب: القوة الناعمة، وسيلة النجاح في السياسة الدولية. جوزيف س. ناي، ترجمة
محمد توفيق البجيرمي، العبيكان للنشر، الطبعة العربية الأولى 2007م، ص: 92 وما
بعدها.
[10]
من ذلك على سبيل المثال قطعهم بأن مؤشر الديمقراطية ضروري لحدوث التنمية وقد اثبت
الواقع اليوم عدم ضرورة ذلك، بل وانقلاب ذلك رأساً على عقب فقد ذكر جاك أتالي وهو
من أبرز المختصين في شؤون التنمية، معلقاً على ما حدث في تونس: (إن الانخراط في
نظام السوق، كما فعلت تونس، يخلق الإمكان لولادة الديموقراطية)! انظر كتاب: ثورات
القوة الناعمة في العالم العربي: نحو تفكيك الأصوليات والديكتاتوريات، علي حرب،
الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، 2011م، ص: 32-33.