• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العربية لغة حضارية عالمية تواصلية

العربية لغة حضارية عالمية تواصلية


جعل الله سبحانه العربية شامةً على كل اللغات، تتلألأ حروفها في سياق متناغم معلنة مدى عذوبة الكلمة وما فيها من سحر البيان؛ ففي صوائتها وصوامتها اتساق عجيب يبهر المستمع  إليها ويستعذب المتحدث بها.

ومن سنن الله في الكون أن جعل من آياته اختلاف الألسن، وهذه السنن حكمة من حكم الله تعالى، منها التنوع بين الأجناس والطوائف: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22]، ولا شك أن اختلاف الألسن كان داعياً لتعدد اللغات، وكما جعل الله تبارك وتعالى اختلاف الألسن آية، فقد وهب - سبحانه - أفضلية لبعض اللغات على غيرها، ومما لا يحيد عنه محيد أن الله عز وجل جعل اللغة العربية سيدة وشامة على غيرها من اللغات؛ إذ اختصها لكتابه الكريم دون غيرها.

والقرآن الكريم حافل بما يدل على أن الله سبحانه وتعالى اختار اللغة العربية وقدَّمها على غيرها من اللغات؛ فالعربية فيها ما لا يوجد في غيرها من البيان والسحر والمرونة، وكما قال شوقي:

إن الذي ملأ اللغاتِ محاسناً 

    جعل الجمالَ وسرَّه في الضاد

كذلك من المعلوم أيضاً أن الله سبحانه وتعالى لم يرسل نبياً إلا بلسان قومه، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] والله جعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم  خاتماً للأنبياء، وجعل رسالته عالمية. واختيار الله تبارك وتعالى لهذه اللغة لم يكن هباءً أيضاً؛ بل هي خالدة بخلود القرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه وصيانته.

والسؤال الذي يفرض نفسه إذا كانت العربية من اللغات السامية؛ فلماذا تأخرت دونهم في الانتشار؟ وهل هي لغة عالمية تواصلية مستخدمة؟

للإجابة عن هذا السؤال يعد واضحاً من خلال ما قدمنا آنفاً من نزول الوحـي بهـا، فهي ليست مقدمة على اللغات السامية فحسب؛ بل على كل اللغات.

وأما عن عالمية اللغة فهي ولا شك لغة عالمية تواصلية مستخدمة ويتجلى ذلك من خلال عدة أمور:

أولاً: اللغة العربية من أغزر اللغات من حيث المادةُ اللغويةُ؛ فالجذر الواحد ينبثق منه الكثير من الكلمات التي تعد خادمة للمتعلم وميسرة عليه استعمالها. ليس ذلك فحسب؛ بل إن المفردة الواحدة يتغير معناها بتغير مبناها، فإذا ما نظرنا - مثلاً - لبيت المتنبي نجد كم فيه من البلاغة وكيف أن اختلاف حركة الكلمة غيرت دلالتها تماماً حيث يقول:

أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ

إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ

ألم: من التألم للمرض، ألمَّ: أي أحاط بي، ألم: الهمزة للاستفهام ولم نافية، أُلمَّ: أي أحيط به، إن: شرطية، آنَ: من الأنين، آن: مريض، آن: بمعنى حان لي بشفائه: حان وقت شفائه.

والمعنى العام: «لقد أحاط بي ألم لم أعرفه من قبل إن جاء وقت شفائه من الله فقد آن ذلك له».

ولهذا مما تمتاز به العربية أنها قادرة على خلق مفردات جديدة بمعانٍ مختلفة، فهي دائماً في نمو دون غيرها من اللغات الأخرى، وتأكيداً على ذلك نجد - مثلاً - أن معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر يحتوي على أكثر من 80 ألف مادة، بينما يحتوي قاموس صموئيل جونسون للغة الإنجليزية - وهو من أوائل من وضع قاموساً إنجليزياً من القرن الثامن عشر - على 42 ألف كلمة. بل قد ورد في (المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للعلَّامة العراقي جواد علي، والذي نقل أن عدد مفردات العربية هو 12 مليوناً و 305 آلاف و 52 مفردة، وهي بذلك، أغزر لغة في التاريخ بعدد مفرداتها، ويعود سبب غناها في الألفاظ إلى كثرة وجود المترادفات فيها، التي هي من بقايا لغات قبـائل، وإلى خاصية جذور الكلم فيها في توليد الألفاظ الجديدة بتحريك هذه الجذور[1].

ثانياً: دخول البشر أفواجاً في الإسلام ومن ثَمَّ إقبالهم على تعلم العربية حتى يستطيعوا فهم القرآن الكريم والعلوم الإسلامية. وليس الأمر مقصوراً على الدين الإسلامي فحسب؛ بل إن بعض الأديان الأخرى - كالنصرانية مثلاً - حريصة على تقديم كثير من شعائرها باللغة العربية.

ثالثاً: إقبال المتعلمين عليها سواء من العرب أو الأجانب؛ فالدراسات تشير إلى أن العربية أصبحت من أكثر اللغات انتشاراً في العالم، وذلك بسبب الإقبال على تعلمها، هذا أمر. أما الأمر الثاني: فقيام العديد من الجامعات والمعاهد باختصاص قسم من أقسامها لتعلم اللغة العربية وتعليمها.

رابعاً: يعد التبادل الطلابي بين العرب مع غيرهم الأجانب من أهم العوامل لانتشار العربية.

خامساً: الحروب والثورات التي انتشرت في الفترة الأخيرة فكان هذا داعياً لهجرة كثير من العرب إلى الدول غير الناطقة بالعربية، ولا شك أن البعد عن الحروب جعل الملايين يهاجرون إلى بلاد أخـرى أكثر أمناً. ومن الملاحظ أن هجرة الكثير من الدول العربية وغيرها لم يقف على عتبة البحث عن الأمان فقط؛ بل كانوا مؤثرين فيهـا، فقد ساعدوا في إنشاء كثير من المراكز الإسلامية وتعليم الناس القرآن واللغة العربية كما هو حال المهاجرين من الجزائر والمغرب وتونس في فرنسا، وهجرة أهل سوريا في السنوات الأخيرة إلى ألمانيا وأمريكا وغيرها.

سادساً: كذلك البعد الاقتصادي والحصول على حياة كريمة جعل عدداً كبيراً من المهاجرين يتركون ديارهم، ولا شك أن هذا أدى لزيادة في التواصل التجاري والاجتماعي وغيرها. وكذلك هجرة الأجانب إلى الدول العربية كهجرة كثير من دول شرق آسيا كالهند وبنغلاديش وغيرهما بحثاً عن عمل أو للسياحة والتنزه... كل هذا أدى لازدهار تعلم العربية.

سابعاً: الدور الذي تلعبه المؤسسات الكبرى مثل الأزهر الشريف وإرسال كثير من علمائه إلى الدول الأجنبية ساعد في تعلم اللغة العربية.

كل هذه الأسباب كانت مؤثرة في عالمية العربية، فهي لغة رسمية في كل دول الوطن العربي، ليس هذا فحسب؛ فقد قامت كثير من البلدان الأجنبية بإنشاء أقسام لتعلمها، ففي أمريكا قد جعلتها ضمن اللغات الست المعتمدة لديها. وهي (الإنجليزية، والإسبانية والعربية، والفرنسية، والروسية، والصينية)، وجعلت لكل منها يوماً عالمياً للاحتفاء بها. وأمَّا فرنسا فقد بدأ تدريس اللغة العربية فيها منذ عام 1587م وَفْقاً لرغبة الملك فرانسوا الأول.

فالمتحدثون باللغة العربية أكثر من 422 مليون نسمة يتوزعون في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا وإثيوبيا والسودان وإيران ودول شرق آسيا كماليزيا وغيرها من البلدان. كما تستعمل لغة ثانية لما يناهز 540 مليون نسمة.

وعلى الرغم من كل ما ذكـرنا آنفاً إلا أن هناك بعض العقبات التي تقف حائلاً دون تعلم اللغة العربية، منها:

أولاً: تعتبر الأوضاع السياسية عائقاً أمام تعلم اللغة العربية، فدخول المستعمرين للدول العربية جعلهم يفرضون لغة الاستعمار وجعلها أحياناً اللغة الرسمية للبلاد.

ثانياً: تشكل قلة الموارد التعليمية المستخدمة في تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها خطراً على الوصول للنتيجة المطلوبة في تعلم العربية.

ثالثاً: تعد قلة استخدام الوسائل التفاعلية والتواصلية في تعلم العربية حاجزاً كبيراً.

رابعاً: إدخال التكنولوجيا الحديثة في تعلم العربية لم يكن بالقدر المطلوب.

خامساً: تحتوي بعض التطبيقات التي تساعد في الترجمة إلى العربية على بعض الأخطاء سواء في النطق أو الترجمة.

وللوقوف أمام كل هذا ينبغي معالجة كل هذه الأمور، وإدخال التطبيقات التكنولوجية بقدر المستطاع والاستفادة منها في تطوير تعلم اللغة العربية. وأيضاً إعداد معلمين، وتدريبهم بشكل مناسب، وتحسين قدرتهم، واستخدام الوسائل الحديثة التي تمكنهم من تعليم غير الناطقين بالعربية.

ومن المقترحات: تطبيق اختبارات وتدريبات على غرار (التوفيل) لتعلم العربية مثلما يحدث في الإنجليزية، وإعداد برامج تحتوي على (التحدث، والكتابة، والاستماع، والمحادثة، وفهم القواعد) تعين الأعجمي في تعلم العربية.

 


[1] ينظر: جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (16/ 169، 170)، دار الساقي، الطبعة: الرابعة 1422هـ/ 2001م. بتصرف.

 

 


أعلى