• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أبعاد التدخل العسكري الأجنبي بليبيا

أبعاد التدخل العسكري الأجنبي بليبيا

مع اشتداد الأزمة الليبية ظهرت أصوات عربية وعالمية تدعو إلى فرض منطقة حظر طيران فوق الأجواء الليبية من أجل وقف نزيف الدماء في ذلك البلد العربي المسلم الذي مارس ضده الطاغية الليبي معمر القذافي أبشع أنواع الجرائم، واستخدم ضد شعبه الطيران والمدافع الثقيلة من أجل تثبيت دعائم حكمه على شعبه الذي يدعي أنه لا يحكمه! ومع تصاعد تلك الدعوات برزت مخاوف عديدة بشأن خطورة التدخل الأجنبي في ليبيا، بعد أن قررت الولايات المتحدة التدخل العسكري من أجل فرض حظر جوي، وذلك تطلب بالضرورة توجيه ضربات انتقائية لمواقع الدفاع الجوي الليبية من أجل أن تتاح السماء الليبية للطيران الأمريكي للفرض الناجع لحظر الطيران، وبالرغم من خطورة تلك الخطوة على الأوضاع الاستراتيجية في المنطقة، إلا أن الكثير من العرب شعوبًا وحكومات باتوا يؤيدون خيار فرض الحظر الجوي على ليبيا والتدخل بأي صورة من أجل وقف حمامات الدماء هناك. وقد برزت أصوات من الداخل الأمريكي تردس أبعاد تلك الخطوة، من بينهم المحلل السياسي الأمريكي جيمس تروب الذي كتب مقالاً في دورية فورين أفيرز[1]، يقول فيه أن التدخل الأمريكي الآن يتناسب مع السياق العام من أجل نجدة الشعب الليبي، ويضرب أمثلة على تاريخ التدخلات الأجنبية في الدول لأغراض إنسانية وأبعاد ذلك التدخل.

فيقول أنه في سبتمبر عام 1999 وفي أعقاب التطهير العرقي الوحشي الذي اقترفته القوات الصربية ضد السكان المدنيين في كوسوفو، خاطب سكرتير عام الأمم المتحدة كوفي عنان الجمعية العامة لمجلس الأمن للنظر في التدخلات الأجنبية في شئون الدول لأغراض إنسانية، وقال عنان آنذاك أن الخلاف الذي نشب حول الرد الأنسب لتلك الفظائع "كشف عن لب التحدي أمام مجلس الأمن وأمام الأمم المتحدة بكاملها في القرن القادم، ذلك التحدي يتمثل في صياغة توليفة مقبولة من أجل حشد الجهود لدعم رفض الانتهاك الجسيم والممنهج لحقوق الإنسان ـ في أي مكان في العالم ـ وأنه يجب ألا يتم السماح به تحت أي ظرف". وقد قوبلت خطبة عنان بحماس شديد في الغرب، ولكن ليس في العالم الثالث، وقد رد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مجلس الأمن آنذاك بصورة حادة قائلاً أن "التدخل في الشئون الداخلية يمكن أن يتم فقط بموافقة الدولة محل المشكلة".

ويضيف الكاتب أنه منذ ذلك الحين ظل الجدال حول التدخل لأهداف إنسانية يدور حول نفسه، فالقادة والمفكرون الغربيون ـ بمن فيهم عنان والذي تشكلت رؤاه وأفكاره لعدة عقود نتيجة خدمته الدولية وليس نتيجة قضائه لطفولته في غانا ـ قد دعموا الأسباب الأخلاقية للتدخل في نماذج مختلفة من أجل منع أو وقف المذابح. أما الدول الأخرى والتي شهدت احتلالاً في السابق ونجحت في التحرر من الاستعمار من دول العالم الثالث، فقد تمسكت بسيادة الدول على أراضيها وعدم التدخل الأجنبي.

وقد تبنت الدول عام 2005 مبدأ مسئولية الحماية الدولية والذي أدى إلى تخفيف حدة الانقسام بعد أن خلصت الدول الأعضاء إلى تغيير حق الدول في التدخل إلى تعهد كافة الدول بمنع المذابح في أي مكان، ولكن ظهرت مشكلات في كل من بورما والسودان وزيمبابوي ومناطق أخرى من العالم، وفي كل تلك المشكلات ظلت مشكلة السيادة وانتهاكها هي المهيمنة على النقاشات مرة أخرى، فاتخاذ إجراء فعال ضد الدول المعتدية ظل مستحيلاً في ظل إصرار دول الجوار لتلك الدولة على عدم التدخل وهو ما يعني ضمنيًا حماية الطاغية المنتهك لحقوق شعبه.

وظل الوضع على ذلك المنوال حتى بدأت المناظرات تحتدم حول التدخل في ليبيا، فقد التزم الدبلوماسيون الروس بسيادة الدول وعدم انتهاكها، في حين أن الدول العربية ولدهشة الجميع لم تلتزم بذلك المبدأ، بل إن بعض القادة العرب الذين حموا قتلة مستبدين من وجهة نظر الغرب أمثال الرئيس السوداني عمر البشير هم الذين دعوا الغرب لاتخاذ إجراءات قوية للإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، وفي الأيام الأخيرة دعا قادة مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى إنشاء منطقة حظر طيران فوق ليبيا. وبعد بدء القذافي لهجومه على المدنيين العزل، أصدرت وزارة خارجية قطر ـ والتي تحافظ على علاقات متساوية تقريبًا مع كافة الأطراف في الشرق الأوسط ـ بيانًا انتقدت فيه "صمت المجتمع الدولي على الأحداث الدامية في ليبيا".

ودعوة جيران ليبيا إلى فرض منطقة حظر طيران ليست فكرة جيدة في ذاتها، فهم في النهاية لن يفعلوا شيئًا سوى التصويت على القرار، أما جل العمل المتبقي فستنفذه قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وهذا يعني فعليًا أن أمريكا وحدها هي التي ستقوم بذلك العمل، لأنها تمتلك المصادر التي تستطيع تنفيذ ذلك الحظر الجوي في المنطقة، ولكن في الوقت ذاته يمكن لكل من روسيا والصين الاعتراض على تفويض مجلس الامن باتخاذ مزيد من الإجراءات، ولكن في تلك الحالة فإن الدعم العربي سيمثل أكثر من مجرد تصريح لمجلس الأمن بفرض حظر الطيران، فالقذافي حينئذ من المؤكد أنه سيصف نفسه بأنه ضحية لهجمات غربية صليبية، ولكن تلك الحجة سيتم دحضها إذا وقف ضدها العرب والثوار الليبيون أنفسهم علانية، ولكن حتى الآن فإن الولايات المتحدة غير متأكدة من مدى التزام تلك الأطراف بذلك، ولكن القبول العربي في حد ذاته سيزيل العقبة السياسية الأكبر أمام اتخاذ أفعال على الأرض وليس الجو فقط.

ويتساءل الكاتب: هل يجب على الناتو أن يجبر جيران ليبيا الغاضبين بقبول ذلك؟ فبعيدًا عن الصعوبات التقنية التي تحدث عنها وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس، والتي شعر معارضو التدخل أو فرض حظر طيران على ليبيا بالرضا عند ترديدها وتكرارها، فإن الشيء الصادم هو ما تحدث عنه كبير أطناب الجيش السابقين كولن باول ليقارن بين التدخل العسكري في البوسنة عام 1993، حيث قال أن حظر الطيران ربما يكون الحل الخطأ للأزمة الليبية، فقوات القذافي استخدمت القوة الجوية في قصف الثوار ولكنهم بالإضافة إلى ذلك لا يزالون يتمتعون بميزة عسكرية متفوقة وحاسمة ضدهم، وفي حال فرض حظر جوي فإن الطيارين الأمريكيين سيجدون أنفسهم في الجو يتفرجون بلا حول لهم ولا قوة بينما تقوم القوات الأرضية الليبية بسحق المعارضة، كما كان الحال عند فرض أمريكا الحظر الجوي على العراق في أعقاب حرب الخليج عندما قامت قوات صدام بسحق المعارضة الشيعية في الجنوب.

فلا جدوى من حظر الطيران إلا إذا كان القادة العرب والغربيون على حد سواء مستعدون للخطوة التالية. وهذا سيكون نوع من الضربات الجوية التي أدت في النهاية إلى استسلام سلوبودان ميليسوفيتش عام 1995: ضربات ضد أماكن احتشاد وتجمع القوات الليبية وضربات ضد أنظمة الخنادق والدفاع الجوي وما شابه ذلك. وهذا سيكون عمل حربي صريح، بالرغم من أنه لن يتم وضع قدم جندي أجنبي على أرض ليبيا. والهدف بالطبع لن يكون إقناع القذافي بالتفاوض، ولكن نموذج هتلر سيكون هو الأقرب، حيث سيتؤدي تلك الضربات إلى تحطيم معنويات قواته وبالتالي تضييق الهوة بين حكومته وبين الثوار وبالتالي يمكن انحيازهم إلى المعارضة لتجنب سكب الدماء، وهذا قد لا يستغرق وقتًا طويلاً، ولكن بالطبع يجب على مخططي الحرب أن يفكروا في السيناريوهات الأكثر سوءًا، فالثوار غير منظمين على الإطلاق، والقذافي ورجاله يائسون للغاية، وطبقًا لتقرير أخير نشرته النيويورك تايمز، فإن القذافي لديه ما يكفي من الأموال لدفع رواتب ميليشياته لفترة طويلة قادمة.

ولكن هل الأمر يستحق هذا العناء؟ فإذا حظي التدخل الغربي بدعم كامل من الجيران وإذا كان لدى الغرب فرصة معقولة للنجاح العملياتي، فهل هذا سيمثل استخدامًا جيدًا للمصادر العسكرية الأمريكية؟ فليس مهمًا للأمن القومي الأمريكي من الذي يحكم تلك الدولة الصحراوية، وبالرغم من أن القذافي قد ارتكب بوضوح مذابح فظيعة، إلا أنها لا يمكن مقارتنها بتلك التي ارتكبها البشير أو روبرت موجابي في زيمبابوي، أو على يد فصائل الكونغو الديموقراطية. لذا فإن أسباب التدخل من النواحي الاستراتيجية أو الإنسانية ليست مقنعة للغاية، لذا مرة ثانية لماذا تقوم أمريكا بذلك؟

الإجابة هو لأن ذلك سيكون هو الشيء الصحيح والإيجابي للولايات المتحدة: سيكون الشيء الصحيح لأن قوات أمريكا والناتو يمكن أن توقف طاغية مستبدًا من قتل شعبه وإنهاء حكمه الدموي؛ فالتدخل العسكري الغربي في الكونغو لن يحل المشكلة، في حين أن التدخل العسكري في دارفور يمكن أن يؤدي إلى انتكاسة خطيرة في العالم الإسلامي، لكن ليبيا حالة يمكن أن تجدي معها القوة وسيتم استخدامها فقط بعد أن ثبت أن استخدام الأدوات الناعمة وغير القسرية غير مجد؛ كما أن ذلك سيعود على أمريكا بالنفع لأن الولايات المتحدة سوف تضع قوتها العسكرية في خدمة العالم العربي من أجل تحرير شعوب عربية.

وبالطبع أن هناك احتمالاً أن يذهب كل شيء في تلك الخطة في الاتجاه الخاطئ؛ فالجامعة العربية يمكن أن تغير رأيها بمجرد أن يتم تفجير بعض الخنادق، أو أن يتم إسقاط طائرة، أو يذهب صاروخ في الاتجاه الخطأ ويقتل مدنيين، أو أن يؤدي انتصار الثوار إلى إلقاء ليبيا في الفوضى أو إلى تحكيم الشريعة الإسلامية أو الرجوع إلى حكم سلطوي كاريزمي مرة ثانية. كما أن الضربات الجراحية ـ مثلها مثل فرض منطقة حظر جوي ـ يمكن أن تثبت أنها غير مجدية، فماذا ستكون الخطوة التالية إذن؟ تدخل على نطاق واسع؟ (هذه نقطة غير ممكنة لأن الجيران لن يوافقوا) ولأن أي من تلك الأمور يمكن أن يحدث، فإن العقلانية تفيد أن صناع السياسات في الولايات المتحدة يجب أن يفكروا مليًا في تلك الدعوة من أجل التحرك العسكري في ليبيا.

وبالطبع يأمل مسئولو البيت الأبيض أن ينتصر الثوار بمفردهم، والجميع يتمنى ذلك، ولكن إذا استمر الثوار في التعثر، كما يبدو أنه حاصل الآن، فإن الرئيس باراك أوباما سيجد نفسه مجبرًا على الاختيار إما إيجابيًا أو سلبيًا، وقد تعلمنا من الماضي أن مثاليته لا يفوقها سوى حذره! لذا من الصعب للغاية التنبؤ بأي طريق سوف يسير فيه باراك أوباما.

  

 


  

أعلى