"حماس" وأزمة "داعش" في سيناء
في الأيام القليلة الماضية استنفرت حركة "حماس" في قطاع غزة عناصر أجهزتها الأمنية كافة من بينها كتائب الشهيد عز الدين القسام و كذلك جهاز "مجد" ذو الطبيعة المعلوماتية، تزامن ذلك مع تحليلات صهيونية كثيرة تشير إلى إحتمال وجود حرب قادمة لاسيما وأن رئيس هيئة الأركان في الجيش الصهيوني قدم تقييماً أمنياً يفيد بأن قطاع غزة يقترب من كارثة إنسانية قد تنفجر بأي لحظة وتتحول إلى حرب لا يريدها الطرفان، بحسب هيئة الأركان الصهيونية. كذلك كان هناك استعدادات لمناورات أمريكية صهيونية مشتركة على نطاق واسع، لكن الاستنفار في غزة لم يكن له علاقة بما كان يدور في الكابينيت الصهيوني، بل كان له علاقة بالعمق الأمني الآخر لقطاع غزة، وهو شمال سيناء، المحلل العبري شمعون آران ذكر أن قوات الأمن المصرية اعتقلت 18 داعشياً كانوا يحاولون الدخول إلى قطاع غزة وتنفيذ هجوم يستهدف المسجد الأبيض في مخيم الشاطئ، وهو المسجد الذي يصلي فيه رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية.
ماورد على لسان شمعون آران لم يكن بعيداً عن ما قالته مصادر في قطاع غزة، حيث جرى التحقيق مع الكثير من مالكي الأنفاق المنتشرة على الحدود بين قطاع غزة ومصر، بشأن تهريب 12 أفغانياً ينتمون لتنظيم "داعش" إلى داخل قطاع غزة، و نشر الكثير من الحواجز في مدن القطاع بحثاً عنهم، وهذا الأمر يتزامن مع مقطع فيديو نشره تنظيم "داعش" في سيناء حول إعدام ما قالت إنه " المرتد موسى أبو زماط" بتهمة مساعدة "حماس" في تهريب أسلحة من سيناء لقطاع غزة. بالإضافة إلى هذا المقطع الذي نشر يناير الماضي نشرت وزارة الداخلية في قطاع غزة مقاطع فيديو منفصلة لأشخاص قالت إنهم تخلوا عن "داعش" بعد إكتشافهم أنه تنظيم مخادع ويخدم السياسيات الأمنية الصهيونية، ويقومون بسلوكيات منافية للشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى تركيز التنظيم على استهداف البضائع و السلع المتجهة لقطاع غزة.. تلك الإعترافات تؤكد أن معركة "حماس" القادمة لن تكون مع الجيش الصهيوني بقدر ما ستكون مع "داعش"، وهذا الأمر ما قد يكون جزء من الأجندة الأمنية المصرية في المرحلة القادمة، فقد عقدت سابقاً إجتماعات بين كبار مسؤولي المخابرات المصرية وقيادات من كتائب القسام في القاهرة بشأن ملف " الإرهاب في سيناء" حيث يدفع الجيش المصري ثمناً باهظاً هناك من خلال العمليات التي تنفذها "داعش" ضد جنوده ومقراته الأمنية. وأسفرت تلك الإجتماعات عن قيام "حماس" بإجراء تعزيزات على الحدود بين البلدين في نوفمبر 2014 خلال مفاوضات المصالحة التي عقدت في أكتوبر 2017م، وقدمت "حماس" مساعدة أمنية للأجهزة الأمنية المصرية على صعيد ملاحقة العناصر الإرهابية في سيناء، لكن هناك حقيقة لا يجب أن يتم تجاهلها خلال الحديث عن سيناء التي انسحب منها الجيش الصهيوني بموجب اتفاقية كامب ديفيد 1979م، وهي أن منطقة شمال سيناء التي تحدها الحدود الصهيونية و الفلسطينية المشتركة تمثل عمقاً امنياً كبيراً للطرفين، فهي المورد الوحيد للسكان المحاصرين في قطاع غزة و للمنظمة الفلسطينية المسلحة، وهذا الأمر جعلها عمقاً إستخبارياً كبيراً للموساد الصهيوني، بالإضافة إلى أن النظرية الدينية اليهودية تجاه سيناء لا تزال لم تتغير بإعتبارها جزء من "إسرائيل الكبرى" لذلك نشر الفوضى الأمنية فيها جزء من مخطط إفراغها وعدم السماح لتجمعات سكانية مصرية فيها مصلحة صهيونية كبرى. لذلك لا يستبعد أن تستثمر الأجهزة الأمنية هذه المنطقة لصالح الضغط على قطاع غزة و حركة "حماس" في معركة مع "داعش" في سيناء لكن ملامح هذه المعركة وحدود المواجهة هل ستكون أيضاً وفقاً لرغبة مصرية سيكون لها تأثيرها إيجابياً على الجانب المصري الذي يعاني من نفس الأزمة.