أهالي الفلوجة يواجهون الموت البطيء

أهالي الفلوجة يواجهون الموت البطيء


بعد انطلاق عمليات السيطرة على مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، غربي العراق، في 23 أيار/مايو الماضي، قامت القوات العراقية بحث الناس على الخروج من المدينة، الأمر الذي تسبب في نزوح الآلاف من المدينة إلى المخيمات البديلة في منطقة عامرية الفلوجة (المجاورة) والمدينة السياحية في الحبانية (القريبة) لم يكن حلاً كافياً للأزمة، إذ لم يكن حالهم بعد النزوح بأفضل من قبله، فنقص المساعدات الإغاثية والطبية وحرارة الصيف في خيامهم البسيطة انهكت الأطفال وكبار السن منهم.

وبعد موجة النزوح الأخيرة، راحت آلاف الأسر تفترش الصحراء نتيجة اكتظاظ المخيمات بالنازحين، ونفاذ المساعدات الغذائية والمعيشية، ما جعلهم يواجهون الموت البطيء خاصة ان عددا كبيرا منهم لا يحبذ العودة للمدينة في الوقت الراهن نظرا لحالة الخراب الكبيرة التي تعيشها.

ملف النازحين الفارين من الموت في عامرية الفلوجة ومدينة الحبانية السياحية، "موضوع ذو شقين"، حسبما أفاد، قائممقام مدينة الفلوجة عيسى ساير العيساوي.العيساوي، أوضح أن إحدى حالتي النزوح "حدثت من مناطق الفلوجة بعد 20 أيار/ مايو 2016، خرج خلالها ما يقارب ألف شخص من المدينة باتجاه العامرية والمدينة السياحية في الحبانية".

أما الحالة الأخرى، والكلام للعيساوي، فقد "حدث قبل هذا التاريخ، وأعداد المواطنين فيها كبيرة جدا لم نتمكن من حصرها في تلك الفترة، بسبب الوضع الأمني حينها (تقارير تقدر عددهم بآلاف الأسر)".

وعن أعداد النازحين، خلال العمليات العسكرية الخاصة بتحرير المدينة، قال العيساوي، إن "أغلب سكان أحياء المناطق في، نزال، وجبيل، والشهداء، والمركز، والبوهوى، وحصي، والنساف، والبو علوان، والمحامدة، والفلاحات، والبونمر، والبوفهد (جميعها بالفلوجة)، قد نزحوا إلى مخيمات عامرية الفلوجة والمدينة السياحية في الحبانية المحاذية لمنطقة الخالدية".

وبخصوص المنشآت الحيوية الخدمية في مدينة الفلوجة، أوضح قائممقام المدينة، أن "محطات الماء والمجاري والكهرباء، تعاني من خراب كبير، لكن الشوارع العامة في الأحياء السكنية تضررت بنسب أقل تصل إلى 20%". ويصل تعداد سكان الفلوجة في مركز المدينة 300 ألف نسمة، ومع إضافة سكان النواحي والأطراف يصل العدد إلى 650 ألف نسمة.

ولتسهيل عودة النازحين وتشجيعهم على العودة، يجري العمل الآن، بحسب العيساوي، على "إعادة الخدمات والمباشرة بإصلاح جسر الفلوجة الكونكريتي (الجسر الجديد الهام)، وأيضا إصلاح محطة الماء الرئيسية التي تغذي 80% من مدينة الفلوجة، إلى جانب عمليات تنظيف الطرق والأحياء".

وتعهد قائمقام المدينة، "بألا تكون المدة طويلة في إعادة النازحين إلى مناطقهم". ورغم هذه الجهود، فإن أهالي الفلوجة المتواجدين بها يعيشون حياة مأساوية للغاية تماما مثل النازحين، فلم يعد هناك أي مظاهر للحياة، في الوقت الذي يطلق السكان نداءات استغاثة إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة وجميع المنظمات المعنية بحقوق الإنسان لإيجاد سبل تخلصهم من تلك المأساة.

ويعاني مستشفى المدينة العام نقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات الطبية، وعدم القدرة على إجراء العمليات للمصابين ونفاد مادة التخدير المهمة في الوقت الحالي، حسب أطباء تحدثوا لمراسل الأناضول، وطلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، خشية التعرض لهم من جهات لم يسمونها.

معاناة أهالي الفلوجة لا تزال مستمرة، باستمرار نزوحهم إلى مناطق عديدة، قسم منهم إلى الإقليم الكردي شمالي العراق، حيث يعيشون في مخيمات ويعانون من ضنك العيش، في ظروف لا تتوفر فيها أبسط مستلزمات الحياة، مثلما يعانون من عدم وصول الرواتب أو تأخرها للعاملين في الدولة، إضافة إلى مشاكل إدارية وأخرى تتعلق بالصحة والتعليم، على حد قول عدد من النازحين.

أما الذين اتجهوا نحو بغداد، فكانوا عرضة للابتزاز، كما يقول بعضهم، خصوصا عند مشارفها، حين يطلب منهم، تقديم كفلاء لتزكيتهم وكفالتهم، كي لا يكون "داعش" الذي هربوا منه، قد تسرب من خلالهم.

وعن الحال في مخيمات النازحين القريبة من الفلوجة، أعلن عضو مجلس محافظة الأنبار، راجع بركات العيساوي، عن وقوع حالات إغماء بين أفراد الأسر النازحة في مخيمات عامرية الفلوجة والمدينة السياحية، نتيجة الارتفاع الشديد في درجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين احيانا.

وأضاف أن "مخيمات النازحين شهدت انقطاع في التيار الكهربائي، الأمر الذي زاد من معاناة الأسر النازحة التي تعيش في وضع مأساوي صعب للغاية جراء قلة الدعم المقدم لهذه العوائل من الجهات المعنية".

وفي ملف النازحين الأمني، يقول العيساوي، إن "النازحين في المخيمات يتعرضون لعمليات تحقيق مستمرة، إلى جانب اختفاء مئات الرجال بعد التحقيق"، لافتاً إلى أن "الانتماء والعمل مع داعش هي التهمة الجاهزة التي يختفي على إثرها الشخص الذي يجرون التحقيق معه".

وكشف عضو مجلس محافظة الأنبار، أن "المحتجزين في عامرية الفلوجة من أهالي الفلوجة وناحية الصقلاوية ومناطق البو علوان والنساف والحلابسة، تم إخلاءهم مع أسرهم خلال معارك تحرير المدينة من عناصر الدولة الإسلامية (داعش)، وتم عزل الرجال عن الأطفال والنساء".

وأعلن الفريق رائد شاكر جودت، قائد الشرطة الاتحادية العراقية، في 26 من الشهر الماضي، تحرير كامل مدينة الفلوجة، من سيطرة تنظيم "داعش"، نتيجة العملية العسكرية التي بدأتها القوات الحكومية في أيار/مايو.

وتولى فوجان من الشرطة المحلية والحشد العشائري مسؤولية إدارة الملف الأمني داخل الفلوجة، بعد تسلم الملف من جهاز مكافحة الإرهاب، فيما بقيت قوة من الفرقة 16 بالجيش العراقي تتخذ مقرات لها حول محيط المدينة.

وكانت الفلوجة أولى المدن التي سيطر عليها "داعش"، مطلع عام 2014 قبل اجتياحه شمالي وغربي البلاد صيف العام نفسه، وإعلانه "الخلافة الإسلامية" على تلك الأراضي إلى جانب أراضٍ سورية في الجانب الآخر من الحدود.

أعلى