الخلافات المتكررة وأزمة السياسة في الصومال

الخلافات المتكررة وأزمة السياسة في الصومال

الخلاف بات سمة تلازم الساسة الصوماليين منذ فترة ولم ينجح سياسي في إزاحة،هذا الكابوس الذي يؤرق مضجع كل رئيس يزف إلى القصر الرئيسي .فمنذ الاستقلال وتشكيل الجمهورية الصومالية في قسمي الصومال  (البريطاني، والايطالي)بدأت المناداة بإقامة كيان سياسي موحد يضم أرض "الصومال الكبير" للم شمل الصوماليين الذين قسمهم الاستعمار إلى خمسة أجزاء وأدى ذلك الطموح  إلى حرب طاحنة مع إثيوبيا عام 1964 على إقليم الصومال الغربي وبعد فترة هدوء اشتعلت الحرب من جديد عام 1977 ووصل الصوماليون مدنا بالعمق الإثيوبي  وبفعل الضغوطات التي مورست ضد القوة الصومالية من قبل الأمريكان كأكبر دولة مسيحية في العالم داعمة لإثيوبيا والتي هي أكبر دولة مسيحية في أفريقيا وتواجه دولة مسلمة انقلبت المعادلة في تلك الحرب وما تلاها حتى سقطت الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م بعد حرب دموية متزامنة مع مجاعة أودت بحياة الكثير، بعدها دخل الصومال في دوامة حروب أهلية أتت على الأخضر واليابس .

وبعدها دخـول الصومال في نفق مجهول وفي أتون حرب أهلية تبعتها حرب أيديولوجية ورافقتها وجود قوات أجنبية في فترات مختلفة بأسماء مختلفة، ولم تنجح المؤتمرات التي عقدت هنا وهناك في  إنهاء هذه الأزمة وإنقاذ البلاد من نكـبتها .

و تكونت دويلات مثل ( صومل لاند ) التي أعلنت الإنفصال من طرف واحد كدولة مستقلة على أراضي الصومال البريطاني  ونجحت في استقرار المناطق التي كانت تسيطر عليها؛ كما تكونت ( بونت لاند ) في الأقليم الشمالية الشرقية  وتمكنت من تثبيت الاستقرار لكنها بقيت صومالية ولم تعلن الانفصال كجارتها؛ وبعد ذلك تكونت جلمذغ ومازالت تتكون دويلات تكون جزء من الفيدرالية المنصوص عليها في الدستور الصومالي.

الخلافات المتكررة

لقد بات الشارع الصومالي متابعا للصراع السياسي بين قيادة الحكومة الفيدرالية في الآونة الأخيرة؛ هذا الخلاف لم يكن الأول ولكنه الأخطر فإزاحة رئيس الوزراء الأسبق عبدي فارح شردون ولصق التهم والتبريرات لسحب الثقة عنه كانت سهلة مقارنة في عبد الولي شيخ الذي استمات طيلة شهر أمام عاصفة الدولار محتميا بأحضان الغرب والمجتمع الدولي وثلة معدودة من النواب .

يُقال علنا وحتى على لسان نيكولاس كي مندوب الأمم المتحدة لدى الصومال أن الرشوة متفشية في أوساط المسؤولين لشراء الذمم، وهذه ظاهرة سيئة تضرب علي الأمل الجديد في الحكومة الرسمية بعد الإنتقاليات، وتفضح بصورة أو بأخرى الأساليب الملتوية المستخدمة لدى الساسة الجدد في قصر الرئاسة، وهذه التصرفات غير المتزنة تصبّ بالضرورة لصالح الفوضى والعودة إلى الوراء.

يحاول بعض المراقبين تصوير المشهد على أنّه صراع بين قبائل صومالية اقتسمت السلطة على نظام المحاصصة القبلية، ولكنّ حقيقة الصراع دوماً  بين كتلتين؛ كتلة الرئيس حسن شيخ محمود والتي تشمل وزراء وبرلمانيين من مختلف القبائل الصومالية جمعتهم المصالح السياسية ؛و يسعون إلى السيطرة على مقدرات البلد، وزرع أذرع لهم في كلّ مؤسّسات الدولة، وعلى رأسها القضاء والدويلات الفيدرالية وبين كتلة يقودها رئيس الوزراء الذي يأتي دوما بتعيين الرئيس ومصادقة البرلمان  عليه وما إن يباشر مهامه حتى تصطدم بين مصالحه ومصالح من سبق إليه في محل النفوذ والسلطة لتنشغل طاقات المسؤولين في حلقة مفرغة وصراع يؤخر مطالب وتطلعات الشعب بالتغيير والأمن والحريّة والعدالة الاجتماعيّة والتداول السلمي للسلطة.

نبض الشارع

شهد موقع التواصل الإجتماعي الفيسبوك معركة كلامية بين مؤيدي الرئيس حسن شيخ محمود ورفيقه وزير العدالة وشؤون الدستور في الحكومة المنتهية ولايتها فارح شيخ عبد القادر ومجموعتهم، وبين  أنصار رئيس الوزراء عبدالولي شيخ أحمد والكتلة البرلمانية المساندة له وبعض الوزراء من حكومته؛وأظهرت توغل السياسة في دم الإنسان الصومالي كما برزت شعبية كلا الفريقين وسواء كانت التأييدات منبعثة بدافع الإيمان بالحق والحقيقة أو بدافع القربى والقرابة أو بدافع أيدلوجي فإن المنشورات والتعليقات كانت تعكس مدى نضج الشارع الصومالي سياسيا وعلى الرغم من وجود حالات غريبة إلا أن مستوى نقاش كثيرين في المسألة عكست عن وعيهم التام للوضع الراهن في البلاد مع علم الجميع أن بوصلة السياسة على أيدي قوى خارجية تحركها كيف تشاء وقتما تشاء .

  وسبق تلاسن مؤيدي الطرفين، ظهور رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على الإعلام  بتصريحات متناقضة خاصة بعد قيام الأخير بتعديلات وزارية  طالت مقربين للأول لم يستطع أن يقبلها الأول وأدلى تصريحا علنيا في بيان مقتضب عن بطلان ماقام به رئيس الحكومة .

تثبت الخلافات المتصاعدة بين الرئيس ورئيس الوزراء أنها لم تكن وليدة يوم واحد فكل ما يجري مخطّط مسبقا أو على الأقل له قرائن سابقة فقد أقال رئيس الوزراء مدير هيئة الأمن القومي المقرب لرئيس الجمهورية دون علمه ولو لا تدخل أطراف خارجية لنشب الخلاف بينهم يومها قبل هذه المعركة الخاتمة وغالباً ما تظهر رسائل تعكس صراع الطرفين بعد كلّ خطوة غير متفقة بينهم.

وكان ينبغي أن يضع القادة نصب أعينهم المسؤولية الجسيمة على عاتقهم وبذل الجهد فيما يعود نفعه على الأمة :

1- انشغال القيادة الحالية عن مستقبل الوطن في صراعات داخلية  وضياع الوقت في متاهات لا طائلة تحتها بحيث كان المطلوب تسخير الطاقات نحو بناء الدولة واستقرار البلد وتوفير الخدمات وبذل كل الجهود نحو السلام والوحدة بدل التصارع على حطام بات ينتظر منهم الترميم .

2- ليس هناك جهود على حجم المسؤولية تحاول التوفيق بين التعديلات الدستورية وفق  الدستور والقانون وبين رغبات الدويلات الفيدرالية المتشككة عن التغييرات وأيضا السعي لإيجاد مخرج قانوني  وسياسي آمن لأزمة عدم التفاهم بين الفرقاء السياسيين المتواجدين في العاصمة والمتناثرين في أقاليم الوطن على أسس دستورية يسع الجميع وهو مما يتطلب من جميع الساسة في لعاصمة وفي الولايات الفيدرالية التفكر في تصحيح المسار ومن ثم التعاون على العمل من جديد .

3- رفض التسليم بالأمر الواقع والسعي إلى إخراج الوضع من النفق وتحقيق الهدف الذي ينشده المجتمع من خلال خطوات تهدئ المشاعر الملتهبة وتحفظ السلم الأهلي وتؤسس لدولة القانون مع الأخذ بالحسبان المؤثرات الداخلية والخارجية .

4- الإهتمام بالمسائل الجوهرية في رحلة البحث عن الحلول وتأتي المصالحة الحقيقية الشاملة على رأس الأولويات لنزع الشكك بين القبائل والجبهات  المتخاصمة ولم يحصل التوافق بينها.

5. فصل السلطات الدستورية  بين مؤسسات ومكاتب الحكومة بوضوح وأولها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والتقيد كل منهما في إطار اختصاصاته  في ظل روح ديمقراطية تشاورية وبصدر رحب بينهما .

محور الخلاف

القضاء الصومالي لم يحصل على استقلاليته بل كان مسيسا منذ سبعينات القرن الماضي إبان الإنقلاب العسكري إلى يومنا هذا و صار بحاجة إلى إنقاذ  هذا ما يردده المسؤولون في وزارة العدل والشؤون الدستورية وفي النيابة العامة  ويعقدون مؤتمرات ولقاءات تشاورية مع القضاة والمحامين وأساتذة القانون  في الجامعات في إصلاح القضاء وتشكيل مؤسسات العدالة وإنشاء قوانين لها، ويشكك البعض في استقلالية القضاء ونزاهته وبالتالي تعديل الدستور وفق رغبات ومصالح البعض .

وبعيدا عن أصداء الصوتين الصوت الذي يرى بأنه يبذل قصارى جهده في تطهير مؤسسات القضاء عن كل أشكال الفساد والصوت المتشكك فإن القضاء ومؤسسات العدالة في حاجة إلى إصلاح شامل وعليه أرى أن الخطوات التالية تشارك في العملية الإصلاحية :

1- استكمال الدستور وتعديل البنود  التي تدخل سلطات مؤسسات الدولة بعضها ببعض .

2- الابتعاد عن نظام المحاصصة القبلية  في اختيار الكفاءات والكوادر.

3- الدستور للجميع وعليه يلزم أن يشارك الجميع  سواء عبر التصويت أو عبر ممثلين له ومادام لا يمكن التصويت حاليا فالتشاور مع المسؤولين التقليديين والولايات الفيدرالية ورجال القانون مطلب أساسي لإنجاح عملية تعديل بنود الدستور بما يتوافق مع مصلحة الوطن العليا .

4- المبادرة إلى صياغة الفقه الإسلامي قانونيا بواسطة العلماء وبعقلية تتفهم روح العصر و المتطلبات المحيطة بالبلد من كل صوب وحدب.

5- إصلاح المحاكم والاهتمام بعلاقات المحاكم الفيدرالية بمحاكم الولايات ومتابعة تحركات الشرطة .

6- لاعقوبة إلا بنص ومادام كذلك فلا بد للإسراع بقانون العقوبات المناسب لهذه المرحلة ؛ فقانون مكافحة الإرهاب سيكون جزء من قانون العقوبات وعليه ينبغي الإهتمام بقانون العقوبات ككل وليس كأجزاء وفي حال دعت المصلحة إلى إنشائه كقانون مستقل فإنه يحتاج إلى طاقة وجهود أكبر.

7- تكوين لجنة قومية ملمة بالقانون ومقبولة لدى المجتمع للنظر في دعاوي الممتلكات الثابتة كالبيوت والأراضي الزراعية للبت في أمرها.

8- تكوين لجنة من الفقهاء غير الموظفين في سلك القضاء ولا في إدارة وزارة العدل لشرح الدستور والقوانين واستشارتهم إذا دعت الحاجة إلى ذلك .

أعلى