ملف خاص
لا شيء يخشاه الشعب
الفلسطيني في المفاوضات أكثر من أبو مازن نفسه، فعباس منذ أوائل السبعينيات وهو
يرفع شعار "السلام بأي ثمن". وقف في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1977
لحوالى 45 دقيقة وهو يدعو للتسوية؛ أي تسوية، وزرع رجاله في أكثر الممثليات
الفلسطينية، وكان الهدف اللقاء مع الإسرائيليين أينما وُجدوا. سبق السادات في عام
1972 في القول إن أوراق اللعبة بيد أمريكا، حين كان يصرّح بذلك في مجالسه الخاصة،
بينما زياراته لموسكو لا تتوقف.
قاد مفاوضات أوسلو
السرية، وما زال الشعب الفلسطيني حتى اليوم يدفع ثمن تنازلات ذلك الاتفاق، وبنوده
الغامضة القابلة لتأويل الأقوى. وقّع على "خارطة الطريق"، التي كانت رصاصة
أُطلقت على ظهر الانتفاضة الثانية. ينتقد عرفات بشدّة لعدم قبوله بما كان معروضاً
في "كامب ديفيد"، فشعاره دائماً الواقعية والقبول بالمطلوب.
قال إنه لن يستأنف
المفاوضات قبل تجميد الاستيطان، واعتبر حدود الرابع من حزيران/يونيو أساساً
للمفاوضات، رفضت "إسرائيل" تنفيذ هذين المطلبين، أصرّ أبو مازن، فظنّ
الفلسطينيون أن تغييراً حصل في ذهنيته في خريف العمر، لكن زيارة لوزير الخارجية
الأمريكية جون كيري إلى المنطقة كانت كفيلة بتراجع عباس، واستئناف المفاوضات مع
إعلان متزامن للكيان الصهيوني عن عزمه بناء آلاف الوحدات الاستيطانية. والأسوأ من
كل ذلك هو انطلاق المفاوضات على أسس جديدة على رأسها "عاصمة في القدس"،
وليس اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
محمود عباس، استأنف
المفاوضات في التوقيت الخطأ، كما في مدريد وأوسلو بعد انهيار عربي واحتلال أمريكي،
كذلك اليوم استأنف المفاوضات ويخوض تفاصيل اتفاق، والمنطقة تشهد اختلالاً
استراتيجياً لصالح الاحتلال. فأكبر جيوش المنطقة أصابها الوهن؛ الجيش العراقي جرى
تدميره، الجيش السوري في أسوأ ظروفه، قيادة الجيش المصري مشغولة هي أيضاً بأزمات
داخلية وصراع مع المنادين بالشرعية، الصراع المذهبي يتفاقم منذ احتلال العراق،
وتضاعف بعد اندلاع الأزمة في سورية، الاتفاق على نزع السلاح الكيماوي السوري،
الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، التسريبات حول لقاءات سعودية- إسرائيلية وأخرى
إيرانية- إسرائيلية.
هذا الاختلال قد يسمح
للكيان الصهيوني بفرض إملاءاته على المفاوض الفلسطيني، وقد يثير الاستغراب أن تقبل
قيادة السلطة بالتفاوض في ظل هذا الاختلال. لعلّ هذا ما تريده هذه القيادة، فهي
تعتقد، حسب مراقبين، أن تسويق الاتفاق في ظل ضعف عربي، وتحت ذريعة هذا الضعف، يكون
أسهل بكثير من الترويج له وتسويقه عندما يمتلك العرب أوراق قوة، أو تظهر علامات
حول بروز توازن قوى عالمي في وجه التفرّد الأمريكي وهو ما يسمح للفلسطينيين بتعويض
بعض الاختلال في الموازين. أليست ذريعة الضعف والتشرذم العربي كانت المطية لتسويق
"اتفاق أوسلو"؟
إذا نظرنا إلى العروض
الإسرائيلية فقد نصل إلى نتيجة بديهية بأن تلك العروض سوف تُرفض قطعاً من جانب أي
فلسطيني. لكن إذا دخلنا إلى عقلية وذهنية المفاوض الفلسطيني فإن الخشية من قبول
العروض الإسرائيلية قد تكون مبرّرة تماماً. فهذه العروض تنطلق من اعتبارين: الأول
أمني، والثاني سكاني. فالمفاوض الإسرائيلي طالب بالسيطرة على المعابر والحدود،
وعلى غور الأردن، وعلى محطات الإنذار المبكر المقامة على السفوح الشرقية لجبال
الضفة الغربية، وحدد الإسرائيليون فترة بقاء السيطرة الإسرائيلية على هذه المناطق
بـ 40 سنة، هي فترة الاتفاق الانتقالي الجديد.
ووفقاً للاعتبار
السكاني، طالب الجانب الإسرائيلي برسم حدود مناطق السلطة طبقاً لانتشار المستوطنات
والكتل الاستيطانية، ومرافقها الزراعية، والصناعية، والمائية، والخدماتية، والطرق
الموصولة إليها. وفي محاضرة ألقاها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نبيل شعث في
ذكرى 20 عاماً على توقيع اتفاق أوسلو، أعلن أن رئيسة الطاقم الإسرائيلي المفاوض
تسيبي ليفني قالت صراحة خلال المفاوضات إنها لا تستطيع عرض أي أفكار يرفضها رئيس
حزب المستوطنين في الحكومة نفتالي بينيت.
على عكس ذلك هو
المفاوض الفلسطيني، دخل المفاوضات رافضاً المقاومة، بكل تعبيراتها، وهو ما يُفقده
أداة الضغط الأهم على المفاوض الإسرائيلي. تنازل عن حق عودة اللاجئين قبل التفاوض
حول مستقبلهم، وحتى يهودية الدولة قال أبو مازن إن على "إسرائيل" أن
تختار شكل نظامها، وهو ما اعتُبر موافقة ضمنية حول يهودية الدولة، وما تعنيه من
كوارث على الشعب الفلسطيني، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في المناطق المحتلة عام
1948.
المفاوض الفلسطيني لا
يعد شعبه سوى باتفاق إطار، بعد أن أعلن رفضه للفكرة مرات ومرات. إنه اتفاق، إن
وُقّع، سيكون على غرار اتفاق أوسلو؛ القليل من التنفيذ، الكثير من الوعود، وإغداق
المليارات التي لا تنتج إلا مزيداً من بطاقات V.I.P ، ولتمضي
سنوات قبل البحث عن اتفاق إطار جديد.
:: البيان تنشر ملف خاص بعنوان ((
قضية فلسطين.. والصراع على القدس))