جيش الإنقاذ السُني
أنشل بابر - صحيفة هآرتس
الشاب السعودي يقف في رواق الفندق في انطاكيا المدينة
التركية التي أصبحت في السنتين الأخيرتين مركزا لعبور المتطوعين إلى سورية، يلبس الجينز
على الموضة، مع قميص هوغو بوس وصندل. ورغم المظهر السياحي فانه يبدي اطلاعا واسعا بتشغيل
مدافع بي.كي وقذائف الـ ار.بي.جي.
اسمه محمد وهو يدعي انه ابن 22، ولكن مع اللحية
الخفيفة لا يبدو أكثر من 18 سنة. انكليزيته ممتازة، وهو غير مستعد لأن يقول اسمه الكامل،
ولكن يسعده أن يروي انه جاء قبل ثلاثة أشهر من الرياض كي يتطوع كمقاتل في أحرار الشام،
منظمة الثوار السلفية، المدعومة من رجال أعمال سُنة من الخليج العربي تقاتل اساسا في
شمال سورية.
"جئت إلى هنا مع رفيق لي وعلى الفور كان هناك
مني حرص على اجتياز الحدود"، يروي ويضيف مبتسما: "ومنذئذ وأنا أقاتل في منطقة
ادلب. خرجت للراحة لعدة أيام ولقليل من التبضع".
لقد جاء من عائلة ثرية، وفي أيام الإجازة من القتال
يسكن في الفندق الطيب في انطاكيا. تبضعه هو خليط من شراء لمنتجات الراحة التي يحتاج
إليها في سورية وتزود بعتاد المعسكرات الضروري لمكوث طويل في الميدان.
أحرار الشام ، أحد أهدافها المعلنة، استبدال نظام
الاسد بدولة إسلامية. وتتعاون المنظمة مع الجيش السوري الحر العلماني. وخلافا لمنظمة
جبهة النصرة، المتماثلة مع القاعدة (التي تتعاون أحرار الشام معها ايضا)، تدعي المنظمة
أنها لا تؤمن بالجهاد العالمي. ويقول محمد: نحن لا نقاتل ضد الغرب، فقط ضد الشيعة.
وعلى حد قول محمد: "يوجد آلاف آخرون من المتطوعين
مثلي، ممن جاءوا من السعودية أو في طريقهم إلى سورية. وفي نظرهم لم تعد هذه حربا لتحرير
السوريين من حكم طغيان للاسد. اسم الأسد يكاد لا يطرح في الحديث مع المقاتلين الثوار
ممن خرجوا للانتعاش على الحدود التركية. نحو
سنتين ونصف السنة منذ اندلاع الحرب في سورية، في نظر العديد من المقاتلين في الطرفين
لم تعد المسألة هي إسقاط أو بقاء الأسد. في نظرهم الصراع أوسع بكثير، والرئيس السوري
هو مجرد لاعب ثانوي فيه، جبهة شيعية كبرى، مقابلها تقف جبهة سنية واسعة تضم متطوعين
من أرجاء العالم.
ومع أن الحرب السورية ولدت من مظاهرات من أجل الديمقراطية،
بدأت كجزء من صحوة الربيع العربي في بداية 2011، إلا أنها تحولت الآن إلى صيغة إسلامية
مثل الحرب الاسبانية في أعوام 1936و 1939. في الحرب إياها أيضا التي بدأت كصراع بين
الملكيين والجمهوريين على شرعية الحكم المركزي، اجتاز الطرفان عدة تحولات: فعلى الطرف
الملكي سيطر فاشيو فرنسيسكو فرانكو؛ وفي الطرف الجمهوري، ائتلاف مشوش من المنظمات الراديكالية،
الفوضوية والبرجوازية، نفذ الشيوعيون تطهيرا وحشيا للصفوف. ومثلما في اسبانيا، الحرب
السورية أيضا أصبحت بؤرة جذب لشباب مثاليين من عشرات الدول ممن تطوعوا للحرب في أعداد
متزايدة.
ولا يأتي المتطوعون الإسلاميون من الشرق الأوسط
فقط، بل أكثر فأكثر من دول إسلامية بعيدة كالشيشان، أفغانستان وباكستان، بل حتى من
دول في الغرب. وفي الأسابيع الأخيرة توجد تقارير عن مواطنين أمريكيين، بريطانيين وفرنسيين
قتلوا في القتال في سورية. في اسبانيا تنافست ألمانيا وايطاليا الفاشيتان مع الاتحاد
السوفييتي الشيوعي الذي زود السلاح، المستشارين العسكريين والمتطوعين للحرب الاسبانية.
تشبيه إضافي لاسبانيا في الثلاثينيات هو الوقوف جانبا من الدول الديمقراطية في الغرب.
هذه باتت حربا دولية، بصعوبة نرى سوريين يقاتلون،
قال حسين حسين، من سكان حلب فر في الاسبوع الماضي من القتال المستمر 11 شهرا في مدينته.
"الثوار يأتون من كل العالم، أفغانيين، باكستانيين، شيشانا، سعوديين وحتى متطوعين
من اوروبا والولايات المتحدة. من جانب الأسد لم نعد نرى تقريبا جنودا نظاميين، نرى
أساسا رجال حزب الله وضباطا إيرانيين. يوجد لبنانيون أكثر مما يوجد سوريون".
الجانب الشيعي يعزز في الأسابيع الأخيرة أيضا بمقاتلين
من العراق المجاور ممن يشاركون على حد قول لاجئين من شرق سوريا في القتال في المناطق
الكردية. ويقول حسين إن لاتحاد الأوروبي وأمريكا غير مستعدين لمنحنا السلاح. تركيا
تساعد قليلا، ولا سيما في استيعاب اللاجئين والجرحى في المستشفيات. وفي هذه الأثناء
يأتي حزب الله وإيران ويقتلون الأطفال لا يوجد من يوقفهم.
احتلال مدينة القصير الاسبوع الماضي التي سيطر
عليها الثوار على مدى سنتين، من قبل جنود موالين للأسد كان متاحا فقط بفضل التعزيز
الكبير من مقاتلي حزب الله ممن شاركوا في المعركة علنا لأول مرة. زعيم المنظمة، حسن
نصرالله، علل القتال في المعقل الاستراتيجي على الطريق إلى البحر المتوسط والمناطق
الشيعية في شمال لبنان، كجزء من مقاومة القوات الأجنبية التي تحاول السيطرة على بلاد
الأرز. وفي هذه الأثناء تكثر كل يوم التقارير والشائعات عن وجود رجال حزب الله حول
حلب، وفي مراكز قتال أخرى في أرجاء سورية.
ويلتقي التصميم اللبناني والإيراني على إبقاء سورية
كعنصر في المحور الشيعي، الذي يمتد من طهران إلى بيروت، يلتقي سياسة مشوشة في واشنطن
والعواصم الأوروبية. فإدارة اوباما تفعل كل شيء كي تشوش الاستنتاجات في موضوع الاستخدام
المزعوم للسلاح الكيميائي في سورية، كي لا تنفذ تهديدها حول اجتياز نظام الأسد للخط
الأحمر.
ففي اسبوع تلقت فيه المؤسسة الاستخبارية في الولايات
المتحدة ضربة في صورتها، مع كشف برامج المتابعة الالكترونية لوحدة الـ NSA قلل الاحتمال بتدخل أمريكي اكبر في سورية في المستقبل
المنظور. وتؤيد حكومتا بريطانيا وفرنسا، الوحيدتان في الاتحاد الأوروبي، وقف حظر السلاح
لكل الأطراف في سورية، وهما تجتازان أيضا أزمات سياسية محلية، والرأي العام فيهما يعارض
بشدة التدخل في سوري.
وحتى تركيا، التي وقفت علنا ضد الأسد في المراحل
الأولى من الانتفاضة، وتواصل كونها قاعدة خلفية للجيش السوري الحر، تبدي مظاهر التعب.
فرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان يواجه الآن اضطرابات في ميدان تقسيم في اسطنبول، وفي
مدن الحدود وقعت في الأشهر الأخيرة مظاهرات عنف ضد التأييد للثوار. عدد اللاجئين الذي
يتحدثون عنه في تركيا بلغ هذا الاسبوع نصف مليون. يبدو أن الرأي السائد في الدولة هو
أنها قد تخسر أكثر مما تربح من تدخلها في سورية.
‘مفهوم أني أشفق على السوريين’، يقول أصلان غوتشان،
رجل أعمال من مدينة تبعد نحو 60 كيلومترا عن الحدود. ‘ولكن في نهاية المطاف على السوريين
أن يهتموا بأنفسهم. انظر أي مستوى من التنمية الاقتصادية حققناها هنا في السنوات الأخيرة.
تركيا تزدهر ومحظور أن نعرض هذا للخطر’. وتتشدد السلطات التركية اليوم، أكثر بكثير
مما في الماضي، في نقل الإرساليات إلى الثوار في معابر الحدود.
وحيال الائتلاف الشيعي المتعزز فإن الحلفاء الوحيدين
للثوار هم دول الخليج العربي. فهذه مستعدة لمواصلة سكب مئات ملايين الدولارات على شراء
السلاح ونقله إلى آلاف المتطوعين للجهاد السني في سورية. طبيب أوروبي طلب عدم نشر اسمه
واسم منظمة المساعدة التي يعمل فيها، اهتم في الاسبوع الماضي لأيام عديدة بنقل إرسالية
عتاد طبي تم شرائها بمال سعودي. وفي النهاية حصل على الإذن بإدخال العتاد. "لا
نقص للمال من الخليج".
:: "البيان" تنشر ملف شامل ومواكب لأحداث الثورة السورية