• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التعليم في خدمة الإمبريالية التجربة التعليمية في عصر محمد علي (2-2)

هل مثل نشر التعليم في مصر مشروعا نهضويا حقيقيا؟ لماذا انقسمت النخبة المصرية حول مشروع محمد علي بين مؤيدين ومعارضين؟ ما أسباب انهيار حركة التعليم في مصر وإغلاق المدارس؟


لو أردنا أن نضع سمة مميزة أو عنواناً رئيساً للتجربة التعليمية في عهد محمد علي فلن نجد أفضل من وصفها بالاستعجال. فالرجل الطموح المسكون بأفكار التوسع وتأسيس إمبراطوريته الخاصة كان يعمل في بيئة إقليمية ودولية خطرة حافلة بالمتغيرات لم تكن لترضي بالوقوف ساكنة أمام ظهور قوة إسلامية-بالمعنى العام-جديدة تلعب دور الدولة العثمانية، فأراد أن يستعجل بناء قوته وذراعه العسكري لفرض سياسة الأمر الواقع وتجاوز خطوط الغرب الحمراء.

هذا الاستعجال دفع محمد علي لسلوك نظم مقلوبة وخطط عكسية وطرائق غير مألوفة للنهوض بالتعليم كان محصلتها النهائية وقت التقييم؛ قبض الريح!!

فالنظام التعليمي الذي تبناه محمد علي كان يهدف لإحداث تغيير شامل في حياه الناس ولكن في نفس الوقت كان معني ذلك هو تدمير لكل العادات التي نشأوا عليها دون إعطاء بدائل واضحة لهم. فالاستعجال لم يمنح الفرصة الكافية للطلبة لتكوين جذور ثقافية متينة، فقد كانوا يُسحبون من مدارسهم قبل أن يتموا تعليمهم بسبب حاجة الجيش لهم أثناء حروبه التوسيعية. بل إن سوق العمل في المجتمع المصري لم يستفد بتلك النهضة في شيء، فلم نر الطبيب المصري الذي يذهب إليه المصريون لتلقي العلاج أو المهندس الذي يشرف على أبنيتهم أو عمرانهم وكذا في سائر الصناعات والمهن!!

 

يرى مصطفى كامل أن محمد علي أيقظ القوي الحيوية في الأمة المصرية عن طريق التركيز على ضرورة نشر الوعي بأهمية العلوم والمعارف بوصفه من المواد الحيوية لإحياء الأمم وإعلاء قدرها، فقد ألقى محمد علي إلى الأمة المصرية السلاح الذي تحارب به الجهل

فالاستعجال ذهب بكل مزية للتجربة التعليمية في عهد محمد علي وهذا ما لمحه المؤرخ الفرنسي "ميريو" في كتابه "مصر المعاصرة" عام 1857م، حيث اعترف بقدر المصاعب التي واجهها محمد علي كي ينشئ نظامًا تعليميًا في مصر وأن ما خاضه يمثل عمل أجيال كاملة وليس سنوات معدودة.

ونظراً لكون نهضة التعليم كان مشروطة بخدمة الأهداف الإمبريالية فإن سنة 1840 م كانت بمثابة بداية انهيار تجربة محمد علي التعليمية وهي السنة التي أجبرت فيها القوى الغربية محمد علي والسلطان العثماني على توقيع معاهدة لندن والتي وضعت نهاية لطموحات محمد علي ومشاريعه الإمبريالية بإجباره على التراجع إلى حدود مملكته في مصر والسودان والتنازل عن كل مكتسباته في حروب الشام والتي استنزفت ثروات البلاد وزهرة شبابها، ووضع حد أقصى لقواته العسكرية تقدر بثمانية عشر ألف مقاتل بعد أن كان تعدادها يفوق الربع مليون مقاتل.

وقد كان لتخفيض عدد الجند في الجيش أثر سيء علي الباشا محمد علي ورجاله وخططه ومشاريعه النهضوية حيث كان الجيش هو غاية محمد علي في التطوير. ولم يكن نشر التعليم لإحداث عمليه تنوير للمصريين أو انتشالهم من الفقر والجهل، فترتب على كل ذلك قرارات بإغلاق 50%من المدارس معظمها من المدارس الابتدائية ثم توالى الإغلاق حتى أصبحت ثلاث مدارس ابتدائية فقط، وتم إغلاق المدرسة الإعدادية (التجهيزية) الوحيدة في 1842م، ولم يبقَ من المدارس العليا سوى مدرسه المدفعية وسلاح الفرسان والمشاة والبيطرية والحرف والصنائع والبحرية والهندسة والألسن والطب والمدرسة العليا بالخانكة. فيما تحولت مدرسه الألسن إلى شبه مكتب للترجمة.

 

وقد رأي أنصار هذا الاتجاه أن تجربة محمد علي كانت مزيجاً من الاستبداد والتغريب والقضاء على الهوية العربية والإسلامية، ويحمل الشيخ محمد عبده على محمد علي حملة شعواء، فينتقد منهجه وأسلوبه في مختلف نواحيه

وقد انقسم الناس إزاء تجربة محمد علي في نهضة التعليم إلى فريقين:

1-المؤيدون: يرى أنصار هذا الاتجاه أن التجربة كانت ناجحة بكل المقاييس، وكانت من نتيجتها إحداث نهضة علمية واقتصادية واجتماعية وعسكرية في مصر، امتدت إلى باقي الدول العربية وكان لها تأثيرها على نمو الحركات الإصلاحية في السلطنة العثمانية ذاتها، ويمثل هذا الاتجاه كل من: جمال الدين الأفغاني والزعيم مصطفى كامل والأمير شكيب أرسلان وجرجي زيدان وعباس العقاد. ويرى مصطفى كامل أن محمد علي أيقظ القوي الحيوية في الأمة المصرية عن طريق التركيز على ضرورة نشر الوعي بأهمية العلوم والمعارف بوصفه من المواد الحيوية لإحياء الأمم وإعلاء قدرها، فقد ألقى محمد علي إلى الأمة المصرية السلاح الذي تحارب به الجهل والرذيلة ومفتاح التقدم والرقي وآلة المجد والمدنية، أي العلم الذي أحسن استخدامه وتوظيفه فكانت له الغلبة، التي يجب أن تسعى إليها الأمة المصرية وإلا قضت على الحاضر والمستقبل.

2-المعارضون: ويمثل هذا الاتجاه كل من: الشيخ محمد عبده وتلميذه رشيد رضا وإسماعيل مظهر، ومن الباحثين المعاصرين: الأستاذ أنور الجندي والدكتور محمد عمارة.

وقد رأي أنصار هذا الاتجاه أن تجربة محمد علي كانت مزيجاً من الاستبداد والتغريب والقضاء على الهوية العربية والإسلامية، ويحمل الشيخ محمد عبده على محمد علي حملة شعواء، فينتقد منهجه وأسلوبه في مختلف نواحيه، أول هذه الانتقادات هي استبداد محمد علي في التعامل مع المخالفين له في الرأي والفكر، فكان يستعين بالجيش للتخلص من خصومه، وكان يستعين بمن يستميله من الأحزاب لسحق حزب آخر ثم يستدير على من كان معه فيتخلص منه، وعلى ذلك حتى فسد بأس الأهالي وزالت ملكة الشجاعة منهم.

وثاني هذه الانتقادات هو أسلوب محمد علي في التعامل مع الأجانب، فقد أعلى كعبهم وأغدق عليهم الوظائف ووهب لهم المكانة الاجتماعية حتى ضعفت نفوس الأهالي وتمتع الأجنبي بحقوق المواطن التي حرم منها، وهكذا اجتمع على المصري ذل الحكومة الاستبدادية المطلقة من ناحية وذل إذلال الأجانب لهم من ناحية أخرى. كما أن محمد علي لم يفكر مطلقاً في إصلاح اللغة سواء أكانت العربية أم التركية، ولم يفكر كذلك في بناء التربية على قاعدة من الدين أو الأدب، حتى الكتب التي ترجمت في شتى فروع المعرفة من تاريخ وفلسفة وأدب لم ينتفع بها الشعب المصري لأن محمد علي لم يعمل على تكوين أرضية عريضة من أبناء الشعب المصري تستفيد من هذه الكتب، والهم من ذلك أن محمد علي قد تسبب في إهمال التعليم الديني وأجبر الناس على الانصراف عنه بإلزامية التعليم مما أدى لانحصار دور الدين تدريجياً في حياة المصريين.

أما رشيد رضا فيرى أن محمد علي قد بنى ركني الثروة والقوة على أساس العلم، ولكنه أهمل بناء الأخلاق والآداب على أساس الدين وسنن الاجتماع، لذلك كان إصلاحه منقوصاً عالج ناحية وأهمل الأخرى، ويرى أن هذا الإصلاح يعد إصلاحاً صورياًّ لم يزد الأمة إلا ضرباً من الفساد وإضعاف روح الاستقلال.

 

التعليم في خدمة الإمبريالية التجربة التعليمية في عصر محمد علي (1-2)

التعليم في خدمة الإمبريالية التجربة التعليمية في عصر محمد علي (2-2)

 

 

أعلى