• - الموافق2024/04/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
فساد نتنياهو وتداعياته الداخلية والإقليمية

فساد نتنياهو وتداعياته الداخلية والإقليمية



تعجز وسائل الإعلام الصهيونية عن متابعة الوتيرة العالية التي يتم بها الكشف عن قضايا الفساد التي يشتبه أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد تورط فيها عبر استغلال منصبه. ومما يدلل على جدية قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو حقيقة أنها تطال الكثير من الجنح الجنائية التي ستجبره على الاستقالة في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده بناء عليها.

ومما لا شك فيه أن أخطر قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو تتمثل في الكشف عن محاولته التوصل لصفقة مع ميني موزيس، مالك صحيفة "يديعوت أحرنوت"، ثاني أوسع الصحف الصهيونية انتشارا تقوم الصحيفة بموجبها بتغيير خطها التحريري، بحيث تتحول إلى داعم له مقابل أن يحرص نتنياهو على تمرير قوانين تساعد الإمبراطورية الإعلامية والاقتصادية التي يملكها موزيس.

ففي حال قرر المستشار القضائي للحكومة الصهيونية أفيحاي مندبليت في النهاية توجيه لائحة اتهام لنتنياهو حول واحدة من قضايا الفساد الكثيرة التي يشتبه أنه تورط فيها، فأن هذا يفضي حتما إلى تقديمه الاستقالة، مما يعني دخول الكيان الصهيوني غمار حملة انتخابية مبكرة قد تفضي إلى تحولات جذرية بالغة الأهمية.

إن أي مسار قضائي صهيوني يفضي إلى استقالة نتنياهو لن يؤثر فقط على الواقع الداخلي السياسي الصهيوني، بل على المنطقة بأسرها.

ومما يجدر الانتباه إليه هنا أن قضايا الفساد لم تؤثر بشكل كبير على موازين القوى الحزبية بين اليمين والوسط واليسار في الكيان الصهيوني، حيث أن جميع استطلاعات الرأي العام تؤكد أن اليمين سيحافظ على أغلبيته البرلمانية.

لكن ما يمكن أن يشكل تحولا جذريا قد يؤثر على طابع الصراع بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني والمحيطين العربي والإسلامي يتمثل في أن غياب نتنياهو يمكن أن يفسح المجال أمام تولي مقاليد الحكم شخصيات سياسية أكثر يمينية تحركها الاعتبارات الأيدولوجية المستندة إلى أفكار دينية خلاصيه في نسختها الأكثر تشددا.

لا يعني هذا أن نتنياهو، الذي يتزعم ائتلاف حاكم يجمع قوى اليمين الديني والعلماني، يمثل "الاعتدال"، بل على العكس تماما، فمواقفه متطرفة. لكن ومع ذلك، فإن نتنياهو الذي يعد السياسي الأكثر تجربة من ناحية سياسية ودبلوماسية من بين الساسة الصهاينة الذين هم على قيد الحياة، يعد واقعيا ويولي أهمية كبيرة للاعتبارات الإقليمية والدولية ولا يتردد في التصدي أحيانا لنخب اليمين الحاكم التي تحاول إملاء خط أكثر تشددا على السياسات العامة للكيان الصهيوني.

من هنا، فإنه في حال اضطر نتنياهو للاستقالة، فإن هناك سيناريوهين يتعلقان بمستقبل قيادة الكيان الصهيوني. ففي حال خلف نتنياهو سياسي من تحالف القوى اليمينية العلمانية والدينية، سيما من حزب الليكود الحاكم، مع أنه لن يكون من المستبعد وفي ظروف محددة أن تتولى شخصية يمينية من خارج الليكود مقاليد الحكم، سيما رئيس حزب "البيت اليهودي" المتدين وزير التعليم نفتالي بنات.

وفي هذه الحالة، فإن القائد الجديد الذي يفقد حتما الكاريزما التي يمتلكها نتنياهو سيكون عاجزا عن لجم قوى اليمين الديني المتطرف التي تدفع الحكومة إلى سياسات موغلة في تطرفها وجنونها، سيما في كل ما يتعلق بالأنشطة الاستيطانية والتهويدية والمس بالوضع القائم في المسجد الأقصى.

 فكل قائد يخلف نتنياهو من اليمين لن يكون بوسعه مواجهة الضغوط التي تمارسها القوى الدينية اليهودية المطالبة بإحداث تحولات جذرية على الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، وفرض التقاسم الزماني والمكاني فيه كمرحلة أولى.

في الوقت ذاته فإن الحكومة الصهيونية تحت هذه القيادة ستكون متحمسة لشن الحروب والحملات سواء ضد المقاومة في قطاع غزة أو ضد المحيط العربي.

 ولا حاجة للتذكير بأن تولي دونالد ترامب مقاليد الأمور في البيت الأبيض سيساعد على توفير بيئة سياسية ضاغطة على القائد الصهيوني الجديد للاستجابة للضغوط. فترامب ومستشاروه يعلنون بشكل واضح وصريح بأنهم سيغطون بدون تردد أي قرار يصدر عن الحكومة الصهيونية بغض النظر عن مدى الضرر الذي يسببه للفلسطينيين.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في أن تتوافق قوى اليمين والوسط على تولي شخصية تمثل "الوسط" رئاسة الحكومة، حيث أن المرشح الأوفر حظا لتولي مقاليد الحكم في هذه الحالة سيكون يئير لبيد، زعيم حزب "يوجد مستقبل"، الذي تدلل بعض استطلاعات الرأي على أن حزبه سيحصد أكبر عدد من المقاعد في البرلمان القادم، مع أن هذه الاستطلاعات تؤكد أيضا أن مجموع ما ستحصل عليه الأحزاب والحركات اليمينية يفوق ما سيحصل عليه حزب "يوجد مستقبل" والأحزاب الصهيونية التي تقع على يساره.

 إن تولي لبيد مقاليد الأمور سيشكل تحديا للفلسطينيين بشكل خاص، على اعتبار أنه يجمع ميزتين خطيرتين. فهو من ناحية يتبنى لغة دبلوماسية تبدو معتدلة وقادرة على مخاطبة الغرب والمجتمع الدولي بحساسية شديدة، لكن عند تفحص مواقفه السياسية نجده لا يقل تطرفا عن قوى اليمين الأيدلوجي.

فلبيد يطالب بضم التجمعات الاستيطانية للكيان الصهيونية ويرفض الانسحاب من القدس الشرقية ومتحمس للمشاريع الاستيطانية في محيط المدينة، ناهيك عن مطالبته بالاحتفاظ بمنطقة "غور الأردن"، التي تشكل حوالي 28% من الضفة الغربية، ويرفض منح الفلسطينيين السيادة على الحدود بين الضفة والأردن.

إن أكثر ما دلل على توجهات لبيد تتمثل في إصراره على عقد المؤتمر التأسيسي لحزبه في مستوطنة "أرئيل" الواقعة جنوب غرب مدينة نابلس، في خطوة تشي بتوجهاته المتطرفة.

ولا حاجة للقول إن اللغة الدبلوماسية التي يمتاز بها لبيد وعلاقاته الدولية الواسعة والواقع العربي المزري والانقسام الفلسطيني، كلها عوامل ستحسن من قدرة الكيان الصهيوني على تسويق مواقفه المتطرفة، بشكل يقلص هامش المناورة أمام الفلسطينيين.

قصارى القول، بدون أن يتم التخطيط لذلك، فإن تداول السلطة في الكيان الصهيوني عادة ما يخلط الأوراق في المنطقة والإقليم، وهذا ما قد يحدث مجددا قريبا.

أعلى