مقتدى الصدر.. وكيل إيران في العراق

مقتدى الصدر.. وكيل إيران في العراق


يوماً وراء آخر يظهر رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر بتحركات عسكرية وإعلامية لافتةٍ وراء كل حدث يجري في العراق، ووراء كل حدث يجري يظهر كيانٌ مسلح جديد للاستقواء به على التيارات الأخرى. كيانات بدأها بجيش المهدي في 2004 كان ظاهره قتال الأمريكان وباطنه بسط السيطرة على المدن العراقية وتنفيذ تصفيات عرقية بحق السنة والأقليات الدينية الأخرى، وعندما خَفَت بريق جيش المهدي وجُمدت أنشطته العسكرية في 2008م، أعلن عن كيان آخر أسماه سرايا السلام في يونيو 2014 للدفاع عن المقدسات حسب وصف الصدر.

وقد أظهر الصدر موقفاً مقاوماً للاحتلال الأمريكي للعراق؛ بل إنه أعلن عن حكومة موازية للمجلس الانتقالي الذي أعلن عنه الاحتلال الأمريكي في العراق، وقال حينها إنه على الشعب أن يخرجَ في مظاهرات سلمية كاستفتاء على حكومة الظل الصدرية، ولكنَّ هذا الموقف المقاومَ لم يأتِ إلا بعد أن أصدر بريمر قراراً بإغلاق صحيفة الحوزة الأسبوعية الناطقة بلسان الصدر، وهو الأمر الذي أزعج الصدر وأعلن عن مقاومة الأمريكان انتفاضةً لإغلاق صحيفته وليس بسبب احتلالهم للعراق.

ومن المثير للضحك أن الصدر أعلن في أحد الأيام أنه يضع نفسه تحت تصرف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وكذلك "حزب الله اللبناني" ويرجو أن يعتبروه "ذراعهم الضاربة في العراق"، وهي رسالة يقدم فيها نفسه بالشخصية المقاومة ولإظهار مدى قوته في العراق ليس أكثر.

وبالعودة إلى سيرة مقتدى الصدر فقد ولد في مدينة النجف في أغسطس 1973 لأسرة شيعية، وقد كان والده الزعيم الشيعي المعروف محمد صادق الصدر الذي اغتيل في فبراير 1999 مع اثنين من أبنائه، وقد درس في حوزة قم، لكنه لم يحصل على درجة الاجتهاد، وهي الدرجة التي تخوله الإفتاء، ومنذ مقتل والده، يقوم مقتدى بالإشراف على الحوزة الدينية في النجف، بالإضافة إلى رئاسة تحرير مجلة "الهدى" وعمادة جامعة الصدر الإسلامية.

لم يُعرَف مقتدى الصدر في العراق على المستوى السياسي إلا بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وأصبح يظهر كزعيم للتيار الصدري، التيار الذي أصبح من أبرز التيارات الشيعية السياسية في العراق، وأصبح مشاركاً في السلطة بعدد لا بأس به من الوزارات، فضلاً عن حصول التيار الصدري على 40 مقعداً في البرلمان ، في ظل استمرار الحركات المسلحة التابعة له كجيش المهدي الذي استمر رغم تجميد نشاطه في 2008، وكذلك سرايا السلام.

كان للصدر موقف مضاد وعدائي لحكومة إياد علاوي التي شُكلت في يونيو 2004، واعتبرها حكومةً غير شرعية، لكنه كان أحد الداعمين الأساسيين لحكومة نوري المالكي خلال الفترة من 2006 - 2014م، بعدها وفي عام 2007 قرر أن يعتزلَ السياسة ويغادرَ بمحض إرادته إلى إيران كمنفى اختياري، حيث ابتعد عن المواقف السياسية، وأكمل الدراسة الفقهية في الحوزة العلمية، وفقاً لمؤيدية، ليعود مرة أخرى إلى الواجهة مع سيطرة داعش على بعض المناطق العراقية وأبرزها الموصل في يونيو 2014م.

وينظَر إلى مقتدى الصدر على أنه الوكيل السياسي والعسكري لإيران في العراق، ويرجع حصول تياره على 40 مقعداً في الحكومة إلى التدريب الإيراني على استراتيجية انتخابية، وبسبب العلاقة الوطيدة مع إيران لعبوا دوراً رئيسياً في تأمين إعادة تعيين رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وكسبوا مناصب وحقائب وزارية وإغراءات كثيرة.

وخلال أواخر شهر مارس ظهر الصدر بحركة ماراثونية جديدة، ففي الوقت الذي يشارك فيه بالحكومة بعدد من الوزراء، و 40 مقعداً في البرلمان، ويشارك أعضاء التيار في الجيش والأمن، إلا أنه بدأ بتجميع أنصاره في تحركات غامضة شعاراتها الظاهرة محاربة الفساد والاعتصام على مداخل المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد.

وبدأ الصدر في جولة صراع طويلة مع حكومة العبادي رغبة في الحصول على قسمة كبيرة من السلطة القادمة، رغم كثير من التنازلات التي قدمها العبادي إلا أن الصدر ظل متمسكاً بموقفه، وأوعز إلى المتظاهرين باستمرار الاعتصام أمام المنطقة الخضراء، إلى الحد الذي وصل بها قبل يومين إلى اقتحام البرلمان العراقي.

ويبدو واضحاً أن تلك المظاهرات التي ترفع شعارات محاربة الفساد والمطالبة بالتغيير، لم تكن إلا في إطار "التحركات الماراثونية" لخلط الأوراق من أجل الحصول على أكبر قدر من الكعكة العراقية حسب وصف الشيخ فاروق الظفيري.

ولعل الصدر وجد من خلال التعامل الناعم مع هذه المظاهرات من قبل حكومة العبادي فرصة لمواصلة الزحف على المنطقة الخضراء والتلويح بشعارات الظلم والمطالب الإصلاحية من أجل الانقضاض على السلطة مثله مثل الحوثي في اليمن حيث رفع شعار رفع الجرعة وتغيير الحكومة كبوابة للانقلاب على السلطة وهو ما حدث.

والعجيب في الأمر أن المظاهرات التي خرجت في المناطق ذات الأغلبية السنية في الرمادي وصلاح الدين والموصل وكركوك ومناطق من بغداد والأعظمية والتي طالب فيها المتظاهرون السنة بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات وإيقاف نهج الحكومة الطائفي، تمت مواجهتها بعنف مسلح من قبل قوات نوري المالكي حتى تمت تصفيتها وراح ضحيتها آلافُ القتلى والجرحى، في حين تواجَه مظاهرات التيار الصدري بالصبر والهدوء والاستقبال من قبل الشرطة والجيش، حتى شاهدنا المتظاهرين يجولون في ساحة المنطقة الخضراء على متن مدرعات الجيش.

أعلى