نظرة الشيعة الأفغان لطالبان أنها تستهدفهم، بينما واقع الحال يقول إن طالبان أرادت التوافق مع جميع المكونات للشعب الأفغاني سواء كانت مكونات عرقية او مذهبية
"الفراغ وصفة لحرب جديدة"
هذا ما صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، معلقا على الفراغ الذي سيتركه
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان المتوقع اكتماله مع نهاية شهر سبتمبر القادم.
ولكن ما الذي يقصده ظريف بهذه الحرب؟ هل يقصد بالتحديد أن الانسحاب الأمريكي سيسفر
عن حرب جديدة يحتمل أن تخوضها إيران في أفغانستان؟
هل تريد إيران أن تكرر النموذج العراقي في أفغانستان: أي تحالف أمريكي ايراني
لإسقاط الحكم السني ثم تدفع بشيعة أفغانستان إلى السيطرة والحكم؟
ولكن ما يضعف هذا السيناريو ما بادرت به جماعة طالبان حتى من قبل اكتمال الانسحاب
الأمريكي، بملء الفراغ والسيطرة على العديد من المقاطعات الأفغانية.
والذي لا شك فيه أن عودة طالبان تمثل بالنسبة لإيران التهديد الأخطر الذي يمكن أن
ينتج عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ويمكن إدراك ذلك من خلال زاويتين: الأولى
الوجود الشيعي في أفغانستان، والثانية تاريخيا.
الوجود الشيعي في أفغانستان
نظرا لأنه لم تجر إحصائية وتعداد سكاني لأفغانستان منذ وقت طويل، فإن نسبة الشيعة
في أفغانستان غير معروفة بدقة حيث تبالغ مراكز الدراسات بأعداد الشيعة ويرتفعون
بنسبتهم إلى 20 و30%، بينما تتحدث مصادر مستقلة عن أن نسبتهم تكاد تصل في أعلى
حالتها إلى ما يقرب من عشرة في المائة من تعداد السكان.
ويتركز الانتشار الشيعي في أفغانستان في منطقة هيرات في وسط أفغانستان حيث تتواجد
قومية الهزارة.
ولم يكن للشيعة أي وجود سياسي في أفغانستان ولكن غداة الاحتلال السوفيتي وقبل
انسحابه شكلوا فصيلا مسلحا للحصول على جزء من كعكة الحكم بعد الانسحاب السوفيتي،
ولكن سرعان ما اندلعت الحرب بين الفصائل الأفغانية، ثم ظهرت حركة طالبان.
ومع اندلاع الحرب في سورية إثر مساندة إيران لبشار الأسد ضد شعبه، جرى تدريب
مجموعات من الهزارة الأفغان ليتم تشكيل لواء فاطميون تحت اشراف قاسم سليماني قبل
مقتله، وربما تستخدمه ايران في الأيام القادمة كذراع لها في أفغانستان.
وعن علاقة طالبان بالشيعة يقول أحد الشيعة المعممين في طهران ويدعى مسعود نورزي،
ويطلق على نفسه ناشط اجتماعي: إن تهديدات طالبان للهزارة الشيعة في أفغانستان، لا
تستهدف مجموعة عرقية صغيرة في أفغانستان، بل ان طالبان تنظر إلى كل شيعي بأنه
هزارة، فالشيعي الفارسي الذي في طهران او التركي في تبريز او العربي الذي في كربلاء
والنجف وبيروت وصنعاء، كلهم هزارة عند طالبان ويجب محاربتهم.
هذه هي نظرة الشيعة الأفغان لطالبان أنها تستهدفهم، بينما واقع الحال يقول إن
طالبان أرادت التوافق مع جميع المكونات للشعب الأفغاني سواء كانت مكونات عرقية او
مذهبيةـ، ولكنها كان تقف بالمرصاد وترفع العصا على كل مكون يحاول أن يستقوى بجهات
خارجية سواء كانوا طاجيك أو أوزبك أو هزارة شيعة.
تاريخ العداء الإيراني الطالباني
في عام 1994 قامت حركة طالبان باجتياح أفغانستان لتحرير أرضها من فوضى الميلشيات
وأعمال النهب والسرقة والتي جاءت في أعقاب الانسحاب السوفيتي منها، وتوالى سقوط
المدن الأفغانية حتى جاء عام 1998، عندما نجحت قوات طالبان في دخول مدينة مزار شريف
شمالي أفغانستان والتي كانت معقلا للتحالف الشمالي المعارض لطالبان والذي كانت
تؤيده إيران، وبعد عدة أيام تعرض 11 دبلوماسيا إيرانيا ومراسل وكالة الأنباء
الإيرانية الرسمية لهجوم في القنصلية الإيرانية واختفوا فيما بعد، حينها أشارت
تقارير غير رسمية من المدينة إلى مقتل جميع هؤلاء الرجال. وقال المتحدثون باسم
طالبان إن الإيرانيين قتلوا على أيدي القوات المنشقة التي تصرفت دون أوامر، ولكن
يبدو أن قوات طالبان اعتبرتهم خبراء وجواسيس يدربون ويوجهون الخطط الحربية ضد
طالبان.
وقد أدى هذا الحادث إلى إثارة ضجة قوية في إيران، وتصاعد الغضب الشعبي مطالبين
الحكومة برد عسكري على مقتل الدبلوماسيين، وإن كان النظام الإيراني غاضبا لأسباب
أخرى تتعلق بفقد النفوذ في أفغانستان، والتي تمثل الحديقة الخلفية لإيران وعمق
استراتيجي لها لصالح طالبان القوة السنية الصاعدة. وفي ذلك الوقت، تم نشر أكثر من
70 ألف جندي إيراني على طول الحدود الأفغانية، وأخرج حينها الحرس الثوري الإيراني
بيانا متشددا قال فيه إنه يجب اعطاء طالبان ما تستحقه من عقوبة، وأن هؤلاء
المتعصبين (يقصد طالبان) لن يكونوا محصنين أبدا من الغضب المزلزل الإيراني، بل إن
رئيس البرلمان الإيراني في ذلك التوقيت هاشمي رافسنجاني صاح في خطبة الجمعة في
جامعة طهران: أقدم التعازي لأسر الشهداء وأعدهم بأننا سننتقم من دمائهم، بينما كان
الغوغاء الشيعة يهتفون في هذه الخطبة قائلين الموت لطالبان.
وظن الجميع أن إيران ستدخل في حرب مفتوحة مع طالبان التي حشدت قواتها هي الأخرى على
الحدود مع إيران استعدادا لتلك الحرب، وبدأ كل من إيران وطالبان في حرب كلامية
وتهديدات مباشرة، لدرجة أن طالبان حينها هددت باستهداف الأراضي الإيرانية، إذا قامت
طهران بأي ضربة عسكرية ضد الجماعة في أفغانستان.
ولكن إيران كعادتها سرعان ما كتمت انتقامها خاصة أنها كانت تدرك جيدا ان باكستان
القوة النووية لن تسكت على ضرب حليفتها طالبان، وستدخل في حرب مع إيران وميزان
القوى وقتها كان يميل لباكستان.
وعادت إيران بعدها في عام 2001 لتنفذ انتقامها وتتحالف مع أمريكا في اجتياحها
لأفغانستان واسقاط طالبان، ويخرج نائب الرئيس الايراني وقتها قائلا متباهيا: لولا
إيران ما سقطت كابول وبغداد.
ولكن ماذا حدث في السنوات الأخيرة وكيف تطورت العلاقة بين الطرفين؟
ولكن تغير البيئة الإقليمية والدولية كان له تأثير على الموقف الإيراني من طالبان،
وهذا ما لخصه جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في عام 2019 في لقاء متلفز مع قناة
هندية حيث قال بالحرف: إنه من المستحيل ألا تلعب طالبان أي دور في الحكومة
الأفغانية المقبلة لكن في الوقت نفسه، شدد على ألا تكون حركة طالبان هي المهيمنة
على حكم أفغانستان.
كذلك صدرت بعض التقارير في الصحافة الغربية تتحدث عن دعم ايراني لمقاتلي حركة
طالبان، ومن بين هذه التقارير ما قالته صحيفة التايمز البريطانية في عام 2018 أن
أفضل مقاتلي طالبان يتدربون في إيران، ونقلت الصحيفة عن قيادي في حركة طالبان قوله
يتم تدريب من 500 إلى 600 منا على مستويات مختلفة، التدريبات تشمل تقنيات القتال
ومهارات القيادة والتجنيد واستخدام الأسلحة وصنع القنابل، كل المدربين من القوات
الخاصة الإيرانية، ويعاملوننا بشكل جيد.
ثم تسارعت العلاقة بينهما مع قرب تطبيق أمريكا اتفاقية الانسحاب من أفغانستان في
محاولة لكل من طالبان وإيران الاعداد لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، ففي يناير
الماضي أي قبل نحو خمسة أشهر، تم استقبال وفد من حركة طالبان من قبل مسئول رفيع
المستوي في إيران، وهو وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والتقى الوفد بعدها بالسكرتير
العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الذي أشاد بالحركة وموقفها
من قتال الولايات المتحدة.
ولكن كيف نفسر تلك العلاقات بين إيران التي لا تريد أي مشروع سني ينافسها في
المنطقة بل تسعى لزعزعة وخلخلة أي مؤسسة أو دولة سنية تناوئ المشروع الشيعي الذي
ترعاه إيران في المنطقة؟
هناك عاملان دفعا إيران إلى مخاطبة ود طالبان:
العامل الأول هو محاولة استخدام طالبان كورقة سياسية محسوبة في صفها وككارت تزيد به
من وزنها في صراعها مع الولايات المتحدة وإسرائيل اللذان يسعيان لتحجيم النفوذ
الإيراني في المنطقة، وجعله في إطار وظيفي لمنع أي قوة سنية من الصعود وليس لزعامة
المنطقة.
أما العامل الثاني فيتمثل في أن إيران تريد نوعا من المصالحة مع كل الأطراف
المتصارعة داخل أفغانستان لضمان أمنها القومي، ولا يكون هذا البلد الممزق مصدرا
لتهديد هذا الأمن، والعلاقة مع طالبان التي يتوقع الجميع أنها ستستحوذ على معظم
الأراضي الأفغانية الشهور إن لم تكن الأسابيع التي تعقب الانسحاب الأمريكي.
ولكن سرعان ما انهارت تلك العلاقة الهشة المصلحية مع تصاعد وتيرة الضغوط الأمريكية
على طالبان، فقد صرح قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي في أفغانستان قائلا: إن
واشنطن طلبت من جماعة طالبان قطع العلاقات مع إيران.
ولكن هناك استياء أمريكي من تحركات طالبان العسكرية، والتي تركزت على الشمال
الأفغاني لقطع تواصل الأقليات الأفغانية مع جمهوريات وسط آسيا، التي شكلت في السابق
حديقة خلفية لروسيا وإيران عدوتي طالبان، وهو ما أدى إلى انتكاسها في البداية
وتكبدها خسائر كبيرة كما يقول الخبير في الشأن الأفغاني أحمد موفق زيدان.
لذلك تحمل الأيام القادمة نوعا جديدا من التحالفات الإقليمية والدولية مع الأقليات
العرقية والشيعة ضد طالبان، لوقف تمددها واجبارها إما على الخضوع للإملاءات
الخارجية والمشاركة في الحكم، أو القبول بوضع أشبه بالفوضى والقتال.