إعلان القائمة السوداء بين القلق الصهيوني والترحيب الفلسطيني

إعلان القائمة السوداء بين القلق الصهيوني والترحيب الفلسطيني


نشر مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في 12 شباط / فبراير تقريرا يضم قائمة بأسماء 112 شركة تمارس أنشطة في المستوطنات الإسرائيلية التي يعتبرها القانون الدولي غير قانونية، تضم جميع الشركات المصرفية الصهيونية، وبنك هبوعليم، ومحطة قطارات "إسرائيل"، وشركة بيزك للكهرباء، وشبكة رامي ليفي التجارية وشركات الهواتف المحمولة والاتصالات، كما تضم شركة بوكينج كوم الهولندية، الخاصة بحجز الغرف والفنادق عبر الإنترنت إضافة للشركات الأميركية الناشطة في مجال السياحة: تريب أدفا يزر، وإير بي إن بي، وإكسبيديا وتريب أدفا يزور، وشوفرسال، الأمر الذي اعتبره مسئولون صهاينة قرارا يلقي بتبعاته الاقتصادية على هذه الشركات الكبرى وعلى اقتصاد دولة الكيان برمته.

يأتي التقرير تلبية لقرار أصدره، مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2016 وطلب فيه قاعدة معلومات عن كل الشركات التي تمارس أنشطة خاصة مرتبطة بالمستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد قام المجلس بمراجعة أكثر من 300 شركة، ورست القائمة التي نشرت على 112 شركة، تبين أن هناك أسبابا منطقية للقول بأنها ضالعة في نشاطات خاصة عديدة تمت الإشارة إليها في القرار الصادر في العام 2016. وأن جمع البيانات كان عملية صعبة ودقيقة اشتملت على مناقشات واسعة مع دول ومؤسسات فكرية وأكاديميين.

بعد إعلان القائمة، أعلنت دولة الكيان رفضها للقائمة، واعتبرت في بيان لوزير خارجيتها يسرائيل كاتس أنه استسلام مخجل للدول والمنظمات التي مارست ضغوطا من أجل الإضرار بدولة الكيان. كما أعلنت تجميد علاقاتها مع مجلس حقوق الإنسان.

وقال مسئولون صهاينة "إن القائمة ستستخدم لتبرير مقاطعة واسعة النطاق لعمل القطاع الخاص في دولتهم"، وشككوا بشكل كبير في شرعية مجلس حقوق الإنسان، لكن السؤال يبقى حول التأثيرات المرتقبة على هذه الشركات وأعمالها، ومدى قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ قرارها وعدم الرضوخ للضغوط الأمريكية والصهيونية، مع أن القائمة التي ضمت 112 شركة تشمل عددا من كبريات الشركات التجارية الصهيونية العاملة فيما وراء الخط الأخضر. منها 94 شركة صهيونية، و18 شركة من 6 دول أخرى.

معظم الشركات الواردة أسماؤها في القائمة السوداء أصدرت بيانات رافضة لها، معلنة استمرار عملها داخل الضفة الغربية والقدس، وعدم وجود نوايا لنقل مقارها إلى داخل دولة الكيان.

مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مايكل لينك، رحب بنشر "قائمة سوداء" بأسماء الشركات العاملة بشكل غير قانوني في المستوطنات الصهيونية بالضفة الغربية والقدس الشرقية، واعتبر عبر بيان له في 14 شباط / فبراير، "أن نشر المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أسماء الشركات العاملة مع المستوطنات خطوة أولى مهمة نحو ضمان المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب"، حيث يعتبر المجتمع الدولي بأغلبية ساحقة المستوطنات غير شرعية، ويستند إلى اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع سلطة الاحتلال من نقل إسرائيليين إلى الأراضي المحتلة.

الخارجية الفلسطينية أشادت بتقرير مجلس حقوق الانسان حول نشره لهذه القائمة السوداء، وحثت المجتمع الدولي على الضغط على تلك الشركات لقطع صلتها بالمستوطنات. وذكرت في بيان نشره مكتب وزير الخارجية رياض المالكي: أن "نشر هذه القائمة للشركات والجهات العاملة في المستوطنات انتصار للقانون الدولي". وحث الوزير الدول الأعضاء بالأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بالمنظمة الدولية على توجيه تعليمات لهذه الشركات بأن تنهي عملها فورا مع منظومة الاستيطان.

أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات أوضح أن فلسطين ستبادر إلى ملاحقة هذه الشركات قضائيا في المحاكم الدولية، وستقوم بتسليم رسائل رسمية للدول التي تنتمي إليها هذه الشركات العاملة في المستوطنات، الواردة في قائمة مجلس حقوق الانسان، لمطالبتها بتعويضات على خلفية استغلالها للموارد والأرض الفلسطينية. وإغلاق مقارها وفروعها وإنهاء أنشطتها التجارية والاستثمارية في المستوطنات.

من المعلوم بأنه لن تكون هناك تأثيرات فورية لإصدار القائمة السوداء على العوائد المالية والاقتصادية للشركات، لكن هذه الخطوة من مجلس حقوق الإنسان أحدثت هزة في دولة الكيان، فيما فتحت آفاق جديدة لمحاسبة هذه الشركات أمام المحاكم الدولية، وتوسيع أنشطة الحملة العالمية لمقاطعة "إسرائيل"  BDS .وستعطي دفعة قوية لمعارضي دولة الكيان حول العالم للاعتماد عليها من الناحية السياسية، وإمكانية صدور خطوات إضافية، ما يتطلب من الصناعيين ورجال الأعمال الصهاينة التجهز لذلك الخيار، وتقديم الحقائق المادية أمام دوائر صنع القرار الصهيوني بصورة مسبقة.

إن إصدار الأمم المتحدة قائمة بشركات عاملة في المستوطنات، بعد أربع سنوات من الضغوط الأميركية والصهيونية يعد انتصارا للحق الفلسطيني وللقانون الدولي، في الوقت الذي يعتزم فيه نتنياهو ضم المستوطنات بدعم مع من إدارة ترامب، في محاولة لتدمير الشرعية الدولية، وخلق نظام دولي جديد يستند إلى سيطرة القوة والأحادية.

 

 

أعلى